11‏/07‏/2019

كيف تتغلب على أزمة منتصف المسار المهني؟


نمر جميعنا بأوقات نتساءل فيها، "هل أنا في المؤسسة المناسبة؟ وهل أعمل في الوظيفة المناسبة؟ وهل هذا كل ما هو متاح لي؟". تتواتر مثل هذه الأسئلة على وجه الخصوص إلى أذهان أولئك الأشخاص الذين يجتازون مرحلة منتصف مسارهم المهني ممن قد يجدون أنفسهم في خضم البحث عن الرضا وتحقيق الذات بينما يرزحون تحت ضغط المطالب والواجبات والمسؤوليات المالية في المنزل. فكيف لك أن تتعامل مع أزمة منتصف المسار المهني؟ وما هي الإجراءات التي يمكنك اتخاذها لتحسين مستوى رضاك المهني في وظيفتك؟ وكيف يمكنك التغلب على البلادة والملل في حياتك المهنية اليومية الروتينية؟ وكيف يمكنك أن تعرف ما إذا كان الوقت قد حان لإحداث تغيير جذري في حياتك المهنية؟

ما الذي يقوله الخبراء؟

إنّ لأزمة منتصف المسار المهني تأثيراً عميقاً في حياة من تصيبه. إنها أكثر من مجرد لحظات عابرة تصيب الإنسان بالإحباط أو مشروع عمل متعب يجهدك ويستهلك طاقتك لفترة محدودة من الزمن، حسبما يقول جانبييرو بتريلييري، الأستاذ المساعد في السلوك المؤسسي في المعهد الأوروبي لإدارة الأعمال (إنسياد). "إنه شعور طويل الأمد بعدم الرضا، وكأن لسان حال الشخص المعني يتساءل: "ألا يفوتني شيء مهم في الحياة؟". ويضيف بتريلييري: "إن هذا النوع من عدم الرضا المهني واسع الانتشار لدى الأشخاص متوسطي العمر. فمنتصف العمر هو الوقت الذي يفقد فيه المرء وهم الحياة الأبدية ويدرك أن فرصه ليست بلا نهاية ويستوعب أن الوقت محدود". تقول ويتني جونسون التي تعمل مدربة تنفيذية ومؤلفة لعدد من الكتب المعروفة بما فيها كتاب "بناء فريق عمل ممتاز" (Build an A-Team): "حتى الناس الذين حققوا مساراً مهنياً ناجحاً جداً، ليسوا محصنين ضد هذه المشاعر السلبية. فهم يتساءلون: "هل هذا حقاً ما أرغب في القيام به في حياتي؟"، مضيفة: "مع أنه من الطبيعي أن يشعر المرء بالقلق المهني، إلا أنه يتعين عليه أن يصغي إلى نداء التغيير والفعل وأن يكون سباقاً ويقرر ما يمكن فعله". وفيما يلي سنرى كيفية القيام بذلك.

تأمّل ملياً وأعد تأطير المشكلة

في البدء، يتعين عليك تحديد سبب انعدام رضاك المهني. يقول بتريلييري: "عندما تعاني من أزمة عميقة فإنك تشك في كل شيء، ولكنك بحاجة إلى أن تجزئ المشكلة وتبدأ من النقطة الأكثر إيلاماً. هل هي وظيفتك؟ أم المؤسسة التي تعمل فيها؟" وبناء على جوابك عن هذه الأسئلة تتحدد الوصفة الناجعة. ليس من السهل طبعاً إعادة النظر بمسارك المهني في منتصف العمر، حيث من المرجح أن يكون لديك عدد من الالتزامات غير القابلة للتفاوض – كأن تكون ملتزماً بتسديد أقساط قرض عقاري، أو أن تكون شريكة حياتك مهتمة بتعزيز مسارها المهني الخاص، ولديك أطفال يذهبون إلى المدرسة. وإذا ما وجدت نفسك عاجزاً أمام حجم المشكلة وتعقيدها على أن تحدد السبب الرئيس، تنصحك جونسون بإعادة تأطير القيود والمعيقات، وتقول: "عندما تكون في مقتبل العمر ويمكنك العيش والعمل في أي مكان في العالم، قد تجد التخطيط لمسارك المهني أمراً مرهباً – بل مسبباً للشلل تقريباً من كثرة الخيارات والاحتمالات الممكنة. لكنك عندما تكون في منتصف العمر، تضيق خياراتك وتعلم مثلاً أنك مرتبط ببقعة جغرافية محددة وأن أجرك يجب ألا يقل عن حد أدنى يتمثل في التزاماتك التي لا فكاك منها. وللمفارقة فإن هذه القيود قد تكون مفيدة في إعادة تأطير المشكلة". 

أدخل تغييرات صغيرة على حياتك

ليس نادراً أن يكون المرء سعيداً بالعمل لدى مؤسسته عموماً، ولكنه غير راض على الإطلاق عن عمله بصورة خاصة. وبحسب بتريلييري، فإن أحد الحلول الممكنة حينئذ يتمثل في إجراء بعض التغييرات الصغيرة التي من شأنها أن تعزز من سوية رضاك في مكان عملك. فحتى لو لم تكن قادراً على تغيير ظروف عملك بشكل عام، قد يكون بمقدورك إجراء بعض التعديلات الصغيرة في البيئة المحيطة بك مباشرة. فقد تسعى مثلاً إلى تنفيذ مشروع مثير للاهتمام ويتطلب منك الانغماس في العمل بطريقة مختلفة عن السابق، أو قد توظف أشخاصاً من ثقافات مختلفة عن ثقافتك، أو قد تنضم إلى لجنة داخلية أو فريق عمل للقيام بمهام تتطلب منك بذل جهودك بطرق وأساليب مختلفة وأكثر إثارة. وبوسعك أيضاً أن تفاوض إدارتك على ترتيبات وبرامج عمل مختلفة أو أن تطلب نقلك إلى مكتب أو قسم مختلف. فلعل زعزعة أو تغيير رتابة أعمالك اليومية الروتينية وتجديد مهامك والتزاماتك من شأنه أن يؤثر بنحو كبير على رؤيتك وآفاقك المستقبلية. المهم في هذا كله أن تكون خياراتك واعية وموجهة فيما يخص المهام التي تلتزم بها والأشخاص الذين تتعامل معهم والأماكن التي تعمل فيها.

ركّز على التعلم

يتمثل أحد أشد أعراض أزمة منتصف المسار المهني في الشعور بالملل. وكما تقول جونسون فإن "حياتك ومسارك المهني يشكلان عموماً منحنى تعلم كبير، بيد أنك عندما تلامس الأربعينات من العمر، تصل إلى درجة من المعرفة والثقة بالنفس في مجال عملك تغدو معها متيقناً من نجاحك في تأدية مهامك الاعتيادية، ولهذا ينتابك الشعور بالملل وتفتقد اندفاعة الدوبامين التي تصاحب تعلم شيء جديد وتحقيق الإنجازات. وفي هذه الحالة يظن الكثيرون عموماً أن السعي إلى الترقية في العمل – ومواجهة تحديات جديدة وتحمل مسؤوليات إضافية – هو الحل الناجع لهذه المشكلة. بيد أن جونسون تنصح خلافاً لذلك بالتحرك أفقياً؛ إنها تطلب منا أن نسأل أنفسنا: "هل الاتجاه العامودي هو الاتجاه الوحيد المتاح؟". قد لا تكون بحاجة لتسلق السلم الوظيفي إذا كان بمقدورك القيام بأمر ممتع من شأنه أن يتيح لك فرصة التعلم والتطور".

وإذا لم تتوفر لك منافذ جذابة جاهزة، فإن جونسون تقترح عليك تصميم منفذ مناسب بنفسك من خلال "البحث عن المشاكل التي تعاني منها مؤسستك – ومن ثم إثبات أنك الوحيد القادر على حل تلك المشاكل". فلتسأل نفسك: "ما هي التحديات التي يواجهها زملائي؟ وما هي الأمور التي تسبب للعملاء الإحباط وخيبة الأمل؟" ثم فكر وتذكر واسأل نفسك: "ما هي الإطراءات التي أتلقاها مراراً وتكراراً؟ ما هي الأمور التي أجدها سهلة بينما يراها الآخرون صعبة؟"، حاول أن تكون خلاقاً وفكر في السبل التي يمكنك من خلالها توظيف نقاط قوتك في مساعدة مؤسستك على كسب المال أو توفيره. واقترح حينئذ على رؤسائك: "لقد فكرت في أمر يتعين علينا كمؤسسة أن نجربه". وخلاصة القول: "عليك ألا تنتظر أحداً لكي يحدد لك مهمتك القادمة. كُن سباقاً وخلاقاً وبادر أنت إلى ابتكار تلك المهمة".

اسعَ إلى منح عملك معنى سامياً

تشكل رغبتك غير المشبعة في أن يكون لك تأثير على محيطك مصدراً آخر واسع الانتشار للملل والتعاسة المهنية، وفق ما يرى بيتريلييري. وقد يصل بك المطاف إلى درجة أن تعمل لساعات طوال بينما تتساءل في الوقت ذاته: "ما الهدف من كل هذا؟". ولتتذكر حينها أن معنى عملك لن يأتي إليك ويطرق بابك بنفسه؛ فالمعنى كالحب – عليك مواظبة البحث عنه، والسعي لأجله، ولا يمكنك أن تنظر إليه بوصفه أمراً بديهياً ومفروغاً منه". ويقترح بيتريلييري أن تكثف جهودك وتسعى إلى لقاء الناس الذين يستفيدون بشكل مباشر من عملك سواء كانوا عملاء أم زملاء، ويضيف: "عندما يكون بمقدورك أن تشهد كيف أن عملك يفيد الآخرين، يغدو من الصعب بمكان ألا تجد معنى سامياً في عملك".

ومن ناحية أخرى، من السهل إغفال رؤية السبب وراء قيامك بما تقوم به؛ وحينئذ يغلب على عملك الطابع "النظري" الذي لا صلة له بالواقع العملي.

فكر جدياً في تغيير مسارك المهني

وفي حال لم تنجح هذه الاستراتيجيات ولم تؤد إلى تحقيق ما هو مطلوب، قد يكون ذلك بمثابة إشارة تنبئك بضرورة سلوك منحى مختلف كلياً والقيام بخطوة دراماتيكية، حسبما تقول جونسون؛ مضيفة: "عندما ينتابك شعور قوي في أعماق روحك أنك بحاجة إلى تغيير ثوري لذاتك، عليك ألا تتجاهله. فإذا رضيت بالبقاء مكبوتاً ومهمشاً في عملك، ستعجل مع مرور الوقت من عملية انهيارك. وفي حين أن "الكثيرين من الناس يصرحون أنّ المال هو ما يجعلهم يصبرون على الاستمرار بالعمل في وظيفة مدمرة للروح، غير أن السبب في حقيقة الأمر وراء خوفهم من تغيير مسارهم المهني غالباً ما يكون خشيتهم من فقدان منصبهم ومكانتهم"، حسبما ترى جونسون. كن صادقاً مع نفسك حيال ما يدفعك للاستمرار في وظيفتك الحالية وحيال ما إذا كان تغيير مسارك المهني يستحق التجريب وتحمل بعض المخاطر. صحيح أن ذلك التغيير في منتصف العمر أمر مخيف جداً، لكن تذكر مجدداً إيجابيات المأزق الذي أنت فيه: فكما تقول جونسون: "من المفترض أنك في هذا العمر قد اكتسبت بعض الخبرة والمعرفة الذاتية لدرجة غدوت معها غير محتاج إلى أي اعتراف أو تأكيد من الآخرين كما كانت الحال عندما كنت في العشرينيات من عمرك". ولذلك يتعين عليك استخدام المعرفة والخبرات التي جمعتها لكي تفكر بعمق وروية في المسار المهني المحتمل البديل عن مسارك الحالي. وكما يرى بيتريلييري، من المفيد في هذه الحالات الاستفادة من خدمات مدرب مهني خاص.       

عليك أن تتحدّى الافتراضات الخاصة بك

قد يشكل شعورك بأنك تعاني من أزمة مهنية، وفق ما يرى بيتريلييري، إشارة إلى أن عملك قد بات طاغياً على حياتك، فربما تكون "ترزح تحت نير ثقافة عمل متطرفة تتطلب منك البقاء في حالة هوس دائم بمسارك المهني". ويضيف: "قد تكون أزمتك ناجمة عن حقيقة أنك تضع بيضك كله في سلة واحدة". وربما تكون بحاجة إلى البحث عن تقديرك الذاتي والرضا في الحياة خارج إطار العمل – ربما في عائلتك أو منهج حياتك أو أي جمعية خيرية تدعمها أو مشروع أو هواية أو لعبة رياضية تمثل شغفك في الحياة. صحيح أن هذه الطريقة في التفكير ليست هي السائدة لدى معظم الأشخاص الطموحين و"الناجحين"، بل من المفترض بك من وجهة النظر السائدة إيجاد المعنى من خلال عملك وإلا وصمت بالفشل". لكن بيتريلييري يرى أن "الطريقة الفضلى للتخلص من هذه الوصمة تتمثل في أن تتصالح مع نفسك وتسامحها. كما عليك أن تحيط نفسك بأناس يدعمونك ولا يدينونك لأنك ترغب في التحرر من الصورة النمطية التقليدية للإنسان الناجح. وبالمحصلة لا بد من الإشارة إلى أن "وقتك لن يطول إلى الأبد، ولذلك فإن التأجيل مكلف للغاية. وإذا لم يحن الوقت الآن للتغيير، فمتى إذاً؟".

مبادئ عليك تذكرها

يجب عليك:



أن تشخص المشكلة. ولتسأل نفسك: هل المشكلة تكمن في وظيفتي أم في المؤسسة التي أعمل فيها؟
أن تبحث عن المعنى من خلال السعي إلى لقاء أناس يستفيدون من عملك.
أن تفكر في التحرك أفقياً. إنها طريقة ناجعة لخوض تحديات جديدة وتعلم ما هو جديد.


ومن جهة أخرى يتعين عليك:



ألا تقلل من قوة إدخال تغييرات صغيرة على أسلوب عملك والبيئة التي تعمل فيها.
ألا تنتظر الفرص. بل ابحث عن مشاكل ترغب في حلها، ومن ثم صمم بنفسك وظيفتك الجديدة.
ألا تضع بيضك كله في سلتك المهنية. بل فكر في سبل أخرى مناسبة لتحقيق الرضى من خلال عائلتك، أو عقيدتك، أو مشروع أو هواية تحبها. 


دراسة حالة رقم 1: أجر تعديلات صغيرة على بيئتك، وابحث عن طرق لتحسين توصيف وظيفتك

عندما يتحدث جول هيندلي، مدير الهندسة في فرع شركة لايفراي بأميركا الشمالية، وهي شركة برمجيات مقرها في كاليفورنيا، فإنه ينطلق من خبرته الشخصية، إذ يقول: إنّ إدخال التغييرات الجذرية ليس دائماً هو الحل لمشكلة "قلق منتصف المسار المهني" وانعدام الرضا. قد يكون تغيير المهنة كلياً هو الحل بالنسبة لبعض الأشخاص، لكن بالنسبة لغالبية الناس – بما فيهم أنا – حتى التغييرات الصغيرة والتي قد تبدو غير مهمة يمكن أن تعزز الشعور بالارتياح والرضا ووجود هدف في الحياة.

منذ عدة سنوات عانى جول من درجة معينة من التأزم المهني. فقد كان قد أمضى 20 عاماً في وظيفته وهو يشعر أنه غير قادر على إحداث الفرق الذي يرغب في إحداثه. فبدا العمل بالنسبة له مكرراً ومملاً ولم تظهر في الأفق أي تحديات حقيقية يمكن أن تحفّزه وتحمّسه على العمل.

يقول جول: "شعرت أنني عالق في مكاني أقوم بنفس الأعمال بتكرار ممل، أعقد الاجتماعات وأحل نفس المشاكل مرة بعد أخرى. لقد كنت عالقاً في حفرة ولم أر أي فرصة لتغيير نمط عملي". 

وبدل أن ينتظر تغيّر الأمور، قرر المبادرة لفعل شيء ما حيال الوضع الذي هو فيه، إذ يقول: "كان علي تحمل المسؤولية بنفسي".

ولذلك قرر أن يجرب إعادة صياغة وظيفته. وكما يقول جول: "لقد اقترح علي أحد زملائي هذه الفكرة كوسيلة لتحسين مساري المهني الخاص وإحداث تحول في طريقة رؤيتي لعملي".

حدد أولاً ما كان يمثل شغفه في الحياة وما يجيد القيام به بشكل استثنائي. ومن ثم فكر تالياً في أساليب وطرق جديدة لإظهار شغفه ومهاراته.

في حالة جول، كانت اهتماماته ومقدراته منصبة على ربط الناس بعضهم ببعض وضمان أن يعمل الناس ضمن فريقه ومع الآخرين بتعاون وشراكة؛ إذ يقول: "أنا مولع حقاً بحل المشاكل بروح الفريق. لدي خمسة أطفال وأنا أقدر فوائد التواصل الجيد والعمل المشترك لتبادل الخدمات، سواء أكان ذلك في البيت أم في العمل".

وانطلاقاً من ذلك ومع مرور الوقت غيّر جول أسلوب إدارته. وكما قال: "لم أعد أركّز اهتمامي فقط على ما يمكنني ضمان إنجازه كمدير، بل بدأت أنظر إلى عملي بوصفه عملاً يُحكم فيه على نجاحي من خلال مقدرتي على اجتذاب زملائي وإقناعهم برؤيتي حول التواصل الممتاز والقيادة الخدومة والنجاح الجماعي". وهذا ما جعلني أركّز اهتمامي على الناس أكثر من الآليات، ولكن ذلك قد أدى أيضاً إلى تحسين الآليات من خلال أفضل السبل الممكنة ألا وهي تمكين الناس من أن يتميزوا ويبدعوا في عملهم.

ولقد كانت النتائج باهرة. يقول جول: "بعد أن وسّعت حدود وظيفتي، بتّ أكثر تفاعلاً وانخراطاً في عملي. لقد ساعدني ذلك حقاً في إدخال الهدف والسعادة إلى مساري المهني ومسارات جميع زملائي في قسم الهندسة".

دراسة حالة رقم 2: ابحث عن المعنى خارج الحيّز المهني التقليدي – وبادر إلى خوض التحديات والمخاطر

لقد انتصر جيمس بارتريدج على أزمة منتصف مساره المهني عبر إحداث تغيير جذري في مساره المهني. أمضى جيمس الذي يتخذ المحاماة مهنة له أكثر من 20 عاماً يعمل في قطاع الخدمات القانونية متبوئاً مناصب متعددة ومتنوعة. وفي بداية مساره المهني عمل جيمس كمحام خاص؛ ولاحقاً عمل كمحام مفرغ لدى أحد البنوك ومن ثم مديراً لشركة استشارات قانونية كبيرة.

يقول جيمس: "في نهاية المطاف، انضممت للعمل في شركة متخصصة بكتابة المقالات حول إدارة العمليات القانونية، لكنني كنت أشعر بملل لا يوصف وبخيبة أمل وإحباط كبيرين".

لم يشعر جيمس أن عمله هو السبب. ويقول: "عندما كنت أنتهي من كتابة مقالتي، كانت تُرسل إلى المكتبة بوصفها مرجعاً؛ ولم أكن أعرف ما إذا كانت تقدم أي مساعدة لأي كان وبالتالي لم أكن أعلم ما إذا كان لعملي أي قيمة. فبدا عملي بالنسبة لي بلا معنى، وشعرت بأنني في مأزق، لكن لم تكن لدي أي فكرة ماذا عساي أن أعمل كبديل لعملي الراهن".   

ولكي يتغلب جيمس على أزمته تلك، انغمس في ممارسة هواية يحبها ألا وهي السعي لإحياء مهرجان "آن آربور بلوز" للموسيقى؛ المهرجان الذي كان قد أُسس منذ قرابة 50 عاماً غير أنه لم يعد يُنظم منذ 2006.

وعلى مدار النصف الثاني من العام 2016 ومعظم العام 2017، قدّم جيمس، وهو العاشق الشغوف للموسيقى، إسهامات كبيرة في التخطيط لإقامة المهرجان وتأمين التمويل له. ولقد أُقيم المهرجان في شهر أغسطس/آب الماضي، وكما يقول جيمس: "تلقينا أصداء حماسية وإيجابية، وقد كان المهرجان من أنجح الأمور التي قمت بها في حياتي كلها وقد جلبت لي قدراً كبيراً من السعادة والرضا".

شعر جيمس بالنشاط والانتعاش. واستمر هذا العام في التخطيط للمهرجان وتنظيم أموره حتى غدت هوايته في نهاية المطاف تستغرق وقته كله. وحسبما يقول: "كان عليّ الاختيار: إما أن يصبح المهرجان مهنتي أو أن أغض الطرف عنه وأتابع حياتي المهنية السابقة المملة".

لقد مثلت الاعتبارات المالية عاملاً مهماً في اتخاذ القرار. يقول جيمس: "إنني مثقل من الناحية المالية بدفع الرسوم الجامعية، فضلاً عن أنني، كمعظم الناس، مدين للبنك بأقساط قرضي البيت والسيارة".

غير أن جيمس لا ينسى من جهة أخرى سعادته وحظه الجيد في الحياة، إذ يقول: "لدى زوجتي وظيفة جيدة، ولقد كنا متعقلين في إدارة شؤوننا المالية طيلة فترة زواجنا، فلم نسرف قط وكنا على الدوام نزيد فرص التوفير إلى أقصى حد".

وهكذا قرر جيمس الإصغاء إلى صوته الداخلي وترك عمله القديم خلف ظهره ليبدأ وظيفة جديدة كمنتج منفذ لمهرجان "آن آربور بلوز".

يعترف جيمس من تلقاء نفسه أن دوره الجديد صعب – وأن الراتب بخس، ويقول: "ثمة أيام أتساءل فيها حقاً: أليس من الأفضل ترك هذه الوظيفة والعودة إلى العمل في القطاع القانوني؟".

بيد أنه يشعر أيضاً أن عمله الجديد هذا له معنى، فيقول: "ما أقوم به الآن يجعل الناس سعداء حقاً. عندما كنت أعمل كمحام وأرافع في القضايا كنت مكروهاً من نصف الناس الموجودين في القاعة، في أحسن الأحوال؛ أما الآن فعندما أتجول في أرض المهرجان، أرى أناساً يغنون وآخرين يرقصون.، والمؤدون يتلقون أجراً لقاء تأدية الدور الذي يعشقون تأديته. فكيف لا يكون ذلك مُرضياً؟".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اهلا بك وتشرفنا بزيارتك وتعليقك الكريم
سنقوم بالرد على سؤالك فى خلال وقت قصير ان شاء الله
ويمكنك التواصل معنا على رقم الواتس
00966558187343
او زيارة صفحتنا على الفيس بوك https://www.facebook.com/LouaiHassan.HR
وترك تعليقك فى الخاص وسنقوم بمساعدتك فورا
مع اجمل التحيات والامنيات بحياة سعيدة مباركة

مشاركة مميزة

الابتكار التدميري (Disruptive Innovation) : محرك التغيير في عالم الأعمال

  مقدمة في عالم الأعمال اليوم، يتزايد الحديث عن الابتكار التدميري (Disruptive Innovation) كقوة محركة للتغيير والتحول في القطاعات المختلفة. ي...

الأكثر مشاهدة