التمسك بالجذور قد يعزز حالة الجمود في الوقت الذي يكون فيه الابتكار هو الأهم
شككت الأبحاث الحديثة في كون الشركات العائلية تقليدية وتفتقر للابتكار. في الواقع، قد تكون الاختلافات الثقافية في الشركات العائلية محركاً للابتكار. ولكن القيم ذاتها التي ساعدت على نجاح الشركة، قد تجعل من الصعب على الشركات العائلية إيجاد نموذج عمل جديد في حال أصبح النموذج القديم عائقاً أمام نجاحها.
يعد الولاء للشركة من الأصول العائلية كونه يتيح لأصحاب الشركة والمديرين ميزة تنافسية لنمو الشركة على المدى الطويل. ولكن عندما يتعلق الأمر بنماذج الأعمال، فإن الولاء لمجرد الولاء قد يثقل كاهل الشركة. فالإفراط بالولاء قد يقف في وجه نجاحها، كونه قد يحول دون تبني المؤسسين لنماذج أعمال مبتكرة، إلى أن يفوت الأوان.
فشل لورا آشلي
تعتبر شركة الغزل والنسيج التي أسستها لورا آشلي في 1953 أفضل مثال على ذلك. تعلمت آشلي المولودة في ويلز عام 1925 خلال طفولتها مهارة حياكة الملابس، على يد جدتها التي تتقن صناعة اللحف. وعندما كبرت بدأت بحياكة أغطية الوجه، والمناديل، وأغطية المائدة، ومناشف الشاي بتشجيع من عائلتها وأصدقائها. كانت تصاميمها مستوحاة من الطراز القديم لجدتها، في وقت كانت تميل فيه النساء في بريطانيا للسكينة والهدوء في المنزل والحديقة.  كان نمط الحياة ذلك سريع الزوال ومتأثراً بالجو العام. أدركت آشلي أنها اكتشفت نموذج عمل يمتلك القدرة على تعزيز نجاحها.

تزوجت اشلي من زميل لها، تخلى عن مهنته في لندن للإشراف على عملية إنتاج منسوجات من تصميم زوجته. نقلوا عملية الإنتاج من شقتهم الصغيرة في لندن إلى مصنع كبير في ويلز، وقاموا بتوظيف أشخاص بأجور أعلى من متوسط الرواتب في المنطقة ذلك الحين. اكتسبت العلامة التجارية "لورا اشلي" سمعة جيدة كشركة رائدة في مجال الأزياء، وحملت جميع المنتجات لصاقة "صنع في ويلز". ازدهرت الأعمال، وانضم أبناءهم الأربعة إلى الشركة. مع ولاءها لجذورها وصلت امبراطورية اشلي وعائلتها إلى 500 متجر حول العالم، ووصل عدد موظفيها إلى 1000 شخص بحلول عام 1975.
في 1985، حلت مأساة في العائلة والشركة، عند وفاة آشلي عن عمر يناهز 60 سنة. شهدت تلك الفترة قيام العديد من المنافسين للشركة، بتحويل عمليات الإنتاج إلى بلدان في محيط أوروبا، وتطوير شبكات سلاسل توريد رئيسية في المغرب وتركيا.
وفي الوقت ذاته قام المنافسين بإنتاج صيحات ملابس جديدة بتكلفة أقل، مما فتح أبواب جديدة للمنافسة أمام شركة ويلز. ادعى بعض النقاد أن أزياء "لورا اشلي" غير عصرية وتحاكي ملابس الإنكليز. بينما تحتاج النساء في الثمانينات إلى ملابس أكثر رسمية بما يتماشى مع ازدياد انخراط المرأة في سوق العمل.
عقب وفاة آشلي، كافح زوجها وأبنائها لمجاراة تغييرات السوق. ولم يتم المساس بنموذج عمل الشركة. وقد أخبروا موظفيهم أن عمليات الإنتاج  والخدمات اللوجستية ستبقى في ويلز تكريما لذكرى المؤسس. وجدت الشركة نفسها غارقة في مشاكل مادية في غضون خمسة سنوات، وكان قد تم تعيين رئيس تنفيذي من خارج العائلة في 1991، تلاه سلسلة من الروؤساء التنفيذيين. فقدت العائلة سيطرتها على الشركة بعد أن أصبحت شركة آسيوية مساهم رئيسي في 1998. ولم يتبقى من كيان الشركة اليوم غير التراخيص.
تعكس هذه النهاية الحزينة لحلم أصبح حقيقة، الصعاب التي يمكن أن تواجهها أي شركة عائلية عند ظهور عقبات داخلية وخارجية بشكل مفاجئ وفي الوقت ذاته. وليس من الصعب تجنب هذا المصير كما يعتقد المراقبين، في حال قيام المالك والمديرين بإضفاء طابع مؤسسي على الابتكار في جوهر نموذج أعمال الشركة.
نموذج عمل مبتكر في زارا
كمثال على ذلك سنأخذ زارا، شركة أزياء تأسست في لا كورونيا في شمال إسبانيا، من قبل أمانسيو أورتيغا وزوجته في 1975. فبعد 10 سنوات من بيع الملابس الرخيصة في جميع أنحاء اسبانيا، قرر أورتيغا إضفاء طابع مؤسسي على الابتكار في نموذج أعمال الشركة. وكان على يقين أنه قادر على منافسة أهم العلامات التجارية حينها مثل لورا اشلى، من خلال تسريع عملية التغيير، والاستجابة للاتجاهات السائدة بسرعة.

وفي الوقت الذي ظل فيه أورتيغا وفياً لموظفيه الذين عملوا معه منذ البداية في مصنعه الأول، إلا أنه كان حريصاً على عدم القيام باستثمارات مستقبلية لصالح أبناء منطقته فقط. وقرر فتح مصانع أخرى في دولة البرتغال المجاورة، وكذلك في تركيا والمغرب. ربط أورتيغا المصانع بشبكة لوجستية متطورة. نتيجة لذلك، تملك زارا اليوم سلسلة توريد تقوم بنقل الملابس مرتين أسبوعياً إلى 2100 متجر في 88 دولة. وعلاوة على ذلك، تم تسريع العملية الإبداعية لتصميم ملابس جديدة بناءً على تغيرات اتجاهات الموضة، لمرحلة استطاعت فيها الشركة من إيصال التصاميم الجديدة إلى المتاجر خلال أسبوعين.
فمن خلال عدم ولاءه الأعمى  لمكان محدد، وإضفاءه طابع مؤسسي على الابتكار في جميع مراحل سلسلة التوريد، نجح أورتيغا بتحويل زارا من مجرد خصم في عالم الأزياء، ليصبح أكبر مصّنع ملابس في العالم، مسؤول عن أكثر من 20 تشكيلة ملابس سنويا. وعلى عكس آشلي التي كانت تربط عمليات التشغيل في ويلز، قرر أورتيغا تحويل عمليات التصميم والتصنيع والتوزيع الحالية بالكامل. وقد أظهر اهتماما بالخروج عن العادات القديمة، وخلق نموذج عمل جديد جوهره التطور باستمرار.
مورتن بيندسن، أستاذ كرسي في الشركات العائلية بكلية إنسياد من أندريه وروزالي هوفمان. والمدير الأكاديمي لمركز ويندل الدولي للشركات العائلية. فضلاً عن كونه عضو في مبادرة حوكمة الشركات بكلية إنسياد. شارك في تأليف كتاب "خارطة الشركات العائلية: التحديات وأصول الشركات عند وضع خطط طويلة الأمد".
بريان هنري، زميل أبحاث في إنسياد.