تطرقت من قبل للمشكلات التي تواجه الشركات العائلية، وقد كان التركيز منصبا على مشكلات التنظيم، والتخطيط، والهيكلة. ونريد في هذا المقال أن نخطو خطوة إلى الأمام كي نتعرف على الكيفية التي تؤدي بها الشركات العائلية وظائفها التشغيلية. وحتى لا تتفرق بنا السبل ـــ لأن وظائف المشاريع العائلية متشعبة ومتعددة ـــ سنركز نقاشنا على إدارة واحدة من إدارات الشركات العائلية إلا وهي إدارة الموارد البشرية، نسلط الضوء على كيفية عملها، وما المشكلات والإخفاقات التي تمر بها.
من خلال تعاملنا مع الشركات العائلية وجدنا مشكلات متعددة في إدارة الموارد البشرية وهي وإن كانت متباينة من شركة إلى أخرى إلا أن هناك قواسم مشتركة ومشكلات متشابهة لعلنا نستعرض أهمها.
أول ثغرة تراها في عمل إدارة الموارد البشرية النقص في بعض الوظائف مع زيادة على الحاجة في البعض الآخر. من الممكن أن تجد شركة فيها خمسة محاسبين بينما يوجد مندوب مبيعات واحد والشركة لا تحتاج سوى محاسب واحد ولكنها في حاجة إلى أربعة أو أكثر من مندوبي المبيعات.
وسوء التقدير هذا ينتج عنه تكاليف إضافية وهدر للجهود البشرية وعدم أداء العمل بكفاءة عالية.
كما يلاحظ أيضا عدم وجود عقود بين الشركة والعاملين فيها تحدد فيها طبيعة ونطاق العمل الوظيفي المتعاقد عليه، والمزايا المالية للموظف، وموعد استحقاق الإجازة، والمسؤولية الملقاة على عاتق الموظف بما يحفظ للموظف حقوقه وللشركة سمعتها.
وطالما ليس هناك عقود فليس هناك برامج تدريبية لرفع كفاءة موظفي الشركة، بل إن بعض الشركات العائلية لا تعترف بشيء اسمه تدريب لعدم قناعتهم بأهميته وللتكاليف المترتبة عليه. والبعض يبرر انعدام التدريب بسبب أن غالبية الموظفين من الوافدين ووجودهم في البلد وفي الشركة مؤقت فكيف يقوم بتدريبهم وهم في نهاية المطاف سيتسربون من بين يديه إما إلى شركات أخرى وإما إلى بلادهم. ونحن نقول لهم إن التدريب جزء مهم لأي موظف في أي شركة مهما كان حجمها، ومهما كان نشاطها، ومهما كان وضعها القانوني، بغض النظر عن جنسية الموظف لأن برامج التدريب هي التي ترفع كفاءة أداء الموظف وقدراته ومهاراته في العمل بما ينعكس إيجابا على حسن أداء العمل ويصب في نهاية المطاف في مصلحة الشركة.
وإذا كانت هذه الشركات ترى أن من يعملون تحت مظلتها مؤقتين فهذا يعني أنها "الشركة" أيضا مؤقتة وأنها قد ربطت وجودها بأهداف تحققها وليس برسالة تتبعها. كما يعد هذا أنانية وضيق أفق، فالشركات تؤسس من أجل البقاء وتبنى من أجل العطاء ولا يستثنى من ذلك إلا شركات المحاصة فقط وهي الشركات التي تؤسس لعمل معين ولمدة محدودة مرتبطة بمشروع بعينه ينتهي وجودها بتسليم المشروع. ولا نريد أن نسهب في هذا حتى لا نبتعد عن جوهر المقال ولكن أريد لمن ينظر إلى شركته على أنها مؤقتة أن يطلع على كتاب كولنز ووبوراس وهما يعرضان نماذج من بعض الشركات التي مر على تأسيسها قرون وتعاقب على إدارتها أجيال من عائلة واحدة وما زالت تتألق لأنها بنيت من أجل الاستمرار ومن أجل البقاء، وجوهر بقائها لا يعتمد على موظف هنا أو موظف هناك بل على رسالة أبدية وقيم جوهرية ولم يكن لمؤسسيها هذه النظرة الضيقة.
نعود لموضوع الموارد البشرية فنقول إن الموضوع لم يقتصر على التدريب بل تعداه إلى عدم تصنيف الوظائف. فقد لوحظ أنه لا يوجد لدى كثير منها تصنيف وظيفي أو حتى مسميات وظيفية متفق عليها للوظائف التي يشغلها الموظفون الآن أو الوظائف المخطط لها. والأهم من ذلك أنه لا يوجد سلم رواتب يمكن مقابلة الوظائف معه ليسهل تحديد الأجور وفق أساس معياري عادل يساعد في رسم رؤية مستقبلية عن الوضع المالي المستقبلي لشاغلي الوظائف. وقد يكون هذا سببا جوهريا لانخفاض الروح المعنوية لدى الموظفين وما يتبعه من تدني مستوى الولاء.
وموضوع سلم الرواتب هذا يقودنا إلى نظام العلاوات والترقيات والمكافآت للعاملين، فقد اتضح من خلال المقابلات مع الموظفين الذين يعلمون في الشركات العائلية عدم وجود علاوات ولا ترقيات ولا مكافآت وفق آلية محددة. وهذه نتيجة طبيعية ترجع بدورها إلى عدم وجود تصنيف وظيفي يقترن بسلم رواتب يتناسب ونشاط الشركة وحجم عملها. كما تواجه الشركات العائلية مشكلة أخرى تتمثل في تحديد الإجازات لموظفيها. فلا يوجد آلية واضحة لتنظيم استحقاق الإجازات، وعدم وجود هذه الآلية يجعل الشركة في حرج فإما أن تضغط على منسوبيها وتؤخر إجازاتهم لعدة سنوات مما يسبب ضغطا نفسيا عليهم وانخفاض مستوى أدائهم، وأما أن تضحي بأعمالها فتمنح الموظف إجازة ولا تجد من يقوم بعمله. كما يعاني كثير من الموظفين عدم معرفة إنجازاتهم بسبب عدم وجود معايير لتقويم الأداء.
وحتى تصحح إدارة الموارد البشرية عملها وتؤدى مهمتها بحرفية عليها أولا وقبل كل شيء إعداد تصنيف وظيفي بمسميات وظيفية يتبعه سلم للرواتب يشمل العلاوات. كما أنه من الضروري أن يكون هناك آلية لتقويم أداء الموظفين كل فترة زمنية محددة، وإعطاء الموظف التغذية العكسية عن مستوى أدائه لكي يزيد من نقاطه الإيجابية ويحاول القضاء على نقاطه السلبية، بما يحقق تطورا وتقدما في الأداء العام للشركة. فوجود معيار لتقويم الأداء يعزز من أداء الموظف ويعرف أين هو من بقية الموظفين. ومن هذه المعايير مجتمعة "التصنيف الوظيفي، وسلم الرواتب، وتقويم الأداء" يمكن بسهولة تصميم نظام للحوافز والترقيات. فلا يمكن أن يعمل نظام الحوافز ويحقق العدالة دون أن يكون هناك تصنيف وظيفي واضح المعالم مقترن بسلم للرواتب وبتقويم للأداء.
هذه بعض مشكلات الموارد البشرية مذيلة ببعض التوصيات نتمنى من المديرين التنفيذيين في الشركات العائلية دراسة مدى إمكانية تطبيقها فقد تزايد في السنوات الأخيرة انهيار كثير من الشركات العائلية وهذا يعد مؤشرا خطيرا على سير الاقتصاد في بلادنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بك وتشرفنا بزيارتك وتعليقك الكريم
سنقوم بالرد على سؤالك فى خلال وقت قصير ان شاء الله
ويمكنك التواصل معنا على رقم الواتس
00966558187343
او زيارة صفحتنا على الفيس بوك https://www.facebook.com/LouaiHassan.HR
وترك تعليقك فى الخاص وسنقوم بمساعدتك فورا
مع اجمل التحيات والامنيات بحياة سعيدة مباركة