30‏/11‏/2017

مهارات الإقناع والتأثير فى الآخرين

للإقناع عدة تعريفات منها :
نتيجة بحث الصور عن ‪gif Persuasion‬‏
استخدام المتحدث أو الكاتب للإلفاظ والإشارات التي يمكن أن تؤثر في تغيير الاتجاهات والميول والسلوكيات .
تعريف آخر: عمليات فكرية وشكلية يحاول فيها أحد الطرفين التأثير على الآخر وإخضاعه لفكرة أو رأي .
تعريف ثالث: تأثير سليم ومقبول على القناعات لتغييرها كلياً أو جزئياً من خلال عرض الحقائق بأدلة مقبولة وواضحة .
ويظهر جلياً من التعريفات السابقة أن الإقناع فرع عن إجادة مهارات الاتصال والتمكن من فنون الحوار وآدابه .وتتداخل بعض الكلمات في المعنى مع الإقناع مع وجود فوارق قد تكون دقيقة إلى درجة خفائها عن البعض ؛ ومن أمثال هذه الكلمات : الخداع ، الإغراء ، التفاوض. فبعضها تهييج للغرائز وبعضها تزييف للحقائق وبعضها مجرد حل وسط واتفاق دون اقتناع وهكذا .
إن مخاطبة العقول والقلوب فن لا يجيده إلا من يمتلك أدواته، وإذا اجتمعت مع مناسبة الظرف الزماني والمكاني أثرت تأثيراً بالغاً، ووصلت الفكرة بسرعة البرق. وهكذا كانت طريقة القرآن في تلمس حاجات الوجدان وأيضاً من عوامل نجاح الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام- في إقناع الناس برسالتهم، وما عليك إلا أن تتأمل في أحاديث الرسول- صلى الله عليه وسلم- لتستلهم منها كنوزاً في فقه الدعوة، يقول ابن مسعود -رضي الله عنه-: "ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة". ووصولاً إلى تحقيق الهدف من الدعوة فإن مما تحسن العناية الشديدة به نشر ثقافة الإقناع وفنون الحوار وفن الاستماع وتقمص شخصية الآخر في محاولة لفهم دوافع موقفه.. وهذه لا يعني بطبيعة الحال الدخول في أي حوار وطرح القضايا الشرعية للاستفتاء العام؛ لإن هذا يدل على شخصية ضعيفة وانهزام أمام ضغط الواقع.نتيجة بحث الصور عن ‪gif Persuasion‬‏
إن هناك من يخاطب الناس على أنهم فئة واحدة أو أن لديهم القناعات نفسها التي لديه ولذا تراه يخاطب نفسه في آخر الأمر. وأرى أن الشباب مثلاً بحاجة إلى من يجيبهم على كثير من الأسئلة الملحة التي تواجههم بطريقة تناسب تفكيرهم وتتعامل بشكل صحيح مع المنطلقات الفكرية التي تربوا عليها، ونحتاج أن نقوم بدراسات لمعرفة أكثر الأساليب تأثيراً عليهم. إن الدورات التي تتناول مهارات الاتصال وفنون الحوار والإقناع وطرق التأثير متوفرة على شكل كتب أو أشرطة سمعية ومرئية، فقط تحتاج من المربي أو الداعية أن يوجه اهتمامه إليها ويعنى بتقوية الخير والعلم الذي يحمله بهذه المهارات البالغة التأثير على القلوب. ولدينا من الخطباء والمحاضرين من استطاع أن يصل إلى شريحة كبيرة من الناس بسبب حرصه على العناية بهذه المهارات التي ربما تكون عند البعض فطرية وعند الآخرين تحتاج إلى تنمية.

كما أقدم اقتراحاً بإنشاء مراكز ثقافية تقدم دورات في فن التأثير على الآخرين وفن الخطابة وأصول الحوار ووسائل الإقناع وفن التعامل مع المخالف كما يقدم أيضاً دورات في فن كتابة المقال الدعوي وهكذا، وتكون هذه الدورات مجانية أو برسوم رمزية وتكون متاحة على مدار العام ويستفيد منها المهتمون بأمور الدعوة من خطباء ومحاضرين، ومن خلالها أيضاً تدفع المراكز إلى الساحة شباباً مثقفاً يبادر إلى ابتكار وسائل جديدة لإيصال العقيدة والعلم والفكر الصحيح إلى جمهور الناس على اختلاف شرائحهم.

وإليك نموذجاً نبوياً يتعلق بهذا الموضوع أورده سلمان الفارسي -رضي الله عنه- قال: "كنت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تحت شجرة، فأخذ منها غصناً يابساً، فهزه حتى تحات ورقه (أي سقط) فقال: "يا سلمان: ألا تسألني لم أفعل هذا؟" قلت: لم تفعله؟ فال: إن المسلم إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى الصلوات الخمس تحاتت خطاياه كما تحات هذا الورق، ثم قرأ )وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين(" [هود،114]. لقد كان ضرب المثل الحي وسيلة عظيمة لتوصيل القناعة وترسيخ المفهوم.

إن تعلم تعبيرات الوجه والعناية بنظرات العين والاهتمام بالمظهر ربما يمثل نصف الطريق نحو إقناع الآخرين كما يقول الأستاذ محمد ديماس في كتابه الجيد "فنون الحوار والإقناع".

كيف تقنع الآخرين بفكرة ؟

أولاً : لابد أن تكون مقتنعا جدا من الفكرة التي تسعى لنشرها، لأن أي مستوى من التذبذب سيكون كفيلا أن يحول بينك وبين إيصال الفكرة للغير.
ثانياً : استخدم الكلمات ذات المعاني المحصورة والمحددة مثل: بما أن، إذن، وحينما يكون .. الخ، فهذه الألفاظ فيها شيء من حصر المعنى وتحديد الفكرة ، ولتحذر كل الحذر من التعميمات البراقة التي لا تفهم أو ذات معاني واسعة.
ثالثاً : ترك الجدل العقيم الذي يقود إلى الخصام يقول أحدهم ( إذا أردت أن تكون موطأ الأكناف ودودا تألف وتؤلف لطيف المدخل إلى النفوس، فلا تقحم نفسك في الجدل وإلا فأنت الخاسر، فإنك إن أقمت الحجة وكسبت الجولة وأفحمت الطرف الآخر فإنه لن يكون سعيدا بذلك وسيسرها في نفسه وبذلك تخسر صديقا او تخسر اكتساب صديق، أيضا سوف يتجنبك الآخرون خشية نفس النتيجة .. ).
رابعاً : حلل حوارك إلى عنصرين أساسيين هما :-
1- المقدمات المنطقية: وهي تلك البيانات أو الحقائق أو الأسباب التي تستند إليها النتيجة وتفضي إليها.
2- النتيجة: وهي ما يرمي الوصول إليها المحاور أو المجادل ، مثال على ذلك : المواطنون الذين ساهموا بأموالهم في تأسيس الجمعية هم الذين لهم حق الإدلاء بأصواتهم فقط، وأنت لم تساهم في الجمعية ولذلك لا يمكنك أن تدلي بصوتك ..
خامساً: اختيار العبارة اللينة الهينة ، والابتعاد عن الشدة الإرهاب والضغوط وفرض الرأي.
سادساً: احرص على ربط بداية حديثك بنهاية حديث المتلقي لأن هذا سيشعره بأهمية كلامه لديك وأنك تحترمه وتهتم بكلامه، ثم بعد ذلك قدم له الحقائق والأرقام التي تشعره كذلك بقوة معلوماتك وأهميتها وواقعية حديثك ومصداقيته.
سابعاً: أظهر فرحك الحقيقي – غير المصطنع - بكل حق يظهر على لسان الطرف الآخر، وأظهر له بحثك عن الحقيقة لأن ردك لحقائق ظاهرة ناصعة يشعر الطرف الآخر أنك تبحث عن الجدل وانتصار نفسك.
صورة ذات صلة

الإقناع القوة المفقودة !

تروي بعض الأساطير أن الشمس والرياح تراهنتا على إجبار رجل على خلع معطفه ؛ وبدأت الرياح في محاولة كسب الرهان بالعواصف والهواء الشديد والرجل يزداد تمسكاً بمعطفه وإصراراً على ثباته وبقاءه حتى حل اليأس بالرياح فكفت عنه ؛ واليأس أحد الراحتين كما يقول أسلافنا . وجاء دور الشمس فتقدمت وبزغت وبرزت للرجل بضوئها وحرارتها فما أن شاهدها حتى خلع معطفه مختاراً راضياً...
إن الإكراه والمضايقة توجب المقاومة وتورث النزاع بينما الإقناع والمحاورة يبقيان على الود والألفة ويقودان للتغيير بسهولة ويسر ورضا . إن الإقناع كما هو الحوار لغة الأقوياء وطريقة الأسوياء ؛ وما ألتزمه إنسان أو منهج إلا كان الاحترام والتقدير نصيبه من قبل الأطراف الأخرى بغض النظر عن قبوله .
والقرآن والسنة وهما نبراس المسلمين ودستورهم وفيهما كل خير ونفع قد جاءا بما يعزز الإقناع ويؤكد على أثره ، فآيات المحاجة والتفكر كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها وكالملك الذي حاج إبراهيم عليه السلام في ربه وكمناقشة مؤمن آل فرعون قومه ؛ وأما الأحاديث فمن أشهرها حديث الشاب المستأذن في الزنا ؛ وحديث الرجل الذي رزق بولد أسود ؛ وحديث الأنصار بعد إعطاء المؤلفة قلوبهم وتركهم ؛ كل هذه النصوص مليئة بالدروس والعبر التي تصف الإقناع وفنونه وطرائقه لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد .
نتيجة بحث الصور عن ‪gif Persuasion‬‏

عناصر الإقناع

1- المصدر: ويجب أن تتوافر فيه صفات منها
الثقة: ويحصل عليها من تأريخ المصدر إضافة إلى مدى اهتمامه بمصالح الآخرين .
المصداقية: في الوعود والأخبار والتقييم .
القدرة على استخدام عدة أساليب للإقناع : كلمة، مقالة، منطق، عاطفة ، ...
المستوى العلمي والثقافي والمعرفي .
الالتزام بالمبادئ والقناعات التي يريد إقناع الآخرين بها .
2- الرسالة: لابد أن تكون
واضحة لا غموض فيها بحيث يستطيع جمهور المخاطبين فهمها فهماً متماثلاً .
بروز الهدف منها دون حاجة لعناء البحث عنه .
مرتبة ترتيباً منطقياً مع التأكيد على الأدلة والبراهين .
مناسبة العبارات والجمل حتى لاتسبب إشكالاً أو حرجاً ولكل مقام مقال .
بعيدة عن الجدل واستعداء الآخرين ؛ لأن المحاصر سيقاوم ولا ريب !
3 – المستقبِل: ينبغي مراعاة ما يلي
- الفروق العمرية والبيئية .
- الاختلافات الثقافية والمذهبية .
- المكانة العلمية والمالية والاجتماعية .
- مستوى الثقة بالنفس .
- الانفتاح الذهني .
يعتمد نجاح الإقناع على :
1- القدرة على نقل المبادئ والعلوم والأفكار بإتقان .
2- معرفة أحوال المخاطبين وقيمهم وترتيبها .
3- الجاذبية الشخصية بأركانها الثلاثة : حسن الخلق ، أناقة المظهر ، الثقافة الواسعة .
4- التفاعل الإيجابي الصادق مع الطرف الآخر .
5- التمكن من مهارات الإقناع وآلياته من خلال إمتلاك مهارات الاتصال وإجادة فنون الحوار مع الالتزام بآدابه .
6- التوكل على الله ودعائه مع حسن الظن به سبحانه .

ما يجب عليك فعله قبل الإقناع :
1- الإعداد الكامل فالأنصاف إتلاف للجهد ومضيعة للأوقات .
2- البدء بالأهم أولاً خشية طغيان مالا يهم على المهم .
3- اختيار التوقيت المناسب لك وللطرف الآخر .

ما يجب عليك فعله في أثناء الإقناع :
1- توضيح الفكرة بالقدر الذي يزيل اللبس عنها .
2- المنطقية والتدرج .
3- العناية بحاجات الطرف الآخر .
4- تفعيل أثر المشاعر .

ما يجب عليك فعله بعد الإقناع :
1- دحض الشبهات والرد على الاعتراضات .
2- التأكد من درجة الإقتناع من خلال إخبار الطرف الآخر أو مشاركته في الجواب عن الاعتراضات أو حماسته للعمل المبني على إقتناعه .
3- التفعيل السلوكي المباشر .

قواعد الإقناع

1- أن يكون القيام خالصاً لله سبحانه وتعالى لا يشوبه حظ نفس .
2- الالتجاء لله بطلب العون والتوفيق ووضوح الحق .
3- وجود متطلبات الإقناع الرئيسة وهي :
الاقتناع بالفكرة . وضوحها .
القدرة على إيضاحها . القوة في طرح الفكرة .
توافر الخصال الضرورية في مصدر الإقناع .
4- معرفة شخصية المتلقي وقيمه واحتياجاته مع تحديد ترتيبها . وقد ينبغي عليك تقمص شخصيته لتتعرف على دوافعه ووجهة نظره .كما يجب معرفة حيله وألاعيبه حتى لا تقع في شراكها .
5- حصر مميزات الفكرة التي تدعو إليها مع معرفة مآخذها الحقيقية أو المتوهمة وتحليل المعارضة السلبية المحتملة وإعداد الجواب الشافي عنها . وأعلم أن أسلم طريقة للتغلب على الاعتراض أن تجعله من ضمن حديثك .
6- اختيار الأحوال المناسبة للإقناع : زمانية ومكانية ونفسية وجسدية ؛ مع تحين الفرصة المناسبة لتحقيق ذلك .
7- تحليل الإقناع إلى :
- مقدمات متفق عليها كالحقائق والمسلمات .
- نتائج منطقية مبنية على المقدمات .
8- الابتعاد عن الجدل والتحدي واتهام النوايا ، لأن جعل الطرف الآخر متهماً يلزمه بالدفاع وربما المكابرة والعناد .
9- إذا كنت ستطرح فكرة في محيط ما : فروج لها عند أركان ذلك المحيط قبل البدء بنشرها .
10- تعلم أن تقارن بين حالين ومسلكين لتعزيز فكرتك .
11- حدد مسبقاً متى وكيف تنهي حديثك .
12- لخص الأفكار الأساسية حتى لا تضيع في متاهة الحديث المتشعب .
13- اضبط نفسك حتى لا تستثر ؛ وراقب لغة جسدك حتى لاتخونك .
14- أشعر االطرف المقابل باهتمامك من خلال :
ربط بداية حديثك بنهاية حديثه ما أمكن .
تعزيز جوانب الاتفاق .
إشعره بمحبتك وعذرك إياه .

عوائق الإقناع

1- الاستبداد والتسلط: لأن موافقة الطرف الآخر شكلية تزول بزوال الاستبداد.
2- طبيعة الشخص المقابل : فيصعب إقناع المعتد برأيه وتتعاظم الصعوبة إذا كان المعتد بنفسه جاهلاً جهلاً مركباً .
3- كثرة الأفكار مما يربك الذهن.
4- تذبذب مستوى القناعة أو ضعف أداء الرسالة من قبل المصدر .
5- الاعتقاد الخاطئ بصعوبة التغيير أو استحالته : وهذه نتيجة مبكرة تقضي على كل جهد قبل تمامه .
6- اختفاء ثقافة الإشادة بحق من قبل المصدر تجاه المستقبل .

وقفات مهمة:

1- " ماكان الرفق في شيء إلا زانه " .
2- الصدق في الحديث خلة حميدة يكافئ عليها الصادق حتى لو كان في حديثه ما لا ينبغي ؛ فلا تعارض بين تصحيح الخطأ ومكافأة الصادق .
3- سوف تمتلك مهارة الإقناع بدراية وتمكن من خلال متانة المعرفة وسلامة الممارسة؛ وإذا وجدت الموهبة فخير على خير وإلا فالمقدرة وحدها تفي بالغرض.



مالم يخبرك به علماء النفس عن تسعير المنتجات



أثبتت الإحصائيات أن أقل من 15% من الشركات تقوم بعمل بحث منهجي في مسألة تسعير المنتجات، بينماأثبتت بعض الدراسات الأخرى أن التغييرات الطفيفة في الأسعار قد ترفع أو تخفض المبيعات بنحو 20% أو 50% أو أكثر في حالات فريدة.
نتيجة بحث الصور عن ‪gif Pricing of products‬‏
هناك مجموعة من الدراسات التي أُجريت حول تأثير التغييرات السعرية على النواحي النفسية للمشترين، أقل ما يُقال عنها هو أنها عجيبة. تلك الدراسات أثبتت تحرك السلوك الشرائي للمستهلكين ناحية خيارات معينة دون غيرها، فقط بعد تطبيق بعض الاستراتيجيات البسيطة الخاصة بتسعير المنتج.

ربما أبرز تلك الدراسات، ذلك المجهود الرائع الذي بذله مارتن لندستروم Martin Lindstrom في كتابه الشيقBuyology الذي يروي فيه نتائج أبحاث ودراسات قام بها بنفسه، وحملت نتائج مدهشة عن العقل البشري، مفادها أننا فعليًا لا نشتري بالعقل الواعي، وأن أغلب قراراتنا الشرائية مصدرها مؤثرات معينة يتعرض لها العقل الباطن، وتحرك سلوكنا الشرائي نحو منتجات معينة بشكل – أحيانًا – يبدو غير منطقيًا.

في هذا المقال أنقل إليك مجموعة من الأبحاث الشيقة المتعلقة بالعوامل النفسية لتسعير المنتجات Pricing Psychology والتي ربما لم تعرفها من قبل. الطريف في الأمر هو أنك ستكتشف بنفسك أنك حتمًا كنت ضحية بعض أو أحد هذه الأبحاث بنحو أو بآخر في اتخاذ قرارك الشرائي.
نتيجة بحث الصور عن ‪gif Pricing of products‬‏
هذا المقال دسم للغاية، وقد تتعرض فيه لبعض المصطلحات الحديثة مثل التسويق العصبي Neuro-Marketing، والاقتصاد السلوكي Behavioral Economics، وغيرها من المصطلحات الأخرى، التي سأحرص على ذكرها باللغتين العربية والإنجليزية، وذلك إذا رغبت في المزيد من المعلومات.
1. إعادة صياغة القيمة و تسعير المنتج Reframing The Value

تُرى هل تختلف الطريقة التي تقوم بها بإرسال معلومات التسعير إلى العميل؟ هل هناك فارق بين أن أقول: "تكلفة البرنامج التدريبي 39$" وأن أقول: "قيمة الاستثمار في هذا البرنامج التدريبي 39$"؟

كل كلمة تستخدمها في عرضك البيعي تصنع نوعًا من الإسقاط في ذهن المشتري، وكما ذكرنا آنفًا، أن الإنسان يشتري بعقله الباطن أكثر من عقله الواعي.

هذه التقنية تُسمى إعادة صياغة القيمة أو Reframing The Value وفيها تقوم بعرض نفس المنتج بنفس السعر ولكن بشكل مختلف. هناك فارق بين أن تخبر المشتري أن رخصة استخدام هذا البرنامج هي 1000$ في العام، وأن رخصة استخدامه اليومية هي 2.99$. في الواقع لا فارق بين السعر الأول والثاني، ولكن هناك دراسة عصبية أثبتت أن الإنسان يتوقع الخسارة حيال التعامل مع الأسعار المرتفعة، فيتردد في اتخاذ قرار الشراء. بينما يتعامل عقله مع مبلغ مثل 2.99$ على أنه نفس السعر الذي يدفعه في كوب القهوة الذي يشرب منه 3 أو 4 كل يوم.

كذلك الكلمات المعبرة عن انخفاض الأسعار تلفت الانتباه أكثر من استخدام السعر بدونها. فحينما أضع التسعيرة بهذا الشكل (5$) لن ألفت الانتباه مثلما تكون (فقط 5$). العقل في هذه الحالة يتساءل بتلقائية: كيف كانت قبل التخفيض؟

جرب استخدام مثل هذه الكلمات في وضع الأسعار في المرة القادمة (تخفيض – عرض خاص – فرصة – لفترة محدودة – فقط – ...الخ).
2. ضع منتجك بجانب العظماء Anchoring

حينما تتأمل واجهة متجر لبيع الحليّ الذهبية، فأنت بالتأكيد لا تتوقع أن يضع صاحب المتجر قطعة من النحاس بين الحليّ. هذا هو باختصار الـ Price Anchoring وهو المفهوم الذي يعبر عن وضع منتج جديد – أيًا كانت قيمته – بين منتجات مرتفعة القيمة، فيظن المشتري أن سعر هذا المنتج مقارب لأسعار تلك المنتجات.

إذا أردت أن توحي إلى المشترين بارتفاع قيمة منتج ما، ضعه بين مجموعة من المنتجات مرتفعة الثمن.

في واجهة عرض الهواتف الحديثة تجد أن صاحب المتجر عادة ما يضع هواتف سامسونج Samsung وآيفون iPhone بجانب واحد في أعلى رف، بينما يضع الهواتف الأقل شأنًا بأسفل، وفي مكان بعيد عن هذين العملاقين.

ولكن حينما يظهر نوع جديد من الهواتف أنت لا تعرفه، ويقوم صاحب المتجر بوضعه بجانب هاتف مثل آيفون، فأنت حتمًا تتوقع أن سعره لن يقل في القيمة عن سعر آيفون، على الرغم من أنك فعليًا لا تعرفه، ولا تعرف قيمته الحقيقية.

لأجل هذا السبب حينما تتصفح قائمة الطعام menu في أي مطعم تجد أن الأصناف العادية ذات الأسعار المتقاربة متراصة سويًا بالتوالي في قوائم، بينما الأصناف المميزة موضوعة في أركان مميزة من صفحات القائمة.

قام باستخدام هذه التقنية بذكاء العبقري ستيف جوبز مع عرض أول جهاز آيباد iPad. قال جوبز "إذا استمعنا إلى رأي النقاد بشأن تسعير آيباد فسنعطيه سعر أقل من 1,000$ الذي يشير للسعر 999$" ثم قام بوضع 999$ ضخمة على الشاشة. بهذا الإجراء أعطى الجمهور إيحاء بأن مكان آيباد هو بين المنتجات التي يبدأ سعرها عند 1,000$.

ثم قال: "ولكنني – بسعادة غامرة – أبلغكم أن أسعار الآيباد لن تبدأ بـ 999$ ولكن بـ 499$" وبينما يقول ذلك تتحطم الـ 999$ وتتحول إلى شظايا أسفل الـ 499$ التي تهوي عليها .. وتضجّ القاعة بالتصفيق والكثير من صيحات الإعجاب Wow.



جهاز مثل آيباد فريد من نوعه، ويستطيع جوبز أن يضع السعر الذي يروق له، ولا يوجد أي أجهزة مثيلة له في الأسواق حتى يقوم المستهلك بالمقارنة، ولكن الطريقة التي وضع بها ستيف جوبز السعر 999$ والطريقة التي أعلن بها عن السعر 499$ أعطت للمشاهد إيحاء بأن آبل قد قامت بتخفيض السعر 50% كاملة، بينما كل هذا مجرد عرض تسعيري مميز، غرضه الأساسي أن يشعر المشتري بأنه ربح الكثير حينما يشتري الآيباد بهذا السعر – 499$ بدلاً من 999$ – وأن هذا عرض لا يُفوّت .. ونجحت آبل Apple بقيادة جوبز في أدائها ببراعة.
3. استغل اختيارات المشترين في تسعير منتجك

لنبدأ بهذا الاختبار البسيط .. إذا عُرض عليك الاشتراك السنوي في دورية تهتم بها، لها إصدار رقمي Soft Copy وإصدار ورقي Printed Copy وكانت الخيارات كالتالي:

الإصدار الرقمي فقط: 59$

الإصدار الورقي فقط: 125$

الإصداران الرقمي والورقي: 125$

فماذا سيكون اختيارك؟

في الواقع لا يحتاج الأمر إلى الكثير من التفكير لتجاهل الخيار الثاني، لأنه يبدو كخيار أحمق، أو خطأ مطبعي لم يدركه من وضعه. أثار الأمر انتباه الخبير الاقتصادي دان إيرلي Dan Ariely، فقام بعمل اختبار مع 100 طالب من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا Massachusetts Institute of Technology فكانت النتائج كالتالي:

الإصدار الرقمي فقط: 59$ ← 16%

الإصدار الورقي فقط: 125$ ← 0%

الإصداران الرقمي والورقي: 125$ ← 84%

نتيجة طبيعية .. أليس كذلك؟ بالطبع .. ولكنه حينما أعاد الاختبار مع 100 طالب آخرين بعد حذف الخيار الثاني كانت النتيجة مفاجأة على النحو التالي:

الإصدار الرقمي فقط: 59$ ← 68%

الإصداران الرقمي والورقي: 125$ ← 32%

لقد تراجع خيار الطلبة في الحصول على الإصدارين الرقمي والمطبوع كثيرًا، ورجحت كفة الخيار الأول بالنسبة العظمى. فلماذا حدث ذلك؟

لقد بدى الخيار الثاني إيحاء بالنسبة للطلبة/للمشترين أنه عرض عديم القيمة في ذاته، ولا فائدة من ورائه، ولكنه في الواقع مهّد الطريق للعرض الثالث، وأوحى للمشترين وكأنه – العرض الثالث – يحوي قيمة مضافة أكبر من العرضين السابقين بكثير، فأنت يمكنك توقع أن قيمة الخيار الثالث ستكون حتمًا أكبر من الأول والثاني، ولكن أن تكون قيمة الخيار الثالث مثل قيمة الخيار الثاني – أو مقاربة له – فهذا مالا تتوقعه. وبالتالي تميل الكفة ناحية الخيار الثالث بافتراض أنه عرض خاص مميز.




نعم .. يمكنك أن تعرض 3 خيارات على العملاء، وأن تجعل الخيار الأوسط بقيمة مقاربة للخيار الأعلى، بحيث يبدو لا فائدة منه لتميل الكفة ناحية الخيار الأعلى قيمة، والتي يشعر معها المشتري أنه يحصل على قيمة استثنائية أو عرض خاص.

ولكن لا تضع للعميل أكثر من 3 أو 4 خيارات، فقد أثبتت تجارب أخرى أن كثرة الخيارات تدفع المشتري إلى تأخير قرار الشراء. فحينما تم وضع 24 نوع من المربى على الأرفف في أحد المتاجر احتار المشتري في اتخاذ القرار، ثم في النهاية فضل 97% منهم ألا يشتروا. التجربة السابقة نتج عنها 3% فقط من المشترين من إجمالي الأفراد الذين خاضوا التجربة. بينما حينما كان على الأرفف 6 أنواع فقط ارتفعت نسبة الشراء من 3% إلى 30%. وكلما قمت بتقليل عدد الخيارات ترتفع نسبة الشراء.
4. سحر الرقم (9) في تسعير المنتجات

حتمًا رأيت هذا النمط من التسعير (2.99$ - 19.99$ - 7.99$ - ... الخ) الذي يعتمد على وضع رقم (9) في نهاية سعر المنتج .. هل مازالت هذه الحيلة صالحة للاستخدام؟ ألم يدركها معظم المشترين بعد؟

أدركها الكثير ولكنها مازالت صالحة للاستخدام. ففي دراسة مشتركة بين معهد ماساتشوستس وجامعة شيكاغو MIT and University of Chicago تم إرسال 3 إصدارات من مجلة مصورة Catalogue ملابس لعينة عشوائية من العملاء، وتم وضع سعر المنتجات به في أحد النسخ تنتهي بالرقم (9) .. مثل 39$.

في الإصدار الثاني تم وضع سعر أقل بـ 5$ (أي 34$)، وفي الإصدار الثالث تم وضع سعر أعلى بـ 5$ (أي 44$). فماذا كانت النتيجة؟

كان الميل إلى الشراء ناحية السعر الذي يحوي الرقم (9) .. 39$ أكبر بنسبة 40% .. اقرأ الدراسة بنفسك.

تعمل هذه التقنية مع المنتجات ذات السعر المنخفض والمرتفع، أي أن اختيار العملاء يتجه إلى الرقم (9) حتى ولو كان المبلغ هو 49$، 59$، 79$ أو حتى 99$.

ولكنها لا تعمل مع المنتجات مرتفعة القيمة مثل المجوهرات والسيارات، فالعميل في مثل هذه الحالة يتوقع سعر يتناسب مع فخامة المنتج الذي سيشتريه، ولن تصلح معه مثل هذه المراوغات العددية.
5. احذف رمز العملة لتزيد مبيعاتك

يبدو أن العقل الباطن للمشتري يشعر بالانزعاج حينما ينظر إلى رمز العملة ($،£،¥)، فربما يذكره بما يجب أن يفقد من مال لشراء هذا المنتج.



سيبل يانج Sybil S. Yang من جامعة كورنيل Cornell University هي التي قامت بهذا البحث، ولاحظت – على عكس ما هو متوقع – أن الإنفاق على وجبة الغداء في المطاعم الفخمة يكون أكبر في حالة اختفاء علامة الدولار ($) من قائمة الطعام menu.
6. سعر العروض الخاصة صغير أم كبير؟

يظن الكثير من التجار والمسوقين أن سعر التخفيضات Sale يجب أن يكون كبيرًا بارزًا حتى يراه كل الناس، ويعلموا أن هناك شيء غير طبيعي في المشهد يستوجب الانتباه.

يقول بروفيسور موريتز Morwitz أستاذ التسويق بجامعة كلارك Clark University، وكذلك جامعة كونتيكت The University of Connecticut:


في عقولنا، الأحجام المادية ترتبط بالأحجام العددية




In our minds, physical magnitude is related to numerical magnitude


أي أن المشتري حينما ينظر إلى الرقم ويراه كبير الحجم، يرى عقله أن هذا السعر مرتفع، ومن ثم فمن المفضل أن تضع سعر العرض الخاص، والتخفيضات صغير الحجم، حتى تتمكن من إقناع العقل الباطن أكثر به.
7. اجعل الحسبة سهلة للعقل

كذلك، في حالة المقارنة بين السعرين القديم والجديد، اجعل الفارق بين السعرين يمر بعملية حسابية بسيطة على العقل.

حينما يكون سعر المنتج 20$ اجعل السعر المخفض 15$ على سبيل المثال. بهذه الطريقة يحدث انسجام حسابي في عقل المستهلك، ويستطيع في لحظة واحدة بمجرد النظر معرفة أنه قد حصل على تخفيض قدره 5$.

بينما إذا وضعت سعر التخفيض بمثل هذا الشكل 14.63$ ستضع عقل المشتري في حيرة عددية بشأن حساب المكسب الذي سيحصل عليه من التخفيض.

قد يظن البعض أن هذه القاعدة تبدو صعبة مع نظام التسعير الذي يعتمد على الرقم (9)، ولكن العملية في هذه الحالة أسهل بكثير.

فإذا كان سعر المنتج 9.99$ والتخفيض 2$ اجعل اكتبه بهذه الطريقة مباشرة 7.99$. أما ما أنصح به بوجه خاص، فهو أن تضع السعرين شكل رأسي (فوق بعض)، وليس بشكل أفقي (بجانب بعض). فهذا هو الوضع الأمثل لإجراء عملية حسابية سريعة.
8. المنتجات المتشابهة لا تعني بالضرورة وضع أسعار متطابقة

كانت التجربة كالتالي:

علبتان من اللادن (العلك – اللبان) متشابهتان في الحجم، ومستوى الجودة. تم وضع سعر موحد عليهما 0.63$، وتُرك قرار الشراء للمستهلك، فكانت نسبة المبيعات 46%.

نفس التجربة، ولكن تم تغيير السعر لتصبح الأولى بـ 0.62$ والثانية بـ 0.64$ (أي أن التغيير طرأ على سنت واحد فقط)، فارتفع قرار الشراء – بصفة عامة – لدى المشترين حتى تجاوز الـ 77%.



قام بهذه التجربة ثلاثة من الباحثين من جامعة ييل Yale University.

ماذا نستنتج من هذا؟

تشابه المنتجات في المستوى والجودة لا يعني بالضرورة أن يتم تسعيرهم بنفس السعر. فاختلاف الأسعار هنا أمر أساسي حتى يستطيع العقل صنع مفاضلة كاملة بين الصنفين، واتخاذ قرار الشراء. ففي حالة عدم وجودة مفاضلة حقيقية – لا في الجودة ولا في السعر – يتراجع عن قرار الشراء بنسبة كبيرة.
9. استخدم ألفاظ السعادة بدلاً من ألفاظ الألم

عملية الشراء في حد ذاتها تسبب الكثير من الألم للمشتري. فالنفس البشرية تحب المال بشكل غريزي، وتحب جمعه وادخاره، وترفض إنفاقه خشية الفقر والحاجة. هذه غرائز جُبل عليها البشر.

كانت الأبحاث الذي قامت به جامعية كارنيجي ميلون Carnegie Mellon University بالتعاون مع جامعة ستانفورد Stanford، ومعهد ماساتشسوتس، يدور حول سبب ميل الناس إلى استخدام بطاقة الائتمان Credit Card بدلاً من النقود. وقد أفادت الأبحاث هذه النتيجة:

"بطاقات الائتمان تُخدّر ألم الإنفاق بفعالية" “"Credit cards effectively anesthetize the pain of paying,”

المفهوم المستخلص من هذه الدراسة هو تقليل ألم الإنفاق بأكبر قدر ممكن وبكل الحيل المتاحة.

فعلى سبيل المثال حينما تقوم ببيع أحد الوسائد الطبية، من الخطأ استخدام جملة مثل:

"هذه الوسادة تقلل الألم إلى حد كبير" وبدلاً منها استخدم جملة مثل: "هذه الوسادة تزيد الراحة والاسترخاء إلى حد بعيد" للدلالة على إضفاء إحساس بالسعادة يقلل من الألم المصاحب لعملية الشراء.

أيضًا، إحدى التقنيات المستخدمة في تقليل الألم في مسألة تسعير المنتج، وهو سحب ذهن المشتري بعيدًا عن الآلام التي يتحملها جراء الشراء إلى أوقات المتعة التي يُحصلّها بعد إتمام هذه العملية، أو ربطه بالماضي الذي يرتبط معه بذكريات عاطفية مبهجة، وكل هذه التقنيات تُعظّم القيمة مقارنة بالسعر.

كذلك من وسائل تقليل ألم الشراء ما ذكرته في بداية المقال عن إعادة صياغة قيمة المنتج Reframing The Value، وكذلك استخدام لفظة مجانًا كما سأوضح في النقطة التالية.
10. كلمة "مجانًا" لها مفعول السحر

في كتابه المتميز Predictably Irrational قدّم دان إيرلي دراسة عن سبب انخفاض طلبات الشراء من موقع أمازون بشكل كبير في فرنسا عن بقية الدول الأوروبية. واكتشف أن السبب في ذلك هو أن المشتري الفرنسي يضطر إلى دفع 0.20$ مع كل منتج يقوم بإضافته إلى سلة الشراء، بخلاف بقية دول أوروبا التي تحصل على الشحن مجانًا.

هذا مثال بسيط .. جرّب أن تضع كلمة "مجانًا" في أي عرض ترويجي وسترى نتائج مبهرة. كلمة "مجانًا" هي الكلمة التي كانت تستوقفني أنا شخصيًا وأنا سائر في الطريق حينما أتجاهل كل العروض الترويجية التي تحوطني. فحتى مع توقع العقل الواعي بعض من الخداع المختفي خلف هذه الكلمة، إلا أنه يقبل الدعوة من باب الإطلاع والفضول، وربما تكون هناك فائدة بالفعل.

كلمة "مجانًا" هي الفيصل في العديد من قرارات الشراء على الإنترنت وخارج الإنترنت. أمازون تحقق أعلى مبيعات حينما تضع هذه الجملة السحرية "Free Shipping". بل إنني أعرف صديقًا شخصيًا يملك أحد المتاجر لبيع الملابس قام بتطبيق هذه التقنية بدلاً من التقنية التي كان يستخدمها في بيع أحد منتجاته في متجره، وحققت معه نتائج مدهشة.

كان يعرض 3 قطع من القمصان T-Shirt في واجهة متجره، وُضع عليها لافتة مكتوب عليها "عرض خاص .. 3 قمصان فقط بـ 60$". ربما يبدو العرض جيدًا، ولكنه يصنع نوع من الإسقاط الذهني في عقل المشتري، ليقوم بحساب قيمة كل قميص ليجدها تساوي 20$.

بعد عدة أيام قام بتغيير العرض على اللافتة ليصبح "عرض خاص .. اشتر 2 من القمصان واحصل على الثالث مجانًا". هذا التغيير نتج عنه كمية من المبيعات لم تحدث مع اللافتة الأولى. فالمشتري في هذه المرة نظر إلى مسألة حصوله على شيء مجاني، وبدأ يحسب مقدار التوفير الذي سيحصل عليه (أدفع 60$ بدلاً من 90$ ، وأوفر 30$ كاملة).
11. اربط المنتج بالأماكن الفخمة

ما هو المكوِّن المميز في كوب الشاي حتى يكون سعره في ستار بكس Starbucks أعلى من أي مقهى آخر؟

هل تشعر بأي اختلاف حينما تخبرك زوجتك أن الفاكهة التي تأكلها الآن قد اشترتها من كارفور Carrefour بدلاً من متجر الفاكهة الذي في نهاية الشارع؟

طبق السوشي الذي تتناوله في المطعم الصيني، قد يتشابه مع ذلك الذي تأكله في فندق فارول Farol Hotel بتصميماته المبهرة، أو ذلك الذي تصنعه لك زوجتك في المنزل، ولكن شتان شتان ما بين سعر كل منهم.

فقد تتشاجر مع زوجتك إذا أنفقت الكثير من النقود على إعداد مثل هذه الوجبة بمكوناتها مرتفعة الثمن، أو قد ترفض الذهاب إلى المطعم الصيني مرة أخرى لارتفاع سعر الوجبة، ولكنك حتمًا لن تناقش لحظة في شيك الدفع الذي يأتي إلى مائدتك بعد الانتهاء من وجبة السوشي في فندق فارول.



قام بهذه الدراسة خبير الاقتصاد السلوكي ريتشارد ثالر Richard Thaler في جامعة فاندلبيرت Vanderbilt University وتم نشر الدراسة في مجلة نيويورك تايمز New York Times Magazine، وملخص الدراسة أن الإنسان على استعداد لدفع سعر أعلى لمنتج معين إذا علم أنه قادم من مكان راق (فندق مثلاً أو علامة تجارية بارزة).

لهذه الأسباب تجد الناس في الأسواق تجادل وتفاصل في أسعار المنتجات منخفضة ومتوسطة السعر، بينما إذا تعاملوا مع أحد العلامات التجارية الكبيرة (نايكي Nike – أديداس adidas – رولكس Rolex – ... الخ) تتم عملية الشراء بدون مناقشة السعر على الإطلاق، على الرغم من أن السعر في هذه الحالة لا يُقارن بتاتًا بأسعار المنتجات الأخرى.

شخصيًا حينما قمت بشراء الهاتف الخاص بي، توجهت إلى الوكيل الرسمي مع علمي بارتفاع أسعاره عن بقية الموزعين، ولم أناقش السعر لحظة وهو يطبع الفاتورة ويسلمني الهاتف.

القضية ليست كم يتكلف المنتج، ولكن من أين يأتي هذا المنتج.
في الختام

تسعير المنتجات هو التحدي الذي يواجه أي شركة مهما كان حجمها. واستراتيجية التسعير التي ستتبعها يجب أن تكون واضحة، ومبنية على دراسات وأبحاث علمية مسجلة، تم فيها اختيار عينات عشوائية، للحفاظ على مستوى الدقة في نتائج هذه الدراسات.

وعلى الرغم من أن الأبحاث السابقة كلها تم توثيقها بدراسات علمية دقيقة، إلا أن العنصر المشترك فيها هو أن جميع تلك الدراسات تدعوك إلى اختبار سياستك التسعيرية قبل اعتمادها بشكل نهائي.

أي أن المعلومات المعلبة في هذه الكبسولة العلمية لا تكفي وحدها لاتخاذ قرارات حساسة مثل تسعير المنتج، ولكن كذلك قم بعمل اختباراتك الشخصية.

ولكم سأكون سعيدًا إذا قمت بمراسلتنا بنتائج تلك الاختبارات لننشرها هنا باسمك. كذلك إذا كنت قد قمت بالفعل بعمل تجارب أو دراسات خاصة بتسعير منتجاتك، سنكون – جميعًا – سعداء بمشاركتنا إياها.

نصائح فعالة للغة الجسد في عرضك التقديمي القادم

10 نصائح فعالة للغة الجسد في عرضك التقديمي القادم ...

الذكاء العاطفي

الذكاء العاطفي

النجاح لا ينتظر احد ، بل يتطلب الكثير من الجهد والعمل الشاق

النجاح لا ينتظر احد ، بل يتطلب الكثير من الجهد والعمل الشاق وانتهاز الفرص.

تصالح مع ذاتك

ماذا يقول لون سيارتك عنك؟

ماذا يقول لون سيارتك عنك؟  http://buff.ly/1yIZU16  #تعلوماتي #عزام_الدخيل #رسم_معلوماتي #انفوجرافيك #انفوجراف

كيف يراك الناس من الوان ملابسك ؟

وسائل هامة تساعدك على توظيف الأشخاص المناسبين لشركتك

مقدمة المترجم



يتضمن التقرير بعض النقاط الأساسية والضرورية للحصول على الموظف المناسب لشركتك، والذي لا يؤثر بالسلب على بيئة العمل بعد اختياره. يعرض الكاتب فكرته من واقع خبرته العملية، مع بعض التجارب والممارسات الفعلية. ما من شك أن تعيين وتوظيف أجود المواهب والمهارات أمر غاية في الأهمية بالنسبة للشركات، لكننا على الرغم من كل شيء، نحصل على الموظف غير المناسب. إليكم ما الذي يتوجب علينا فعله لتعيين الموظف المناسب.



نص التقرير

إن توظيف المواهب الممتازة هي عامل القلق الأول الذي لا يخفى على كثير من الشركات. فهناك الكثير والكثير من الكتب والدورات التدريبية والمحاضرات التي تتمحور حول الآلية الفضلى لتعيين الموظفين، ولكن، بصفتي رائدًا للأعمال، كيف يمكنك التخلص من كل هذا الصخب والحصول على موظفين رفيعي الكفاءة لشركتك؟


لتتذكر ذلك جيدًا، إنها لعبة أرقام. فحتى إن كنت تدير شركة ذات قدرة عالية في جذب المواهب كشركة غوغل، فأنت معرض دائمًا لارتكاب بعض الأخطاء، وقد ينتهي بك المطاف باختيار بعض الأشخاص غير المناسبين لشركتك، وتعيينهم في مناصب غير مناسبة أيضًا. ولكن من الجيد أن نفكر في عملية التوظيف بأسلوب "متوسط الغوغلضربات"، فحتى أفضل لاعبي البيسبول، يكون متوسط ضرباتهم 30% فقط، أي أنهم يستطيعون ضرب ثلاث رميات فقط من كل عشر رميات.عندما تتعامل مع الناس، يجب أن تسمح بهامش عريض من الأخطاء. فهناك الكثير من المتغيرات في المعادلة من أجل التوصل إلى الصيغة المثالية التي يستطيع الجميع التعامل وفقها. وعلى الرغم من ذلك، هناك بعض الإجراءات الرائعة التي تساعد على سير عملية التوظيف بشكل أكثر سلاسة.

أنصت إلى فريق عملك

بحاجة إلى أن تثق في فريق عملك، وفي حدسهم نحو بعض الأمور. فإذا كان لديهم سببًا يجعلهم يثقون بقوة في شخص ما، فاستمع لهم


فري بيك

عندما يتعلق الأمر بالانطباعات الأولى، تخالف الاحتمالات عن إطار تحقيق مصالح أي شخص. فوفقًا لدراسة أجراها عالم النفس أليكساندر تودروف، في جامعة برينستون، فإن الانطباعات الأولى غالبًا ما تكون خاطئة. وهي مشكلة شائعة في بعض المواقف مثل المقابلات الشخصية، إذ تصبح الانطباعات الأولى الغريزية ذات وزن كبير تؤثر في الاختيار الصحيح. وبينما نعجز عن إعادة توجيه آرائنا المبنية على الانطباعات الأولى، يجب أن ننصت بموضوعية لآراء فريق عملنا.



منذ سنوات قليلة مضت، كان لي صديقة - سوف أُسميها مجازًا جين- كانت واحدة من ضمن الكثيرين الذين يجرون المقابلات من أجل التعيين لمنصب جديد في عملها. وكان هناك إحدى المرشحات اللاتي يتمتعن بتأثير كبير في المقابلة. رأت جين شيء ما في هذه المرشحة، لم يره أي شخص آخر، على الرغم من افتقار هذه المرشحة للخبرة المطلوبة. وبينما كان الآخرون الذين يجرون المقابلات على استعداد كامل لرفض هذه المرشحة، إلا أن جين تمسكت بها بقوة. وانتهى الأمر بتعيينها، وأصبحت واحدة من أفضل الموظفين في الشركة. مرة أخرى، إننا نتعامل مع نظام غير مثالي يتضمن كثيرًا من المتغيرات. ولكنك بحاجة إلى أن تثق في فريق عملك، وفي حدسهم نحو بعض الأمور. فإذا كان لديهم سببًا يجعلهم يثقون بقوة في شخص ما، فاستمع لهم.

استفد من علاقاتك وعلاقات موظفيك

بدلًا من إتاحة فرصة وظيفية للعالم بأسره، آملين في الحصول على الشخص المناسب، حاول الاستفادة من شبكة علاقات العاملين لديك، فربما تجد موهبة لا تستطيع الحصول عليها من التوظيف الخارجي (فري بيك)


تُظهر الأبحاث التي أجرتها جامعة وارتون مؤخرًا، أن التعيينات الخارجية قد تسبب أضرارًا للشركة. فمن خلال بحثه، وجد أستاذ إدارة الأعمال بجامعة وارتون، ماثيو بيدويل، أن التعيينات الخارجية تميل نحو تحقيق تقييمات أداء منخفضة، بالمقارنة بالتعيينات الداخلية، الذين يقومون بنفس الوظائف، إذ يتلقون مرتبات أعلى، وتتراوح نسب تركهم للشركة بين 18% إلى 20%. لا يعني ذلك أننا يجب أن نستبعد التعيينات الخارجية تمامًا. ولكن هناك طريقة أخرى لتوظيف المواهب التي تحسن مستوى التوظيف لدينا، وتحقق نتائج محتملة أكثر جودة.


في كثير من الأحيان نعتبر شبكة معارفنا وعلاقاتنا تتمتع بأعلى الصفات والمهارات، إلا أن منطقًا في التفكير مثل هذا، لا يجب أن يكون مطروحًا في عصر الاتصالات الفائقة المتاحة على موقع لينكد إن. لذا، بدلًا من إتاحة فرصة وظيفية للعالم بأسره، آملين في الحصول على الشخص المناسب، حاول الاستفادة من شبكة علاقات العاملين لديك، فربما تجد موهبة لا تستطيع الحصول عليها من التوظيف الخارجي. من أجل ذلك، يُرجح أن يعمل برنامج ترشيحات الموظفين بالشكل الأمثل. فإذا كنت قد وظفت موظفًا بارعًا، فإن هناك احتمال كبير أن يعرف بعض الموظفين البارعين الآخرين الذين عملوا معهه في أماكن أخرى.


شجع على الشفافية

لا يوجد شيء أكثر سوءًا من تعيين شخص ما، ثم تكتشف أنه مختلف تمامًا عما كان يبدو عليه في المقابلة الشخصية. ولكن، بصفتنا مسؤولون عن التوظيف، فإننا نادرًا ما نأخذ في الاعتبار ما الذي يشعر به هذا الموظف عندما تُعكس الأدوار. لقد سمعت الكثير من القصص المختلفة من زملائي الذي عينوا في مواقع كانوا يظنونها وظائف الاحلام، إلا أنهم سرعان ما أدركوا أنهم كانوا ضحية خداع بيئة عمل سيئة.


بشكل عام، يجب أن نبذل قصارى جهدنا لتوفير أكبر قدر من الشفافية خلال المقابلة الوظيفية. ففي بعض الحالات، قد ترغب في التأكد أيضًا من تمتع المتقدم للوظيفة بالقدر المطلوب من الشفافية. أظهر لهم أن ثمة طريقان يؤديان إلى شركتك، أحدهما يتضمن الكثير من التحديات والصعوبات. المرشح المناسب لهذه الوظيفة سوف يختار خوض الطريق المليء بالتحديات، ويتغلب عليها بأسلوبه الخاص. إن التركيز على القدر المطلوب من الشفافية خلال المقابلة الشخصية، سوف يحدد ملامح المستقبل المهني لهذا الموظف في شركتك.


فكر خارج معايير التوظيف المعتادة

يقوم الكثيرون بفعل الأشياء بشكل معين، لأنهم وجدوا أن "هذه هي الطريقة التي تُنفذ بها هذه الأعمال"، وهو ما يعد ضربًا من الجنون. تمامًا مثل أي حملة رقمية، من المهم اختبار أساليبنا الجديدة من وقت لآخر. والسبب في ذلك أن الوقت يتغير، والناس يتغيرون، وما عملت عليه الأسبوع الماضي، قد لا تكرره غدًا. لذا، أنا أشجع على البحث ومحاولة استخدام أساليب جديدة في التوظيف. فقد تفعل شيئًا واحدًا من شأنه أن يغير أسلوب المفاوضة على الراتب. فعندما تعرض مرتب يبلغ 100 ألف دولار لمنصب ما، والمرشح للوظيفة يطلب مبلغ 110 ألف دولار، لا تقدم حل وسط. فإذا كانت لديك الميزانية الكافية، اعرض على المرشح خيار أن يصل مرتبه 115 ألف دولار بعد فترة تجريبية قدرها ستة أشهر. سوف يتيح هذا الإجراء للمتقدم للوظيفة الوقت لإثبات أنه يستحق هذا المبلغ، بالإضافة إلى منحه فرصة البقاء في فريق العمل.


لا تخش ارتكاب الأخطاء

ليست الطرق المذكورة أعلاه بطبيعة الحال تستطيع تحقيق النجاح في كافة الشركات. فما قد ينجح في شركة ما، قد لا يحقق أفضل النتائج في شركة أخرى. ولكن العامل الأساسي هو ألا تشعر بالخوف من الفشل. فمثل ما قال بامبينو العظيم "لا تسمح للخوف من الضربات أن يثنيك عن خوض المباراة". استمر في تجربة الأساليب الجديدة، واقترف الأخطاء، فإنها سوف تساعدك على تحسين ممارسات التوظيف. وفي نهاية المطاف، سوف تصل إلى ما يناسب عملك وشركتك وموظفيك.

مترجم عن: (آي إن سي)

"التسلق الاجتماعي".. كيف تطورت أساليب الإنسان لنيل الشهرة؟

مقدمة المقال
يحاول الجميع كسب الشعبية، منذ قديم الأزل. وعلى مدار السنوات الأخيرة، بسبب منصات التواصل الاجتماعي، تحولت الشعبية إلى علم وأرقام وإحصائيات صلبة، لتفقد بذلك جزءا أصيلا من متعتها، وغموضها. يقارن المقال بين الشعبية قديما واليوم.
نص المقال
بينما تشذب صديقتي إحدى الصور تمهيدا لنشرها على إنستغرام، سألتها: "كيف كان الناس يقيسون الشعبية قبل منصات التواصل الاجتماعي؟"، أجابتني: "ما كانوا يفعلون". ومع تنشيطها للتطبيق لاستقبال الموجة الأولى من "الإعجابات"، شعرت بالحنين يدب في قلبي. أتذكر حين لم تكن الشعبية قابلة للتكميم؟ أتذكر حين كانت الاهتمامات الجديدة ذاتية، قبل ظهور خوارزميات تحددها عبر تحليل مدخلات محركات البحث، ومنشورات فيسبوك؟ أنا أفتقد أياما كان فيها الشك المطلق في الأمر برمته هو أكثر جوانب الشعبية إجهادا للأعصاب. حين كانت الشعبية رائعة وذات خصوصية، لا تحددها إلا مشاعر الرغبة والحسد ولهفة المهتمين بها.
نتيجة بحث الصور عن ‪gif Social climbing‬‏
واليوم، لم يعد هناك غموض، فمعايير الشعبية منتشرة ومتوغلة ولا مهرب منها. تأتي الأخبار، والقصص، ومقاطع الفيديو، وقوائم الموسيقى.. يأتي كل شيء ومعه عدد المشاهدات، والمشاركات، وتقييمات المستهلكين أيضا. إن استخدمتغوغل للبحث عن عنوان، فسترى تقييما للموقع. (تقييم محطة قطار الأنفاق التي أستخدمها هو 3.9 نجمة). إن طلبت وجبة من موقع، فسترى جداول للشعبية والجودة. (إن نال مطعم سوشي نجمتين بعد آلاف التقييمات وما زال يعمل، فلا يمكن أن يكون بهذا السوء، أليس كذلك؟) إن أضفت رقم شخص إلى هاتفك، فسيطلعك فيسبوك على معارفكما المشتركين. حتى إن بعض برامج المراسلة تضعك في مواجهة مباشرة مع آليات الشعبية، مثل مقارنة سنابشات بين معدل مراسلتك لأصدقائك بمعدل مراسلتهم لك، وتخصيص قلب أو إيموجي متذمر لقائمة جهات الاتصال وفق نتيجة المقارنة.
  

لفترة من الزمن، ظل الناس ينظرون إلى عبارة "له شعبية على منصة تواصل اجتماعي" على أنها عبارة متناقضة. كان أي شخص يهتم ببناء قائمة متابعين إلكترونية ضخمة هو فاشل على أرض الواقع، كانت هذه القاعدة. لكن مع اندماج حياتنا الرقمية بحياتنا "الحقيقية"، اندمجت صور الشعبية أيضا. صحيح أنهما لم يصبحا كيانا واحدا -حتى الآن- لكن للشعبية الرقمية على الأقل رواج كاف للتأثير على الديناميات الاجتماعية في كل وسيط أو فضاء آخر. تشجع تطبيقات المواعدة المستخدمين على الربط بين حسابات منصات التواصل المختلفة. (بعضها، مثل رايا، تستخدم بيانات هذه المنصات لتحديد جدارتك بالاشتراك فيها).

قد تؤثر شعبية منصات التواصل الاجتماعي على نيل الوظائف، خاصة في المجالات المهتمة بالتسويق، أو الدعاية، أو إذاعة خبر ما عموما. في الحفلات، يجري غالبا تصنيف مضمر للأشخاص، ففيهم من يرقى عدد متابعيه على منصات التواصل الاجتماعي إلى مصاف الأسلحة المدمرة، وفيهم من يحظى بكم متابعين طبيعي، ويبدل الضيوف وضعيتهم خلال التقاط الصور حسب قدر الانتشار الجماهيري المحتمل، أو حسب الانتشار الجماهيري المرغوب، في بعض الحالات.

هناك علاقة مباشرة بين عدد حضور الحفلة ممن تظهر بجوار أسمائهم كلمة "مؤثر"، وبين احتمالية الـ"فريمتشام" (fremdscham)، وهو المصطلح الألماني للحرج الذي يصيب البعض بسبب أفعال شخص آخر ليس من طبعه الشعور بالحرج. لقد حضرت مناسبات حول فيها الضوء الخاطف لآلات التصوير أناس بالغين عاقلين إلى مناضلين متحمسين، يشقون طريقهم برعونة عبر الحجرة للظهور في صورة جماعية، وهم يصيحون بكنيتهم على منصة إنستغرام وسط الضوضاء.
  

أصبح التسلق الاجتماعي أكثر إذلالا ومللا -في الوقت نفسه- من أي وقت مضى. فهو مذل لأن التسلل إلى الحفل غير كاف، بلالتت عليك إشهار هاتفك المحمول واتخاذ أوضاع ستبدو لطيفة على الإنترنت، لكنها تجعلك تبدو مغفلا في الواقع. (في أيامي، إذا أردت الحصول على صورة في حفل، فعليك التفاعل مع الحضور للتعرف إلى مصور. انخرطوا يا متسللين!) وهي مملة، لأن أساليب التسلق الاجتماعي الفعالة قد تم القضاء عليها، نوعا ما.

انس استغلال الفراش للوصول إلى الأعلى، بل إن الإطراء نفسه ما عاد يستخدمه أحد. انتقل الجميع إلى الرسائل الخاصة، إنه أسلوب ديمقراطي بشكل مثير للإعجاب، وفعال بصورة ملفتة للنظر، وممل تماما. ليس هناك أي مجهود فني في "أرسلت له صورة مؤخرتي، وأنا الآن على قائمة ضيوف الحفل". أعرف ذلك لأن لصديقي نفس اسم دي جيه اسكندنافي شهير، وله صندوق رسائل شديد الجموح. يمارس ذلك جمهور من نطاق عمري أكبر مما كنت لأتصور. والنتيجة هي أسوأ أنواع الشباب الأبدي: أقصى مدى من التظاهر الاجتماعي بالشباب، دون أدنى درجات التخفف من الهم.

المقاييس موت للجمال. فالآن، بعد أن صرنا قادرين على تكميم الشعبية، يمكننا كذلك حساب المسارات المنحنية والتنبؤ بالأنماط. صارت الشعبية علما، لا فنا. كما صارت عملا، بصورة متزايدة، لا لعبا. يتحدث الناس عن الشعبية مثلما يتحدثون عن المال: يمكن لأي شخص أن يكون ثريا، مجازا، لكننا نعرف أيضا كيف نقيس الثروات الاجتماعية بالأرقام، ونوع العمل اللازم لزيادة الأرقام. مثل المعارف التي من شأنها تنشيط الشعبية، ونوعية #فولوفورفولو (موقع لتبادل المعجبين) من العمل الذي يستطيع تحسينها، وروبوتات الويب التي يمكن استئجارها للعب دور المتابعين أنفسهم.

عندما تصبح الشعبية النسبية لشخص، أو مكان، أو شيء، معلومة عامة، يغدو الاجتهاد صوريا
مواقع التواصل
 بطبيعة الحال، لكل طريقة من طرق تحسين الشعبية الرقمية نظير في العالم الواقعي. فمنذ قديم الأزل، والمتسلقون يقبلون نجمة حفل التخرج لتحسين صورتهم، ويشدون على أيدي الغرباء بحفاوة مصطنعة، ويستأجرون مصفقين مأجورين. (وبعض نبغائهم يفعلون جميع ما سبق. مثل مستخدم شهير لتويتر اصطحب معه مصفقين مأجورين في اجتماعه الأول بوكالة الاستخبارات الأميركية. إن هوس الرئيس ترمب بالشعبية كبير إلى درجة يكاد معها يحل محل الأنا العليا عنده).

لكن يبدو أن المشكلة الحقيقية تتعلق بالمعرفة: جهلك بموضعك يثير قلقك، لكنه قد يحفزك على التفاؤل أيضا. إن لم تكن على يقين بأن أحدا يفكر عند رؤيتك في الإيموجي الذي يشغل قلبين مكان عينيه، فيمكنك الإيمان بأن الجواب هو أجل، تتحول عيون الكثيرين إلى قلوب فور رؤيتهم لي. قبل ذلك، في زمن الشعبية الغامضة، كانت أكثر اللحظات سحرا هي لحظة إدراك فتاة حسبت نفسها منسية، فجأة، أنها محبوبة من قبل الكثيرين، كان ذلك مشهد خيالي من أفلام المراهقة.

عندما تصبح الشعبية النسبية لشخص، أو مكان، أو شيء، معلومة عامة، يغدو الاجتهاد صوريا. لقد كان في رفض الاعتراف بالسلطة الاجتماعية قوة حقيقية. كانت فكرة الشعبية لا تراود الأذهان إلا في السياق الشخصي، كانت الشعبية خوف قارض في ليالي الوحدة، أو فكرة تطرأ خلال الوقوف في مواجهة الجدار في حفلة ما، أو عجرفة سرية تجد فيها متعة وأنت ممسك بدعوات الحفل. كانت هيكلا اجتماعيا حقيقيا، مرن كفاية لاستيعاب تقلبات الثقة بالنفس: فالشخص الذي يمزج لا شعبيته بعجرفة غريبة، لم تكن مكافأته بالشعبية الحقيقية أمرا ممكنا. ففي غياب استمارة النقاط، يصبح أمام الجميع فرص متساوية لإدارة اللعبة، ولا يملك أحد تحديد مسار اللعبة بدقة. حتى هؤلاء الذين يملكون السلطة أو الشعبية لم يكونوا مدركين دوما لكيفية حصولهم عليها، أو سبب ذلك، ناهيك عن طرق الحفاظ عليها، وهو بالتحديد ما كان يجعلها مريعة وبديعة.
______________________________________________________

ترويج الذات.. هل السيلفي مجرد صورة؟



بالرغم من أن كلمة "سيلفي" ترتبط لدينا بالصور الشخصية التي نلتقطها عبر هواتفنا الذكية إلا أن هذا المفهوم قد يكون أقدم مما نتصور، فكل عمل أو تصوير فني سواء كان بورتريه شخصي أو عمل يظهر فيه الإنسان يشير فيه إلى نفسه فهو يندرج تحت مفهوم السيلفي، ربما سبق الفن التشكيلي التكنولوجيا في تقديم فكرة السيلفي، عندما بدأ في تدشينها الفنان الألماني ألبريخت دورر الذي رسم الكثير من البورتريهات الشخصية لنفسه، لكن أشهر من رسم بورتيريهات شخصية كان الفنان الهولندي رمبرانت الذي رسم عشرات البورتريهات الخاصة به والتي تعبر عنه في حالات وأعمار مختلفة من حياته، كذلك لوحات الفنانة السريالية فريدا كاهلو التي كانت هي نفسها موضوعا لمعظم لوحاتها.



لذلك يمكننا أن ندرج السيلفي ضمن التاريخ الطويل للبورتريهات الشخصية، يقول طارق عثمان: "بطبيعة الحال ليست السيلفي التي تؤخذ في ثوان معدودة بمجرد الضغط على زر هي مماثلة للبورتريه الذي هو عمل فني ولكن بتحييد البعد الفني والاستاطيقي يتبقى الجوهر الذي يشتركان فيه: تصوير الذات".(1)










على اليمين: رامبرنت، على اليسار: فريدا كاهلو (مواقع التواصل)




الآن أصبح التصوير على طريقة السيلفي هو الأكثر شهرة وانتشارًا على مواقع التواصل الاجتماعي، فهناك ارتباط وثيق بين هذا النوع من الصور ومواقع التواصل الاجتماعي، ويرى البعض أن انتشار السيلفي بمثابة استجابة طبيعية للتطور التكنولوجي في طرق التواصل؛ فمع انتشار مواقع مثل فيسبوك، وتويتر، وإنستغرام طور الأفراد من طرقهم في التعبير عن أنفسهم وشخصياتهم، وكان تصوير السيلفي أحدها. ووجد أن ما يقارب (55%) من صور جيل الألفية المنتشرة على مواقع التواصل التقطت بطريقة السيلفي، ووجد أيضًا أن ما يزيد عن ألف صورة سيلفى تنشر على موقع إنستغرام كل 10 ثواني.(2)



لماذا يلتقط الناس السيلفي؟


في دراسة أجريت في عام 2016؛ قام مجموعة من العلماء بسؤال ملتقطي السيلفي عن الأسباب التي تدفعهم إلى نشر صورهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي وجاءت الإجابات لتلخص أربعة دوافع أساسية لدى المشاركين(1):



أولها: لفت الانتباه وحمل الآخرين على رؤيتنا والاعتراف بوجودنا وتقييمنا بالإعجاب، هنا تعمل السيلفي على توكيد الذات، "وتتفوق السيلفي على غيرها من وسائل توكيد الذات الأخرى على شبكات التواصل الاجتماعي كتحديثات الحالة وكتابة المنشورات وغيرها، وذلك لمدى حميمية السيلفي والتصالها بالذات".



ثانيا: التواصل مع الآخرين، فعن طريق التعليقات والإعجابات يحدث التواصل والذي يكون موضوعه حميمي جدا، يفتح الفرص لخلق علاقات جديدة وثقل العلاقات القائمة بالفعل، فالسيلفي هنا تشبع حاجة الإنسان للممارسة الاجتماعية التي يتوقعها كلما ينشر صورة خاصة به.








كلا الجنسين يفضلان التقاط ونشر صور السيلفي؛ ولكن الإناث أكثر ميلاً لذلك مقارنة بالذكور حيث يكسبهن ثقة بأنفسهن، وصورة إيجابية عن ذواتهن خاصة إذا حصلن على تعليقات إيجابية من أصدقائهن



بيكساباي





ثالثا: الأرشفة، وهي الوظيفة المعروفة للصور بشكل عام، والتي تعتبر وسيلة أخرى لحفظ الذكريات؛ ورابعا: التسلية، وهنا تعتبر السيلفي مجرد فعل عادي هدفه دفع الملل والشعور ببعض المتعة. وفرق العلماء بين سياقين لهذه الدوافع، سياق النية وسياق السلوك الفعلي،وخلصوا أن هذه الدوافع تعبر عن النوايا مما يشير إلى أن هناك ما هو أبعد من هذه النوايا الواضحة.



هل هناك ارتباط بين السيلفي والمرض النفسي؟


يهتم علماء النفس بتحليل وفهم السلوك بشكل عام وخصوصا عندما يتحول سلوك معين إلى ظاهرة، تماما مثلما حدث مع صور السيلفي، بعد الكثي من الأبحاث والدراسات أعلنت جمعية الطب النفسى الأميركية السيلفي ضمن قائمة الاضطرابات النفسية(3)، وأطلقت عليه اضطراب "وسواس السيلفي" (Selfitis)، وعرفته بأنه " أحد أشكال اضطراب الوسواس القهرى الذى ينعكس في التقاط الفرد صور لنفسه، ويشاركها على التواصل الاجتماعى بشكل قهرى. وصنفته جمعية الطب النفسى الأميركية إلى ثلاثة أنواع محددة بحسب شدة الاضطراب هي(4):



وسواس السيلفي الحدي: وفيه يأخذ الفرد صور لنفسه ثلاث مرات على الأقل يوميًا، ولكنه لا يشاركهم على مواقع التواصل.


وسواس السيلفي الحاد: وفيه يأخذ الفرد صور لنفسه ثلاث مرات على الأقل يوميًا، ويشاركهم على مواقع التواصل.


وسواس السيلفي المزمن: ويعرف بأنه رغبة مُلحة لا يمكن السيطرة عليها لالتقاط الفرد صور لنفسه على مدار الساعة، ونشرها على مواقع التواصل لأكثر من ست مرات في اليوم.



وتقريبا لا تخلو معظم الدراسات التي بحثت موضوع السيلفي عن الإشارة لارتباطه بالشخصية النرجسية (Narcissism) المعجبة بذاتها والمدفوعة برغبة ملحة على الاستحواز على إعجاب الآخرين.(7) والتي تعود تسميتها إلى أسطورة نارسيس الذي كان شابا وسيما جدا تحبه جميع الفتيات ولم يكن يعرف لماذا كل هذا الحب المهووس به، فكان كل ما يرجوه أن يتركه الجميع وشأنه إلى أن رأى صورته ذات يوم منعكسة على مياه البحيرة، فأحب نفسه كثيرا ولم يعد يرغب في أي شيء سوى النظر إلى نفسه في المياه، وذات يوم حاول نرسيس أن يلمس صورته المنعكسة في الماء فسقط ومات ونبتت مكانه زهرة سميت زهرة النرجس، والتي اشتقت من اسمها كلمة النرجسية، يقول محمود درويش:



"نرسيس ليس جميلا


كما ظن.. لكن صناعه


ورطوه بمرآته.. فأطال تأمله


في الهواء المقطر بالماء..


لو كان في وسعه أن يرى غيره


لأحب فتاة تحملق فيه،


وتنسى الأيائل تركض بين الزنابق والأقحوان..


ولو كان أذكى قليلا


لحطم مرآته


ورأى كم هو الآخرون.."

















وفيما يتعلق بالفروق بين الجنسين وجد أن كلا الجنسين يفضلون التقاط ونشر السيلفي؛ ولكن الإناث أكثر ميلاً لذلك مقارنة بالذكور حيث يكسبهن ثقة بأنفسهن، وصورة إيجابية عن ذواتهن خاصة إذا حصلن على تعليقات إيجابية من أصدقائهن.(5)



وفى دراسة هدفت لبحث العلاقة بين التصوير السيلفي وسمات الشخصية لدى عينة من الجنسين. تم توجيه سؤال للمشاركين عن عدد الصور السيلفى التى يشاركون الآخرين فيها في مواقع التواصل خلال الشهر السابق للدراسة، وأوضح المشاركين أن ما يفوق (350) صورة سيلفى أخذوها بمفردهم، وما يفوق(100) صورة سيلفي مع شركائهم العاطفيين، وما يفوق (200) صورة سيلفي مع أصدقائهم. وكشفت النتائج أيضًا أن الإناث أكثر مشاركة لصورهم السيلفي من الذكور بفرق دال خلال هذا الشهر. وكشفت الدراسة عن ارتباط موجب بين التصوير السيلفي والانبساط وإظهار (استعراض) (Exhibitionism) الذات.(5)



القصة كلها تدور حول الذات


معرفة من نحن وما نحن عليه مسعى إنساني لا تخطئه العين عند جميع الناس تقريبا.(1) تقترح روتليدج أن السيلفي هو مجرد مرآة ننظر فيها لنعرف ما نحن عليه بالفعل، فهي ترى أن البشر دايما كانوا حريصين على استكشاف ذواتهم وهوياتهم الشخصية والاجتماعية، والدور الذي يلعبه لسيلفي هو نفسه الدور الذي كان يقوم به البورتريه قديما، غير أن البورتريه كان حكرا على الفنانين والأثرياء أما السيلفي حسب روتليدج فهو (دمقرطة) للبورتريه أي بورتريه السوقة بلغة نيتشه(1)، لكن هذه الوظيفة الموجهة إلى الداخل لا يعتبرها دايفينباخ وكريستوفوراكوس وظيفة مهمة إلى جانب الوظيفة الموجهة للخارج، فالناس في رأيهم لا يأخذون السيلفي ليتأملوا أنفسهم فلسفيا، وبحثا عن هوياتهم الضائعة، إنما هم يأخذونها ليراها الآخرين ومن هنا فهم يعتبرون وظيفة عرض الذات هي الوظيفة الأكثر جوهرية.(1)



وفي نهاية دراسته يقول طارق عثمان: "يختلف الناس في تحمسهم للسيلفي وفقا لاختلافهم، أولا، في سماتهم الشخصية، (خاصة سمة النرجسية)، ثانيا: في الإستراتيجيات التي يستخدمونها عادة في الواقع الاجتماعي لعرض ذواتهم، فالذين يعرضون أنفسهم عبر إستراتيجية ترويج الذات، سيكونون أكثر تحمسا للسيلفي، ويمكن أن الانتشار الطاغي للسيلفي إلى صلاحيتها للاستخدام كوسيلة ناجعة لحاجة البشر الجذرية للكشف عن ذواتهم"(1)






المصادر
1دراسة، طارق عثمان، أكثر من صورة: الدوافع النفسية للسيلفي
2Selfies, Narcissism and Social Media (Infographic)
3American Psychiatric-Association Classifies Taking of 'Selfies' as a Mental-Disorder
4AMERICAN PSYCHIATRIC ASSOCIATION MAKES IT OFFICIAL: ‘SELFIE’ A MENTAL-DISORDER
5The Personality Profile of the Selfie-Addict
6Do Selfies Make Us Self-Conscious?
7Are Selfies a Sign of Narcissism and Psychopathy?







"قرأ ولم يرد".. الرسائل النصية واضطرابتنا النفسية

مقدمة الترجمة
يتناول التقرير مشكلة الاعتماد الشديد على الهواتف الذكية في التواصل مع الآخرين، وتأثير تلك المشكلة على الأطفال بشكل خاص، ففي حين يرى البعض أن التواصل عبر الهواتف الذكية يزيد من الأمان، ينظر علماء النفس لهذه الحالة على أنها تساهم في حالات اضطرابات النفسية.
نص التقرير
تغيرت ثقافتنا كثيرا نتيجة للهواتف الذكية، فصار بإمكاننا الاطمئنان على كل ما يشغلنا بمجرد إرسال رسالة نصية إلى أصدقائنا، وصرنا نشعر بالقبول عندما نحصل على "إعجاب" على منشوراتنا في تطبيقات مثل إنستغرام وفيسبوك. ولكن ذلك الاعتماد الشديد على الأجهزة مسؤول عن حدوث تغييرات في طريقة تنظيم عواطفنا، ومن النتائج الثانوية لتلك الاتصالات الفورية تضاؤل القدرة على الشعور بعدم اليقين.
 
تبيّن أن عدم تحمّل ذلك الشك ينطوي على مجموعة من المشكلات النفسية. قد يعتبر علماء النفس أن الاعتماد المفرط للشخص على هاتفه سلوكا دالا على "البحث عن الأمان" ما يقلل من القلق لحظيا. ولكن مع مرور الوقت، تقوم تلك السلوكيات بتغذية القلق لأنها تمنع الناس من إدراك حقيقة أن خوفهم لا أساس له بمجرد اكتشاف حقيقة الوضع فعلا، أو أنه شيء يستطيعون التعامل معه.

وهذه مشکلة للأطفال بشكل خاص، إذ قد تؤدي تلك السلوكيات إلى حدوث خلل في قدرتهم على بناء القدرة على المواجهة. وللأسف فبعض التطبيقات، مثل الماسنجر أو خاصية معرفة ما إذا كان المُرسَل إليه قد "قرأ" الرسالة الموجودة في الآيفون، تخبر المرسِل ما إذا كان الطرف الآخر موجودا أو قد قرأ رسالته.
  

نحتاج إلى إعادة تدريب أنفسنا، وأبنائنا المراهقين، لمواجهة ذلك الاستغلال الواضح لحالة "الخوف من التغيّب" والخوف من الرفض. تَعَلُّم مواجهة عدم اليقين أمر ضروري للصحة العقلية.
الشك مفيد لنا
سجلت الأبحاث التي درست مجموعات من الأشخاص المصابين بأمراض عقلية أن الأفراد الذين يعانون من مجموعة من الأمراض العقلية أقل قدرة على تحمل الشك مقارنة مع أولئك الذين ليس لديهم تلك التشخيصات. وكلما قلّت قدرة الشخص على تحمل الشك زاد احتمال تشخيصه بعدد أكبر من أمراض الصحة العقلية. وقد لوحظ ذلك في البالغين، وخَلُصت أبحاثنا غير المنشورة إلى وجود نفس الارتباط عند الأطفال.

نعلم أن عدم اليقين في الأمور الإيجابية، مثل العلاقات الجديدة، وقراءة كتاب مثير، أو تلقي هدية مُغلقة، يُحسّن من مشاعرنا. المقامرة وإشعارات التطبيقات والرموز التعبيرية كلها تلعب دورا في هذه الآلية. تخيل الطنين الطفيف الذي تستقبله عندما تتلقى رسالة دافئة من صديق كنت تحبه على وجه الخصوص. إشعارات الهاتف تستفيد من ذلك الإحساس بالترقب، وتتداخل مع تركيزنا وتجذب انتباهنا مرة أخرى إلى الجهاز.
 
 

على النقيض، فوجود الشك في الأمور ذات الأهمية الشخصية، مثل الخوف من فقدان الوظيفة، أو تخيل أن مَن نحبهم لا يبادلوننا نفس الشعور، أو خوفا من الرسوب في الامتحان، أمور تزعزع استقرار الكثير منا، إذ إنها تجعلنا راغبين في القضاء على ذلك الشك بسرعة، وهو فخ آخر يمكن أن يعود بنا إلى الاعتماد على الجهاز مرة أخرى. الهواتف الذكية وتطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي تعني سهولة الاتصال بالآخرين للشعور بالاطمئنان عند مواجهة موقف مثير للقلق بدلا من التعامل معه بأنفسنا. ولذا، عندما ينجلي ذلك الموقف قد يعتقد الشخص أن قدرته على التعامل معه كانت بسبب الطمأنينة التي تلقاها، بدلا من تطوير الاعتماد على الذات. كما قد يبدأ في الاعتقاد بأنه "بحاجة" إلى هاتفه.
  
معالجة الشك
كونك أكثر راحة مع عدم اليقين أو الشك يُحسّن القدرة على التعامل مع القلق ويرتبط ارتباطا وثيقا بتحسّن الأشخاص الذين يعانون من القلق. عند علاج القلق يشجع علماء النفس عملاءهم على الجلوس في موقف معين مع جهلهم بنتائجه، وتعلم الانتظار لمعرفة ما إذا كان ما يخافون منه سيحدث.
نطلب من عملائنا التعامل مع الوضع في حياتهم الطبيعية دون الحصول على طمأنة أصدقائهم المقربين أو عائلاتهم. من خلال الاعتياد على عدم اليقين يتعلم الفرد تدريجيا أن يُشتت نفسه، وألا يحاول السيطرة على المواقف، ويدرك أن بإمكانه النجاة من محنة "عدم المعرفة" في ذلك الموقف. في الغالب بعد وقت من الانتظار لا تقع النتيجة المخيفة المتوقعة، أو أنها تكون محتملة. وهذا النوع من العلاج السلوكي المعرفي يُعتبر أفضل الممارسات في جميع حالات اضطرابات القلق. 
 
القلق يؤدي إلى مزيد من القلق، القدرة على الانتظار والتخلي عن الرغبة في السيطرة على جميع المواقف هو المفتاح الرئيس للتغلب على القلق
مواقع التواصل
من الطبيعي أن يشعر الشخص ببعض الاستثارة عندما يكون هناك شك حول شيء مهم بالنسبة له. استخدام الهواتف للدفع بالقلق نحو شخص آخر يمنع الإدارة الذاتية. وفي كثير من الأحيان لا ندرك أنه بعد فترة من الوقت (وأحيانا الكثير من الإلهاء) سيختفي ذلك الشعور البغيض. وتذكر القول المأثور "عدم وجود أخبار هو خبر جيد"، وقاوم نزعة البدء بالمراسلة.

إذا حدث شيء غير سار فمن المفيد التحدث إلى أحد الأشخاص والتفكير في الوضع الذي يزعجنا، خاصة إذا كان ذلك الأمر مهم حقا. ولكن أن يكون هذا هو خيارك الأول للتعامل مع كل الحالات فهذا ليس صحيا. يخبرك علماء النفس بأن القلق يؤدي إلى مزيد من القلق، والتحدث عن أمر مثير للقلق بشكل متكرر لا يغير النتيجة. القدرة على الانتظار والتخلي عن الرغبة في السيطرة على جميع المواقف هو المفتاح الرئيس للتغلب على القلق.
 
إذا كان لديك شريك لا يتوقف عن النظر في هاتفه فشجّعه على مشاركتك (مواقع التواصل)

مساعدة الأطفال في التعامل مع الشك
لمساعدة الأطفال في بناء القدرة على التحمل علينا أن نبيّن لهم أن بإمكاننا التعامل مع عدم اليقين الذي نواجهه نحن. اجعل هناك وقتا تُغلق فيه هاتفك تماما خلال الليل والنهار، واتركه في المنزل عمدا، واعمل على تعزيز ذلك ببطء.

إذا كان لديك شريك لا يتوقف عن النظر في هاتفه فشجّعه على مشاركتك، كونوا مثالا لعادات أسرية جديدة عند زيارة الآخرين، اجعل هناك أياما لا يستخدم فيها أطفالك هواتفهم. نحتاج جميعا أن نُثبت لأنفسنا أننا سنكون على ما يرام دون هواتفنا.
___________________________________________
مترجم عن: (ذا كونفرسيشن)

25‏/11‏/2017

كيف نتعامل مع الميتافيزيقا اليوم؟ – بيتر انواجن

مقدمة في الميتافيزيقا

نتيجة بحث الصور عن ‪gif Metaphysics‬‏

   غالبًا ما يبدأ أي كتاب في الجيولوجيا أو في قانون الضرائب أو في نظريّة الموسيقى بمقاربة ما عن ما هي الجيولوجيا أو ما هو قانون الضرائب أو ما هي نظرية الموسيقى. ربما يُتوقّع من تمهيد لأي موضوع تقريبًا أن يبدأ بمقاربة عامة عن ذلك الموضوع، وشيء شبيه بتعريف. بالتالي، فمقدمة لعلم الأحياء قد تبدأ بكلمات من قبيل : “علم الأحياء هو الدراسة العلمية للأعضاء الحيّة”، وكتاب في علم الاجتماع قد يبدأ بإخبار قرّاءه أن علم الاجتماع هو دراسة كيفية حياة الناس مع بعضهم البعض. هذا هو المعتاد، أوّل ما يريد طالب لموضوع ما معرفته هو ماهية هذا الموضوع. الحاجة إلى تعريف حاجة مُلحّة خصوصًا في حالة الميتافيزيقا.

   يمتلك أغلب الناس على الأقل فكرة عامة عن ما تعنيه “الجيولوجيا (علم الأرض)” و”قانون الضرائب” و”نظرية الموسيقى”، حتى لو كان من الصعب تقديم تعريفات على طريقة المعاجم لهذه المصطلحات. لكن يكاد يكون من الثابت [لو] أن شخصًا لم يدرس الميتافيزيقا – بشكل رسمي، في مقرر دراسي في الجامعة – لن تكون لديه فكرة عن ما تعنيه كلمة “ميتافيزيقا”. بالتالي، يبدو من الواضح أن مقدمة عن الميتافيزيقا يجب أن تبدأ بتعريف ما. للأسف، من المُستبعد أن يوضّح تعريف الميتافيزيقا أي شيء(1). أفضل طريقة لشرح طبيعة الميتافيزيقا يكون عبر مثال. ستحصل على فكرة جيّدة إلى حدٍ ما عن ما هي الميتافيزيقا عندما تنتهي من قراءة هذا الكتاب. لكن يصعب أن تُحل المشكلة بهكذا حل. أي شخص يفتح كتابًا له الحق في ما يشبه المقاربة التمهيدية عن ما يدور الكتاب حوله. هذا الفصل محاولة لهذا النوع من المقاربات.

   عندما قُدِّمت لي الميتافيزيقا أثناء دراستي الجامعية، قُدّم لي التعريف التالي : الميتافيزيقا هي دراسة الحقيقة النهائية. يبدو لي حتى الآن أن هذا هو أفضل تعريف رأيته للميتافيزيقا. مع ذلك، فهو ليس تعريفًا مفيدًا أو يحمل أيّ معلومات. قد يسأل أحدهم : ما معنى “حقيقة” وما معنى معيار “النهائية”؟ مقاربتي التمهيدية للميتافيزيقا تأخذ شكل محاولة الإجابة على هذه الأسئلة.

   نعلم بأنه يمكن أن تكون المظاهر مضللة. بمعنى، نعلم أن الطريقة التي تبدو ( أو تُسمع أو تُشعر أو تُشم أو تُذاق ) عليها الأشياء قد تضللنا عن ما تبدو عليه هذه الأشياء فعلًا. نعلم أن جان قد تبدو بصحة وعافية لكن مع ذلك هي تحتضر. نعلم بأن توم قد يبدو أمينًا، ومع هذا هو شخص يُعتمد عليه. نعلم أنه إذا سحب شخص يده للتو من ماء ساخنٍ جدًا، قد يكون ملمس الأشياء الدافئة باردًا بالنسبة له. لضرب مثال أهم، نعلم بأن أكثر الأشخاص علمًا في العصر الوسيط كانوا يعتقدون بأن الأرض هي مركز الكون، وأن الشمس والقمر والنجوم والكواكب كانت مُثبّتة في أفلاك خفيّة تدور حول الأرض الثابتة.

   دعونا نُركز على المثال الأخير. لماذا اعتقد القروسطيون ( من عاش في القرون الوسطى ) بهذا؟ حسنًا؛ لأن هذه هي الكيفية التي كانت تُشعر بها الأشياء ( الأرض تحت أقدامنا تبدو بأنها لا تتحرك )، وهذه هي الكيفية التي تُرى بها الأشياء. نعلم اليوم أن النظام الفلكي الذي قَبله القروسطيون – والذي قبله الإغريق وورثه من عاش في العصر الوسيط عنهم – خاطئ. نعلم بأن القروسطيين- والإغريق من قبلهم- خُدعوا بالمظاهر. نعلم بأنه حتى وإن كانت الأرض الصلبة تحت أقدامنا تبدو ثابتة، هي في الحقيقة تدور حول محورها مرة كل 24 ساعة. ( بالتأكيد، نعلم أيضًا أنها تدور حول الشمس أيضًا، لكن لنركز على دورانها حول محورها فقط ) تخيل الآن أنك راكب على لعبة الخيل الخشبية الدوارة وتضع عصبة على عينيك. هل يمكنك أن تعلم هل لعبة الخيل الخشبية الدوارة تدور أم ثابتة؟ بالتأكيد يمكنك ذلك : ركاب لعبة الخيل الخشبية الدوارة المتحركة سيشعرون باهتزاز، وبهبّات الهواء، و-في بعض الحالات- شيء يصعب وصفه شبيه بالـ”جذب” ( هذا الأخير سيكون واضحًا لشخص يسير إلى أو من مركز لعبة الخيل الخشبية الدوارة ). هذه المؤثرات تقدّم “الإشارات”، غير الإشارات البصرية، التي نوظفها في حياتنا اليومية لنعلم إذا ما كنّا نتحرك بحركة دائرية أم لا. القروسطيون واليونانيون القدامى افترضوا هذا لأنهم لم يشعروا بهذه الإشارات عندما كانوا واقفين أو عندما كانوا يسيرون على سطح الأرض، بالتالي الأرض لم تكن تدور. يمكننا اليوم أن نرى خطأهم. لا يشعر “ركّاب” الأرض باهتزاز؛ لأن الأرض تدور من غير قيد في ما هو خلاء أساسًا. عندما يتحركون على سطح الأرض لا يشعرون بالـ”جذب” المذكور أعلاه؛ لأن هذا التأثير – مع أنه حاضر – ليس كبيرًا بما فيه الكافية لكي تلتقطه حواس الإنسان المجرّدة (من غير مساعدة الآلات). ولا يشعرون بهبّات الهواء المندفعة؛ لأن الهواء يُحمل مع سطح الأرض المتحرك، وبالتالي هو [الهواء] لا يتحرك بالنسبة لهم.

   يُبيّن هذا المثال أنه يُمكن أحيانًا الذهاب “ما وراء” المظاهر التي يُقدمها العالم لنا واكتشاف حقيقة الأشياء : اكتشفنا أن الأرض تدور حقًا، بغض النظر عن حقيقة أنها ظاهريًا ثابتة.

   لنمعن النظر قليلًا في الكلمتين : “حقًا” (really) و”ظاهريًا” (apparently). ليس لهما معنى كبير بمعزل عن بعضهما البعض. عندما نقول بأن شيئًا ما صحيح حقًا، نُضَمِّن بأن شيئًا آخر صحيح ظاهريًا. يُصعب تصور أحد ما يقول بأن اثنين زائد اثنين يساوي أربعة حقًا، أو أن إبراهام لينكون كان رجلًا حقًا. السبب أنه في كلتا الحالتين لم يوجد مقابل “ظاهري”. اثنان زائد اثنين لا يساوي ظاهريًا ثلاثة أو خمسة، ولينكون لم يكن ظاهريًا امرأة أو قط أو من المريخ.

   الاسمان “مظاهر” و”حقيقة” مشتقان من “ظاهريًا” و “حقًا” ويتعلقان ببعضهما البعض بنفس الطريقة. نتحدث عن حقيقة عندما يكون هناك مظهر مضلل يجب علينا (To be) “الذهاب ما وراءه” أو “نرى من خلاله”: حقيقة الأمر هو (بغض النظر عن المظاهر) أن الأرض تدور حول محورها، وفي الحقيقة (وبغض النظر عن المظاهر) السماوات لا تدور حول الأرض. لكن هذا قد يُشير أنه عندما نتمكن من الذهاب وراء مظهر مضلل، ما سنعثر عليه هناك شيء يمكننا تسميته “حقيقة” من دون الحاجة إلى إثبات. مع هذا، في واقع الأمر، ما نعثر عليه وراء المظهر هو في الغالب شيء يمكن تسميته “حقيقة” فقط بالنسبة لذلك المظهر. ما نعثر عليه خلف المظهر غالبًا ما يكون مظهرًا آخر يُخفي حقيقة أعمق. على سبيل المثال، في عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين، كان كتّاب أدبيات العلوم المبسّطة يحبّون أن يدهشوا قراءهم بإخبارهم أن العلم اكتشف أن ما اعتقد الناس أنها أشياء صلبة ( أشياء مثل الطاولات والكراسي ) هي في الحقيقة “أغلبها مساحة فارغة”. وبالتأكيد كان هناك معنى ما تكون فيه هذه المقولة صحيحة. مع هذا، في نفس الوقت الذي كان كتّاب أدبيات العلوم المبسّطة يذيعون هذا الكشف، بدأ الفيزيائيون اكتشاف أن ما يُطلق عليه “مساحة فارغة” كان في الحقيقة أبعد ما يكون عن الفراغ. بعبارة أخرى، لم يمضي الكثير من الوقت عندما بدأ الناس يتقبلون فكرة أن ما نُسميه عادةً أشياء صلبة يحتوي ما نُسميه عادة مساحة فارغة حتى تم اكتشاف أن ما نسميه عادة مساحة فارغة هو في الحقيقة مكتظ “بالسكان”. هذه الحلقة القصيرة في تاريخ الأفكار تُشير إلى سؤال عام : هل يُمكن أن الحقيقة خلف كل مظهر هي نفسها ليست إلا مظهرا ثانيًا؟ إذا كانت الإجابة على هذا السؤال هي لا؛ إذن هناك حقيقة ليست مظهرًا أيضًا. هذه الحقيقة الأخيرة أو “النهائية” هي موضوع الميتافيزيقا.

   إذا لم يكن هناك حقيقة نهائية؛ إذن الميتافيزيقا هي دراسة من غير موضوع. ( لن تكون [الميتافيزيقا] الوحيدة. على سبيل المثال التنجيم هو دراسة من غير موضوع، بما أن التأثيرات السماوية على حيواتنا التي يدّعي المنجمون دراستها ليست موجودة أصلًا ). مع هذا، من الصعب أن نرى كيف أنه لا وجود لحقيقة نهائية. افترضي أن صديقتكِ جان تحاول أن تُخبركِ بأنه لا وجود لحقيقة نهائية، تقول : ” ليس هناك إلا مظاهر”، “عندما تظنين أنكِ عثرتي على حقيقة، ما عثرتي عليه ليس إلا مظهرًا آخر. أوه، قد يكون مظهرًا أعمق، أو مظهرا أقل تضليلًا من الذي قبله، لكن سيظل مظهرًا. وهذا لأنه لا وجود لحقيقة نهائية تنتظر أن يُعثر عليها.”

   لنمعن النظر جيدًا في مقولة جان في أنه لا وجود لحقيقة نهائية. هل هي شيء حقيقي أم شيء ظاهري؟ يبدو من الواضح أن جان تحاول أن تخبرنا كيف تبدو حقيقة الأشياء. ويا للمفارقة، من خلال إخبارنا أنه لا وجود لحقيقة نهائية، تخبرنا جان أن الحقيقة النهائية تتكون من سلسلة لا متناهية من المظاهر. بعبارة أخرى، مقولة أنه لا وجود لحقيقة نهائية -كما يمكننا القول- تدحض نفسها بنفسها؛ لأنها مقولة حول الحقيقة النهائية، ولو أنها صحيحة؛ فهي مقولة صحيحة حول الحقيقة النهائية. بالتالي، لا يبدو من الممكن تجنّب نتيجة أنها حقيقة نهائية وأن الميتافيزيقا لها موضوع. لكن علينا أن نؤكد أن لا شيء مما قلناه يميل لأن يظهر أن الميتافيزيقا عندها الكثير لتقوله : ربما لا يوجد شيء يُمكن اكتشافه عن الحقيقة النهائية إلا حقيقة أنه  يوجد حقيقة نهائية.

   إذن الحقيقة النهائية تحاول أن تذهب وراء المظاهر وأن تقول الحقيقة النهائية حول الأشياء. سيبدو من المريح أن نحصل على اسم جامع للـ”أشياء” لكل شيء. لنُسمّي “كل شيء” إجمالًا “العالم”. بما أن “العالم” لكل الشيء؛ فالعالم يتضمن حتى الله ( لو كان هناك إله). إذن نحن نستعمل الكلمة بمعنى أوسع من المعنى الذي يستعمله المؤمن الديني الذي يقول : “الله خلق العالم”. إذا كان علينا أن نقرر لاحقًا أن هناك إله خلق كل شيء عداه؛ سيكون من السهل العثور على كلمة أخرى لاستخدامها كاسم جامع لكل شيء عدا الله : “الكون” مثلًا.

   تحاول الميتافيزيقا أن تقول الحقيقة النهائية عن العالم، عن كل شيء. لكن ما الذي نُريد أن نعرفه عن العالم؟ ما هي الأسئلة والإجابات التي ستكون الحقيقة النهائية عن الأشياء؟ اقترح بأنها ثلاثة أسئلة :

1 – ما هي أكثر خصائص العالم عمومية، وما هي الأشياء التي تحتويه؟ ما الذي يبدو عليه العالم؟

2 – لماذا يُوجد العالم، وأكثر تحديدًا، لماذا هناك عالم يمتلك هذه الصفات ويحتوي على المحتوى الموصوف في الإجابة على السؤال الأول؟

3 – ما هو موقعنا في العالم؟ كيف نتكيف نحن البشر فيه؟

   أحد طُرق إدراك المقصود بسؤال ما هو البحث عن إجابات محتملة. سأبسط مجموعتين من الإجابات على هذه الأسئلة، على أمل أنهما سيجعلان الأسئلة أوضح من خلال إظهار ما أنواع العبارات التي تُعتبر إجابات عليهم. المجموعة الأولى من الإجابات -التي كانت مقبولة على نطاق واسع في القرون الوسطى- هي هذه :

1 – العالم يتكون من الله وكل ما خلق. الله لا متناهٍ ( بمعنى أنه غير محدود العلم، القدرة، والرحمة) وروح (بمعنى أنه ليس ماديًا). خلق كلًا من الأرواح والأشياء المادية، لكن كل الأشياء التي خلقها محدودة ومتناهية. الله موجود منذ الأزل، وفي لحظة مُعينة في الماضي خلق كل شيء آخر لأول مرة، قبل هذا، لم يوجد أي شيء عدا الله. سيوجد الله دائمًا، ودائمًا ستوجد أشياء سيخلقها.

2- لابد أن يوجد الله، مثلما أن اثنين زائد اثنين يساوي أربعة. لكن لا يوجد أي شيء آخر يمتلك هذه الميزة، كل شيء عدا الله كان من الممكن أن لا يوجد. توجد كل الأشياء عدا الله لأن الله ( الذي يمتلك القدرة على فعل أي شيء ) تسبب بوجودهم من خلال إرادة حرة. كان يمكنه اختيار أن لا يخلق أي شيء، في هذه الحالة لن يوجد أي شيء عداه هو نفسه. عِلاوة على ذلك، لم يُخرج الله كل الأشياء الأخرى إلى الوجود فحسب، لكنه أيضًا يبقيها في الوجود في كل لحظة. لو أن الله لم يبقِ الشمس والقمر وكل شيء آخر في الوجود في كل لحظة؛ سيختفون من الوجود فورًا. الأشياء المخلوقة ليس لها القدرة على إبقاء نفسها في الوجود مثلما أن الحجارة وشذرات الحديد لها القدرة على إبقاء نفسها معلّقة في الهواء.

3- البشر خُلقوا من قِبل الله ليحبوه ويعبدوه إلى الأبد. إذن، كل واحد منهم ومنهن له/ـا هدف أو مهمة. بنفس المعنى الذي نقصده في قولنا أنه من الصحيح أن مهمة قلب جون هو ضخ الدم، من الصحيح عن جون أن مهمته هي حب وعبادة الله إلى الأبد. لكن، على خلاف القلب، الذي لا يملك خيارًا بشأن ضخ الدم من عدمه، للإنسان إرادة حرة وبإمكانه رفض الشيء الذي خُلق من أجله. ما نسميه تاريخ الإنسانية هو ليس أكثر من عواقب اختيار بعض البشر عدم القيام بما خُلقوا من أجله.

   المجموعة الثانية من الإجابات – التي كانت مقبولة على نطاق واسع في القرن التاسع عشر – هي هذه :

  • العالم يتكون من مادة في وضع الحركة. لا شيء إلا المادة، التي تعمل طِبقًا إلى قوانين الفيزياء الصارمة والمطردة. كل شيء خُلق بالكامل من المادة، وكل ناحية من نواحي تصرفه راجع إلى عمل هذه القوانين.

  • المادة موجودة منذ الأزل ( ودائمًا ما وُجدت بنفس الكمية بالضبط )، المادة لا تفنى ولا تستحدث من العدم. لهذا السبب، لا وجود لـ”لماذا” بالنسبة إلى وجود العالم. لأن العالم ماديٌ بالكامل، ولأن المادة لا تفنى ولا تستحدث من العدم، العالم أزلي (قديم) : كان موجودًا دائمًا. السؤال “لماذا وُجد [العالم]؟” سؤال يُمكن أن يُسأل فقط عن شيء له بداية. تكون معلومة مطلوبة [عندما نتحدث] حول ما الذي تسبب في خروج الشيء إلى الوجود. بما أن العالم أزلي السؤال “لماذا العالم موجود؟” لا معنى له.

  • البشر مُركبات مُعقدة من المادة. بما أن العالم أزلي، وجود مُركبات مُعقدة من المادة ليس مفاجئًا، خلال مدة زمانية لا متناهية، كل المركبات المُعقدة من المادة الممكنة ستخرج إلى وجود. البشر ليسوا إلا واحدًا من هذه الأشياء التي تحدث من حين إلى آخر. لا هدف لهم ولهن. وجودهمـ/ن ومميزاتهمـ/ن عرضي مثلما أن وجود وشكل بقعة من الحليب المسكوب عرضي. حياتهمـ/ن -حياتنا- لا معنى لها (وراء معنى ذاتي محض نختار إيجاده فيها) وينتهون في النهاية بموت جسدي، بما أنه لا وجود للروح. الشيء الوحيد الذي يُقال عن مكانة البشر في العالم هو أنهمـ/ن جزء مؤقت من العالم.

هذان المجموعتان من الإجابات هما بالفعل متضادتان بشكل جذري. على الرغم من هذا، يمتلكان العديد من الخصائص المشتركة. على سبيل المثال، كل واحد منهما يفترض أن الأشياء المفردة ( أشياء مثلي ومثلك وقمة جبل إفرست ) حقيقية. لكن، مجموعات أخرى من الإجابات سترفض هذا الافتراض، وتزعم أن كل فردية هي محض مظهر، وفي الحقيقة لا وجود لأشياء مستقلة على الإطلاق. ( شيء مثل هذا قد يقوله أتباع العديد من الديانات الشرقية مثل الهندوسية والبوذية ). كلتا مجموعتي الإجابات تفترض مُسبقًا حقيقة الزمن، لكن هناك أولئك الذين يقولون أن الفصل بين الأحداث في الزمن ( الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية الفاصل الزمني بينهما هو 20 عامًا )، “اتجاه” أو “توجّه ” الزمن ( التفريق بين الماضي والحاضر والمستقبل )، وما يظهر أنه تحرك أو “مرور” الزمن، كلها محض مظاهر. وهناك أولئك الذين يقولون شيئًا مشابهًا حول المكان : الـ”هنا” والـ”هناك” المتعارف عليها في التجربة العادية ليست أكثر من مظهر. كلتا المجموعتين من الإجابات تفترض حقيقة العالم المادي، عالم من أشياء لا ذهنية، لكن وُجد فلاسفة اعتقدوا بعدم وجود شيء في الخارج. وأخيرًا، كلتا المجموعتين من الإجابات – فقط لكونهما مجموعتين من الإجابات – يفترضان مُسبقًا أن أسئلتنا الثلاثة يُمكن أن يُجاب عليها. لكن، كما سنرى لاحقًا في هذا الفصل، هناك من يرى أن “أسئلتنا” الثلاثة ليست أسئلة أساسًا، بل مجرد صف من الكلمات لها مظهر زائف للأسئلة ( وبالطبع، إذا لم تكن أسئلة؛ فليس لها إجابات ).

   لو كنت محقًا في افتراض أن الإجابات على أسئلتنا الثلاثة ستكون الحقيقة النهائية عن العالم، يمكننا [إذن] تعريف الميتافيزيقا بوصفها الدراسة التي تُقدم إجابات على هذه الأسئلة الثلاثة وتحاول أن تختار بين مجموعات الإجابات المتنافسة حولهم. (يظهر هذا التعريف في بنية الكتاب الحالي : كل جزء من أجزاء الكتاب الثلاثة هو بحث في واحد من هذه الأسئلة الثلاثة.)

   شيء آخر يساعدنا في فهم ما المقصود بالميتافيزيقا نراه في تمييز الميتافيزيقا عن أشياء أخرى يُمكن أن تشتبه بها، أولًا، يجب أن تُميّز الميتافيزيقا عن أكثر العلوم عمومية و شمولًا لكل شيء في العلوم الفيزيائية : علم الكونيات (Cosmology) وفيزياء الجسيمات الأوليّة (physics of elementary particles). )علم الكونيات جزء من علم الفلك يدرس الكون المادي أو “الكوزموس” ككل. تدرس فيزياء الجسيمات الأوليّة المكونات الأساسية للكون المادي والقوانين التي تعمل بها.) خلص مجالا البحث هذان لأن يكونا متصلين ببعضهما البعض، وقدّما منذ الستينيات نتائج لها أهمية بالغة للميتافيزيقا. لنعطي اسم “علم الكونيات المادي” (physical cosmology) لهذه البحوث العلمية التي تتضمن كلا من علم الكونيات وفيزياء الجسيمات الأوليّة المتعالقين. هذا مثال للأهمية الميتافيزيقية لعلم الكونيات المادي. يبدو أن إظهار أن الكون المادي كان له بداية في الزمن ( قبل حوالي 13.7 بليون سنة )، أو على الأقل، ليس له ماضٍ يمتد إلى ما لا نهاية كان فيه كما هو الآن. لو كان هذا صحيحًا، كل تأمل ميتافيزيقي يفترض مُسبقًا ماضٍ يمتد إلى ما لا نهاية حيث كانت فيه كل عناصر الكون مثلما هي في الكون في الزمن الحالي تُعيد تشكيل نفسها إلى ما لا نهاية –  مجموعة الإجابة الثانية على أسئلتنا الثلاثة تُقدم مثالًا مهمًا لتأمّل يفترض هذا الافتراض المُسبق – غير صحيحة. وهذا لوحده كافٍ في توضيح أهمية علم الكونيات المادي للميتافيزيقا.

   لكن حتى لو كان لعلم الكونيات المادي أهمية بالغة للميتافيزيقا، هو لا يُقدّم إجابات -ولا يمكنه ذلك- لكل الأسئلة التي تطرحها الميتافيزيقا. مثلًا، لا يمكنه الإجابة على سؤال “لماذا العالم موجود؟” ( أو على الأقل، يبدو هذا واضحًا بالنسبة لي. لكن هناك العديد ممن يأمل أنه في يومٍ ما – ربما في يوم ليس ببعيد – سيجيب علم الكونيات المادي على هذا السؤال. في نظري هذا أمل خاطئ. سنرى هذا في الفصل السابع.) علِاوة على ذلك، علم الكونيات المادي لا يقول لنا إذا ما كان الكون المادي هو كل ما هناك ولا يمكنه ذلك، إذا ما كان في العالم شيء أكثر من الكون المادي. أحيانًا يؤكد العلماء أن العالم مُطابق للكون المادي. كما فعل عالم الفلك المشهور، كارل سيجان المتأخر، في كلماته الافتتاحية في مسلسله التليفزيوني الشهير الكون (Cosmos كوزموس)، لكن هذا الإقرار إقرار ميتافيزيقي، وليس إقرارًا علميًا. بالتأكيد من الممكن المجادلة أن العلم الحديث سيكون في مقدوره يومًا ما شرح كل الظواهر القابلة للملاحظة، وبالتالي على الشخص أن يعتقد أن العالم مطابق للعالم المادي، بما أنه يجب على الشخص أن لا يعتقد بشيء يتجاوز الأشياء التي يفترضها العلم الحديث خلال شرحه لها. لكن هذه الحجة – وأي حجة غيرها لها نفس النتيجة ستكون – حجة ميتافيزيقية وليست حجة علمية.

   ثانيًا، يجب تمييز الميتافيزيقا عن اللاهوت المقدس أو الوحياني. اللاهوت هو، بالتعريف، علم أو دراسة الله. اللاهوت يتداخل جزئيًا مع الميتافيزيقا. ما هو مشترك بين اللاهوت والميتافيزيقا يُسمى عادة اللاهوت الفلسفي أو اللاهوت الطبيعي. الجزء المتبقي من اللاهوت هو ما يُسمى لاهوتًا مقدسًا أو وحيّي. طبقًا إلى هذه الأديان التي تعتبر الله وجودًا مريداً متداخلاً في التاريخ ( ما يُسمى الأديان الإبراهيمية : اليهودية، والمسيحية، والإسلام ). أوحى الله للبشر حقائق مُعينة مُهمة لا يمكنهم العثور عليها بأنفسهم. اللاهوت المقدس أو الوحياني هو الدراسة المنهجية للحقائق التي يُفترض أن الله أوحاها. العديد من هذه الحقائق التي يفترض أنها موحاة ميتافيزيقية، أو ميتافيزيقية جزئيًا في جوهرها. بمعنى، هي من النوع الصحيح، أو الذي يتضمن إجابات على سؤال أو أكثر من أسئلتنا الميتافيزيقية الثلاثة. مع هذا، تمامًا كما يجب تمييز الميتافيزيقا عن علم الكونيات المادي، يجب تمييز الميتافيزيقا عن اللاهوت الوحياني.

   علم الكونيات المادي واللاهوت الوحياني لهما مناهجهما وتاريخهما الخاص، كل واحد منهما يختلف عن منهج وتاريخ الميتافيزيقا، على الرغم من أنه يُصعب عمليًا تمييز تواريخ الثلاثة عن بعضها البعض. كلا من علم الكونيات المادي واللاهوت الوحياني يصادقان على – بالإضافة إلى المصادقة على ( بطرق ودرجات متفاوتة ) عبارات ونظريات لا علاقة لها بحقل الميتافيزيقا – عبارات ونظريات لها نتائج ميتافيزيقية مهمة. لكن لا يعني هذا أن الميتافيزيقي(2) يمكنه الاستفادة نفس الاستفادة من علم الكونيات المادي واللاهوت الوحياني. فرقان مهمان بين العلم الكونيات المادي واللاهوت الوحياني يتضمن أن على الميتافيزيقي معاملة هذين المجالين بشكل مختلف.

   أولًا، هناك معنى مباشر ووحيد لعلم الكونيات المادي، لكن كل دين من الأديان الإبراهيمية له لاهوته الوحياني الخاص ( بما أن لكل واحدٍ منهم رؤاه الخاصة حول محتوى وحي الله إلى البشر ). من المهم ملاحظة أن علمًا خاصًا للكون المادي ليس أمرًا لا مندوحة عنه. من السهل تصوّر عالمًا يكون فيه لكل دين ولكل أيديولوجيا سياسية علمه “الخاص”، يتضمن علم كونيات خاص به. أي أحد يشك فيما إذا كان هذا ممكنًا، عليه التفكّر في حقيقة أنه ليس منذ زمن بعيد، كانت نظريات علم الكونيات التي تتضمن أن الكون المادي كان له بداية في الزمن يتم ردعها في الاتحاد السوفياتي؛ لأن هذه الفكرة تناقض تعاليم الفلسفة السوفيتية الرسمية: المادية الجدلية. أو التفكّر في حقيقية أنه خلال حكم الرايخ الثالث كان يُسخر من نظرية النسبية العامة ( أداة لازمة لعلم الكونيات المادية ) وتُنبذ بوصفها “علم يهودي” : وليس فقط من قِبل القوميين الاشتراكيين البيروقراطيين، بل حتى من حاصلين على نوبل.

   الفرق المهم الثاني بين علم الكونيات المادي واللاهوت الوحياني هو أنه بينما لا أحد عمليًا يعتبر علم الكونيات المادي علم زائف أو مستودع أوهام، هناك رأي واسع ومحترم يرى أنه لم يكن هناك أي وحي إلهي، وبالتالي علم اللاهوت الوحياني هو علم وهمي بالكامل. تتقوى هذه الرؤية بالتأكيد بحقيقة أن المؤمنين بالوحي الإلهي لا يجمعون على رأي واحد حول محتواه [أي الوحي]. لكن حتى لو كان هناك إجماع تام حول ذلك المحتوى ( بين أولئك الذين يؤمنون أن الوحي قد وقع )، سيبقى هناك بلا شك رأي واسع ومحترم يرى أن الوحي وهمي. من المهم تذكر أنه – في علاقة مع هذه الملاحظات – تمامًا مثل أولئك الذين يؤمنون بالوحي، هؤلاء الناس الذين يكوّنون بشكل جماعي ” رأيًا محترمًا” لا يجمعون على رأي واحد. ينتج من هذا أن الرأي المحترم يجب أن يكون خطًأ أحيانًا. بالفعل، الرأي المحترم قد يكون خطأ فتاكًا جدًا. رأي محترم كان يقول أن واجب أوروبا المقدس هو فرض نمط حضارتها على بقيّة العالم، ورأي محترم كان يقول أن كارل ماركس قد أنجز فهمًا علميًا للتاريخ، وأن سيغموند فرويد قد أنجز فهمًا علميًا للاوعي الإنسان.

   مع ملاحظة هذه الشروط ، لا يزال صحيحاً في الواقع أن هناك علم كونيات مادي واحد ( وعدة لاهوتيات موحاة )، ويبقى من الصحيح أن رأيًا واسعًا ومحترمًا يعتبر أن أي اعتقاد بوحي هو وهمي بالكامل. بالتالي، يصعب التمسّك بقول أن الميتافيزيقي – حتى الميتافيزيقي الذي يقبل حقيقة الوحي الإلهي – يمكنه استخدام نفس استخدام علم الكونيات المادي واللاهوت الوحياني. اعتبر نفسي في هذا الكتاب حرًا في استخدام أي نظرية مقبولة على نطاق واسع في علم الكونيات. لكن، بغض النظر عن حقيقة أنني أؤمن بالوحي الإلهي وأؤمن بأن العديد من الأشياء التي أوحاها الله لها تطبيقات ميتافيزيقية مهمة، لا استدل بالوحي. السبب بسيط : من خلال استخدامي لعلم الكونيات المادي، أنا لا أحصر عدد قرائي بأي حال من الأحوال، ولو استدليت بما اعتقد انه وحي إلهي؛ فبلا أدنى شك ضيّقت نطاق قرائي إلى من يتفق معي حول محتوى الوحي الإلهي، وأنا لا أرغب في حصر نطاق قرائي.

   إذن، يجب تمييز الميتافيزيقا عن علم الكونيات المادي واللاهوت الوحياني. لكن الميتافيزيقا جزء أو فرع من الحقل الأعم للفلسفة، ويجب تمييزها عن أجزاء أخرى من الفلسفة(3). مع هذا، أي تمييز بين الميتافيزيقا وأجزاء أخرى من الفلسفة سوف يكون مصطنع إلى حد ما؛ وذلك لأن كل جزء من الميتافيزيقا يطرح أسئلة ميتافيزيقية، وبالتالي، منفصل بالكامل عن الميتافيزيقا. لنلق النظر على مثال توضيحي. الفرع الفلسفي المُسمى أخلاق، أو الفلسفة الأخلاقية، هي بحث في طبيعة الخير والشر، والصواب والخطأ. أي شخص يُفكر في هذه المواضيع سيجد نفسه قريبًا قد طرح أسئلة ميتافيزيقية. انظر مثلًا في عبارة أن هيتلر كان رجلًا شريرًا. (عبارات مثل هذه تعتبر بالتأكيد جزء من موضوع بحث الأخلاق). العديد سيرى هذه العبارة – بمعنى مباشر – صحيحة. إذا كانت هذه العبارة صحيحة، يبدو أن الشخص الذي يعزو إلى هيتلر صفة أو سِمة تُسمى أن تكون شريرًا. لكن ما نوع هذه الصفة؟ من الواضح أنها ليست صفة جسدية لهيتلر مثل طوله أو وزنه. وإذا لم تكن صفة جسدية، وإذا كانت موجودة فعلًا، إذن يبدو أنه ينتج من هذا أن العالم يحتوي بمعنى من المعاني أشياء لا جسدية (مادية)، لأنه إذا كان هتلر شريرًا، وإذا كان الشر شيء لا مادي؛ إذن كيف يمكن أن العالم بكامله يتكون من مادة في وضعية الحركة؟

   من أجل تيسير أمر الإحالات [إلى الفروع الفلسفية المختلفة]، سأسرد هنا أهم فروع الفلسفة غير الميتافيزيقا والأخلاق : الابستمولوجيا، أو نظرية المعرفة، التي تبحث في طبيعة ومجال وشروط المعرفة الإنسانية. المنطق يبحث في طبيعة التفكير الصحيح ومحاولة بسط القوانين التي تضمن صحة التفكير. الاستطيقا تبحث في طبيعة الأعمال الفنية، تكوينهم من قِبل الفنانـ/ـة، وطبيعة فعل النظر إليهم، أو الاستماع لهم، أو قراءتهم. بالإضافة إلى فروع الفلسفة هذه التي تحمل اسمًا تراثيًا من كلمة واحدة ( سيلاحظ القارئ أنها كلّها من أصل إغريقي )، يوجد هناك لائحة طويلة من “فلسفة الكذا” : التي هي فروع فلسفية تتعامل مع أسئلة عامة ومحيّرة جدًا (أي أسئلة فلسفية) حول طبيعة الإنسان والفروع المختلفة للمعرفة الإنسانية، والأنشطة التي هي إنسانية على نحو خاص ومميز. أسمائها تشرح نفسها بنفسها إلى حد بعيد : فلسفة العقل، الفلسفة السياسية، فلسفة العلم، فلسفة الرياضيات، فلسفة اللغة، فلسفة الدين، فلسفة التاريخ، فلسفة القانون. لا يمكن وجود لائحة نهاية من “فلسفة الكذا”؛ لأنه لا توجد لائحة نهائية ممكنة للمواضيع المهمة التي يمكن أن تقدم أسئلة عامة ومحيّرة جدًا. ما يجب على المبتدئ في الميتافيزيقا أن يبقيه في ذهنه هو أنه على الرغم من أن الميتافيزيقا تمتاز عن كل بقية فروع الفلسفة، كل واحد منهم -مثل الأخلاق- يقدّم أسئلة ميتافيزيقية مهمة؛ وبالتالي لا يمكن اعتبارها منفصلة تمامًا عن الميتافيزيقا.

   ربما بذلنا كل ما في وسعنا في مقدمة تمهيدية لما المقصود بـ”ميتافيزيقا”. يُمكن إحراز فهم أعمق للميتافيزيقا فقط من خلال “فعل” بعض الميتافيزيقا فعلًا، وهذه مُهمة الفصول المتبقية من هذا الكتاب. لكن قبل دراسة شيء من الميتافيزيقا علينا أن نكون واعين بمنحى مهم يختلف فيه كتاب عن الميتافيزيقا عن كتاب في الجيولوجيا، أو قانون الضرائب، أو نظرية الموسيقى. تحتوي هذه الكتب الثلاثة – وفي غيرها من المواضيع – على معلومات. هناك أشياء يمكنك أن تتعلمها منهم : أن القارات في حالة حركة، أو أنه يمكن فرض ضرائب على الشركات، أو أن التآلف السباعي الناقص يتكون من تآلف ثلاثي ناقص بالإضافة إلى مسافة التآلف السابع الناقص فوق الجذر. يُمكن أن يطلب منك إجراء اختبارات عن محتوى هذه الكتب، وللأسف، إجاباتك قد تكون خاطئة. لو كتبت في اختبارك لقانون الضرائب أنه يُمكن فرض ضرائب على الأفراد فقط، لن يُشيد أحد بأصالتك واستقلالك الفكري. سيتم تخطئة إجابتك لا أكثر. الميتافيزيقا ليست كذلك. لا توجد معلومات في الميتافيزيقا، ولا توجد حقائق ثابتة تُتعلم(4). وأكثر تحديدًا، لا توجد معلومات وحقائق تُتعلم عدا معلومات وحقائق حول ما يفكر – أو فكّر به سابقًا – ناس محددون تتعلق بأسئلة ميتافيزيقية مختلفة. سيحتوي تاريخ عن الميتافيزيقا الكثير من المعلومات عن ما اعتقد به أفلاطون وديكارت وغيرهما من الميتافيزيقيين العظماء في الماضي. كتابنا هذا لا يحتوي على معلومات، غير معلومات عرضية قليلة حول ما قاله أناس محترمون ومشهورون – لهم شهرة بين الفلاسفة ولهم احترام من قِبل مؤلف هذا الكتاب على أي حال – حول مواضع محددة في الميتافيزيقا.

   قد تتسأل إحداهن : لماذا الميتافيزيقا مختلفة جدًا عن الجيولوجيا وقانون الضرائب ونظرية الموسيقى؟ لماذا لا توجد معلومات ميتافيزيقية؟ لماذا دراسة الميتافيزيقا لم تنتج حقائق مؤسِسة [يُبنى عليها]؟ ( هناك ألفان وخمسمئة عام لتأتي ببعض المعلومات [على الأقل] ) هذا السؤال في الحقيقة حالة خاصة من سؤال أعم : لماذا لا توجد معلومات فلسفية؟ الوضع الذي يواجه طالب الميتافيزيقا لا يختلف بحال عن الوضع الذي يواجه أي طالب في أي حقل من حقول الفلسفة. لو أخذنا الأخلاق على سبيل المثال، سنكتشف أنه لا توجد لائحة من الحقائق المؤسِسة يُتوقع من طالب الأخلاق تعلّمها (ولا توجد مناهج أو نظريات مقبولة بحيث يُمكن للمتخصص في الأخلاق تطبيقها في البحث وفحص الإجابات على أسئلة أخلاقية لم يُبت فيها الأمر بعد). ويسود نفس الوضع في الأبستمولوجيا وفلسفة الرياضيات وفلسفة القانون وكل الحقول الأخرى للفلسفة(5). بالفعل، أغلب الناس الذين فكّروا في هذا الأمر سيرون أن هذه واحدة من الصفات المُميّزة للفلسفة. لو أن أحد فروع الفلسفة خضع فجأة لتحوّل ثوري، وبدأ – كنتيجة لهذا التحول – في إنتاج معلومات حقيقية، سيُكف عن اعتباره فرعًا من الفلسفة، وسيتم اعتباره علمًا من العلوم(6). في الواقع، القول بأن هذه هي الكيفية التي بدأت بها “العلوم” أطروحة معقولة جدًا : في وقت من الأوقات، ما نُسميه الآن علمًا طبيعيًا لم يكن ممتازًا عن ما نُسميه الآن فلسفة : كانت تُسمى فلسفة طبيعية حينها. (في وقت قريب مثل بداية القرن التاسع عشر، عادةً ما يستعمل الناس كلمة “فلسفي” ويعنون ما تعنيه “علمي” اليوم(7)، ولا تزال الفيزياء تسمى “الفلسفة الطبيعية” في الجامعات الاسكتلندية.) عندما بدأت العلوم – كما نسميها اليوم – في إنتاج معلومات حقيقية، بدأ يتم رؤيتها على أنها شيء مختلف عن الميتافيزيقا والأبستمولوجيا والأخلاق، وكلمة “علم ( Science )” – التي أتت من الكلمة اللاتينية لـ”معرفة” – حصرت بها. (الكلمة موجودة مُسبقًا، لكن قبل ذلك الوقت، كان “العلم” ما نُمسيه “تخصص (Discipline)” اليوم.)

حسنًا، لماذا لا توجد معلومات فلسفية؟ لماذا لا يوجد بنية للحقيقة الفلسفية (body of philosophical fact ) مُتفق عليه؟ لماذا لا يوجد شيء مثل اكتشاف فلسفي؟ لماذا لا توجد نظريات فلسفية -حتى ولو اعترفوا أنها غير كافية في [تفسير] نواحٍ مختلفة- تكون على الأقل مقبولة كونيًا على أنها أفضل النظريات التي تتعامل مع موضوع بحثها الخاص الذي نملكه في وقتنا الحالي؟

   لن يكون من الصحيح كلياً القول أنه بالتعريف لا يوجد بنية للحقيقة الفلسفية؛ لأنها صفة مميزة للفلسفة أنها لا تمتلك معلومات لتقدمها. بعض ما كان يُسمى يومًا ما فروعًا فلسفية ( مثلًا، العلم الطبيعي والمنطق وعلم النفس ) حدث وأن بدأوا – في نقطة معينة في التاريخ – في أن يكونوا مصدرًا للمعلومات، وبالتالي، ولهذا السبب، كُف عن تسميتهم “فلسفة”، لكن الميتافيزيقا والأخلاق وأغلب فروع الفلسفة الأخرى لم يتمكنوا من تحقيق هذه النقلة التي حققها العلم الطبيعي والمنطق وعلم النفس. لماذا لم يفعلوا ذلك؟

   هذا سؤال مهم للغاية لن أتظاهر بأنني أعرف الإجابة عليه. لحظة تأمّل ستبين أنه لا يمكن أن يحظى السؤال بإجابة غير مثيرة للجدل؛ لأن السؤال نفسه سؤال فلسفي. إنه سؤال ينتمي إلى فلسفة الفلسفة (لأن الفلسفة نفسها واحدة من الأنشطة الإنسانية التي لها خصائص طرح أسئلة عامة ومحيرة جدًا، السؤال الحالي واحد منهم) أو إلى ميتافلسفة (metaphilosophy ، ما بعد الفلسفة)، كما يُطلق على فلسفة الفلسفة أحيانًا.

   الفلاسفة لم يكونوا عميانًا عن حقيقة أن الفلسفة لم تكن قادرة على إنتاج أية نتائج غير مثيرة للجدل. وكما هو متوقع، لم ينزع الفلاسفة إلى لوم أنفسهم فيما يخص هذه الحالة. ويُصعب أن نرى كيف يُمكن أن يكونوا هم الملومين. لا يُمكن أنه لم يوجد بنية للحقيقة الفلسفية ببساطة لأن الفلاسفة أغبياء. على الرغم من أن بعض العلماء لمّحوا إلى هذا، يبدو من المُستبعد إحصائيًا أن أي مجال بحثي سيجلب الأغبياء فقط. بالإضافة إلى أنه وُجد فلاسفة كانت لهم إنجازاتهم خارج الفلسفة، ولم يكونوا ذَوي ذكاء عالٍ فحسب، بل عباقرة عظماء. هذا كان صحيحًا بالتحديد في القرن السابع عشر، عندما ابتكر الفيلسوف ديكارت الهندسة التحليلية، وابتكر الفيلسوف لايبنتز التفاضل والتكامل للحسابات متناهية الصغر (infinitesimal calculus)(8). مع هذا، بغض النظر عن هذه الإنجازات، عندما حوّل كلٌ من لايبنتز وديكارت اهتمامهما إلى الميتافيزيقا والأبستمولوجيا وفلسفة العقل،  أنتجا عملًا مثيرًا للجدل مثله مثل أي عمل فلسفي آخر. كلا من هذين الرجلين اعتقد أنه أسس حقائق فلسفية معينة. كل واحد منهما اعتقد أنه حقق اكتشافات فلسفية، اكتشافات بنفس المعنى لاكتشاف هارفي للدورة الدموية مثلًا. لكن هذا لم يكن حكم التاريخ. في النهاية، عملهما الفلسفي لم يُقنع أحدًا. الهندسة التحليلية والتفاضل والتكامل أداتان ملازمتان للتفكير العلمي إلى اليوم، لكن عمل ديكارت ولايبنتز الفلسفي هو ببساطة جزء من تاريخ الفلسفة.

   إذا كان عدم وجود نتائج مُؤسِسة في الفلسفة ليس خطأ الفلاسفة أنفسهم، فما هو تفسيره؟ الفلاسفة الذين فكّروا في هذا السؤال أعطوا نوعين من الإجابات. طِبقًا لأحد وجهات النظر، إنها أثر مترتب عن طبيعة الفلسفة : الأسئلة الفلسفية أسئلة معيوبة (ناقصة)، معيوبة لأنه لا إجابات لها. طِبقًا لوجهة النظر الأخرى، إنها عاقبة طبيعة العقل البشري : يوجد شيء ما في العقل البشري لا يجعله ملائما لبحث الأسئلة الفلسفية.

   كمثال لوجهة النظر الأولى، يُمكن أن نأخذ المدرسة الفلسفية المُسمى الوضعية المنطقيةالتي ازدهرت بين الحربين العالميتين(9). طِبقًا للوضعين المناطقة، كل العبارات والأسئلة الميتافيزيقية لا معنى لها. وطالما أنه تقريبًا كل العبارات والأسئلة الفلسفية التراثية (كما أشرنا أعلاه) لها عنصر ميتافيزيقي جوهري ومهم، تقريبًا كل الأسئلة والعبارات الفلسفية التراثية لا معنى لها.

   في قول أن العبارات والأسئلة الفلسفية لا معنى لها، لا يقول الوضعيون المناطقة أن هذه الأسئلة والعبارات لا قيمة لها، أو أنها بعيدة عن الاهتمامات الحقيقية للحياة الإنسانية. كانوا يقدمون أطروحة أكثر راديكالية. كانوا يقولون أن هذه “العبارات” و”الأسئلة” لم تكن عبارات أو أسئلة على الإطلاق، بل مجرد تسلسل لكلمات لها مظهر زائف للعبارات والأسئلة. بالتالي، بالنسبة للوضعي المنطقي، سؤال فلسفي مثل : “لماذا هناك عالم؟” هو مجرد جلبة ملفوظة؛ لأن له الشكل النحوي للسؤال، تم أخذه خطأً على أنه سؤال. يُمكن مقارنته بـ”أسئلة” مثل : “ما ارتفاع فوق؟” و “أين يختفي حِجرك عندما تقف؟” لو كانت الأسئلة الميتافيزيقية – وبشكل أعم، الأسئلة الفلسفية – لا معنى لها بهذا المعنى؛ فلا عجب أن الفلاسفة لم يكن في إمكانهم الاتفاق على كيفية “الإجابة” عليها. إذا حدّق الشخص في النار لفترة طويلة، سيرى الشخص صورًا هناك، وبما أن الصور التي تُرى في النار هي محض انعكاسات نفسيّة للرائي، يُتوقع أن يرى أشخاص مختلفون صورًا مختلفة.

   مثل الأنظمة الميتافيزيقية لديكارت ولايبنتز، تنتمي الوضعية المنطقية بالكامل الآن إلى تاريخ الفلسفة. مثلها مثل تلك الأنظمة لم يكن في مقدورها تقديّم أساس لأي شكل من أشكال الإجماع الفلسفي. إذا كانت – كما يزعم الوضعيون المناطقة – الأنظمة الميتافيزيقية في الماضي صورًا كثيرة تُرى في النار، الوضعية المنطقية نفسها ستظهر على أنها مجرد صورة إضافية أخرى : رأى بعض الفلاسفة الأشياء على ذلك النحو والبعض الآخر لم يرى ذلك، وأولئك الذين على ذلك النحو لم يكن في مقدورهم جعل المجتمع الفلسفي ككل يرى الأشياء بطريقتهم. ( يُمكن أن نقابل هذه الحالة مع حالة موظف صغير في مكتب تسجيل براءات الاختراع السويسري يُدعى ألبرت آينشتاين. في سلسلة من البحوث المنشورة ما بين 1905 – 1915، قدّم هذا  الشاب المجهول ذلك الحين طريقة في النظر إلى العلاقات بين الحركة والمادة والطاقة والمكان والزمان والجاذبية تختلف اختلافًا جذريًا عن الرؤية المقبولة لهذه العلاقات. خلال بضع سنوات، رأى مجتمع الفيزيائيين الأشياء على طريقته.) مصير الوضعية المنطقية هو مصير كلّ محاولات تشخيص فشل الفلسفة في إنتاج بنية من الحقائق المؤسسة، أو حتى بنية نظريات مقبولة مؤقتًا. مثل هذه التشخيصات هي دائمًا “مجرد فلسفة أخرى” وتعاني من نفس الأعراض التي يفترض أنها تفسرها : تُقدّم [هذه الأطروحات الفلسفية]، يتجادل الناس حولها، البعض يقبلها، البعض فقط، وفي النهاية، تنزوي لتحتلّ مكانًا في تاريخ الفلسفة.

   ماذا عن وجهة النظر الأخرى المُشار إليها أعلاه، وجهة النظر التي تُفسر فشل الفلاسفة في إنتاج بنية من المعلومات راجع إلى قصور جوهري في العقل البشري في العثور على إجابات للأسئلة الفلسفية؟ أشهر مثال لوجهة النظر هذه اُعتقد من فيلسوف القرن الثامن عشر الألماني إيمانويل كانط. اعتقد كانط أن الأسئلة الميتافيزيقية -مثل “هل للعالم بداية في الزمان، أم أنه موجود منذ الأزل (قديم)؟” – لها معنى لكن البشر لم يُصمموا على النحو الصحيح الذي يُمكنهم من العثور على إجابات عليها، وإذا أصرّوا على المحاولة في فعل ذلك، سيقعون في تناقضات. لم يبني كانط موقفه على صفة ما (تنتمي) للبشر، صفة ما قد تغيب عن المريخيين ( من المريخ ) أو عن الدلافين الذكيّة. اعتقدَ أن تشخيصه لفشل الإنسان في تحقيق نتائج ميتافيزيقية مؤسِسة ينطبق على أي كائنات مُمكنة تُمثل حقيقة خارجية عن أنفسها من خلال حالاتها الداخلية. (على سبيل المثال، إذا علمت أن هناك شجرة – شيء خارج ذهني، شيء يوجد بمعزل واستقلال عني – أمامي، يُمكن لهذا أن يحدث فقط لأنني أمتلك إحالة داخلية، أو ذهنية عن تلك الشجرة أمامي. لو كان ذهني خاليًا، لو لم يكن هناك بنية في ذهني معناه بالنسبة لي “هنا شجرة”، لن يكون في مقدوري معرفة أن هناك شجرة أمامي.) هذا الوصف مجرّد وعام للغاية بحيث يُصعب رؤية كائن ما لا يحقق ذلك. ربما الله وحده القادر على هذا. لو كان ذلك كذلك، فإذا كان كانط محقًا، فالله وحده يعرف الإجابة على أي سؤال ميتافيزيقي.

   قد تكون هناك صيغ أقل حِدة من صياغة كانط. قد يعتقد أحدهم أن فشل الإنسان في تحقيق نتائج ميتافيزيقية مُؤسسة يعود إلى ميزة للعقل الإنساني، قد تكون هذه الميزة غائبة عن عقول المريخيين أو الدلافين الذكية. يشير علم الأحياء التطوري أن البشر يحملون مواهب عقلية محددة وفصائل ذكية أو عاقلة أخرى قد تحمل مواهب محددة مساوية لكن مختلفة. نحن ككائنات، مهرة في الفيزياء و – كل الأدلة تُشير إلى هذا – سيئين في الميتافيزيقا. ربما نكتشف في يومٍ من الأيام بين النجوم مخلوقات (أنواع) ماهرة في الميتافيزيقا وسيئة في الفيزياء(10). ربما أفضل الميتافيزيقيين البشر هم مثل البهلوانات : البهلوانات هم أناس – بفضل تدرّبهم الطويل والتزامهم الشاق – يمكنهم فعل ما تفعله القرود ساكنة الأشجار بطريقة أفضل من غير أي تدريب على الإطلاق. يحقق البهلوانات ما يحققونه من خلال أخذ قدرات اليد والذهن والعين الاستيعابية التي “صُممت” لأغراض لا علاقة لها بالتأرجح عبر الهواء، ودفع هذه الطاقات الاستيعابية إلى أقصى مداها. الميتافيزيقيون البشر ربما مثل هؤلاء : يعملون من خلال أخذ طاقات الذكاء البشري الاستيعابية التي صُممت لأغراض لا علاقة لها بالأسئلة حول الحقيقة النهائية، ودفع هذه الطاقات الاستيعابية إلى أقصى مداها. ربما المقارنة التي استخدمها صامويل جوهانسون لغرض مختلف تنطبق على الميتافيزيقي الإنسان : مثل هذا الشخص مثل الكلب الذي يسير على رجليه الخلفيتين. يقول الدكتور جوهانسون : “لا يفعلها بشكل جيد، لكنك تتفاجأ من أنه فعلها أصلًا.”

   هذه الصياغة الأخيرة – الأقل حِدة – لوجهة النظر الثانية هي الصيغة التي أفضّلها. مع هذا، ألاحظ أن الحل المُقترح هو مثله مثل اقتراح الوضعيين المناطقة : “مجرد فلسفة أخرى.” في النهاية علينا أن نعترف بأننا لا نملك أي فكرة عن لماذا لا يوجد بنية للنتائج الميتافيزيقية المؤسِسة. مع هذا، لا يمكن إنكار أن هذه حقيقة، وعلى الطالب المبتدئ في الميتافيزيقا أن يُبقي هذه الحقيقة وتطبيقاتها في باله. أحد تطبيقاتها أنه لا مؤلف هذا الكتاب ولا أستاذك ( لو كنت تقرأ هذا الكتاب لأنه كتاب مقرر دراسيًا ) له نفس الموقف والعلاقة معك التي لمؤلف كتابك ( أو أستاذك ) في الجيولوجيا أو قانون الضرائب او نظرية الموسيقى. كل هؤلاء الناس أساتذة في بنية معرفية معينة وفي عدة أمور، لو لم تتفق معهم [حولها]، ستكون مخطئًا ببساطة. لكن في الميتافيزيقا، لك الحق الكامل في الاختلاف مع أي شيء يقوله الخبراء أصحاب المعرفة، عدا أقوالهم حول ما قاله الفلاسفة في الماضي أو ما يقولونه في الحاضر.(11)

   لنأخذ مثالُا عمليًا : لطالما اعتقدت أليس أن لها روحا خالدة. [ذات يوم] سجّلت في مقرر في الميتافيزيقا. يعتقد أستاذها ألفريد – كما اعتقد أنا – أن ليس للناس أروحا خالدة. هناك عدة سيناريوهات [لهذه الحالة]:

   من المحتمل أن ألفريد سيعامل موقفها بصفته أستاذها لهذا المقرر كفرصة ليسخر فيها من فكرة أن هناك أروحًا أبدية. بالنسبة للتأثير على آراء الطلّاب، هذا أسلوب مؤثر للغاية. لكن لا يجب أن تكون أليس متأثرة : لأن وجود شخص ما يرى فكرة ما سخيفة ليس سببًا لرفضها.

   من المحتمل أن ألفريد سيعامل أطروحة أنه لا توجد أرواح خالدة بوصفها حقيقة مؤسِسة، بوصفها شيئًا على كل الناس المتعلمين معرفته. هذا أيضًا أسلوب مؤثر للغاية للتأثير على آراء الطلّاب. مع هذا، مجددًا، لا يجب أن تكون أليس مُتأثرة. يجب أن تسأل نفسها إذا ما كان صحيحًا حقًا أن كل المتعلمين ينكرون وجود أرواح أبدية. ( على نحو لا يمكن إنكاره، ربما يُصعب عليها صياغة هذا السؤال بشكل واعٍ، بما أن ألفريد في الغالب لن يقول بكلمات كثيرة أن الناس المتعلمين لا يؤمنون بالأرواح الخالدة. سيقولها ببساطة وكأنه شيء يعرفه الجميع. ) ويجب عليها أن تسأل نفسها – إذا كان صحيحًا – أن كل الناس المتعلمين لهم أسباب جيدة لمعتقدهم، في النهاية، المتعلمون جيدًا يؤمنون بأي شيء : فضل الحكم الاستعماري، والماركسية، وعلم النفس الفرويدي على سبيل المثال.(12)

   من المحتمل أن ألفريد سيقدم أسبابًا في اعتقاد أنه لا توجد أرواح خالدة. سيعرّف مصطلحاته، وسيقدم فروق ذات صلة، ويستشهد بحقائق علمية مختلفة، وأخيرًا، سيستعمل هذه المصطلحات والفروق والحقائق بوصفها الأساس لحجة أو أكثر على عدم وجود الأرواح الخالدة. هنا -أخيرًا- شيء يُمكن لعقل أليس الاشتغال عليه. يمكنها فحص التعاريف والفروق وتحاول أن تقرر إذا ما كانت هذه الحجج تثبت هذا  حقًا. ( ربما أيضًا سترغب في التأكّد من الحقائق التي يزعم أنها علمية لترى إذا ما كان ألفريد فهمها فهمًا صحيحًا أم لا ) إذا بدا لها أن ثمة شيئا خاطئا أو مشكوكا فيه حول الحجة، يمكنها – [بل] وعليها – أن ترفع يدها.

   لكن افترض أنه لا يمكنها العثور على أي شيء يبدو لها خاطئا في الحجة. ما الذي عليها أن تفعله حينها؟ هل عليها أن تتخلى عن اعتقادها أن بوجود روح خالدة؟ حسنًا، ربما. هذا الشيء راجع لها في الحقيقة. في النهاية، ألِيس هي المسؤولة عن ما تعتقده ألِيس. لكن ليس عليها أن تتخلى عن اعتقاداتها. ربما تحاجج كالتالي : ” اسمع، لو كان هناك حجة دامغة لنتيجة أنه لا وجود لروح أبدية، الكل سيعرفها، أو سيعرفها الخبراء المتخصصون على الأقل. لو كانت هذه الحجة موجودة، كل فيلسوف سيعتقد أنه لا وجود للأرواح الخالدة. أو على الأقل كل فيلسوف [سيعتقد بذلك] بشكل عملي. لكن الفلاسفة لا يتفقون حول أي شيء؛ لذا لا يمكن أن يكون هذا صحيحًا. أراهن أن هناك الكثير من الفلاسفة الذين يعرفون كل ما يتعلق بهذه الحجج ومع ذلك لا يزالون يؤمنون بالأرواح الخالدة. لذا لا بد من وجود الكثير من الفلاسفة الذين يرون أن ثمة خلل ما في هذه الحجج. هناك احتمال أن بعضهم قال ما يرى أنه خلل فيها. اعتقد بأنني سأسأل الأستاذ كيف أن هؤلاء الفلاسفة الذين يختلفون معه سيردون عليه.” لو سجلت أليس في هذا المقرر، فعليها أن تدرك أنه من المحتمل أن ألفريد قد لا يعرف أفضل الحجج ضد موقفه. يميل الناس إلى افتراض أن خبيرًا ما في حقل دراسي معين يجب أن يكون عليمًا بكل شاردة وواردة في ذلك الحقل، لكن هذا غير صحيح. المتخصصون – أناس تعلن شهاداتهم أنهم متخصصون – يمكن أن يكونوا جاهلين في أشياء يجب عليهم معرفتها حقًا. يجب عليها أن تدرك أيضًا أن ألفريد قد لا يعرض الحجج المضادة لموقفه على أفضل نحو ممكن أو مقنع ( يصعب كثيرًا في الحقيقة تمثيل جزئية المناصر المقتنع لموقف بالنسبة لشخص غير متعاطف معه.) عليها أيضًا أن تتذكر أن ألفريد أخبر منها في فن الخلاف الميتافيزيقي، وحقيقة أن في إمكانه “هزيمتها” في مناقشة يجب أن يتوقع بناء على هذه الأرضية لوحدها، لا يعني هذا بالضرورة أن موقفها غير قابل للدفاع عنه.

   كل هذا مثال تطبيقي لنصيحة عملية للطالب المبتدئ في الميتافيزيقا. لتلخيص هذه النصيحة : خذ أي شيء يقال في هذا الكتاب ( أو أي كتاب آخر عن الميتافيزيقا ) أو ما يقوله أستاذك على محمل الشك. ما عليك أن تأمل في تعلمه من كتاب تمهيدي في الميتافيزيقا، أو مقرر تمهيدي في الميتافيزيقا هو كيفية تكوين موقف فلسفي والدفاع عنه. وهذا شيء يجب عليك فعله بنفسك.

   في الفصول المُقبلة، سأكوّن موقفًا فلسفيًا وسأدافع عنه فيما يخص عدة مواضيع. بمعنى، سأقول ما أراه صوابًا، وسأبيّن لماذا أرى هذه الأشياء – وليس غيرها – هي الصواب. سأفعل هذا لأنها الطريقة الوحيدة التي يمكنني فيها كتابة كتاب. لأنني اخترت كتابة الكتاب على هذا النحو؛ فقد يحمل عدة تشابهات ظاهرية لنص في الجيولوجيا أو في نظرية الموسيقى. لكن تذكر، لا يجب عليك تصديق أي شيء في هذا الكتاب، وأن كل شيء في هذا الكتاب متنازع فيه من قِبل عدة أشخاص لهم على الأقل نفس التقدير الذي أحظى به.

   قارئ كتاب ما له الحق في معرفة تحيزات كاتبه. هذه صحيح خصوصًا في موضوع مثل الميتافيزيقا، حيث لا يوجد بنية من الحقائق المؤسِسة، لأن كتاب في مثل هذا الموضوع لا مناص من أن يكون متأثرًا كثيرًا بآراء كاتبه في كل من الشكل والمحتوى. الميتافيزيقي الإنجليزي في القرن التاسع عشر ف.هـ.برادلي قال ذات مرة أن الميتافيزيقا هي محاولة العثور على أسباب سيئة لما سيعتقد به الشخص على أي حال. ربما كانت هذه مقولة بالغة التشاؤم. وجدت حالات لميتافيزيقيين غيّروا آراءهم، وربما بعض الأسباب التي قُدمت من قِبل ميتافيزيقيين في تدعيم أطروحات مُختلفة هي أسباب جيدة. رغم ذلك، عليّ الاعتراف أنه ربما هناك بعض الحق في تهمة أن هناك أطروحات “سأعتقد بها على أي حال”، أطروحات سوف أؤمن بها بغض النظر عن ما الحجج الفلسفية التي ستُقدّم إليّ.

   لعل القارئ يتذكر بأنني في بداية الفصل سردت ثلاثة أسئلة وأشرت أنه معرفة الإجابات على هذه الأسئلة الثلاثة يعني معرفة الحقيقة النهاية حول كل شيء. وأنني قدمت مجموعتين من الإجابات على هذه الأسئلة؛ لكي أوضّح كيف تبدو الإجابات عليها. المجموعة الأولى من الإجابات تُعبّر عن معتقداتي إلى حد بعيد. ( إلى حد بعيد [أقصد بها] : لا اتفق تمامًا مع كل شيء مطروح في مجموعة الإجابات تلك.) علاوة على ذلك، هذه المعتقدات ليست معتقدات اعتقد بها بتردد أو بفتور. هي اعتقادات راسخة حول أمور أرى بأنها في غاية الأهمية، وصحيح إلى حدٍ بعيد بأنني سأعتقد بها بغض النظر عن الحجج الميتافيزيقية التي ستُقدّم إليّ. بالتأكيد،حاولت أن أكون عادلًا وموضوعيًا في مناقشة وجهات النظر المُقابلة لوجهات نظري، لكن من المُستبعد أنني نجحت في ذلك. اعتقاد راسخ آخر لي هو أنه من المستبعد أن يعثر القارئ على كتاب في الميتافيزيقا لا يتمسّك مؤلفه بوجهة النظر هذه أو تلك بنفس الرسوخ وطريقة “عدم القابلية للنقاش” التي اعتقد بها بالرؤية المُقدّمة في مجموعة الإجابات الأولى على أسئلتنا الميتافزيقية الثلاثة. رأيت كُتبًا عن الميتافيزيقا ( وعن فروع أخرى من الفلسفة ) تعطي انطباعاً أن مؤلفيها وصلوا إلى المواقف التي يدافعون عنها في هذه الكتاب بناء على الحجاج المنطقي والمعايرة الموضوعية لبيانات جُمعت بدقة. مؤلفو هذه الكتب يكتبون بطريقة وكأنها تُشير إما إلى أنه لا تحيزات لهم عندما بدأوا محاولة صياغة آراءهم الميتافيزيقية أو إلى أنهم وضعوا تحيزاتهم جانبًا بكل صرامة وسمحوا لأنفسهم أن يتأثّروا بالدليل والحجة فقط. لا أدّعي أنه في إمكاني قراءة العقول، لكنني أشك في ما إذا كان هناك ميتافيزيقي اتبع هذا النهج فعلًا.

   ما يرجح أنه صحيح في الغالب هو هذا : العديد من العوامل بجانب الدليل والحجة تؤثر في صياغة آراء الناس. يمكننا أن نذكر الدين ( ومعاداة الدين )، والسياسة، والولاءات لجماعات اجتماعية معينة، وكراهية جماعات اجتماعية أخرى، والرغبة في الطمأنينة العاطفية، والرغبة في أن تكون مُحترمًا بين من حولك، والرغبة في يُفكر بك على أنك أصيل ومبدع، والرغبة في أن تُدهش [من حولك]، والرغبة في أن تكون في موقفٍ ما لتفرض آراءً على الآخرين، والرغبة في الانتماء إلى جماعة من الناس متشابهة في التفكير، يجامل المنتمون إليها بعضهم البعض من خلال السخرية من أناس لهم آراء تختلف عن تلك الجماعة، والرغبة في أن تكون واحدًا من جماعة صغيرة من الناس المتنورين الذين يقاومون بشجاعة ضد خرافات العامة.

   هناك معنيان لما يمكن أن يقال عن شخص أنه مهتم بإجابة سؤال ما. الأول، قد يريد الشخص أن يعرف ما هي الإجابة الصحيحة على ذلك السؤال. الثاني، قد يرغب الشخص بقوة في أن يكون جوابًا معينًا على ذلك السؤال هو الجواب الصحيح. أولئك الذين يهتمون بشدة بالمعنى الأولى على الإجابات على الأسئلة الميتافيزيقية (أو أية أسئلة) سيتأثرون بالدليل والحجة فقط. أولئك الذين يهتمون بشدة بالمعنى الثاني بإجابات عن الأسئلة الميتافيزيقية ( أو أي أسئلة ) – على الرغم من أنهم قد تؤثر بهم الحجة والدليل – سيتأثرون أيضًا – بشكل لا مفر منه تقريبًا – بعوامل من قبيل المذكور أعلاه. من المُستبعد أن شخصًا تكبّد عناء كتابة كتاب عن الميتافيزيقا سيكون متحررًا تمامًا من أي رغبة في أن تكون إجابات محددة هي الإجابات الصحيحة على أسئلة ميتافيزيقية. بالتالي من المُرجح أن مؤلف كتابٍ ما حول الميتافيزيقا سيكون عُرضة لتحيزات ستنبثق من تلك العوامل المسرودة في الفقرة السابقة. تُشير بحوث سيسيولوجية حول البحث العلمي بقوة إلى أن هذه هي الحالة في العلوم (Science) [أيضًا]، ومن المُستبعد أن يكون الميتافيزيقيون أكثر تحررًا من التحيزات من العلماء (Scientists).

   في العلوم (وخاصة في العلوم “الصلبة” مثل الفيزياء والكيمياء)، يتم إلى حد بعيد تصحيح تحيزات الباحثين -على المدى الطويل- من خلال مسؤولية هاته العلوم بإزاء البيانات المُلاحظة. يُتوقع من نظرية علمية ما في أن تطرح توقعاتها حول الكيفية التي ستظهر عليها التجربة وما الملاحظات التي ستكشفها، وإذا – مجددًا، على المدى الطويل – لم تحرز نظرية ما التوقعات الصحيحة، سيتم التخلي عنها حتى ولو حققت كل أنواع العوامل المذكورة أعلاه جاذبية سيكولوجية بالنسبة لأعضاء المجتمع العلمي. لكن لا وجود لمثل هذه الحركة التصحيحية في الميتافيزيقا. إذا كان هناك نظريتان ميتافيزيقيتان متنافستان، لن يكون هناك تجربة ستفصل بينهما. لن يختلفوا حول كيف يبدو العالم للمُلاحظ، مهما كان تعقيد وتطور آلة المُلاحظ(13). بالتالي، غالبًا ما سيكون موقف الميتافيزيقي – إلى درجة ملحوظة – انعكاس لتحيزات مُعينة، ومع هذا قد تدين للدليل والحجة. في الغالب، سيكون هناك عدة أطروحات سيقبلها الميتافيزيقي مهما كان الدليل أو الحجج التي سينتبه لها. حاولت أن أنبّه القارئ مُسبقًا إلى ما الأطروحات التي اعتقد بها على هذا النحو.

اقتراحات لقراءة متقدمة

يُمكن أن تجد مقالات مُفيدة للغاية تقريبًا في كل موضوع فلسفي قد يخطر على بالك فيموسوعة الفلسفة الضخمة التي حررها بول إدوارد. نُشرت هذه الموسوعة في عام 1967 وبالتالي لم تعد تُمثل “الموضة”. على الرغم من ذلك، يبقى مصدرًا لا غنى عنه لطالب الفلسفة. نُشر ملحق مُتمم في عام 1996. المقالات في موقع موسوعة ستانفورد للفلسفة(http://plato.stanford.edu) ذات جودة عالية جدًا (مؤلف هذا الكتاب “يكشف عن اهتمامه”: هو كاتب مقالة “ميتافيزيقا”) وهي -بالطبع- محدّثة باستمرار.

   يحتوي كتاب المختارات الميتافيزيقا : الأسئلة الكبرى (Metaphysics: The Big Questions ) الذي حرره دين و. زيمرمان ومؤلف هذا الكتاب على قراءات في كل المواضيع المُناقشة في هذا الكتاب.

   نال تشخيص كانط في فشل الميتافيزيقا في أن تصبح علمًا بالمعنى نفسه الذي نقصده للرياضيات والفيزياء أكمل تعبير وأكثره منهجية في كتابه نقد العقل المحض (1781، الطبعة الثانية التي تعتبر نسخة مُنقحة صدرت في 1787). لسوء الحظ، هذا الكتاب مستغلق على المبتدئ. هناك كتابان “صغيران” عن فلسفة كانط وجدتهما أجيال من الطلاب المبتدئين مفيدين للغاية، بغض النظر عن حقيقة أن بعض المتخصصين في فلسفة كانط لهم ملاحظات حولهما : كتاب إيجوين تعليق مختصر على كتاب كانتْ نقد العقل المحض (A Short Commentary on Kant’s Critique of Pure Reason)، وكتاب كورنر (Körner): كانط.

   كتاب أيه. جي. أير اللغة والحقيقة والمنطق كتاب كلاسيكي مشهور في شرح الوضعية المنطقية، كُتب بحماسة مؤمن حديث عهد بإيمانه.

   كتاب كولين مكاين : مشاكل في الفلسفة (Problems in Philosophy)  بحث عميق ومتين لسؤال : لماذا الفلسفة غير قادرة على إنتاج نتائج غير مثيرة للجدل.

هوامش :

  1. ولن تساعد المعلومات حول تاريخ الكلمة كثيرًا. مع هذا، هذه رواية مختصرة قد تكون غير ذات فائدة كبيرة عن الكيفية التي حصلنا عليها على كلمة “ميتافيزيقا”:

وضعت كلمة “ميتافيزيقا” من قِبل الإغريق القدامى. أتت من كلمتين إغريقيتين : “ميتا”، التي تعني “بعد” أو “ما وراء”، و”فيزيقا” التي تعني “طبيعة”. أحد معاني كلمة الطبيعة – وهو معنى غير شائع بالمرة – شيء قريب من كلمة “الكون”. لهذا السبب القوانين الأساسية التي يسير عليها الكون تُسمى قوانين الطبيعة، وأولئك العلماء الذين يرتبط عملهم أشد الارتباط بالقوانين الأساسية يُسمّون فيزيائيون (physicists). تُشير هذه الحقائق إلى تفسير واضح إلى ما كان في بال الإغريق عندما وضعوا كلمة “ميتافيزيقا” : عنوا بهذه الكلمة الدلالة على دراسة  تذهب ما وراء دراسة الطبيعة، بحث شؤون مفارقة بطريقة ما عن تلك المبحوثة في الفيزياء. لسوء الحظ، قد يكون هذا التفسير الواضح خاطئًا ( مثلًا، لم تستعمل كلمة “ميتا” من قِبل الإغريق بالمعنى الاستعاري لكلمة “ما وراء” المطلوبة في هذا التفسير ).

   ربما التفسير الصحيح هو التالي : في القرن الرابع قبل الميلاد، كتب الفيلسوف اليوناني أرسطو ( من بين كتب أخرى ) كتابًا حول الطبيعة يسمى الطبيعة (Physics) أو (Ta Phusika) وكتابًا حول ما سماه “الفلسفة الأولى”. كان هذا الكتاب الأخير خاصًا بمواضيع مختلفة تنتمي إلى ما نُسميه اليوم ميتافيزيقا. بعد موت أرسطو، تم ترتيب كتبه بحسب ما اعتبر من طلّاب فلسفته الترتيب المُلائم. في هذا الترتيب الاتفاقي، الكتاب الذي كان حول “الفلسفة الأولى” أتى مباشرة بعد كتاب الطبيعة، و بدأ طلاب فلسفة أرسطو الإشارة إليه باسم ما بعد الطبيعة (Meta ta Phusika)، أو ميتافيزيقا. ربما لم يقصدوا بهذا العنوان أكثر من “الكتاب الذي أتى بعد كتاب الطبيعة [في الترتيب]”، أو ربما قصدوا ” الكتاب الذي يتعامل مع مواضيع لا يمكن لأحد دراستها إلا بعد إتقان  كتاب الطبيعة“.

  1. ممارس الميتافيزيقا يُسمى ميتافيزيقي (metaphysician) وليس – كما قد يتوقع البعض- metaphysicist.

  2. وفقًا لأفلاطون، وُضعت كلمة “فلسفة (Philosophy)” من قِبل أستاذه سقراط. إذا كانت قصة أفلاطون صحيحة تاريخيًا، فهي ترصد أحداثًا وقعت في أواخر القرن الخامس قبل الميلاد. في تلك الأيام، كان هناك رجال يكسبون قوت يومهم من خلال تعليم الحكمة (في اللغة الإغريقية : صوفيا Sophia). وبالفعل كان أكثرهم نجاحًا يحقق مكسبًا جيدًا جدًا. ولأن هؤلاء الرجال أدّعوا أنهم حكماء وفي إمكانهم تعليم الحكمة إلى الآخرين، كانوا يُسمّون “سفسطائيون Sophists”. لكن سقراط كان يعتقد أن هؤلاء السفسطائيين لم تكن عندهم حكمة ليعلّموها، وفي الحقيقية، ما كان يعلّمه العديد منهم – مثل أن الأخلاق ليست إلا مواضعة بشرية – خاطئ ومضر. بشكل مثير للاهتمام، لم يدّعي سقراط بأنه حكيم. ( أو ليس على نفس النحو الذي أدعى فيه السفسطائيون الحكمة. اعتقدَ أن مجموع حكمته يكوّن أنه لم يمتلك ذلك النوع من الحكمة.) لكنه قال بالرغم من أنه ليس حكيمًا ومعرفته بأنه ليس حكيمًا، كان يرغب ويحب بشدّة أن يكون حكيمًا. لم يقل عن نفسه بأنه مالك للحكمة بل مُحبًا لها. يقول سقراط : لو أن شخصًا أحب ما لم يمتلك؛ فإنه سيسعى خلف ذلك الشيء وسيحاول امتلاكه. هذا الإعلان كان أصل كلمة “فلسفة Philosophy”، بالنسبة للإغريق، كلمة “فيلوسوفيا Philosophia” تعني بالضبط “حب الحكمة”. اُستعملت الكلمة من قِبل أفلاطون، ومن قِبل تلميذ أفلاطون : أرسطو للدلالة عما كانا يكتبان كتبهما عنه، وبما أن كل الفكر الغربي اللاحق حول هذه المواضيع هو مواصلة لعمل أفلاطون وأرسطو، أصبحت هذه الكلمة تُشير إلى المواضيع التي كتب عنها كل من أفلاطون وأرسطو. ( يجب التنبّه أن هذه رواية عن أصل كلمة “فلسفة” وليس عن الفلسفة، لأنه كان هناك فلاسفة في اليونان قبل سقراط : سُمّوا – بتسمية مناسبة – فلاسفة ما قبل سقراط. علاوة على ذلك، برزت الفلسفة في الهند والصين باستقلال عن الفلسفة اليونانية ).

  3. قول أنه لا وجود لحقائق مؤسسة في الميتافيزيقا لا يعني القول بأنه لا وجود لحقائق ميتافيزيقية، والقول بأن لا وجود لمعلومات ميتافيزيقية، لا يعني القول بأنه لا توجد معرفة ميتافيزيقية. خذ على بسيل المثال المسألة التي نوقشت باقتضاب في الكتاب : أن هناك حقيقية نهائية ( حتى ولو كنّا لا نعرف شيئًا عنها غير أنها موجودة ). في نظري الحجة التي قدّمتها تُبيّن أن وجود حقيقية نهائية هو حقيقة. ( وإذا كانت حقيقة؛ فهي حقيقة ميتافيزيقية )، واعتقد أنني – لأنني واعٍ بهذه الحقيقة وأفهمها – أعلم هذه الحقيقة. على الرغم من ذلك، هذه الحقيقة – إذا سلّمنا بأنها حقيقة – لا يمكن أن يُقال أنها حقيقة مؤسِسة، وعبارة أن هناك حقيقة نهائية لا يمكن أن يُقال بأنها معلومة. حقيقة مؤسسة و معلومة أن القارات في حالة حركة. نُسمّي هذه الأخيرة “مؤسِسة” لأن أي أحد لا يوافق على أن القارات في حالة حركة إما لأنه لا يقدر تمام التقدير البيانات والحجج التي من الممكن أن يُقدّمها جيولوجي في تدعيم هذه الأطروحة أو أنه عنيد فكريًا. ( تُوجد مُنظمة تُسمى جمعية الأرض المُسطحة، مُكرّسة – كما يُمكن أن يتوقع – للدفاع عن أطروحة أن الأرض مُسطحة. على الأقل بعض أعضاء هذه الجمعية أذكياء وعلى معرفة كاملة بالبيانات والحجج – من ضمنها الصور الفوتوغرافية للأرض المُلتقطة من الفضاء – التي تؤسس أن الأرض كروية. هؤلاء الناس يستمتعون في تأسيس ” تفنيدات” لأطروحة أن الأرض كروية. على ما يبدو، هذه ليست مزحة، يبدو بأنهم جادون جدًا. ما الذي يُمكن أن نقوله عنهم سوى أنهم عنيدون فكريًا؟) لا يُمكن أن يقال أن وجود حقيقة نهائية حقيقة مؤسِسة، مع هذا، بسبب أن هناك أناس يعون ويفهمون تمامًا الحجة المُقدمة في بداية هذا الفصل لنتيجة أن هناك حقيقة نهائية، على الرغم من ذلك، هم لا يقبلون هذه النتيجة. وأنه لا يُمكن تسمية هؤلاء الناس عنيدين فكريًا. اعتقد بأن الحجة التي قدمتها جيّدة بما فيه الكفاية لدعم دعواي لمعرفة أن هناك حقيقة نهاية، [لكن] لا اعتقد بأنها تدفع بنتيجتها نحو العقل بنفس القوة والوضوح التي تجعل من يرفضها ببساطة لا يُكمن أن يؤخذ بجديّة بنفس المعنى بالنسبة للناس الذين يقولون أن الأرض مسطحة لا يمكن أن يؤخذوا بجدية.

  4. أطروحة أنه لا وجود لنتائج مؤسِسة في الميتافيزيقا يجب ألّا يُخلط بينها وبين أطروحة أن الفلسفة ليس لها آثار عملية مترتبة عليها. الأطروحة الثانية خاطئة بشكل واضح. حتى لو وضعنا جانبًا سؤال ما إذا كانت الفيزياء والعلوم الطبيعية الأخرى خرجت من الفلسفة، يُمكن ذكر الكثير من الأمثلة لآثار عملية مترتبة للتفكير الفلسفي. العديد من بنود دستور الولايات المتحدة يُمكن إرجاعه إلى كتابات الفيلسوفين توماس هوبز وجون لوك، والكثير من مآسي القرن العشرين يجد جذوره في كتابات الفيلسوفين ج.و.ف. هيجل وكارل ماركس ( ليست كل الآثار العملية جيدة.) الكثير من نظريات علماء الكمبيوتر المُستخدمة في عملهم اليومي لها أصول في فلسفة الرياضيات في أوائل القرن العشرين. في ستينيات القرن العشرين، تم التخلي عن مشروع طموح في برجمة برنامج حاسوبي لترجمة المقالات العلمية من لغة إلى أخرى بسبب حجة فلسفية ( ابتدعها فيلسوف اللغة يوشع بار هِلال Yeshua Bar-Hillel ) حول الاستحالة العملية لمثل هذه البرامج. في الوقت الحالي، هناك تواشج مُثمر لا بأس به بين فلاسفة العقل وعلماء النفس.

  5. يُمكن أن نرى حدوث هذا في المنطق. قبل مئة عام تقريبًا، بدأت دراسة المنطق للخضوع إلى تحول جذري، ومن هناك بدأ ظهور بنية للحقائق المنطقية المؤسِسة ( أو قد يجادل أحدهم أنه كان هناك بنية للحقائق المنطقية المؤسِسة منذ القرن الرابع قبل الميلاد، لكن هذه الحقائق المؤسِسة – إلى قبل حوالي مئة عام – كان ضئيلًا وواضحًا لكي يكون هناك حافزًا في التفكير بالمنطق بوصفه علمًا بالمعنى الحالي للعلم.) وكنتيجة لهذا التحول الجذري للمنطق في الإثمار أكثر وأكثر، تضاءل اعتبار المنطق كفرع عن الفلسفة، وأصبح يرى بشكل أكبر بوصفه إما علمًا مستقلًا أو فرعًا خالصًا للرياضيات.

  6. الفيلسوف الألماني في القرن التاسع عشر : هيجل، استشهد بفظاظة بإعلان من مجلة إنجليزية تعد بعلاج “فلسفي” للصلع !

  7. اُبتكر التفاضل والتكامل بشكل مستقل من قِبل إسحاق نيوتن.

  8. في القرن التاسع عشر كان هناك فلاسفة يسمّون أنفسهم بالوضعيين؛ لأنهم كانوا يعتقدون بأنه لا وجود لمعرفة إلا المعرفة “الوضعية”، التي كانت مصطلحهم لما يجب علينا تسميته معرفة علمية. الوضعيون المناطقة في القرن العشرين سمّوا أنفسهم بالوضعيين لأنهم اتفقوا مع هذه الأطروحة عن المعرفة. سمّوا أنفسهم بالوضعيينالمناطقة ليس لأنهم كانوا يدّعون بأنهم منطقيون بينما وضعيي القرن التاسع عشر كانوا غير منطقيين، لكن لأنهم استعملوا اكتشافات وتقنيات منطق القرن العشرين استعمالًا واسعًا.

  9. سمعت الألسني نعوم تشومسكي ذات مرة يشير إلى هذا في محاضرة.

  10. وهذا ينسحب على الحقائق حول الكلمات التي كتبها الفلاسفة. عادة ما يكون هناك اختلاف كبير حول تأويل ما قاله الفلاسفة. إذا قرأت شيئًا لأفلاطون مثلًا، وإذا قال أستاذك ( أو مؤلف هذا الكتاب أو غيره ) أن أفلاطون قصد س وتبدو لك وكأنه قصد ص، لا يوجد قانون يقول بأن عليك قبول رأي أحد ما بأن أفلاطون قصد س. سيكون من الأفضل أن ترى ما يقوله كلا من التأويلين، ثم تبدي رأيك الخاص عن أيًا منهما -إذا وجد- الصحيح.

  11. في هذه الجملة عاملت فضل الحكم الاستعماري، وعلم النفس الفرويدي، والماركسية كما لو أنها أشياء يعرف كل المتعلمين الآن أنها أشياء سيكون من العبث والحماقة الاعتقاد بها. لاحظ كما هو سهل فعل ذلك.

  12. هل يُمكن أن يكون هذا هو “خلل” الميتافيزيقا؟ هل علينا أن نقول بأن النظرية تكون بلا قيمة إذا لم تتنبأ بالكيفية التي ستسير عليها التجارب أو حول الملاحظات التي ستكشفها؟ هذا موقف جذّاب للغاية. تنويعًا على هذا [القول] اعتقد من قِبل كل من كانط والوضعيين المناطقة. لسوء الحظ كل محاولة لإنتاج نظرية محددة بعناية وحذر على نفس المنوال انتهت لأن تكون “مجرد فلسفة أخرى”.

مشاركة مميزة

تجربة الفئران

  هو إيه ممكن يحصل لو جبنا شوية فئران وحطيناهم في مكان يشبه الجنة، ويكون متوفر فيه كل ما لذ وطاب للفئران ..؟! بمعني إن ميكنش لهم أي أعداء من...

الأكثر مشاهدة