لماذا نرى أن الوليد يلجأ للاختباء والغوص عند ثديي أمه؟ لماذا نراه يلمسها ويتحسسها كحبيب يخاف الفراق؟ لماذا لا يقبل بأن تبعد عنه ولو لثوان، ويحسُّ بالخطر والتهديد في حال الاجتماعات أو حتى عندما يقترب منها أبيه أو حتى إخوته؟ أنانية الطفل تجاه أمه هل هي نابعةً من سلوكٍ فطري أم أن الغريزة الجنسية هي التي تدفع الطفل لذلك؟
كثيراً ما نسمع عن عقدة اوديب ومنعكساتها على الإنسان عموماً والطفل خصوصاً، ولكن الذي لا نعرفه ونجهله هو أن هذه العقدة هي تجسيد لعلم نفس الأعماق الذي أتى على ذكرها سغموند فرويد في كثير من كتبه وتحليلاته وتوصيفه للأمراض.
فلسفات اللاشعور كانت في غاية العطاء والخصوبة في الميدان السيكولوجي خاصةّ. ولقد أكدت هذه الفلسفات على أهمية قوّة لا شعورية تُوجه النشاطات الواعية، وبينت هذه الفلسفات أيضاً أن اللاشعور يدعم ويعزز الحياة الواعية عند الإنسان وتأخذ الحياة اللاشعورية في إطار هذه الصيغة طابع الغريزة. كثيراً ما نخطئ بالاعتقاد بأنه لا يوجد غريزة جنسية لدى الأطفال ولا يوجد لهم ميول نحو الجنس الآخر. نعم … لديهم غريزة وغريزة قوية ونستدل على ذلك بحرص الطفل على الرضاعة.
يقول فرويد: “إنّ الأسباب الحقيقية لأفعالنا ليست معروفة دائماً وذلك مهما تبدت لنا واضحة عند الضرورة”. إن دراسات وأبحاث فرويد والتي أتت مركزة على علم نفس الأعماق الذي كان له الباع والفضل في ابتكاره وترسيخ دعائمه تؤكد أن أيّ إنسان ومهما بلغت درجة اتزانه ومهما كانت ظروف حياته سويّة ومستقرة وليست عرضة للتقلبات، فلا بد وأن يتأثر بشكلٍ أو بآخر بدرجاتٍ مختلفةٍ حتماً باللاشعور الكامن داخل كلٍ منّا. وهذا الذي يفسر ويوضح لنا بعضاً من التصرفات الغامضة التي لا نجد لها شرحاً لأذهاننا.
يولد الطفل يكبر يوماً بعد يوم صحيح لكن ماذا يجري خلال تلك الفترة؟
مراحل عقدة اوديب
إذا ما تمعّنا في الأطفال وراقبناهم عن كثب سنلاحظ تعلّقهم الشديد بوالداتهم. إنّ حبّ استئثار الطفل لأمّه ما هي إلا نتيجةٍ لعقدة اوديب التي توجد تلقائياً عند كل الأطفال على حدٍّ سواء. نراه يلتصق بها ويمنع أياً يكن أن يقترب منها حتى أبيه. يتعلق بثدييها ويعتبرهما ملكه الخاص وله – وفقط له – الحق بها وبهما.
لقد أكدت نتائج الأبحاث التجريبية الطابع العلمي لمفهوم اللاشعور ولاسيّما في مجال الأبحاث الطبية، وبدأت الاهتمامات الطبية في هذا المجال منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر بعد أن أكد فرويد ومن تبعه علميتها وصحتها.
كما تروي الأسطورة اليونانية التي نسمع عنها كثيراً على إنه قُدر لأوديب أن يقتل أباه ويتزوج أمه. وهذه الأسطورة شكّلت ركيزة فرويد في تفسيره للرغبة الجنسية عند الأطفال نحو الجنس الآخر من الأبوين، والتي تُصاحب مشاعر كراهيةٍ وغيرةٍ وحقد ضد الأب من الجنس نفسه. حبّ الأم وكراهية الأب هما الشعوران المركزيان في عقد أوديب. يريد الطفل أن يمتلك أمه وحده دون شريك له بها، بالتالي فإنّ مجرد وجود الأب يهدد علاقة الأم مع الطفل ويسبب له الألم والحزن. وكذلك الفتاة التي تعتبر وجود الأم مصدر ثُقلٍ وتعبٍ لها باعتبارها أنها تاخذ منها أباها وحدها.
ويستمر الطفل في هذا الوضع إلى أن يصل إلى مرحلة البلوغ وهنا يأخذ المنحنى بعكس اتجاهه، ويكون وضع الطفل مع أبويه مختلف كلياً عما قد مرّ به. تتم مرحلة الانتقال، آنذاك يستطيع أن يكفَّ الطفل أن يكون كذلك وينتقل لمرحلة كينونته ليصبح عضواً في جماعة.
وهنا يعيد الطفل البالغ حالياً نسج علاقاته بأن يتصالح ضمنياً مع أبيه وأن يتحرر من أنانيته نحو أمه. سرعان ما تتحول المشاعر من كراهية وحقد نحو الأب إلى حب واحترام وربما مثال وقدوة وطاعة! ومن هنا يأتي فرويد بتعريفه للعصابيون والذين هم من لا يحالفهم الحظ في الخروج من الحالة الأوديبية ويفشلون تماماً بالانتقال. وهذا يعني مما يعني أن عقدة اوديب تُشكّل نُواة الأمراض العصابية ومنطلقها.
إن العقدة الأوديبية الذكورية والأنثوية على حدٍ سواء، تشير إلى صراعاتٍ وردود أفعال وأحاسيس بالذنب وهي تشكل أساس الاضطرابات النفسية السيكولوجية عند الإنسان.
إنّ الإنسان هو مكمن أسرار الكون الفسيح وهو عصبه ونواته وإن ما درسناه وتبحّرنا به نستطيع أن نفهم ما حولنا بالضرورة. عقدة اوديب لعلها فسّرت وتفسر لنا الكثير الكثير من الأمراض التي غالباّ لا نلقي لها بالاّ نتيحة جهل الأبوين بها، ولكن ما إن تطورت ولم يخرج الطفل من خندق تلك المشاعر المختلطة سينشأ طفلاً غير سوياً وبالتالي مجتمعاً ليس سوياً أيضاً. هذا ما قاله علماء النفس والاجتماع والتجربة والواقع أكد اهمية وخطورة الموضوع وانعكاسه إما سلباً في حال اللامبالاة حياله أو إيجاباً في حال الاهتمام به إذا ما علمنا أن داخل كل منا هذه العقدة ونستطيع ملاحظتها بالعين المجردة والمراقبة.
مفردات
- أوديب: هو ملك كان أحد الشخصيات التي تناولها الكاتب اليوناني سوفكل والذي توفّي عام 406 ق.م.
- عقدة اوديب الذكورية: هي ميل الطفل الذكر نحو أمه وتعلقه بها وانجذابه عليها ورفض أبيه.
- عقدة اوديب الأنثوية: هي ميل الطفلة الانثى نحو أبيها وتعلقها به ورفض امها وغيرتها منها. وقد سموها العلماء عقدة “اليكترا”، لكن فرويد رفض تلك التسمية وسمّاها عقدة اوديب الأنثوية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بك وتشرفنا بزيارتك وتعليقك الكريم
سنقوم بالرد على سؤالك فى خلال وقت قصير ان شاء الله
ويمكنك التواصل معنا على رقم الواتس
00966558187343
او زيارة صفحتنا على الفيس بوك https://www.facebook.com/LouaiHassan.HR
وترك تعليقك فى الخاص وسنقوم بمساعدتك فورا
مع اجمل التحيات والامنيات بحياة سعيدة مباركة