البذل والعطاء في مطلقهما أشياء رائعة، ولولاهما لتجردت المشاعر الإنسانية من اثنين من أهم ركائزها. ولكن ما لا يعلمه الكثيرون أن العديد من البشر قد يقعون فريسة للإستغلال والتأذي النفسي والمعنوي في حال ما لم تكن قدرتهم على العطاء والبذل محكومة ببعض القواعد والمقاييس.
عندما تمتلك طبيعة معطاءة فإنك دون قصد قد تسمح للآخرين بإفساد حياتك بمنتهى السهولة. بعض البشر لا يستطيع التمييز بين المعاملات الإنسانية الطبيعية و التعدى على حقوق الآخرين من جانب آخر.
لذا عندما تقرر أن تعطي من وقتك ومجهودك وطاقتك، فاعلم جيداً لمن تعطي، وكيف تعطي، ومتي يجب أن يتوقف نزيف العطاء عن هدر طاقتك، و كيف تقول لا ولمن تقولها

ليسوا دائماً بحاجة للمساعدة

بعض البشر لديهم طبيعة الإعتمادية على الآخرين في كل شيء. لماذا نقوم بعمل أي شيء مادام يمكننا تفويض الأمر والرمي بالمسؤولية على الآخرين؟! هكذا دائماً لسان حالهم، ورغم أن لديهم القدرة ولا ينقصهم ما يمكنهم من آداء واجباتهم، فسيلقونها على عاتقك إن أنت دوماً رحبت بذلك وأفسحت المجال له.

لا تكن متوفراً دائماً

لا تجعل وقتك، يومك، مشاعرك وطاقتك كلها متاحة للجميع في كل وقت وتحت كل ظرف. أنت أيضاً لديك أشياء تريد القيام بها، مشاعر تريد الأعتناء بها، طاقة تحتاجها للمتابعة في حياتك ورحلتك. صدقني أنت لا تريد أن تكون متاحاً دائماً ثم تلتفت لتجد أن أبسط احتياجاتك لذاتك قد مرّت دون العناية بها والتعامل معها.

مع الوقت سيصبح حقاً مكتسباً

هذا صحيح ومخيف بدرجة كبيرة للأسف. إنهم حين يعتادون تواجدك الدائم وترحيبك المطلق بإتاحة ذاتك لهم دون شروط وقيود، ستصبح حياتك كلها مشاعاً لمطالبهم التي لا تنتهي وسيصبح ما تقوم به تفضلاً قد أصبح حقاً مكتسباً في نظرهم وتصبح محاولتك للحصول على بعض الوقت لنفسك هو عدم مسؤولية وقلة ذوق من ناحيتك وهذا عارٍ تماماً من الصحة.

لا يقولون شكراً، لا تقدير

ترتباً على النقطة السابقة وأن ما تفعل هو حقاً أصيلا مكتسباً للآخرين عليك، فإنك لن تجد أي تعبير عن الشكر أو الإمتنان أو حتى الإعتراف بكل ما تقوم به من أجلهم؛ ما سيصيبك بإحباط كبير وغضب داخلي من ذاتك.

لن تستطيع أن تعرف نفسك وما الذي تريد

عندما تتمحور كل حياتك على الإعتناء بمتطلبات الآخرين، فستجد أنك مع الوقت تعرف كل شيء عما يريدونه ويفضلونه؛ أطعمتهم المفضلة، هداياهم المحببة، كيف يكونوا سعداء، كيفية مساعدتهم لتخطي أوقاتهم الصعبة وستنسي بالتدريج كيف كنت تتعامل مع ما يخصك وكيف تتخطى مشاكلك فضلا عن أنه ستكون طاقتك كلها قد استنزفت في الأماكن الخطأ ولا وقت ولا طاقة لذاتك أنت.

ما الحل؟!

الحل في كلمة واحدة بسيطة هو أن تتعلم كيف تقول لا! أن تقول لا لابتزازهم المعنوي، والعاطفي في الحياة اليومية والعلاقات الشخصية وحتى مع أصحاب العمل. تعلم أن تضع حدوداً منذ البداية ولا تسرف في إعطاء وقتك وحياتك ومشاعرك ومجهودك إلا بالقدر الصحيح والصورة السليمة. فكرة أن تقول لا هي لا تعني أبداً أن تقولها بفظاظة أو عنف؛ بل تعني أن تقول لا لنفسك عندما تجد أنك تنساق وراء طبيعتك المعطاءة دون تفكير، وأن تبقى حذراً من البداية في أية لحظة تشعر فيها أنه يتم استغلالك. حتى وإن تطور الأمر إلى أقصى مراحله، فبإمكانك دوماً أن تصُرّح برغبتك في وقت لنفسك وحياتك ومحيطك في وجوههم لو لم يلاحظوا من تلقاء أنفسهم مدى ما تسببوا فيه من ضرر.
تدوينة 
نهى عصام / مصر