اتخاذك للخطـوة الأولى وقرارك بالتخلي عن حيـاة الهدوء والأمان الوظيفي والدخول إلى مغارة "ريادة الأعمال" المليئة بالذهب والكنوز المجهــولة، عادة ما يكــون وراءه حافز أساسي واضح هو أن تستولي على أكبر قدر من الكنوز والذهب، وأن تستطيع الصمود أمام الأهوال التي ستقابلك حتما بالداخل، ثم تتمكن أخيرا من العثور على طريق سحري للخروج محمّلا بالكنوز الثمينة التي حصلت عليها من المغارة.
ما إستراتيجيتك للخروج (Exit Strategy)؟ أنت الآن قمت بتأسيس شركة ناشئة وحصلت على تمويل من مستثمرين ودعم فني من حاضنة أعمال جيدة وشركتك أصبحت قائمة بالفعل. هناك مستثمـرون وموظفون وقطاعات وفريق عمل ومؤسسون وشركات وتدفق نقدي، الفكـرة أصبحت واقعا. أنت بالفعل داخل المغارة، والمفترض أنك تجمع ما تستطيع جمعه من كنـوز، ومن ثم تسعى للعثـور على باب مناسب للخروج. (1، 2، 3، 4)
المخرج الأول: الاندماج والاستحواذ
هذا الباب هو غالبا أول أبواب الخروج وأكثرها انتشارا في عالم الأعمال اليوم، وهو الباب الذي يستهدفه معظم روّاد الأعمال عند بدء تأسيس شركتهم الناشئة كخطّــة إستراتيجية للخروج منها. الباب الأول للخروج هو الوصول إلى مستوى أداء جيّــد يضع شركتك الناشئة على رادار الشركات الكبيـرة التي سيكون لديها الاهتمام بالسيطـرة على شركتك كجزء من خططها التوسّعية في الأسواق.
الاندماج والاستحواذ (Merger & Acquisition) دائما هي إستراتيجية الخروج الأولى والأكثر سهولة وربما الأكثر ربحا أيضا. الاندماج (Merger) تعني ضم شركتـك بالكامل إلى شركة أخرى لخلق كيان جديد مشترك بين الكيانين. بينما الاستحواذ (Acquisition) يعني شراء شركتك بالكامل بواسطة شركة أكبـر، مع الإبقاء على علامتها التجارية كما هي، ولكن تحت إدارة وتشغيـل وإشراف الشركة الأم التي قامت بالاستحواذ. في الحالتين (الاندماج والاستحواذ) فهي تعني أوجها لشراء الشركة من مؤسسها وضمّها إلى شركة أخرى أكبر حجما ونشاطا في السوق بشروط ومعايير تختلف من شركات لأخرى.
دائما ما يكون حل الـ "M & A" هو الأفضل من ناحية تحقيق الربح لكلا الطرفين، رائد الأعمال من جهــة والشركة الكبرى المستحوذة على قطاعات أكبر من السوق من جهة أخرى، أو ما يطلق عليه موقف الربح المشترك (Win – win Situation). تضمن هذه العملية تحقيق رائد الأعمال لأرباح كبيـرة من وراء عملية الاندماج أو الاستحواذ، وفي الوقت نفسه تضمن بقاء شركته واستمرارها في السوق وهي مدعومة بقوة شركة أكبر منها تساعدها في التوجيـه والتوسّع وتطوير الإدارة والعمليات. أما بالنسبة للشركة التي قامت بالاستحواذ والدمج، فهذه الخطوة تكون ذات فائدة كبرى لها في تحقيق أرباح أكبر وأسرع والسيطرة على شريحة سوقية أوسع.
في العام 2016 كمثال، وصل عدد عمليات الاندماج والاستحواذ الموثّقة بين الشركــات حول العالم إلى نحو 31ألف صفقة قُدّرت قيمتها الإجمالية بنحو 3 تريليـون دولار. كما شهد العام 2017 مجموعة من أكبر الاستحواذات والاندمجـات في مختلف الأسواق العالمية، امتد أثرها أيضا إلى العام 2018، ومن المتوقع أن يمتد إلى السنوات المقبلة خصوصا مع التغييرات المتسارعة في عالم الشركات الناشئة المتصاعد بشكل سريع. (5، 6)
المخرج الثـاني: اعرضها للبيع
يخلط الكثيـرون بين البيع والدمج والاستحواذ (M & A) ويعتبـرونهما أمرا واحدا، وهذا خطأ رغم التشابه. الاندماج والاستحواذ له معايير خاصة قد يكون من ضمنها أن تكون مالكا لبعض الأسهم في شركتك بعد دمجها أو الاستحواذ عليها، بل وربما تشغل بعض المهام الوظيفيـة كذلك. البيـع هنا معناه أن تقوم ببيع حصتك الكاملـة لجهة أخرى خارج معايير الدمج والاستحواذ.
البعض يسيل لعابه لشراء شركتك كما هي ليبدأ في تأسيس منهج إداري جديد مختلف يحقق من خلاله نجاحات أكبر من التي قمت بتحقيقها
مواقع التواصل
يمكنك أن تبيع الشركة إلى جهــة ما من خارج الشركة، أو تبيعها إلى فريق الإدارة الداخلي، أو حتى تبيعها إلى الموظفين العاملين في الشركة بحيث يشتري كل موظف أسهما منها. فكـرة أن تبيع الشركة لأشخاص آخرين -سواء من خارجها أو من داخلها أيهما أقرب وأكثر واقعيــة- لديهم الشغف والرغبـة الكافيـة لاستمرار قيادتها بروح ودماء جديدة، في الوقت الذي تستريح أنت من عنائها وتأخذ بعضا من الراحة والاستمتاع بوقتك بعد الحصـول على المال، فكـرة عادلة لجميع الأطراف. ومن ثمّ، تبدأ أنت في مطاردة حلم جديد.
بشكل أو بآخر، شركتك الناشئة حتى لو كانت متعثّرة فإنها تثير اهتمام الآخرين. البعض يسيل لعابه لشراء شركتك كما هي ليبدأ في تأسيس منهج إداري جديد مختلف يحقق من خلاله نجاحات أكبر من التي قمت بتحقيقها. قد يكون هذا البعض زملاءك في الشركة، أو أعضاء فريقك أو حتى مجموعة الموظفين الذين لديهم القدرة المالية الكافية لشرائها. من المهم عرض شركتك للبيع سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي حتى تسهّل من عملية بيعهـا سريعا. (1، 2)
المخرج الثالث: لا تخرج.. احلب البقرة!
هذه الإستراتيجية تضمن لك أن تخرج وألا تخرج في الوقت نفسه. تخرج من المهمـات الرسمية الملقاة على عاتقك من وراء شركتك الناشئة، وفي الوقت نفسه لا تخرج من ملكيتها أو إدارتها العامة. إستراتيجية "حلب أموال البقــرة" (Cash Cow) واستخلاص الأموال من ورائها بأقل مجهود ممكن، هي إستراتيجية تخارجية معروفة يلجأ لها روّاد الأعمال في حالة استعصاء بيع الشركة أو الاستحواذ عليها من ناحية، أو ثبات السوق واستقراره بشكل ممتاز يجعل هنـاك تيّـارا من الأرباح المتدفقة الثابتة (Steady Revenue Stream) على الشركة تكفي لتسديد التزاماتها أمام المستثمـرين.
عندما تجد شركتك الناشئة تحقق نجاحا جيدا ومستوى جيدا من تدفق الأرباح، وفي الوقت نفسه أرهقتك إدارتها ومتابعتها، فأفضل حل هو أن تجد شخصا -أو فريقا- تثق فيه فنيا وإداريا وشخصيا لإدارة الشركة بشكل كامل، بحيث لا يتبقى لك من متابعتها سوى بعض الأعمال الروتينية والإمضاءات النهائية ومتابعة سير العمل بشكل عام ونتائجه. أما الأمور الفنية والإدارية والقرارات المهنيـة فتكـون موكلة بشكل كامل لمديـر تنفيذي تُسند إليه كافة المهام، ويكون دورك النهائي هو تقييم أدائه من فترة لأخرى.
الأرباح التي ستصلك من وراء الشركة يمكنك أن تستغلها لبدء فكـرة جديدة وتأسيس شركة أخرى لتتحول إلى رائد أعمال متتابع (Serial Entrepreneur) متخصص في فن بدايات إنشاء الشركات الناشئة وتكبيـرها لتقف على قدميها، ثم إحالة عملية النمــو إلى آخرين، في الوقت الذي تتفرغ أنت فيه بالحصول على أرباح هذه الشركات وبدء شركات جديدة وهكذا.
هذا الأسلوب -إحالة كافة المهام لنمو الشركة وتكبيـرها إلى مديرين متخصصين- يلجأ له الكثير من روّاد الأعمال المتسلسلين الذين يجدون صعـوبة في بيع شركاتهم أو الحصول على عروض استحواذ مناسبة من جهـة، ومن جهـة أخرى روّاد الأعمال الذين يرفضون بيع شركـاتهم لاعتبارات مستقبلية بخصوص نمو حصص هذه الشركـات وتحقيقها لأرباح أكبـر في المستقبل بناء على مستوى تطوّرها الحالي الذي يكفي لتسديد التزاماتها وجلب أرباح أكبر تعينه على تأسيس مشروعات أخرى. (1، 2،7)
المخرج الرابع: طرح الشركة للاكتتاب العام
الواقع أن هذا الحل يبدو أميـركيا أكثر من اللازم، ونادرا ما يحدث بالنسبة للشركة العربية الناشئة، فضلا عن صعوبة حدوثه للكثير من الشركات الناشئة في السوق الأميركي نفسه مع العدد الهائل من المشروعات الريادية الذي يخرج سنويا، والمعايير والشروط الصعبة التي يضعها حملة الأسهم بخصوص شراء أسهم الشركات الناشئة التي يتم طرحها في الاكتتاب العام. في كتاب "High Tech Startup" ذكـر مؤلفه أن احتمالية حصول مشروعك على اكتتاب عام "IPO" تساوي 6 إلى مليون! (3، 4، 8)
يمكن القول إنه حل "تسعينياتي" إلى حد ما، حيث شهدت أسواق الأسهم العالمية اندفاعا لشراء أسهم الشركات الناشئة في تلك الفترة التي تسمى "انفجار فقاعة الإنترنت" (Internet Bubble Burst) التي وصلت حدا خياليا في تأسيس الشركات التقنية في هذا العقد مع ظهور وتوسّع شبكة الإنترنت عالميا، حتى حدثت الأزمة الكبرى مع مطلع العام 2000 بانهيار الكثير من هذه الشركات مما تسبب بخسائر فادحة. منذ ذلك الوقت، بدأت الاكتتابات العامة للشركات الناشئة تقل تدريجيا مع زيادة مطالب حملة الأسهم ومعاييرهم القاسية للشراء. (9)
بالطبع هذا الباب يكون متاحا عندما تكون شركتك الناشئة قد حققت نموا سريعا وهائلا على غرار فيسبوك وسناب شات وتويتر وغيرها من الشركات الناشئة التقنيـة التي كان تحويلها إلى الاكتتاب العام أمرا يسيرا ومريحا ومربحا لمؤسسيه بدون شك. إذن، هو باب خروج من الصعب الوصول إليه ومغلق بالكثير من الأقفال خصوصا في المنطقـة العربية التي لم تتعود بعد على ثقافة طرح أسهم الشركات الناشئة في البورصة.
المخرج الخامس: التصفية والإغلاق
ربما هذا هو الباب الأخيــر الذي يقبع في نهايـة ممر الاختيارات المليء بالأبواب التي يطرقها روّاد الأعمال، قبل أن يقرر استخدامه. الباب الذي يكـره أي رائد أعمال أن يخرج منه، وربما يعتبـره بعضهم كابوسا، لكنه في الواقع ليس كذلك على الإطلاق. إغلاق الشركات الناشئة التي لا تحقق النجاح المُتوقّع هو أمـر عادي تماما بالنسبة لروّاد الأعمال، بل هو الأمر الواجب عمله إذا تخطّت الأمور الخطوط الحمراء، وبدأت الشركة في الدخول في مرحلة من التعثر ينتج عنها توريط صاحبها في المزيد من الخسائر وعدم القدرة على سداد الديون للمستثمـرين أو الموظفين. حينئذ، يبدو باب إغلاق الشركة -بعد استنفاد كافة الخيارات الأخرى- هو الخيار الأفضل.
قرار تصفيـة الشركة (Liquidation) وتسييلها إلى أموال وتوزيع أرباحها وخسائرها على مؤسسيها وإعطاء كل ذي حق حقه هو قرار يشبه كثيرا تقطيـع قارب خشبي كبيــر وتحويله إلى مجموعة من الأخشاب يتم توزيعها على أصحاب القارب، بدلا من الاستمرار في استخدامه رغم مشاكلـه وخروقاته وتعريض أصحابه جميعا للغرق. من المفيد أن يسترد رائد الأعمال أخشابه، ويعيد التفكيـر في استخدامها في بناء قارب آخر أو بناء كوخ خشبي، بدلا من الاستمرار في مشروع غارق لا محالة، سواء بسبب سوء إدارته أو بسبب تقلبات السوق أو بسبب أزمـات غير متوقعة. (1، 2، 10)
في النهاية، بعض روّاد الأعمال يتعاملـون مع إستراتيجيات الخروج (Exit Strategies) باعتبارها معنى سلبيا، أو على الأقل اتجاها لا يتمنون الولوج فيه إلا بحكم الاضطـرار. هذا التصور خاطئ تماما، خصوصا في ظل التنامي الهائل في أسواق الشركات الناشئة عالميا التي تدفعك دفعا لاتخاذ مثل هذه القرارات لمصلحتك في النهاية. ليست كل قصص نجاح ريادة الأعمال تكون عبر تحويل شركتك إلى نموذج "غوغل" أو أمازون أخرى، وإنما من الممكن أيضا أن تكون قصة نجاح رائعة عن طريق الاستحواذ على شركتك بواسطة غوغل وأمازون!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بك وتشرفنا بزيارتك وتعليقك الكريم
سنقوم بالرد على سؤالك فى خلال وقت قصير ان شاء الله
ويمكنك التواصل معنا على رقم الواتس
00966558187343
او زيارة صفحتنا على الفيس بوك https://www.facebook.com/LouaiHassan.HR
وترك تعليقك فى الخاص وسنقوم بمساعدتك فورا
مع اجمل التحيات والامنيات بحياة سعيدة مباركة