كل الشركات مهتمة باكتشاف ما يقنع الزبائن والمستهلكين ويؤثر عليهم، ولتحقيق ذلك هناك طرق متنوعة لاستنباط المعلومات، أسهلها وأكثرها شيوعاً يكون ببساطة من خلال سؤالهم. ويتخذ السؤال أشكالاً عديدة: فيمكن مثلاً سؤال الزبائن أثناء لقاءٍ مباشر معهم، أو يمكن دعوتهم للمشاركة في مسح أو استبيان على الإنترنت. أو يمكن استئجار خدمات شركة مختصة في مجال بحوث السوق لتقوم بالاستبيان وإجراء جلسات مركزة مع الزبائن بالنيابة عنك.
لكن بغض النظر عن طريقة السؤال، عليك إدراك مشكلة جوهرية مرتبطة بسؤال الناس عن ماذا يقنعهم ليقوموا بالتغيير، وهي أنهم في أغلب الأوقات لا يعرفون الإجابة. والسبب في ذلك لا يعود إلى امتناعهم عن الإجابة، بل على العكس، فهم سيقدمون العديد من الإجابات، لكن المشكلة هي في أنّ هذه الأجوبة التي يقدمونها على الأغلب غير صحيحة. وإليك السبب.
في حياتنا الغارقة في كم هائل من المعلومات إلى جانب إلهاءات لا حصر لها تشتت تركيزنا، نتخذُ الغالبية العظمى من قراراتنا خارج مجال وعينا، مدفوعين للقرارات بسياق الأحداث أكثر منه بدافع المعرفة. ولذلك فسؤال شخص ما أن يحدد الأمر الذي سيؤثر عليه في المستقبل يكون كمن يقول: “أخبرني كيف كنت ستتصرف في المستقبل عندما لا تفكر بما أسألك عنه الآن؟”
قدّم عالما السلوك فيز ستشولز وروبرت كيالديني إثباتاً قوياً عن السبب وراء كون سؤال الناس أن يخمّنوا ما سيؤثر في قراراتهم المستقبلية وسلوكهم سؤالاً غير ذي جدوى، فقد قام الباحثان ضمن مجموعة من الدراسات بسؤال عدة مئات من السكان في كاليفورنيا أن يتوقعوا أي من الرسائل الأربعة التالية قد تكون أكثر نجاحاً في إقناعهم بالعمل على لترشيد استهلاك الطاقة وتخفيض الاستهلاك الكلي: 1) ترشيد استهلاك الطاقة يساعد البيئة، 2) ترشيد استهلاك الطاقة يحمي الأجيال القادمة، 3) ترشيد استهلاك الطاقة يوفر المال، 4) أغلب جيرانكم قاموا بترشيد استهلاكهم من الطاقة.
اعتبر الأشخاص الذي عرضت عليهم الرسالة الرابعة التي تخبرهم بما يقوم به جيرانهم، أنها الرسالة الأقل قدرة على التأثير في سلوكهم. لكن، عندما أُخذت قراءات عدّادات الاستهلاك، اكتشف الباحثون أنها الرسالة الأكثر تأثيراً في تغيير السلوك، حتى مع إنكار الناس لتأثيرها عليهم. فرغبتنا في تقليد جيراننا تبقى حقيقة عالمية وتلقائية. مثلاً، أظهرت دراسات حديثة أنه بدلاً من تهديد من يتخلّفون عن دفع الضرائب بالغرامات التي ستترتب عليهم، سيكون أجدى وأكثر فعالية إخبارهم ببساطة بأن أغلب القاطنين في حيّهم قاموا بدفع مستحقاتهم. لو فعلت الحكومات هذا ستحصّل ملايين إضافية من أموال الضرائب.
وفي الحقيقة، نحن لا نعاني فقط من سوء تقدير ما يمكنه التأثير علينا في المستقبل، بل إننا أيضاً غير بارعين في معرفة السبب ما أدى لإقناعنا بعد وقوع الحدث. في دراسة شهيرة أجريت في محطة لقطار الأنفاق في مدينة نيويورك، وبعد إحصاء نسبة المارّة الذين يقدّمون المال لأحد الموسيقيين الجوالين بينما يمرون بجواره، قام الباحثون بتغيير بسيط على الموقف: فور اقتراب أحد المشاة من الموسيقي، يأتي شخص آخر (من الطاقم المشارك في البحث) ويلقي ببعض النقود في قبعة الموسيقي. ماذا كانت النتيجة؟ ازداد عدد المتبرعين ثمانية أضعاف. عند سؤال المتبرعين عن السبب الذي دفعهم للتبرع فشلوا جميعهم في نِسبة ما قاموا به إلى حقيقة أنهم رؤوا شخصاً آخر يقدّم النقود للموسيقي قبل لحظات من مرورهم، وفضّلوا بدل ذلك إرجاع ماقاموا به لأسباب أخرى (غير صحيحة) من قبيل: ” أحببت الأغنية التي كان يعزفها”، “أنا كريم”، أو ” شعرت بالشفقة عليه”.
يقودنا هذا إلى نتيجة قد تبدو لأول وهلة متعارضة مع ما هو بديهي فعله عندما نريد الوصول إلى قلب الدافع الذي يحرك قراراتنا وسلوكنا، وهي “توقف عن الاستماع لزبائنك”، وحتى نجعل هذه الرسالة الرنانة مفيدة أكثر سنضيف إليها: “وابدأ بمراقبتهم بدل ذلك”.
فقد أظهرت إحدى الدراسات أن لفت نظر نزلاء الفندق إلى أن معظم الضيوف الذين نزلوا في الفندق قبلهم قد أعادوا استخدام نفس المناشف والبياضات خلال فترة إقامتهم، يؤدي إلى زيادة إقبالهم على إعادة استخدامها هم أيضاً، موفرين بذلك على الفندق الكثير من المال الذي ينفق على أعمال الغسيل. نتيجةٌ كهذه، لن تستطيع أبحاث التسويق أو الاستبيانات التوصل إليها مهما كثرت وتكررت، وأنا على ثقة تامة بأنّ أغلب نزلاء الفنادق لا يفكرون بأبداً بعادات من أقاموا في الفندق قبلهم. وهذه النتيجة لم تأتي من الاستماع للزبائن بل من مراقبتهم.
أصبح المغزى واضحاً الآن، بدل وضع أسئلة للناس تسألهم كيف سيتصرفون، قم بدل ذلك بإعداد تجارب صغيرة في مكان تواجد الزبائن تقوم أنت بالتحكم بها، تراقب من خلالها كيف يتصرفون. ستكون هذه التجارب أقل تكلفة من بحوث السوق التقليدية، و ستوفر مع ذلك نظرة عميقة قد تكون السبب في إعطاء أعمالك دفعة تضعك أمام منافسيك في السوق.
نُشِرَت النسخة الإنجليزية من هذه المقالة التي أقدمها لكم اليوم بالعربية، في موقع مجلة هارفرد بزنس ريفيو الشهيرة التابع لجامعة هارفرد. كاتب المقال هو ستيف مارتن أحد المشاركين في كتاب “نعم. 50 طريقة مثبتة علمياً لتكون مقنعاً” أفضل الكتب مبيعا بحسب النيويورك تايمز. وهو مدير influence At Work.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بك وتشرفنا بزيارتك وتعليقك الكريم
سنقوم بالرد على سؤالك فى خلال وقت قصير ان شاء الله
ويمكنك التواصل معنا على رقم الواتس
00966558187343
او زيارة صفحتنا على الفيس بوك https://www.facebook.com/LouaiHassan.HR
وترك تعليقك فى الخاص وسنقوم بمساعدتك فورا
مع اجمل التحيات والامنيات بحياة سعيدة مباركة