تخيّل أنّ لديك زميلاً تتّسم علاقتك به بالكثير من التحدّيات، أو زميلاً يجعل أبسط الأحاديث حتّى تتحوّل إلى نقاشات غير مريحة ومفعمة بالتوتّر. فبغضّ النظر عن الموضوع المطروح، تجد أمثال هؤلاء الناس يعارضونك ويعاملونك وكأنهم خصوم لك وليسوا حلفاء.
عندما تكون قادراً على تخيّل ذلك الشخص بحيوية بل وحتّى بشكل عميق، تخيّل السيناريو التالي: أنت تجلس خلف مكتبك وتعمل بعيداً عن الجميع وفجأة تظهر رسالة من ذلك الشخص على شاشتك. تفتح الرسالة وتقرأ نصّها: "لقد استلمت منك مسودة التقرير التي أرسلتها لي. وقد اكتشفت وجود خطأين فيها، ولديّ بعض الأفكار بخصوص إدخال تعديلات على الوثيقة ستجعلها أفضل. سأزورك في مكتبك عند الساعة الثالثة لنناقش الأمر". فما هو الشعور الذي ينتابك بعد قراءة هذه الرسالة؟ هل تشعر بأنك غاضب، أم تتّخذ موقفاً دفاعياً، أم تشعر بالقلق؟ وهل تبدأ فجأة بالبحث عن عذر يجعلك ترغب في أن تكون بعيداً عن مكتبك عند الساعة الثالثة؟ تُعتبرُ ردود الأفعال هذه كلّها شائعة جدّاً. والعديد من الناس سيتساءلون ويقولون: "يا له من شخص سخيف، يبحث عن الأخطاء في أعمالي وحسب". أو "لماذا تظن نفسها شخصاً ذكياً ولديها الكثير من الأفكار؟"
الآن حاول أن تتناسى أمر ذلك الشخص وأن تبعده من ذهنك. وعوضاً عن ذلك، تخيّل زميلاً آخر تجمعك به علاقة جميلة جدّاً، وترتاح إليه، ويدعمك في كلّ المواقف. وهو الشخص الذي تلجأ إليه عندما تحتاج إلى إنسان لمناقشة تفاصيل قضية تهمّك. بعد أن تتخيّل هذا الشخص في رأسك، حاول أن تتخيّل السيناريو التالي: أنت تجلس خلف مكتبك وتعمل بعيداً عن الجميع وفجأة تظهر رسالة من ذلك الشخص على شاشتك. تفتح الرسالة وتقرأ نصّها: "لقد استلمت منك مسودة التقرير التي أرسلتها لي. وقد اكتشفت وجود خطأين فيها، ولديّ بعض الأفكار بخصوص إدخال تعديلات على الوثيقة ستجعلها أفضل. سأزورك في مكتبك عند الساعة الثالثة لنناقش الأمر". فكيف سيكون شعورك الآن: هل ستشعر بالارتياح تجاهه وبالامتنان له؟ إذا كنت تشبه آلاف الأشخاص الذين طرحت عليهم هذا السؤال، فإنّك على الأرجح ستكون مهتمّاً بالحديث مع هذا الزميل والاستماع إلى الأفكار الموجودة لديه بخصوص هذه الوثيقة. بل وحتى قد تضع علبة من الشوكولا على مكتبك استعداداً لقدومه لكي تقدّمها له عندما يأتي.
هذا المثال يُظهرُ حجم التأثير العميق الذي تتركه افتراضاتك وأحكامك السلبية المسبقة على تصوراتك عن الناس. والأسوأ من ذلك أنك إذا فكّرت في مدى الاختلاف في الاجتماع مع هذين الشخصين عند الساعة الثالثة، فإن الرسالة ذاتها الواردة من هذين الشخصين المختلفين ستقود إلى نتيجتين مختلفتين جذرياً.
ففي الاجتماع الذي يجمعُك بخصمك المفترض، أنت تضع أسوأ الافتراضات، وربما ودون انتباه منك، فإنّ ذهنك واستجابتك وتحديداً لغة جسدك ستصبح سلبية، وستجد نفسك في حالة من المقاومة. وعندما يرى زميلك سلوكك هذا يبدر منك، فإنّه هو أيضاً سيتّخذ بدوره موقفاً دفاعياً وعدوانياً، الأمر الذي سيقود إلى (وسيبرّر) المزيد من السلوك العدواني من جانبك، وهكذا تستمر الحلقة المفرغة. والنتيجة هي أنكما أنتما الاثنان تتعاملان بطريقة منغلقة، بينما تتراجع الثقة بينكما، وبذلك تخسر مؤسستكما فرصة الحصول على نتيجة أفضل.
أمّا في الحالة الثانية، أي في اجتماعك مع حليفك المفترض، فإنّ الوضع يكون معاكساً تماماً ومدهشاً في اختلافه. فأنت تضع أفضل الافتراضات، في حين أنّ كلماتك وتصرّفاتك ستدل على الانفتاح بل وحتى على الحماسة تجاه الأفكار المعروضة. فأنت ستتبادل الأفكار مع ذلك الشخص وتتعلّم منه، الأمر الذي يقود إلى تحسّن في جودة العمل، وإلى تنامي الثقة بينكما.
وبالتالي فإنّ أفضل علاج أو ترياق ضدّ هذه الآلية الهدّامة هي الانتباه واليقظة الذهنية أو ما يعرف بالوعي الذاني. فإدراكك للافتراضات التي تضعها في رأسك يمنحك الفرصة لمواجهة كل التأثيرات غير المرغوبة الناجمة عن أحكامك السلبية المسبقة.
حاول خلال الأيام القليلة المقبلة على سبيل المثال أن تنتبه إلى ردود أفعالك تجاه أقوال زملائك وأفعالهم. حاول أن تنتبه إلى جسدك، لأنّه سيعطيك المؤشرات والدلالات التي تبحث عنها: متى يتسرّع قلبك؟ ما الذي يجعلك تحكم قبضة يدك؟ متى ترفع صوتك؟ متى تنحني إلى الطاولة بشكل عدائي، ومتى تشعر بأنك لا تعود تصغي إلى الشخص الواقف أمامك وبأنك تريد الانسحاب بعيداً عنه؟
في كلّ مرّة تشعر فيها بأنّك تبدي ردود أفعال سلبية، توقّف لبرهة وتأمّل فيما هو حاصل لك. ما هي الأشياء التي تفترضها أو تستنتجها وتقودك إلى إظهار هذه الردود السلبية؟ لاحظ بأنّ أكثر الردود توتراً تبدر منك عندما تفترض بعض الأشياء بخصوص شخصية ذلك الشخص أو دوافعه، أو عندما تضع افتراضات بخصوص نظرة ذلك الإنسان إلى شخصيتك أو إلى مصداقيتك. هل تفترض بأنّ زميلك شخص دنيء أو غبي أو يريد النيل منك؟ هل فسّرت الكلام الذي قاله بوصفه تلميحاً إلى أنّك لا تتمتّع بالذكاء الكافي، أو إلى أنّك شخص غير محبوب، أو إلى أنّك لن تنجح في المهمّة المطلوبة منك؟ إنّ مجرّد إدراكك للافتراضات السلبية الموجودة في ذهنك سيكون خطوة في غاية الأهمية (ولو كانت خطوة تبعث على عدم الارتياح نوعاً ما لديك).
بعد أن تدرك هذه الخلاصة الأولية السلبية التي توصّلت إليها، حاول تبنّي فرضية أكثر إيجابية. والطريقة الأبسط لفعل ذلك هي استبدال افتراضاتك المتعلقة بشخصية ذلك الإنسان بفكرة لها علاقة بالوضع الحالي بينكما. فعوضاً عن أن تقول لنفسك: "إنّه شخص دنيء لأنه يشير إلى أخطائي التي ارتكبتها"، قد تقول عوضاً عن ذلك: "ربما نظراً لأهمية هذه الوثيقة، أرادها أن تكون خالية من أي عيوب". فهذا الأمر سيجعلك أكثر كرماً وأكثر تركيزاً على التفاصيل المهمّة وسيقود إلى نقاش أفضل بينكما.
والأمر ذاته يصحّ على الافتراضات التي تضعها عن نفسك أيضاً. فعوضاً عن الافتراض بأن زميلك في الفريق يعتقد بأنّك شخص غبي (و هي عبارة عامّة تصف قيمتك كإنسان) حاول أن تجعل افتراضاتك تقتصر على سلوكك في الحالة المعنية كأن تقول لنفسك: "ربما زميلي يعتقد بأنني لم أقدم ما يكفي من البراهين التي تثبت أنّ هذه هي الطريقة الأفضل للعمل".
إنّ التركيز على المخاوف الموجودة من خلال ربطها بالحالة المعنية فقط وليس بشخصية الزميل ذاته، لا يقضي على المشاعر السلبية الموجودة تجاه سلوكه، لكنّ التركيز على الحالة المعنية فقط سيجعلك تشعر بقدر أقل من العدائية تجاهه، وسيقود إلى تفاعل يعطي نتائج أفضل معه. فإذا أتقنت هذه الطريقة في التعامل مع الأمور، حاول أن تدفع نفسك إلى اتّخاذ الخطوة التالية وهي البحث عن دافع إيجابي يكمن وراء الكلمات والأفعال التي تمقتها لدى الطرف الآخر.
فعلى سبيل المثال، ردّ الفعل الأكثر شيوعاً على الرسالة المعروضة أعلاه هو الافتراض بأنّ ذلك الشخص يريد النيل منك. ولكن بوسعك عوضاً عن ذلك أن تفترض بأنّ زميلك كان يحترس نيابة عنك ويريد أن يضمن بأن تكون وثيقتك التي تقدّمها خالية من أي عيوب وأخطاء. وبمقدورك أيضاً أن تختار الاعتقاد بأنّ اجتماع الساعة الثالثة بينكما يُظهرُ بأنّ زميلك ذاك مهتمّ بعملك، واستثمر الوقت في الاطلاع عليه، وهو يرغب في التعاون معك. ليست هذه الافتراضات منافية للمنطق والعقل وليست خيالية، بل هذه كانت هي افتراضاتك أصلاً عندما تلقيت عرض المساعدة من شخص آخر تثق به. أليس كذلك؟ فإذا ما أبديت انتباهاً أكبر لأفكارك واستبدلت افتراضاتك السلبية بأخرى إيجابية، فإنّك بذلك سوف تحسّن آلية العمل ضمن فريقك دون أن تفتح فمك وتنطق بكلمة واحدة حتّى.
ومع ذلك، ولكي تحقق الثمار الكاملة من هذه الطريقة الجديدة، هناك خطوة إضافية يجب عليك القيام بها: إذا يجب عليك أن تبدي ظاهرياً الأشياء التي تدور في ذهنك. فما الذي أقصده بذلك؟ أطرح على زميلك سؤالاً تُظهرُ به مدى انفتاحك على آرائه وتقبّلك لها وقل له: "هل تعتقد بأنّ الوثيقة يجب أن تصاغ بطريقة مختلفة؟ وما هي الرؤية التي يجب أن أضمّنها في النسخة الجديدة من الوثيقة برأيك؟" أو يمكنك أن تطرح عليه السؤال التالي: "أنت تختلف معي بخصوص رقمين واردين في الوثيقة. فما هو مصدر الأرقام التي توردها؟".
هل ترى الآن كيف أنّ الحديث قد اتّخذ منحى مختلفاً تماماً؟ فنحن الآن أمام شخصين يحاولون أن يحلا معاً مشكلة تواجههما، عوضاً عن شخصين يمارسان لعبة شدّ الحبل ليحدّدا من منهما على حق. وحالما تغيّرا الطريقة التي يدور بها الحديث بينكما، فإنّكما بذلك تفعِّلان جزءاً مختلفاً من الدماغ، الأمر الذي يقود إلى نقاش أكثر إيجابية ونتائج بنّاءة. وهناك الكثير من الأبحاث العلمية التي تثبت بأن انتقال الحديث من أسلوب قائم على المواجهة والعداء إلى أسلوب قائم على الحوار المنفتح يؤدّي إلى حصول تغيّر في آلية عمل الدماغ بشكل فوري.
فقط عندما تدرك أحكامك السلبية المسبقة سيكون بمقدورك أن تختار طريقاً بنّاء وأفضل. فالافتراضات الإيجابية تجعلك منفتحاً على المضي قدماً إلى الأمام؛ في حين أنّ الافتراضات السلبية تجعلك تغرق في وحول الماضي. وقد حان الوقت لكي تتخطّى هذه الأحكام المسبقة الموجودة لديك ولكي تبدأ بالانتباه إلى الطرق التي تجعلك تستفيد من أعضاء فريقك جميعهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بك وتشرفنا بزيارتك وتعليقك الكريم
سنقوم بالرد على سؤالك فى خلال وقت قصير ان شاء الله
ويمكنك التواصل معنا على رقم الواتس
00966558187343
او زيارة صفحتنا على الفيس بوك https://www.facebook.com/LouaiHassan.HR
وترك تعليقك فى الخاص وسنقوم بمساعدتك فورا
مع اجمل التحيات والامنيات بحياة سعيدة مباركة