24‏/11‏/2019

هل للقلق منافع؟ الجزء الأول- عن مجلة التايم

بإمكانه أن يصيبك بالشلل، أو أن يكون سبباً في نجاحك. العلم الحديث يكشف المزيد عن الجانب المشرق للقلق.
Illustration by Serge Bloch for TIME.
Illustration by Serge Bloch for TIME.
 منذ بدايات استكشافهم للمنطق، لطالما لمس الفلاسفة والشعراء منافع القلق. فشبهه سورين كيركجارد بأنه “دوار يصيب العقل”، وهو “خادم الإبداع” كما قال تي إس إليوت، و”بداية الضمير” كما لاحظت الروائية أنجيلا كارتر. استخدمه الممثلون وراء ستارة المسرح لاستحضار طاقات وقوة لا متناهية لتأدية أدوارهم، كذلك فعل العداؤون في المضمار موجدين لأنفسهم ينابيع من الهورمونات مستمدة من خوفهم من الفشل، فحققوا أوقاتاً لم يصلوا إليها في تمارينهم.
 أما بالنسبة لنا، فعندما يكون السباق سباقاً للوصول إلى العشاء دون تعكير مزاجنا، أو دون فقدان عملنا، أو دون فقدان صوابنا نتيجة التوترات التي نواجها، فإن أحداً منا لا يود أن يتخذ من القلق صديقاً. فحياتنا اليومية فيها بكل الأحوال ما يكفي من الأسباب لجعل الأدرينالين يضرب على عقولنا. كل هذا ولم نذكر بعد مشاكل الازدحام، والركود الاقتصادي، والحروب، والتهديدات الإرهابية، وتقلبات الطقس.
 “إن عدم القدرة على معرفة ما ينتظرنا في المستقبل، والشك، وعدم قدرتنا على التحكم بالأمور، كلها أمور تثير لدينا القلق تلقائياً، إنها إشارة لخطر داخلي أو خارجي يحيط بنا”. تقول سالي وينستون، مديرة معهد القلق والاضطراب في ماريلاند.
تتضمن اضطرابات القلق بشكل عام، اضطراب الوسواس القهريobsessive-compulsive disorder OCD، والفوبيا، واضطراب الذعر panic disorder ، القلق الاجتماعي social anxiety، اضطرابات ما بعد الصدمة posttraumatic stress disorder PTSD . وهي من أكثر الأمراض العقلية انتشاراً في الولايات المتحدة، فهي تؤثر على 18% من السكان، أي  على 40 مليون شخص أمريكي بالغ. وليس فقط البالغون هم من يعانون، فالفوبيا  والحالات المرضية الأخرى يمكنها أن تصيب الأطفال، ويمكنها أن تصيب التلاميذ الذين يتقدمون للجامعات، أو الذين يحضّرون للامتحانات النهائية، أو من دخلوا سوق العمل حيث التنافس على أشده، جميعهم لديها أسبابهم للقلق مثلهم مثل أبائهم وأجدادهم.
 يتسبب الإفراز المفرط لهرمونات القلق بإنهاك الجسد، ويضغط على الحمض النووي DNA  الذي يحافظ على استمرارية انشطار الخلايا وعلى حياتها الطويلة، كما يضيّق على الأوعية الدموية، ويسبب ارتفاع ضغط الدم. وحتى الأجساد المنيعة تتأثر به، لأنه يتسبب في عدم إنتاج كريات الدم البيضاء التي تتجول باحثة عن الباكتيريا والفيروسات بالمعدلات الطبيعية اللازمة لمكافحة المرض. لهذه الأسباب بالذات لطالما ارتبط القلق والتوتر بالسكتات والذبحات القلبية، واضطرابات المناعة، والسمنة، والعقم، وغيرها.
 هناك علاجات نفسية فعالة للقلق والكثير من الأدوية التي تساعد على التخفيف من حدته. لكن إذا أخذنا بالاعتبار أن عدد الأمريكين الذين يعانون من القلق يماثل عدد سكان الأرجنتين، لا شك عندها أن هناك ثغرة في معرفتنا الطبية. الخبر الجيد هنا هو أنّ العلم بدأ يملأ هذه الثغرة. فتكنولوجيا المسح الجديدة Scanning Technology تظهر كيف يتسبب القلق بإنهاك العقل (حيث تستطيع البحوث على الجهاز العصبي  التمييز بيت الأشكال المختلفة للاستجابة الناجمة عن التوتر، وتدرس الطرق المختلفة لإيقاف كل منها). كما أن هناك دراسات تجري على الدم تستكشف كيف تحدد التفاعلات الكيميائية التي يسببها التوتر طبيعة وحدّة استجابتنا لموقف ما. ثم تأتي الخارطة الجينية لتخبرنا القصة المعقدة لمكان تموضع التوتر على المجينات genome (وهي مجموع الجينات في الكائن)، ما يساعد في تحديد أي منها قد يكون واقعاً تحت خطر كبير، ومما يعطي فرصة للتدخل المبكر الذي قد يمنع الشقاء لاحقاً.
 ولا يعني هذا أن كل أنواع التوتر يجب محاربتها. فهناك أنواع يجب تبنيها، لا بل والاحتفال بها. فعند إفرازها بالكم الصحيح، يمكن للهورمونات التي تسبب القلق أن تدفع بحواسنا لأداء وظيفتها بدقة. هناك في الواقع منحنى معروف لدى علماء النفس يُظهر بشكل جميل العلاقة بين القلق والأداء، يأخذ هذا المنحنى شكل جرس يصعد باستمرار ويتبعه على نفس الخطى ارتفاع في التوتر والقلق الذي يصاحب الأداء المتميز ذو المستوى الرفيع. وقمة القوس (وهي المكان الذي تنسجم فيها أنظمة الجسم مع بعضها انسجاماً تاماً، وتكون الحواس متيقظة، ونستطيع بكل وضوح استدعاء كل ما تعلمناه) ،هي بالضبط اللحظة التي يتعلم أصحاب الأداء الرائع كيف يستغلونها أحسن استغلال لتحقيق ما كانوا  يرونه مستحيلاً.
لذا فالموضوع لا يتعلق بمدى القدرة على عدم الشعور بالقلق، لكنه يكمن في تعلم طرقِ لإدارة القلق. فالقلق في حد ذاته ليس مفيداً ولا ضارا” تقول وينستون. ” لكن استجابتنا للقلق هي التي تحدد كونه ضاراً أم نافعاً”.
ويشير أطباء النفس إلى هذه الفكرة الواضحة والصريحة، بأنها الفرق بين قلق سببه تحدٍ يواجهنا، والذي بإمكانه إشعال نار المنافسة فينا، أو قلق ناجم عن شيء يهددنا، والذي يتسبب بغمر روح المنافسة فينا بسرعة. في أغلب الأوقات، نشعر كأن عقلنا يقوم بالاختيار بنفسه دون استشارتنا، لهذا ما نحتاج تعلمه هو أن نتعلم الحفاظ على هدوئنا والأهم أن نكون نحن المسيطرون.
نشرت النسخة الأصلية من هذه المقال باللغة الإنجليزية في العدد المطبوع من مجلة التايم الأمريكية بتاريخ 5 ديسمبر 2019.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اهلا بك وتشرفنا بزيارتك وتعليقك الكريم
سنقوم بالرد على سؤالك فى خلال وقت قصير ان شاء الله
ويمكنك التواصل معنا على رقم الواتس
00966558187343
او زيارة صفحتنا على الفيس بوك https://www.facebook.com/LouaiHassan.HR
وترك تعليقك فى الخاص وسنقوم بمساعدتك فورا
مع اجمل التحيات والامنيات بحياة سعيدة مباركة

مشاركة مميزة

الابتكار التدميري (Disruptive Innovation) : محرك التغيير في عالم الأعمال

  مقدمة في عالم الأعمال اليوم، يتزايد الحديث عن الابتكار التدميري (Disruptive Innovation) كقوة محركة للتغيير والتحول في القطاعات المختلفة. ي...

الأكثر مشاهدة