01‏/12‏/2020

كيف تدار الشركات تحت وطأة الأزمات!

 بات مصطلح «إدارة الأزمات» يتردد صداه على جميع الأصعدة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، فبعد أن ذاع في الشركات والهيئات والمؤسسات قيم «الفردية» و»الشخصانية» و»السلطوية» جاءت الأزمة المالية العالمية لتعصف بهذه الأساليب الإدارية الرائجة، والتي تمثل بشكل أو بآخر مرآة لواقع المؤسسة في هذه المحنة، بعد أن تكشفت على وجهها الواقعي والحقيقي، ولم تعد تقبل أي أداة لتجميل البيانات أو تهويل المشاريع والصفقات.

بيد أننا جميعا أصبحنا بين مخالب الأزمة، والحكمة هي سيد هذا الموقف، والكثير من المحللين والمخضرمين بين طفرات وأزمات القرنين العشرين والواحد والعشرين، يرون بأن هذه العاصفة تحمل في رياحها فرصا واعدة، ويصرون على أن الأزمة قد تدفع الاقتصاديين ورجال الأعمال ورؤساء مجالس الإدارات إلى تغيير أساليب الفردية إلى العمل الجماعي، ومن ثم الابتكار وتحريك الأذهان, وتحفيز الإبداعات, وإطلاق الحلول.
إنّ من الضروري أيام هذه المحنة أن ننظر إلى النصف المليء من كأس «الأزمة»، وأن لا ندع مجالا لأن يسود التشاؤم في أفكار أصحاب القرار، ومن دونهم من موظفين، بل الجدير اتخاذه هو أن نحشد جميع الطاقات والإمكانات، وأن نسعى إلى تفعيل مبدأ الحوكمة وتطبيق معايير الشفافية، والعمل تحت الضوء، والظهور بصراحة أمام المجتمع والمساهمين، دون تعتيم إعلامي، أو مكابرة على الواقع الحقيقي، أو بث إيحاءات زائفة بأن الشركة لم تتأثر، وأنها تراهن على تجاوز الأزمة.
عدة أسئلة تطرح نفسها: كيف يمكن لهذه النظريات أن تصلح للتطبيق في هذا الزلزال الذي هز اقتصادات العالم؟ وكيف يمكن لشركات أفلست أن تستعيد روحها وثباتها، بل وأن تكون خلاقة ومبدعة في أعمالها؟ وكيف يمكن أن نبث النشاط والعزيمة والإصرار في نفوس موظفينا على التعاطي مع هذه المستجدات، بعيدا عن شبح التسريح والاستغناء عنهم؟ وهل مدراؤنا أكفاء ومؤهلون لإدارة أزمات مثل هذه؟ أم أنهم يفتقرون إلى تنمية مهارات خاصة؟ وهل سيكابرون على أنفسهم ويستقلون بدفة الإدارة بعيدا عن إشراك فريق العمل لديهم؟
أسئلة نتركها معلقة ليجيب عليها أهل الاختصاص في فن التدريب وإدارة الموارد البشرية والاستشارات، وذلك من خلال تحقيق موسع أجرته «المستثمرون»، وسلطت فيه الضوء على فن إدارة الأزمات بجزئياته وملابساته .. فإلى التفاصيل.

د.العبد الجادر
ليس للفردية مكان في عالم أنهكته الأزمة
د. صلاح العبد الجادر، المستشار في إدارة وتخطيط الموارد البشرية، والمتخصص في منهجية الدراسات المستقبلية، يرى أن من الضروري على الشركات ان تتصف هياكلها وخططها المستقبلية بالمرونة الكافية للتعامل مع المستجدات والأزمات المتوقعة، وقال: «عندما تقع إحدى الأزمات داخل الشركات نرى في الغالب أن إدارتها ترتبك، بينما على العكس يجب أن تكون تلك الأزمات حافزا ايجابيا لمضاعفة إمكانياتهم وزيادة طاقة موظفيهم». ويضيف بالقول: «في اعتقادي أن غالبية الشركات الكبرى في العالم قد تعرضت لكثير من الأزمات لكنها استطاعت مواجهتها حتى وصلت إلى تلك المكانة التي تتمتع بها الآن، فمع كل محنة منحة، وفي ثنايا أزمات تكتشف الطاقات وتتنوع الانجازات، وعليه فإن الحكمة سيدة الوقف في ظل تلك الظروف الطارئة، فالشركات وقت الأزمات تحتاج إلى قرارات حكيمة، بجانب المزيد من التفاؤل، لأنه إذا سيطر التشاؤم على داخل الإدارة كان ذلك بداية الانهيار».
ويتابع د. العبد الجادر قائلا: «ليس للفردية مكان في عالمنا المعاصر فالعمل الجماعي هو ما نسعى إلى ترسيخه ودعمه داخل الشركات الجادة في الفترة الحالية، وهناك من قصص النجاح وخاصة أثناء وبعد حدوث الأزمات بسبب تضافر جهود العاملين فيها، لكن العمل الجماعي يبقى في النهاية بحاجة إلى مدير ذو كفاءة يستطيع قيادته وتنظيمه بصورة جيدة ، وان يكون لديه رؤى واضحة واقعية وليست خيالية.
ويلقي د. العبد الجادر الضوء على أهمية الدراسات المستقبلية والتنبؤ بالمخاطر، حيث يؤكد على المدير أن يكون لديه القدرة على التنبؤ بالأحداث الاقتصادية المستقبلية التي قد تؤثر على نشاط الشركة، فالدراسات المستقبلية أصبحت منهجا علميا هاما وذا مكانة في الشركات العالمية، فمن الواجب أن لا ينتظر المدير الأزمة حتى تحدث ومن ثم يسعى إلى مواجهتها، بل ينبغي أن تكون لديه رؤية واضحة للتوقعات المستقبلية بفرصها ومخاطرها، وأن يكون على استعداد لهذه أو تلك، فالانهيار الذي حدث للاقتصاد العالمي الآن ليس بالأمر الجديد أو المفاجئ، بل إن أصحاب الخبرة والاختصاص أشاروا إليه سابقا في كثير من الأحيان ضمن أبحاثهم، ولكن أكثر الناس لم يلقوا بالا لتلك التحذيرات.
كما يلفت د. العبد الجادر إلى ضرورة وجود جانب كبير من الإفصاح والشفافية الغير ضارة لدى المدير عند مواجهة الأزمات، وألا يحجب المعلومات قدر الإمكان كي يستطيع أن يكسب ثقة الجمهور، ويستشهد على ذلك بأزمة المناخ التي عصفت بالكويت في الثمانينات، فبسبب عدم وجود الشفافية أدى ذلك إلى تفاقم الأزمة، مؤكدا على أن «الثقة هي أهم المرتكزات الاقتصادية، والمجاملات ليست لها مكانة اليوم».
ويرى من جانب آخر، أن على إدارات الشركات أن تحسم أمرها مبكرا ودون تردد خلال تلك الأزمات، وأن تقرر إن كانت تريد الانسحاب من السوق أم التوقف أم الاستمرار، فإذا قررت أن تستمر، فعليها أن تشرك معها في عملية الاستمرار كل المعنيين داخل الشركة، وان تشكل فريقا يطلق عليه «فريق التعامل مع الأزمة» يعمل وفق إستراتجية محددة ومدروسة، كما يجب أن تكون القرارات حازمة من خلال مواجهة الواقع، فإذا كان الواقع يحتم على الإدارة أن تستغني عن جزء من موظفيها، تطلب من الإدارة أن تصرح بذلك إلى موظفي الشركة، وأن تخيرهم بين الاستغناء، وبين الاستمرار لكن مع الوعد بتطوير الكفاءة والإنتاجية.
وعن أثر أسلوب إدارة المدير في الأزمة على موظفي شركته، يقول العبد الجادر: «الجميع داخل الشركة ينظرون إلى المدير على انه قدوة ونموذج يحتذى به، وقد كنت في إحدى الدورات التدريبية وكان غالبية المتدربين فيها من القياديين البارزين داخل حكومات دول مجلس التعاون، وصرّح لي أحدهم بأنه يعاني من إحباط، فأجبته انه أمام خيارين لا ثالث لهما، إما أن يقدم استقالته ويترك المجال لمدير آخر أكثر تفاؤلا وهمة، أو أن يشرع في وضع خطته المتفائلة. لذا، فإن حالة المدير النفسية تنعكس تدريجيا على موظفيه، لذا من المفترض عليه أن يبذل مجهودا يدب من خلاله النشاط داخل موظفي الشركة، وان يتحكم في رغباته السلبية من حب الانفراد بالسلطة أو السيطرة المركزية، وعلى عكس ذلك يجب أن يتمتع بالقدرة على تحقيق الطموحات، ففي النهاية إذا صلح الراعي صلحت الرعية.»
د.حمزة تقي
التحلي بالإيجابية للإبحار إلى بر الأمان
د. حمزة تقي يؤكد على أن الركود يعتبر بيئة للإبداع، ووظيفة الموارد البشرية هو أن يأتوا بأفكار جديدة ، وأن على القائد التحلي بالمهارات التي من شأنها تعزيز متانة شركته أو منظمته، وذلك من خلال استخدام القوى العاملة على الوجه الأمثل، واتخاذ مبادرات إستراتيجية لزيادة الإنتاجية والكفاءة للمنظمة بأسرها، والعمل على تعديل تعويضات العاملين المميزين وتحفيزهم، وإعادة تصميم برامج التدريب والتطوير وتحديد الموظفين المتميزين ، وعدم المساس بهم، والمحافظة عليهم عن طريق اشغالهم بالاعمال والمشاريع، وتحفيزهم بالاتصال والتواصل. مضيفا أن القائد الذي يعتمد هذه الامور ويشارك موظفيه في الرؤية البعيدة يتمكن من بناء فريق قوي مترابط، ومن خلق دافع للموظفين على الالتزام بما فيه الكفاية خلال الأوقات الصعبة.
كما يؤكد د. تقي أن على المدير خلال الأزمات التحلي بالايجابية التامة، ليبحر بالمنظمة إلى بر الامان، وهو أمر شاق يصعب التحلي به في مثل هذه الظروف الصعبة، مستشهدا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم «تفاءلوا بالخير تجدوه». ويتابع قائلا: «نحن كمديرين بحاجة للاسترخاء ووقف القلق، وعدم الإصغاء إلى الإشاعات أو وسائل الاعلام التي تركز على المخاوف وترهب وتعظم من شأن المشكلة، وذلك حتى يتسنى لنا التفكير في ابتكار وصياغة البدائل الكفيلة بالوصول إلى الحلول المناسبة. والأهم من ذلك أن ننشط موظفينا ونحفزهم للحصول على مزيد من المتعة والراحة حتى يقدموا لنا ما عندهم من افكار قد تصلح لتكون حلولا جذرية. ومن هنا تتدفق الأفكار ويتشجع الموظفون للمبادرة والاشتراك لوضع الحلول».
ويضيف: «بضع لحظات بعيدا عن المشاغل اليومية قد تمنحك الطاقة للمضي قدما. خذ مع الموظفين دقيقة كل يوم وتحدثوا فيها عن طرفة حصلت لهم، حيث إن فترة انقطاع لا تستغرق سوى دقيقة ستجدد عقولنا، وتعطينا الدافع والطاقة لتولي المهمات القادمة.
ويلفت د. تقي، إلى أن التاريخ مكتظ بالكثير من الامثلة عن مدراء عالجوا اوضاع شركاتهم تحت ظروف اقتصادية صعبة، وقلبوا الموازين، وأصبحوا - اقتصاديا - اقوى مما كانوا عليه ايام الرخاء. ومن هؤلاء «آندي قروف» من شركة «إنتل» حين غيّر خطة العمل من التركيز على صناعة اقراص الذاكرة، إلى التركيز على صناعة الـ «ميكروبروسسر» وبذلك غيروا الإستراتيجية، واتخذوا قرارات مصيرية ليتمكنوا من اعادة تنظيم العمل والعاملين. ورغم أنها كانت إجراءات غير شعبية وانتقدها الكثير نقدها والآن انتل اصبح اسم معروف بالبيت قبل العمل، وباتت حصتها السوقية تفوق 90 بالمائة.
ويختتم د. تقي، بذكر ما قاله وزير الاقتصاد السويسري جوزيف دايس: «إن أهم مسؤولية تواجه الشركات الصغرى والمتوسطة، هي التعامل مع التحديات التي تواجهها، وهو ما يفرض عليها «ترتيب الأولويات»، والنظر إلى الفوائد التي يمكن لتلك الشركات أن تحصل عليها». يقول د. تقي: «من الطبيعي أن تلك النصيحة بديهية، إلا أن التأكيد عليها كان ضروريا في هذه المناسبة؛ حيث تعاني الشركات الصغرى والمتوسطة من تراجع القوة الشرائية والاستهلاكية، مما ينعكس بالطبع على الأرباح، وينشر بينها نوعا من القلق حول المستقبل. ولم يجد دايس المؤيد بشدة لليبرالية الاقتصادية في جميع المجالات، سوى التأكيد على أن التنافس الحر هو الطريق الوحيدة نحو دفع عجلة النمو الاقتصادي إلى الأمام».
د. موسى المزيدي
نزول المدير من برجه العاجي يحمِّس
موظفيه على التفاني
د. موسى المزيدي الدكتور في كلية الهندسة والبترول بجامعة الكويت والمدرب المعتمد من شركة كرسيتكوم العالمية، يشير إلى أنه ما من شركة إلا وتمر بأزمات من وقت لآخر، والأمر هنا لا يحتاج إلى مدير متخصص ولا إلى فريق متكامل؛ لأن الأصل في أي شركة ناجحة أن يتصف مديرها بمهارات، ومنها القدرة على احتواء الأزمات، وأن يؤمن كل موظف في الشركة بأهمية دوره والعمل ضمن فريق متكامل، لافتا إلى أن الأزمات لا تشكل من وقت المدير أو الموظفين أكثر من 10 بالمائة، وبالتالي، فهي استثناء وليست أصل في الشركة. وما تحتاجه الشركة في وقت الأزمة هو تنازل المدير عن منصبه كمدير، ومعايشة الواقع عن قرب مع الموظفين، وأن يكون نموذجا حسنا في التفاني وبذل ما لديه من مال ووقت وجهد في احتواء الأزمة، وأن يزيد من نسبة التنازل عن صلاحياته للموظفين ? وهذا ما يعرف بالتفويض- مع متابعة شديدة لهم.
ويؤكد د. المزيدي، أن 75 بالمائة من الشجاعة تكمن في اعتراف المدير بالأزمة التي تمر بها شركته، لذا، فإن عليه أن يجمع موظفيه في لقاء موسع، وأن يحيطهم بوضوح بما تمر بها الشركة من أزمة دون تأخير، وأن يخيرهم ما بين العمل كفريق متكامل، لكي تمر الأزمة بسلام، أو التضحية ببعض الموظفين. ومن أمثلة ذلك، أن شركة كبيرة مثل جنرال إلكتريك وبقيادة مدير القرن العشرين د. جاك ويلش، كانت تفصل 10 بالمائة من موظفيها (العاديين) كل سنة؛ لكي تتحاشى الوقوع في الأزمات، في حين كانت تكافئ 20 بالمائة من موظفيها المتميزين كل سنة، لكي تتحاشى الوقوع في الأزمات ايضا.
ويضيف د. المزيدي أن 75 بالمائة من حالات السرطان وموت الفجاءة في العالم يكون بسبب التوتر النفسي خلال الأزمات، ومن هنا ينبغي على المدير أن يواجه الآخرين ويعلن بصراحة عن الأزمة التي تمر بها شركته، وعن الحلول التي توصل إليها بالشراكة مع موظفيه، ولعل مواجهة الرئيس الأمريكي أوباما لأزمة العالم الاقتصادية بوضوح وبصراحة وبشفافية مع طرحه للحلول التي توصل إليها مع فريق العمل لديه، وإعلانه عن النتائج أولا فأول، هو مثال جيد في كيفية المواجهة. ويسرد د. المزيدي، أهم الإجراءات التي ينبغي على الإدارة اتخاذها في مواجهة الأزمات، ومنها: وضع معايير يتلمس من خلالها بوادر نشأة الأزمة قبل حدوثها، المبادرة بوضع حلول لأي أزمة في بداية حدوثها قبل أن تستفحل، والاستعانة بالموظفين في ذلك، مكافأة من يتجاوب من الموظفين، ومعاقبة من يقف عائقا أمام تنفيذ إجراءات حل الأزمة، عدم الاستعجال في قطف الثمرات، والصبر على الأخطاء وتطبيق مبدأ «خذ المهمة ولا تخش الوقوع في الخطأ، ولكن عليك أن تصحح الخطأ بسرعة وقت وقوعه».
ويسرد د. المزيدي في سياق حديثه عن سلوكيات المدير خلال الأزمات، قصة حدثت معه شخصيا، فيقول: أذكر في سنة 2004 أن زوجتي تعرضت لوعكة صحية لم أكن آنذاك موجودا في البيت، وعلى الفور أخذها أبنائي بالسيارة إلى إحدى المستشفيات، وكان يوما مطيرا، فتخوف أبنائي على أمهم، لأن المطر الشديد سبب ازدحام الطرق بالسيارات. يقول لي ابني سليمان: بينما نحن في طريقنا إلى باب الطوارئ، فإذا بنا نبصر مواطنا يلبس الدشداشة والغترة والعقال، والمطر يهطل عليه من غير مظلة، وهو يوجه السيارات يمينا وشمالا، إلى أن وصل الدور إلى أبنائي. أراد ابني سليمان أن يكافئ هذا المواطن، فذهب إليه وقال له: أيمكنني أن أعرف اسمك؟ قال له: لماذا؟ قال: لقد قمت بعمل رائع جدا اليوم، وأريد أن أعرف اسمك لأذكره للمدير العام لهذا المستشفى كي يجازيك على هذا العمل الرائع. قال له: أنا الدكتور حامد المدير العام للمستشفى. فانظروا كيف ضرب مدير هذا المستشفى للموظفين وللمارة وللناس أجمعين، مثالا رائعا في القدوة، ونموذجا يحتذى به في كيفية إدارة الأزمات واحتواء المواقف الحرجة وكيفية إضفاء الابتسامة على وجوه الناس.
ويختتم د. المزيدي بالقول: «لا شك أن نزول المدير وقت الأزمة من برجه العاجي إلى الأسفل مع الموظفين، سيبعث الحيوية والحماسة في نفوسهم، لأن الحماسة- كما نقول نحن دائما- معدية. ولكن العدوى هنا إيجابية وليست سلبية.»
د. أسامة الحارس
العاصفة تحمل جذور الفشل وبذور النجاح معا
د. أسامة الحارس- جامعة الخليج للعلوم والتكنولوجيا- يقسّم الأزمات إلى نوعين : الأول: أزمات داخلية ناتجة عن تغيرات مفاجئة داخل الشركة، والثاني: أزمات خارجية مرتبطة بعوامل اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية او حتى طبيعية، مؤكدا أن الأزمات تحوي بداخلها بذور النجاح وجذور الفشل في نفس الوقت، مما يظهر الحاجة إلى هيكل إداري يتصف بالمرونة والفعالية في التعامل مع المخاطر والتحديات من ناحية، والقدرة على استغلال الفرص من ناحية أخرى.
ويضيف، بأن الأزمات تحتاج إلى اتخاذ قرارات حاسمة وسريعة وردود أفعال غير تقليدية، في حين أن التعامل معها يتطلب قيادات استثنائية تمتلك روح المبادرة، وتكون قادرة على قراءة المشكلة وتحديد البدائل المتاحة للحل. وهذا بالطبع يحتاج إلى فريق عمل متخصص ومؤهل في مجالات مختلفة، تلافيا للوقوع في دائرة التخمينات والاجتهادات الفردية والعشوائية، وخصوصاً في ظل ضيق الوقت وضغوط الموقف، مبينا أهم صفات القائد الذي يصلح للإدارة في ظل المناخات الاقتصادية غير المستقرة، ومنها الخبرة، الذكاء، الطموح، المثابرة، الإيمان بأهمية العمل الجماعي، تحمل المسؤولية، قوة الشخصية، القدرة على الإقناع، التوافق النفسي الاجتماعي، الثقة بالنفس والاهتمام بالعمل والعاملين معاً، وهذه الصفات من شأنها أن تنعكس إيجابياً على توازنه وقدرته على تحليل الأحداث بواقعية وحشد وتعبئة الموارد المتاحة للتعامل مع الأزمة.
ويلفت د. الحارس إلى وجود أنشطة تدريب على إدارة الأزمات في منطقة الخليج، لكن درجة الإقبال عليها تقل وقت الأزمات بحجة انشغال المدراء التنفيذيين في التعامل مع الأزمة، أو نتيجة اتجاه الشركة نحو سياسة تقليص الإنفاق، والتي عادة ما يكون من سلبياتها وقف أنشطة البحث والدراسات والتدريب وأنشطة العلاقات العامة والإعلان، في حين أنها أمور تزداد أهميتها والحاجة إليها وقت الأزمات.
علي سلطان
الانزواء وراء الظل وترك القيم ..
يزيد من حالة التأزم
علي سلطان مدير عام شركة جلف ميدكو، يرى أن علاج أي أزمة أو مشكلة يتطلب اعترافا بوجود هذه الأزمة أو المشكلة في البداية، وأن تتوفر الصراحة مع الذات ومع الآخرين، ومن الحكمة مواجهة الأزمات بواقعية كاملة، أما الهروب من الواقع (الأزمة)، فهو لا يغير من المعادلة، بل يؤدي إلى التأزم أكثر.
ويؤكد سلطان أن انزواء بعض المدراء وراء الظل، وتجنبهم للظهور والإدلاء بآراء أمام وسائل الإعلام، هو حالة سلبية، لأن تهربه واختباؤه في وقت الأزمات سوف يضعف فريقه، كونهم سيفقدون القائد الذي يتبعونه، مما يؤدي لعدم التزام الفريق، وانهيار الشركة بشكل أكبر. منوها أن المدير الناجح، ينبغي عليه التحلي بروح الفريق وعدم اختلاق الأعذار أو لوم الآخرين. وأن يكون لديه القدرة على التغير، التحفيز، التحليل، التفويض، وأخذ القرارات في الأوضاع الصعبة، وأن يمتلك رؤية واضحة ونظرة للمستقبل.
ويشير سلطان إلى أمر هام جدا، وهو أن يكون للمدير مبادئ وقيم ثابتة لا تتغير في وقت الأزمات, فهذه الصفات لها تأثير ليس بالبسيط في احتواء جزء كبير من الأزمة وتجاوزها. ويضيف بالقول: «من الضروري على جميع المدراء أن يجعلوا الله نصب أعينهم، وألا يتخلوا عن قيمهم الإسلامية والإنسانية في الأوقات الصعبة، وأذكرهم بقول الله تعالى {ومن يتوكل على الله فهو حسبه}، كما أن الدعاء سلاح فعال للمؤمن يحتاجه الجميع، وجميعنا يؤمن بأن الرزق من عند الله { إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر, إنه كان بعباده خبيرا وبصيرا}.
نزار المضف
البرامج المتخصصة تصنع مديرا قادرا
على إدارة هذه الظروف
نزار المضف، المدير العام لشركة «ينوف» للاستشارات والتدريب، يؤكد أن الأزمة المالية الحالية بمثابة اختبار لجميع الأطراف ، وأنها قد دقت ناقوس الخطر في وجوب وجود جانب لإدارة الأزمات داخل الشركات بمختلف قطاعاتها، بحيث تعمل هذه الإدارة على إيجاد رؤى مستقبلية مختلفة وفقا لمستجدات الظروف، وهذا ما لم يشاهد للأسف من خلال تعاملات أكثر الشركات مع الأزمة المالية الحالية.
ويشير المضف، إلى أن السوق - وللأسف - عانى في الفترة السابقة من التصريحات الإعلامية الواهمة والغير مسئولة، والتي انكشف وجهها الآخر في ظل الأزمة الحالية، لذا يجب على الشركات وإداراتها في الوقت الراهن أن تلتزم الشفافية في التصريحات المعلنة من قبلها، وان تتحمل مسؤوليتها فيما إذا انكشف عدم مصداقيتها، وليس من الضروري أن تكون هناك أزمة كي نتخذ هذا الموقف.
ويرى أن الفريق المتكامل هو الذي يصلح لإدارة الأزمة في الشركة، حيث يقول: «إن الجهود الفردية شطبت عليها الأزمان وأكدت عدم فاعليتها وان الأجدى هو وجود فريق مكتمل متماسك ومتعاون ولديه من الخبرات والرؤى ما يؤهله لأن يقيّم المواقف بشكل سليم، هذا بالإضافة إلى وجوب أن يكون هذا الفريق متسما بالشفافية والبعد عن التأثر بالملاك على مختلف قدرتهم داخل الشركة في اتخاذ القرارات الصائبة، التي يجب أن تكون على قدر المسؤولية أمام المساهمين وداخل السوق بوجه عام»
ويسرد المضف بعضا من الإجراءات التي ينبغي على الإدارة اتخاذها في مواجهة الأزمات، ومنها السيطرة على الأشخاص الغير مناسبين داخل الإدارات، والذين انكشفت حقائقهم ومسؤوليتهم في تضخم التأثر الذي أصاب شركاتهم نتيجة إدارتهم الغير سليمة. ويقول: «على فترات قريبة، سوف تضطر الشركات التي ما زالت محتفظة بتلك الإدارات إلى الاختفاء إما بالخروج من السوق، أو بالاندماجات داخل عباءات أخرى تحتويها، لكن على الجانب الآخر، ما زال هناك بعض الشركات القوية والمتزنة، والتي استطاعت الصمود، وسوف تظل صامدة نتيجة إدارتها الجيدة.»
كما يلفت المضف إلى أن هناك دورات خاصة بإدارة الأزمات، وبرامج متعلقة بإدارة الشركات وقت الأزمات، وكيفية خلق مدير لديه القدرة على ذلك، وهي من الدورات والبرامج التي يقدمها «ينوف»، مؤكدا أن ثمة أسسا علمية بديهية يجب التعرف عليها من قبل الإدارات والحكومات معا، وختم بأن أن الخروج من تلك الأزمة لن يكون إلا بتوافق الرؤى ما بين الحكومات والقطاع الخاص لإيجاد حلول واقعية وعملية وفعالة.
عبد الله سليمان الحداد
التعامل مع الأزمة ليس بمعاقبة الموظفين وتسريحهم
من جانبه، يرى عبدالله سليمان الحداد، المدير التنفيذي لشركة برايم انترناشيونال للاستشارات والتدريب، أنّ التأثير في وقت الأزمات على الكيان الاقتصادي للشركات يصبح كبيرا، ويتناول الشركة ككل بكافة قطاعاتها وليس الكيان الإداري فقط، ومن جانب آخر، يرى أن التعميم السائد بأن جميع الشركات كانت لديها مخالفات، وان إداراتها أساءت التصرف في حقوق مساهميها هو أمر خطير، لأنه تم دون دراسة وتصنيف، والوقت الحالي هو وقت العمل لا اللوم.
ومن جانب آخر، يلفت الحداد، إلى أنه مع ضرورة أن يكون هناك فريق عمل يلتف حول إدارته ليصل بالشركة إلى بر الأمان، فإن مِّن الأهمية بمكان أيضا أن تكون هناك جهات رقابية عليا داخل الشركة مثل لجنة المراجعة Audit Committe في الشركات العامة بالولايات المتحدة، والتي تراقب النظام الإداري والمالي للشركة وتراقب سياسات ادارة المخاطر ، ومن ثم تتجه لإعداد تقارير مفصلة عن أحوال الشركة، وتعرضها في النهاية على المساهمين للتعرف من جانبهم على ما يدور داخل الشركة بصورة واضحة وأكثر وعيا، وان تستمر تلك الجهات في نشاطها حتى وان لم تكن هناك أزمة.
كما يدعو إلى الاهتمام بنظام إدارة المخاطر وتطويره بصورة مستمرة، نظرا لأن تطور المخاطر يتبع تطور العمل بصورة طردية ، فمخاطر اليوم تختلف عن مخاطر السابق.
ويعتبر الحداد أن انزواء المدراء واختفاءهم عن الوسائل الإعلامية، أو التخاطب المباشر مع المساهمين هو صورة سلبية جدا تؤثر بشكل عكسي على الشركة نفسها، وتساهم في خلق جو من الغموض حول مدى تأثر الشركة أو قدرتها على الخروج من الأزمة، ومن ثم تتشكل الإشاعات المتضاربة، والتي تؤثر على صورة الشركة في السوق.
ويدعو الحداد الشركات سواء التي تأثرت بالأزمة أو التي لم تتأثر إلى التحوط، وأن يكون الاتجاه الاستثماري العام في الوقت الراهن هو الاستثمار الحذر والتقليل من المصروفات غير الضرورية، نظرا لأنّ الأزمة حتى الآن لم تكشف عن جميع فصولها، وما زال مسلسل التبعات مستمر، مع ضرورة أن يتم نشر مفهوم حوكمة الشركات بين الأفراد والمؤسسات لأنه مطلب ضروري في الوقت الحالي.
وفيما يتعلق بعمليات تسريح الموظفين والتعامل معهم خلال الأزمة، يرى الحداد أن من الضروري أن تكون هناك صورة صريحة في التعامل مع موظفي الشركة وقت الأزمة من قبل المدراء، لأن هؤلاء الموظفين كانوا يساهمون في إدارة الشركة وقت الرخاء، ولا يمكن تصور أن وجود الأزمة تجعل من الإدارات تتجه لعقاب هؤلاء الموظفين بتسريحهم أو تقيد رواتبهم أو تخفيضها، وتبقى الإدارات ومسؤوليها قائمين دون تأثير عليهم، مع العلم بأن مسؤولية المدراء بالطبع اكبر.
د. وائل العسق
القدرة على الرصد والتحليل أهم ما يميّز المدير الناجح هذا الوقت
د. وائل العسق المحاضر المحلي المعتمد من شركة كرستكوم العالمية، يؤكد ان إدارة الازمات لا تبدأ عند وجود أزمة، بل ان وجودها وعملها يكون موازيا لعمل اي ادارة أو لجنة من اللجان العاملة في المؤسسة، وذلك من أجل عمل متكامل يحفظ للمؤسسة وجودها واستمرارها. ولذا، يبدو واضحا أنه لا بد من فريق يدير الأزمة، والتي هي عملية متشعبة تنظر في جوانب العمل المختلفة وتحدد ما هو معيار الاداء المطلوب في كل مجال، وما هي مؤشرات الخطورة، وما هي طرق الوقاية منها، ومن الجهة أو الاشخاص المسؤلين عن عملية الرصد والتقييم المستمر. وإذا كان هناك أزمة، فما هي الخطط المتاحة للخروج السريع من منها، وما هي استعدادات الفريق للتعامل مع هذا التغير، من أجل تحقيق سرعة الالتفاف والخروج.
ويضيف د. العسق أنّ أهم ما يميّز المدير الناجح في هذه الحالة، قدرته على الرصد والتحليل، والرصد ليس فقط من الناحية التفاعلية بل من ناحية الاستشراف والتوقع أيضا، وكذلك القدرة على الربط بين الامور بطريقة متناسقة ومنطقية، بحيث يستطيع من خلال جميع هذه المدخلات أن يصل إلى صورة قريبة من الواقع -ان لم تكن واقعية مائة بالمائة - من خلالها يستطيع البدء بوضع سيناريوهات التصدي أو الوقاية، وفي حالات متأخرة، التدخل للعلاج.
ويلفت إلى ضرورة الاستعانة خلال الأزمات بالأبحاث العلمية الصادرة عن مؤسسات موثوقة، حيث إن بياناتها ستوفر على الشخص عناء البحث والدراسة، كذلك التقارير الدورية والتقييمات الشخصية التي تصدر عن السوق أو الشركات في الأخرى. كما أن التقارير والتقييم الشخصي يعتبر من المصادر المهمة في عملية التقييم الدوري والمستمر، ومرحلة الرصد والتدخل السريع.
وعن دور شجاعة المدير الأدبية والنفسية في الاعتراف بجسامة الأضرار المترتبة على شركته، ووضع الحلول لتجنب المخاطر، يشير د. العسق، إلى أن الأمر لا يحتاج إلى تلك الشجاعة التي قد يتصورها البعض انها مستحيلة وأنها تتطلب أناسا أفذاذا، فذلك يجعل الامر في غاية التعقيد. ويضيف بالقول: «في تصوري لا يحتاج الامر سوى مسئولية لتحديد ما هو مطلوب، وعمل ما هو بديهي ومنطقي وفق الإمكانيات والصلاحيات والتوقيت المناسب. فإن كان الشخص يعتبر انه ليس بدرجة كافية من البديهية للتدخل لعمل ما هو منطقي في هذا الموقع، فلابد إذن على الشركة أن تتخذ اللازم في شأن مثل هذا الشخص.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اهلا بك وتشرفنا بزيارتك وتعليقك الكريم
سنقوم بالرد على سؤالك فى خلال وقت قصير ان شاء الله
ويمكنك التواصل معنا على رقم الواتس
00966558187343
او زيارة صفحتنا على الفيس بوك https://www.facebook.com/LouaiHassan.HR
وترك تعليقك فى الخاص وسنقوم بمساعدتك فورا
مع اجمل التحيات والامنيات بحياة سعيدة مباركة

مشاركة مميزة

تجربة الفئران

  هو إيه ممكن يحصل لو جبنا شوية فئران وحطيناهم في مكان يشبه الجنة، ويكون متوفر فيه كل ما لذ وطاب للفئران ..؟! بمعني إن ميكنش لهم أي أعداء من...

الأكثر مشاهدة