ربما لا يوجد تحدٍّ يواجه رائد الأعمال أثناء تأسيس شركته الناشئة أكبر من تحدي تهيئة بيئة عمـل عالية الإنتاجيـة بناء على ميزانيـة تكون غالبا محدودة، خصوصا في المراحل الأولى لإطلاق الشركة. تصميم بيئة عمـل تحفّز موظفيها على المزيد من الإنتاجيـة والإبداع، وتستقطب المزيد من الموظفين الخارجيين ذوي المهارات والإبداعات، يعتبر واحدا من أهم أساسيات بناء الشركات، إن لم يكن أهمها على الإطلاق، باعتباره المحدد الأول لنجاح أو فشل الشركة في مراحلها اللاحقة.
وعلى الرغم من حقيقة أنه كلما كانت بيئة العمل أكثر اتساعا وترفيها وتميزا في تصميمها، كانت قطعا أكثر إنتاجية، فإن هذه الحقيقية ليست قاعدة ثابتة، فمن الممكن أن يتم تجهيـز بيئة عمـل مُنتجـة وتوفّـر أهم الأساسيات المطلوبة للموظفين والعاملين بها، بإمكانيات بسيطة تتماشى مع الميزانيات المنخفضـة أو المحدودة. (1، 2، 3)
تحتاج إلى بعض النباتات
بغض النظر عن كونها وسيلة التزيين الأرخص والأقل تكلفة تقريبا، وبغض النظر عن البهجـة التي تُثيـرها النباتات في أي مكـان، فإنها أيضا بحسابات العمل تلعب دورا كبيرا في رفع إنتاجيـة الموظفين والعاملين في بيئات الأعمال المختلفة. بحسب إحدى الدراسات، تلعب النباتات والزهـور الموزعة بشكل جيد في بيئات العمل دورا مهما في رفع إنتاجية الموظفين بنسبة 15%.
من الضـروري عند اختيار النباتات في بيئات الأعمال أن يتم اختيار النباتات الأكثر بهجة والتي تتوافق مع نوعية بيئة العمل نفسها، وبالطبع توزيعها على المناطق التي يصلها ضوء الشمس بأفضل ما يمكن. وتبقى دائما أصائص النباتات -أوعية النباتات المنزلية- هي الخيـار الأفضل لتزيين بيئات الأعمال، والأكثر انتشارا والأقل حاجة إلى الصيانة والرعاية مقـارنة بغيـرها.(4)
توزيع الإضاءة.. والأفضل أن تكون طبيعية
توزيع الإضاءة بشكل فعّال في بيئات الأعمال ربما يكون هو العنصـر الأول الذي يتم تصميمها بناء عليه. من الضروري أن تكون الإضاءة الداخلية موزّعة بشكل جيد يغطي بيئة الأعمال ككـل، سواء كغرف أو قاعات واسعة ممتدة أو كليهما. كما تشير الدراسات إلى أن أفضـل إضاءة ممكنة لبيئة الأعمال هي الإضاءة الطبيعية في فترات النهار، مما يجعل أفضل تصميم ممكن لبيئة العمل هو التصميم الذي يعتمد على النوافذ المفتوحة والمتصلة بالطبيعة.
الدراسات تقول إن الإضاءة الطبيعية الشمسية ترفع من مستوى إنتاجية الموظفين والعمّال، وإن التعرّض للنوافذ والأماكن المفتوحة في بيئات الأعمال يحسّن من مستواهم بشكل ملحوظ أكثر من ممارسة الأعمال في بيئات مغلقة تعتمد بشكل كامل على الإضاءة الصناعية فقط. (5)
مساحـة للخروج والحـركة
ليست كل الشركات الناشئة لديها الرفاهيـة الكافية لتصميم بيئة عمـل مُعرّضة بشكل مستمر للإضاءة الطبيعية، أو مزوّدة بنوافذ في معظم جوانبها توفر إطلالات محفّزة ورائعة. في هذه الحالة، ينبغي أن تكون بيئة العمل مزوّدة بطريق ما يتيح للموظفين والعاملين حرية الخروج إلى مكان ما مفتوح في أوقات الراحة بين العمل، يضمن تعرّضهم قليلا لضوء الشمس، مثل توفيـر شُـرفة واحدة على الأقل تسمح لهم بالتعرّض للإضاءة الخارجية.
الموظفون والعاملون في البيئات المغلقة غير المزوّدة بنوافذ أو شرفات غالبا ما يكونون في حالة غير جيدة مقارنة بالموظفين الذين يعملون في بيئات عمل تتعرّض لضوء النهار طوال فترة الدوام. لذلك، من الضـروري في حالة عدم توافـر هذا الخيـار أن تتاح البدائل مهما كانت بسيطة، حتى لو كان فقط القدرة على توفير مكان ولو صغير للتعرض للشمس، أو إتاحة الفرصة للعاملين والموظفين بإمكـانية الخروج من مقر الشركة إلى الشارع في منتصف اليوم أثناء فتــرة الاستراحة. (5، 6)
مُحفّـزات على سطح المكتب
يقضي الموظفون على مكـاتبهم مدة زمنية تزيد على الفترة التي يقضونها مع عائلاتهم وأسرهم أو ممارسة حياتهم الشخصية. لذلك، من الضروري إتاحة المجال لكل موظف أن يضع على مكتبه كل ما يجده مناسبا لاستحضاره أثناء فترة العمل من حياته الشخصية، وما يراه مناسبا لتحفيــزه أثناء فتـرة الدوام.
من المهم تشجيع الموظفين على وضع كل ما يرغبون فيه محفزا لهم أمامهم على المكتب، صور أطفالهم وعائلاتهم، اقتباسات محفّزة، وحتى هدايا دورية يكتشفها الموظف في أيام مختلفة، مثل أن يجد على مكتبه بعض الشيكولاتة أو مشروبا يحبّه صباحا. هذه المحفّزات يكون لها أثر هائل على نفسية كل موظف خصوصا في الساعات الأولى من الدوام التي عادة ما تكون متثاقلة قليلا في الإنتاج والانغماس في العمل.
أيضا من الضروري توفير كافة الأدوات المكتبية للموظفين والعمّال، مثل أوراق الملحوظات اللاصقة التي تُوضع على جدران المكاتب، أو أي أدوات تساعدهم في العمل المكتبي بعيدا عن الإمكانيات التقنية، فضلا عن شواحن الهواتف وأي متطلبات أخرى. بمعنى آخر، أن يكون المكتب أو المكان المحدود الذي يمارس فيه الموظف عمله يحتوي على الحد الأدنى من المحفّزات سواء النفسيـة أو المادية التي تساعده على إتمام أعماله بأفضل شكل ممكن أثناء الدوام. (1، 2، 3)
بعض المأكولات الخفيفة
ليست كل بيئات الأعمال قادرة على توفير وجبـات غداء يوميـة لموظفيها والعاملين فيها بسبب نقص الميزانيات المخصصة لهذا النوع من الأنشطة والخدمات لديها. ومع ذلك، هناك العديد من المأكولات الخفيفة التي يمكن أن توفّرها الشركة لموظفيها يوميا بدون أن تتسبب في زيادة التكاليف بشكل كبير. المهم أن تكون هذه المأكولات صحية وخفيفــة وداعمة للتركيز والمزيد من الإنتاج، وليست مأكولات دافعة للخمـول والرتابة والكسل.
الجوع أثناء فتـرة الدوام قد يؤثر بشكل حاد على إنتاجية الموظفين وأدائهم، لذلك توفيـر مأكولات خفيفة لهم طوال النهار شيء ضروري ويعمل على تدعيم الإنتاجية أكثر من تدعيم فكـرة الترفيه لدى الموظف. مطبخ صغير يحتوي على مأكولات خفيفة صحية أو بعض الفاكهـة الطازجة أو الرقائق سريعة الأكل وغير المشبعة بالدهون تحافظ على مستوى الطاقة لدى الموظفين ومستوى تركيـزهم أثناء العمل. (7)
تقليل الإزعاج وحذف المشتتات بقدر الإمكان
ربما التحدي الأبرز على الإطلاق في تصميم بيئات الأعمال هو تقليل عناصر الإزعاج والضوضاء بها بقدر الإمكان لإتاحة الفرصة للموظفين والعاملين لديها بإنتاجية أكبر. ومع ذلك، فإن توفير الهدوء يكون أمرا صعبا في بيئات الأعمال التابعة للشركات الكبـرى أحيانا التي تعجّ بالضجيج والأصوات المرتفعة طوال الوقت على الرغم من اتساع مساحاتها وتعدد طوابقها وغرفها وقاعاتها، فما بالك ببيئة عمـل صغيــرة تابعة لشركة ناشئـة في بداية مشوارها.
لذلك، من الضروري أن توفر بيئات الأعمال الناشئة الإمكـانيات التي يمكن أن تقلل من مستوى الضوضاء والمشتتات وترفع مستوى إنتاجية الموظفين، من أبرزها توفير السماعات العازلة للصوت. هذه السماعات تتيح الإمكانية للموظفين لمباشرة أعمالهم بعيدا عن الضوضاء التي تحدث حولهم من ناحية، وتتيح للموظفين الاتصال ببعضهم البعض في بيئة العمل بصوت جيد أيضا بدون تشتيت لزملائهم من ناحية أخرى.
إلا أن المؤكد أن القاعدة العامة الواجب توافرها في بيئات الأعمال هو أن يسودها الهدوء بأكبر قدر ممكن، وألا تتحوّل إلى مجمّع تجـاري أو ساحة للدردشة والنقاش بصوت عالٍ. في أحيان كثيرة، يغلب المستوى الترفيهي على ساحة العمـل بشكل أكبر على المستوى الانضباطي، فتتحول إلى نادٍ ترفيهي أكثر من كونها بيئة عمل مُنتجة. (8)
ما بين هذه الألوان الأربعة
العديد من الدراسات المتخصصة ركّزت على محاولة معرفة أفضـل الألوان التي ينبغي الاستعانة بها أثناء تصميم بيئات العمل، ومدى تأثيرات هذه الألوان على الموظفين والعاملين في الشركة. النتيجة المُستخلصة من هذه الدراسات أن العديد من الألوان بإمكانها زيادة مستوى مزاجيّة الموظفين على نحو إيجابي بشكل ملحوظ، بينما تلعب ألوان أخرى دورا مثبّطا للإنتاجية والإبداع.
بشكل عام، تأتي الألوان التنشيطية ما بين الأزرق والأحمر والأصفر والأخضـر في مقدمة الألوان التي تؤثر بشكل واضح على أداء الدماغ بأنماط مختلفة. اللون الأزرق مُهدئ للأعصاب ويزيد من مستوى التركيز بشكل ملحوظ، فضلا عن أن المكتب أو بيئة العمل التي تحتوي على درجات مختلفة من الأزرق تساعد الموظفين على العمل بشكل إيجابي طوال فترة الدوام. أما اللون الأحمر، فمن المحبّذ عدم الإفراط في استخدامه في بيئات العمل المكتبية، إلا لو كان نمط بيئة العمـل يعتمد على نشاط جسدي كبير، أو كميات قليلة من العمل. (9)
تهوية ودرجة حرارة مناسبة
ربما واحد من أهم عناصـر الإنتاج والإبداع في بيئات الأعمال هو الحرص على أن تكون درجة حرارة المكان مناسبة، وأن تتعرض بيئة العمـل لتهــوية جيدة. يستحيل أن تكون هناك بيئة عمل منتجة لا تتمتع بتهـوية جيدة، دافئــة في الشتاء وباردة في الصيف، وهو ما يجعل من الضـروري وجود نظـام تدفئة وتبريد بقدر الإمكـان، فضلا عن توفيـر عناصر التهـوية الطبيعية أيضا مثل النوافذ والأبواب.
في دراسة أصدرتها جامعة كورنيل في العام 2004، ذكـرت أن درجة حرارة بيئة العمـل إذا تراوحت ما بين 20 إلى 25 درجة، أدى إلى تقليل أخطاء الكتابة بمقدار 44%، وزيادة نواتجها الصحيحة بنسبة 150%. هذه الدراسة وغيرها من الدراسات تحتّم توفيـر درجة حرارة مناسبـة لبيئة العمــل وأكبر قدر من التهوية الطبيعية في الوقت نفسه. ( 10 )
أما في حالة تعثّـر الشركة في وضع تجهيـزات جيدة توفّـر درجة حرارة مناسبة معتدلة لبيئة العمل طوال العام، فالأفضـل -خصوصا في بيئات الأعمال العربية- توفيـر أجهزة تكييف أو مراوح موزّعة في بيئة العمل تضمن تهوية ممتازة في الصيف، في الوقت الذي يمكن ببساطة الحماية من البرد في الشتاء بواسطة الملابس الثقيلة أو القفازات.
ديكــور مُريح وعملي
واحدة من أكبر المشاكل التي تواجه بيئات الأعمال الناشئة هو اهتمام المؤسسين بأناقة تصميم بيئة العمل أكثر من فعاليته العملية، لمجرد الظهـور بمظهـر شبابي مختلف يتواكب مع الاتجاه العالمي لتأسيس بيئات الأعمال. وبالتالي، الاستعانة بديكـورات مُرهقة غير عملية وغير مريحة للموظفين لمجرد أنها تعطي لمحـة من الأناقة والتميز بين بيئات الأعمال الأخرى.
من الضروري أن يكون الأثاث والديكور المستخدم مريحا بشكل كامل، ويتم تصميمه من أجل راحة الموظف أولا وليس المظهر الخارجي أو الضيوف أو دواعي الأناقة. المقاعد يجب أن تكون مريحة بأفضل شكل ممكن، ويجب أن تكون المكاتب متوافقة بالضبط مع طبيعة العمـل الإنتاجيـة، سواء كانت صناعية أو خدمية أو تواصل مع الجمهـور، وغيرها من الأعمال.
في كل الأحوال، يجب أن يكون الديكور مريحا بقدر الإمكان لأنه يؤثر بشكل مباشر في إنتاجيـة الموظف، فبحسب دراسة قام بها مركز مايو كلينيك الطبي أوضحت أن الأوضاع السيئة للجلوس في بيئات الأعمال تؤدي إلى نتائج سلبية وخيمة، أبرزها الصداع وآلام الظهر والرقبة ومشاكل التنفس وألم الكتف والفك، وغيرها من المشاكل التي تنعكس بشكل حاد أثناء الدوام وتؤدي إلى انخفاض حاد في الإنتاجيـة. (1، 2، 3)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بك وتشرفنا بزيارتك وتعليقك الكريم
سنقوم بالرد على سؤالك فى خلال وقت قصير ان شاء الله
ويمكنك التواصل معنا على رقم الواتس
00966558187343
او زيارة صفحتنا على الفيس بوك https://www.facebook.com/LouaiHassan.HR
وترك تعليقك فى الخاص وسنقوم بمساعدتك فورا
مع اجمل التحيات والامنيات بحياة سعيدة مباركة