“مشاريع العمل بمعظمها تقوم بتكرار النصائح القديمة ذاتها: اكتب خطة للعمل، افهم المنافسة من حولك، واجذب المستثمرين… لذلك إذا كنت تنشد نصائح على هذا النحو من هذا الكتاب، فسأنصحك بوضعه جانبًا على الرف، أمّا إذا تشجعت وقرأته ستدرك أن الخطط لن تنفعك كما تظن، عدى عن قلة أهمية بحثك عن الممولين أو متابعة المنافسة من حولك، في الحقيقة أنت تحتاج أقل مما تظن لتبدأ مشروعك الخاص، لا يلزمك أن تُدمن عملك، أو تحشد الموظفين من حولك، أو تُمضى ساعات طويلة في الأعمال الورقية أو الاجتماعات، أنت لا تحتاج مكتباً حتّى، فهذه جميعها ليست سوى أعذار تستخدمها لعدم بدئك مشروعك ..” [1]
هذا ما ذكره جاسون فرايد في صفحات كتابه rework أو كتاب (إعادة صياغة العمل)، للوهلة الأولى يبدو وكأن ما قاله المؤلف إغراءٌ لطريقة العمل المثالية، ولكن بداخل كلامه الغريب تمكّن فرايد من هدم كل الأسس التقليدية التي تعلمناها في العمل، واتخذنا منها بقصد أو دونه أعذارًا تحول دون البدء بالمشروع الذي طالما أردنا تأسيسه ..
من هو جايسون فرايد ليقول هذا الكلام؟
إذا لم تتعرف عليه من كتابه Rework الذي تصدر أعلى المبيعات في الولايات المتحدة وبريطانيا، لربما تتذكره من حديثه على منصة Ted “لماذا لا نعمل في مكان العمل“، جايسون شريك مؤسس لشركة 37signals التي عُرفت لاحقًا بـ Basecamp (بيسكامب) ، وهو موقع وتطبيق يساعد على إدارة المشاريع وتنظيم المهام والملفات بطريقة سلسة للموظفين ومؤسسي المشاريع، خلال بضعة سنين منذ تأسيسه في عام 1999 نما هذا المشروع حتى وصلت قيمته بضعة ملايين من الدولارات، ولذلك في عام 2010 قرر جايسون أن يضع تجربته مع شريكه المؤسس في المشروع ديفيد هانسون في كتاب، و هكذا ظهر كتاب Rework إلى النور.[2]
لماذا لا يمكنك وضع كتاب ReWork على الرف؟
صورة الورقة البيضاء المُجعدة على الغلاف توحي بمضمونه، فهو يلقى بكثيرٍ من القواعد التقليدية في ريادة الأعمال في سلة المهملات، وبهذه الورقة المجعدة على الخلفية السوداء تتشكل لدى القارئ بدايةُ الحافز لقراءة جادة في محتوياته، و هو بلغته البسيطة لا يستهدف رُواد الأعمال ذوي الباع الطويل والخبرة الكثيفة فحسب، بل يستهدف كذلك كل شخصٍ وضع خطوته الأولى في سوق الأعمال المزدحم، وكل شخصٍ مازال يفكر في البدء بمشروعه الخاص.
“عندما تجهل ما تؤمن به، كل شيء يصبح معرضًا للجدال والمساومة، أمّا إذا عرفت هدفك تصبح جميع القرارات واضحة و قطعيّة.”
قام جايسون فرايد في كتابه ReWork بإعادة تشكيل مفاهيم ريادة الأعمال بطريقة غير تقليدية، وفي الاقتباس أعلاه يتضح أسلوبه جليًا، فهو يعمد إلى التركيز على عقلية رائد الأعمال ومبادئه الشخصية بشكلٍ أساسيّ، ولذلك تستطيع أن تعدُّه كتاب مبادئ فلسفية، فهو لن يبدأ بتدعيم كلامه بإحصائيات ودراسات، فمحتوى الكتاب يخلو تمامًا من الرسوم البيانية والجداول المُعقدة.
يصيغ الكاتب فلسفته في الغالب بنبرةٍ شخصية، وأقرب ما تكون للنصيحة من أن تكون استراتيجية مدروسة بعناية لتطبّقها بحذافيرها، أو أسلوب يلقّنك ماذا ستفعل بالضبط أو كيف ستكون النتائج المترتبة باتباع سلوك معين، ولذلك تطبيق هذه المبادئ يختلف حسب خلفيات القراء و خبرتهم في مجال الأعمال.
ما يجعل هذا الكتاب مميزا هو صراحته الشديدة التي قد يستشعر القراء أنها نبرة متعالية، ولكنها ليست سوى انعكاسٍ لشغفٍ ألّف به الكتاب ملخصًا رحلة كاتبه التي تجاوزت عقدًا من الزمن في ريادة الأعمال بأحوالها الجيدة والسيئة و كيف تمكن من تجاوز عقباتها.
وإن صدق فعلاً شعوربعض القراء بتعالي الكاتب فهذا ليس سببًا وجيها، لتجاهل الكتاب مُطلقًا، ففيه بعض الدروس القيّمة التي تساعد على تحفيز القارئ المهتم بعالم ريادة الأعمال، وبيئات العمل، ولكن مع توخي الحذر في بعض الجوانب، فما كان مناسبا للكاتب ربما لن يناسب بالضرورة آخرين، فبعض هذه النصائح قد تحمل في طياتها الكثير من المجازفة.
بين دفتيّ كتاب ReWork
في صفحات الكتاب الثلاثمائة من الغلاف إلى الغلاف، تتوزع فصول الكتاب التي امتازت بقصرها و سهولة فهمها، وتنوعت عناوين الفصول في نقد وتحليل مفاهيم بيئة العمل من التخطيط للمشاريع، إدارة الوقت، المنافسة، إدمان العمل، معايير التوظيف، الاجتماعات، الحصول على تمويل، إلخ…وفي كل فصل يقدم الكاتب بطريقة مُركزة وجهة نظره حول هذه المفاهيم و يعيد صياغتها ونقدها برؤيته الخاصة التي اكتسبها من خوض وإدارة مشاريعه الخاصة خلال ما يربو عن عشر سنين.
فصول الكتاب امتازت بلذاعة النقد الذي قد يشعر بها القارئ أنها تهاجم مفاهيمه الخاصة عن العمل، وفي أحيانٍ أخرى ستوافق رأيه بصراحته الشديدة لطرحه أفكاره الخلاقة غير التقليدية وربما تخالفه في أحيانٍ أخرى..
بعض المحطات التي قد تستوقفك مليًّا في ReWork
التخطيط مجرد خيال!
“ما دمت لست عرّافًا ، ستكون خطط عملك مجرد خيالات بلا فائدة”
هكذا استهل الكاتب بداية فصل planning is guessing بطريقة تجعل أي رائد أعمال تقليدي يشعر بالصدمة!
ففي هذا الفصل يجادل الكاتب بأن المتغيرات في بيئة العمل متنوعة وكثيرة بحيث يرى أن الخطط مهما أُحكمت في وضعها ليست سوى تخمينات، ولهذا يجد من المثير للسخرية إنفاق الكثير من المال والجهد وشدّ الأعصاب في خطط غالبًا ما تكون نسبة خطئها كبيرة باعتبار وجود متغيرات مجهولة متنوعة لا سيطرة عليها في المستقبل البعيد على وجه الخصوص، ولهذا يشجعك على الاسترخاء، فهو يرى أنك أقدر على اتخاذ القرار في لحظته الآنية دون تخطيط مسبق باعتبار أنك في تلك اللحظة أعلم وأقدر على قياس المتغيرات في بيئة العمل في وقتها الصحيح، وهو بهذا يشجع رائد الأعمال على الارتجال في عمله، وعدم وضع خطة عمل يتجاوز تاريخها الأسبوع مقدمًا.
لماذا تسعى لتوسيع مشروعك؟
” لمَ تهدف المشاريع إلى النمو دائما؟ ما سبب تعلقنا بغرور الحجم الكبير للمشاريع؟ وما الخطب في أن يتصالح المؤسس باتساع مشروعه الحالي ويقتنع به؟”
في فصل الكتاب هذا الذي عنوانه “Why grow؟” سيُشعرك الكاتب ببعض الارتياح، فالسباق المحموم في توسعة أي مشروع لا يكون مصيره النجاح دائمًا، قد يقوم مشروعك على خمسة موظفين ومكتب عملٍ متواضع، ومع هذا تجني أرباحًا ممتازة، وتوسعته إلى ثلاث أضعاف حجمه تُفقدك سيطرتك وقدرتك على إدارته فتبدأ أرباحك بالانخفاض، ما دام مشروعك مربحًا بحجمه الحالي، ابقَ على هذا الحال.
تحذير للسادة مدمني العمل
” تحتفي ثقافتنا بفكرة العمل بكثافة، نسمع عن الأشخاص الذين يسهرون للفجر في مكتبهم، حيث يعتبر إدمان العمل وسامًا مشرفًا يدعو للفخر بإحراق نفسك بالعمل بهذه الصورة، فلا حدود لديهم لكمية العمل و الساعات التي يستغرقُها الموظف في إنجازها ، لا أجد كثرة العمل غير ضروريّة فحسب، بل أعدُّها مجرد هراء…”
يصف الكاتب في هذا الفصل عن مدمني العمل (workaholics) بدّقة شديدة بيئات العمل المتنوعة، التقليدية منها وغير التقليدية ( وقد ينطبق كذلك على البيئات الأكاديمية في السياق نفسه).
يعترض الكاتب هنا على الساعات الإضافية في العمل و يرى أنها غير ضرورية، زيادة الساعات التي يقضيها المُوظف في إنجاز عمله لا تعني أبدًا أبدًا أنه ينجز أكثر، هو فقط يعمل ساعات أكثر و قد تكون فعليّا بلا أي جدوى تُذكر!
مدمنو العمل يخلقون لأنفسهم بقصد أو بدون قصد مهامًا أكثر أو ينفقون وقتًا أكثر في إنجاز مهامهم الفعلية مما يعطيهم تلك النشوة غير الحقيقية بالإنجاز، المشكلة أن أغلب الموظفين يعتقدون بهذا و يُمجدون مدمني العمل ويحتفون بهم، بل ويحسدونهم أيضًا على موهبتهم البطولية في العمل بهذه الكثافة لوقتٍ مُطوّل.
جايسون فرايد يتخطى عُقدة لسان القراء الذين يصطفون جانبه واستغرابهم الشديدة فيقول :” مدمنو العمل ليسو أبطالًا، لن يجعلوا يومك رائعًا، و لن ينقذوك بحكمتهم عندما تحتاجهم لأنهم منهكون، البطل الحقيقي أنهى عمله و يرتاح في بيته بالفعل لإيجاده طريقة تختصر وقته في إنجاز ما طلبته منه ..”.
اختصر الاجتماعات!
في السياق ذاته، يتابع الكاتب انتقاد مفاهيم العمل التقليدية في فصلٍ أفرده للحديث عن الاجتماعات مثل التوقيت والهدف الذي تقوم عليها الاجتماعات، ففي هذا الفصل يهاجم الكاتب مفهوم الاجتماعات قائلاً: لو اجتمعت بعشرة أشخاص لمدة ساعة فإن الوقت الفعلي الذي ستنخفض فيه إنتاجية الموظفين فيها لحضور هذا الاجتماع لن تكون مُجرد ساعة فقط، بل عشر ساعات باعتبار توقف عشرة موظفين عن عملهم لقاء هذا الاجتماع، والأغلب أن يكون الوقت أطول من عشر ساعات فعلية باعتبار أن الإنسان يحتاج وقتاً ليهيء نفسيته للعمل مُجددًا خاصةً لأنه قد غير مكانه -غرفة أخرى- كما أنه أصبح في خضم جو آخر وأفكار أخرى جديدة تختلف عمّا كان يقوم به قبل ذاك الاجتماع، أليس هذا الوقت باهظًا على اجتماع لا تُعد نتائجه أو أهميته الفعلية مساوية لهذا الوقت الضائع؟ قد يكون هناك أوقات تحتاج فيها هذا الوقت، ولكن هذا لن يحصل إلا لأوقات نادرة وعدى هذا، اختصر اجتماعاتك لسبع دقائق ولخّص في نهاية الاجتماع الذي جدولت مهامه مسبقًا كل ما دار فيه ومرّر الملخص للموظفين.
لِم تُنهِك نفسك بهذه الطريقة؟ اذهب إلى النوم!
هكذا كان عنوان أحد فصول الكتاب: GO TO SLEEP!
هذا الفصل مُكمّل لفصل إدمان العمل، وفيه يستهل الكاتب فصله بتنبيه رائد الأعمال المنهك لأضرار قلة النوم الشديدة، في إجبار نفسك على العمل ليلاً لساعات إضافية سيُنهك جسدك و عقلك و سينتج عن هذا انخفاض قدرتك على الإبداع عدى عن تأثير قلة النوم السلبية على سلوكك، ينصح فرايد رائد الأعمال بالنوم المنتظم و الاستماع لما يمليه عليه جسده، ومع هذا يتيح مجالاً لكسر هذه القاعدة مع الوعي بتبعاتها، ولذلك يجب أن ينتقي بحرص الأيام التي قد يعمل بها لساعات إضافية بالليل بحيث لا تؤثر على اليوم الذي يليه.
لا شيء أسهل من إنفاق أموال الآخرين
يضيف فرايد في فصل “التمويل” قائلاً: “الحصول على تمويل خارجي خُطوتك الأخيرة! لا شيء أسهل من إنفاق أموال الآخرين، ومن ثم ينفذ ما لديك من مال و تعود لطلب المزيد، و في كل مرة تطلب المال من الممولين تخسر جزئيًا سيطرتك على مشروعك الخاص، فتبدأ بتنفيذ ما يريده الممولون بدل أن تنفذ ما يحتاجه العُملاء.”
في بداية أي مشروع يُطرح سؤال التمويل على الطاولة، المشكلة في هذا السؤال أن من يود البدء بتمويل خارجي “باهظ” بصرف النظر عما يتوفر بين يديه من موارد ليستخدمها، فتكون بداية المشروع سريعة، ونهايته كذلك، ففي حال لم يقتصد مؤسس المشروع على الضروريات المُلحة لبداية المشروع ويديرها بذكاء لن يبقى مشروعه حيّا لفترة طويلة.
شاكس منافسيك
يتابع الكاتب فلسفته في ريادة العمل فيقول في فصله عن المنافسة في سوق العمل، أو كما عَنَونه بـ “pick a fight” :” شاكس منافسيك، إذا لم يعجبك منافسك، صارحه بهذا علنًا، ستجد أن مناصريك يحتشدون من حولك ضده، وهذه طريقة ممتازة لتبرز شركتك و تميز نفسك عن غيرك و تجذب لنفسك عملاء أكثر”
ذكر الكاتب في هذا الفصل أمثلةً على فلسفته بأمثلة واقعية فيذكر الحرب الطويلة بين شركتي ستاربكس و دنكن دوناتس حيث تستهدف إعلاناتهم بصراحة في مضمونها منتجات الشركة الأخرى المنافسة، ويذكر بالإضافة لهما شركة أبل و مايكروسوفت وشركتي Audi وRolls-Royce.
الجدال بين الشركات المنافسة يعطيك مجالاً واسعًا لقصص مُشوقة تسردها على عملائك، كما يبرز شخصية الشركة ويُميّزها عن المنافسين كما يجعل هذا الأسلوب أهداف الشركة أوضح بالمقارنة المباشرة مع غيرها، أضف إلى ذلك أنه يدفع العملاء لاختيار فريق يؤيدونه -في هذه الحرب الباردة- وهذه الطريقة فعّالة لإبراز الشركات الصغيرة و الناشئة بسرعة عندما يرتبط اسمها مع شركات أقدم في سوق العمل بحصولهم على حصة خفية بالتسويق لأنفسهم على حساب منافستها المستهدفة.
لاتدوّن اقتراحات العملاء!
شاكس منافسيك، استمع لعملاءك دون أن تنتبه لجميع التفاصيل، و الأفضل ألا تُدّون اقتراحاتهم وشكاويهم!
يتابع فرايد نصائحه غير التقليدية في الفصل الذي عنونه بـ”Don’t write down” فينصح رائد الأعمال بأن يستمع لعملائه دون أن يُدوّن في ملفات أو جداول ما اقترحوه، فمن لديه الوقت لمتابعة كل ما يقوله العُملاء؟ في حال تكرر الاقتراح أو الشكوى فهذا دليل على الأهمية والعكس في حال نسيت ما تم ذِكره، فهذ يدل على قلة أهميته، سيقوم العملاء بمهمة تذكيرك بما يريدون باستمرار!
من يجب أن يقرأ ReWork؟
مصدر الصورة
سواء كنت من رُواد الأعمال أو على وشك إطلاق مشروعك الخاص، أو لرُبما بدأت بعملك المكتبيّ الأول، هذا الكتاب بلغته السلسة وخلوه من المصطلحات المعقدة أو الإحصائيات والرسوم البيانية سينعش دافعيتك وينبهك إلى مفاهيم دارجة عفى عليها الزمن، وإذا كنت مترددًا في بدء مشروعك، سيمكنك هذا الكتاب بلُغته الخالية من التعقيد ورسومه الكاريكاتيرية المُعبرة في بدايات كل فصل من استعادة حماستك للانطلاق في العمل، فهذا الكتاب مُحفز فعّال يعمل على خلق التوازن بين ما لدينا بالفعل من مصادر وأفكار وما قد يعيقه.. اقرأ هذا الكتاب بذكاء، أو تجاهله على مسؤوليتك الشخصية!
هل أنت مستعد لجلسة مُشّوقة مع أحد أهم رواد الأعمال و المتحدثين المُفوهين في وقتنا؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بك وتشرفنا بزيارتك وتعليقك الكريم
سنقوم بالرد على سؤالك فى خلال وقت قصير ان شاء الله
ويمكنك التواصل معنا على رقم الواتس
00966558187343
او زيارة صفحتنا على الفيس بوك https://www.facebook.com/LouaiHassan.HR
وترك تعليقك فى الخاص وسنقوم بمساعدتك فورا
مع اجمل التحيات والامنيات بحياة سعيدة مباركة