17‏/02‏/2016

لغز المريض النفسي المتعدد الشخصيات

بقلم : كلودي بيرت
كلودي بيرت
عن : مجلة العلوم الإنسانية الملفات الكبرى رقم : 20
لقد كانت عدوى حقيقية انتشرت في الولايات المتحدة في نهاية القرن العشرين مدمرة العديد من الأسر ومتسببة في إقامة المئات من المحاكمات، ظاهرة غير مفهومة ، عنيفة ومؤقتة .
سيبيل تحضر درسا في الكيمياء بجامعة كولومبيا بنيويورك ، الأستاذ يكسر أنبوبا زجاجيا ، سيبيل لا تتحمل صوت الزجاج المنكسر ، فتخرج من قاعة الدرس راكضة و . . . تتمشى في شوارع فيلاديلفيا ـ وهي مدينة تعرفها جيد ـ ، لكن ماذا تفعل فيها الآن؟.. خمسة أيام تمضي على هذه الحال ، وهو ما نسيته سيبيل. هكذا تبدأ قصة سيبيل التي كتبتها سنة 1973 فلورا شرايبر . إن القارئ سيكتشف أن مكان سيبيل خلال هذه الخمسة أيام التي اختفت فيها عن الأنظار ، سيتم احتلاله من طرف ” شخصية ” أخرى. لقد جعل نجاح الكتاب في أن يجعل من سيبيل نموذج ” الشخصية المتعددة ” ، وقد كانت غالبية النماذج مثلها من النساء، إن لديهن ” شخصيات متعددة ” أو ” بدلاء ” [16 بالنسبة لسيبيل ] يختلفون من حيث السن والسمة العامة للشخصية وطريقة التعبير ، ويمكن أن يكن أيضا حتى من الجنس الآخر. إنهن كلهن يعرفن الشخصية الرئيسية ، لكن هذه الأخيرة لا تعرفهن، ولقد نجمن عن تفكك تتحدد مهمته في الدفاع عن الشخص ضد الصدمة والجرح الناجم عن [ اعتداء جنسي في الأغلبية الساحقة من الحالات] ذكراه تم كبثها ومنعها من الطفو على سطح الوعي . بعد موجة أولى في القرن 19 ، اتخذت عملية إعادة اكتشاف الشخصيات المتعددة إثر نشر قصة سيبيل بالولايات المتحدة ، وبسرعة ، صورة انفجار هائل : فقد انتقل عدد الحالات التي تم تشخيصها من أقل من 200 حالة خلال القرن 19 بأكمله إلى 50000 حالة سنة 1999 ، كما انتقل عدد ” البدلاء ” عن كل مريض من 2 أو 3 إلى عدة عشرات ، مع رقم قياسي هو 4500 بديل.وانطلاقا من عملية اغتصاب من طرف أحد الأقرباء تتابع عمليات الاغتصاب المتكررة في إطار مجموعة ، ثم عمليات اغتصاب خلال طقوس شيطانية تتزايد فظاعتها أكثر فأكثر.
شلال من المحاكمات
كيف يتم التوصل اليوم إلى تشخيص اضطرابات الشخصية المتعددة؟ ..إن هنالك في الغالب لدى شخص يصف علامات عدم حسن الحال ( انهيار عصبي ، أرق ، رهاب . . . ) طبيب نفسي ، وهذا الأخير يطرح الأسئلة ، وإذا قدر انطلاقا من علامات معينة وأجوبة معينة ، أن المريضة ربما تعرضت لتجاوزات جنسية في طفولتها ، فإنه يحاول أن يجعلها تتذكر تلك الأحداث عن طريق بعض التقنيات كالتنويم المغناطيسي ، أو عن طريق بعض المخدرات ، أو الصور الموجهة ، أو العمل داخل جماعة. لقد تعددت المحاكمات ( 736 في ما بين 1992 و 1998 على سبيل المثال ) وتم النطق خلالها بأحكام ثقيلة في حق المغتصبين المفترضين باعتماد شهادة واحدة ووحيدة هي شهادة الضحية بخصوص أحداث وقعت منذ ثلاثين سنة خلت. وقد انتهى الأمر بحدوث ردود أفعال اتجاه ذلك : ففي سنة 1992 مارست عائلة فريد الهجوم المضاد بعد اتهامها من طرف ابنته ، وذلك بإنشاء منظمة Falsememory Syndrome Foundation (FSM ) ، وقد انضم لهذه الجمعية بسرعة 8000 من الآباء ، كما ضمنت تدخل مهنيين مرموقين كالطبيب النفسي مارتان أورن وعالمة النفس إليزابيث لوفتوس المتخصصة في الذاكرة. وقد تقدم الآباء المتهمون بشكايات ضد أبنائهم ، ثم ضد الأطباء المعالجين الذين اتهموا بكونهم دفعوا أبناءهم للإدلاء بشهادات كاذبة ، كما اتهموا بخلق شخصيات وهمية. وقد حكم على المعاجين بأداء تعويضات ثقيلة ، فتناقصت بذلك حالات الشخصيات المتعددة دون أن تختفي تماما ، غير أن النزاعات استمرت بخصوص عدة نقط : • فهل يوجد شيء اسمه الكبث الكثيف لحالات العنف الجنسية التي تم التعرض لها خلال مرحلة الطفولة، وتذكر تلك الأحداث كما وقعت بفضل التنويم المغناطيسي خاصة ؟ .. • هل يوجد في الحقيقة شيء اسمه اضطراب الشخصية المتعددة ؟ .. وارتفاع عدد تلك الحالات هل هو راجع لكوننا نستطيع تشخيص المرض بشكل أفضل ، كما يعي ذلك المعالجون المقتنعون بوجود هذا المرض ؟ .. أم أن هذا الاضطراب هو من خلق وابتكار هؤلاء المعالجين أنفسهم ؟ .. إن السؤال يستحق الطرح بالنظر إلى أن 80 ÷ من المرضى لا يكتشفون تعدد شخصيتهم إلا خلال عملية العلاج النفسي . . . إن الموسوعات المختصرة المتعلقة بهذا المجال هي ذاتها مترددة ؛ فـ ” اضطراب الشخصية المتعددة ” تم إدراجه في DSM-III سنة 1980 ، لكنه أضحى في سنة 1994 وفي DSM-IV يحدد كالتالي : ” الاضطراب المفكك للهوية ” وهما نعتان لا يشيران إلى شيء واحد ، أكيد أن هذا يشير إلى أن هنالك اختلالا في الشعور بالهوية ، لكن لدى شخص بعينه. • ما هو العلاج الأفضل؟.. يجب حسب ” المعتقدين ” في وجود مرض الشخصية المتعددة القيام بعملية إحصاء للبدلاء ، وإعادة بناء قصة تكونهم ، ثم محاولة إدماجهم بعضهم في بعض ، لكن العلاج باعتراف المعالجين أنفسهم يطول وتبدأ حالة المريض غالبا في التدهور . . . كما أن معالجين آخرين ينصحون بمقاربة معاكسة: تجاهل البدلاء مما يجعلهم يختفون من تلقاء أنفسهم ، وتركيز الاهتمام على علاج المشاكل التي جاء المرضى طلبا لعلاجها. ومع الأسف ، ليست هناك دراسات سابقة حول نتائج هذه العلاجات. يبقى أن نجيب على سؤال محير هو : لماذا هذا النجاح لمرض اضطراب الشخصية المتعددة في تلك اللحظة بالذات وفي ذلك البلد بعينه [ ذلك أن الولايات المتحدة كانت الأكثر تضررا من هذا المرض ] ؟.. إنه يتعلق الأمر حسب إيان هاكينغ بمرض عقلي ” عابر ومؤقت ” وجد في الولايات المتحدة ” عشا إيكولوجيا ” ملائما ومشجعا خاصة مع الموجة النسوانية ، ومع اكتشاف حالات العنف الجنسي الممارسة على الأطفال في بداية الستينيات ، ومع استمرار الخوف من الشيطان لدى المسيحيين الإنجيليين. وقد ساهمت التلفزة بقدر كبير في النجاح العمومي لظاهرة هي بهذه الغرابة والفجائية. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اهلا بك وتشرفنا بزيارتك وتعليقك الكريم
سنقوم بالرد على سؤالك فى خلال وقت قصير ان شاء الله
ويمكنك التواصل معنا على رقم الواتس
00966558187343
او زيارة صفحتنا على الفيس بوك https://www.facebook.com/LouaiHassan.HR
وترك تعليقك فى الخاص وسنقوم بمساعدتك فورا
مع اجمل التحيات والامنيات بحياة سعيدة مباركة

مشاركة مميزة

تجربة الفئران

  هو إيه ممكن يحصل لو جبنا شوية فئران وحطيناهم في مكان يشبه الجنة، ويكون متوفر فيه كل ما لذ وطاب للفئران ..؟! بمعني إن ميكنش لهم أي أعداء من...

الأكثر مشاهدة