إن إدارة المعرفة بمفهومها الحديث قد بشر بها بيتر دروكر Peter Drucker في مقال بعنوان مقدم التنظيم الجديد The Coming of the New Organization حيث تنبأ منذ ما يقارب عشرين عاما أن التنظيم الجديد سيكون أقل في عدد المستويات التنظيمية، وأنه سيحتاج فقط إلى أقل من نصف عدد المديرين، وأن العمل سيؤديه متخصصون يعملون في فرق تتجاوز التقسيمات التنظيمية التقليدية، وأن الرقابة والتنسيق بين العاملين سيعتمدان في الأساس على رغباتهم وممارستهم للرقابة الذاتية.
مفهوم إدارة المعرفة
ولا تزال البحوث جارية في هذا المجال، وهذا ما أدى إلى عدم وجود تعريف واحد لإدارة المعرفة، فأعطيت لها مجموعة من التعريفات كل حسب خلفيته العلمية والعملية. ومن هذه التعريفات نذكر ما يلي :
- إدارة المعرفة هي : “التجميع المنظم للمعلومات من مصادر داخل المنظمة وخارجها، وتحليلها وتفسيرها واستنتاج مؤشرات ودلالات تستخدم في توجيه وإثراء العمليات في المنظمة وتحقيق تحسين في الأداء والارتفاع إلى مستويات أعلى من الانجاز سواء بالنسبة لانجازات المنظمة ذاتها في فترات سابقة أو قياسا إلى انجازات المنافسين“.
يشير هذا التعريف إلى أن إدارة المعرفة هي مجموعة من العمليات انطلاقا من جمع المعلومات إلى غاية استعمالها بغرض الرفع من أداء المنظمة بالمقارنة مع أداءها في فترات سابقة أو مقارنة بالمنافسين، لكن ما يؤخذ على هذا التعريف أنه حصر إدارة المعرفة بالمعلومات ورأى أن عمليات إدارة المعرفة تتوقف عند عملية توظيف المعلومات.
- عرفها مالهوترا Malhotra بأنها: “تطور فكري انتقل بنا من الفكرة الشائعة لقيد سلسلة قيمة المعلومات إلى سلسلة قيمة المعرفة، حيث تعد الأولى الأنظمة التقنية عناصر رئيسية تقود عمليات العمل بينما تتعامل مع الناس كمؤدين للعمل، أما الثانية فهي تتعامل مع الأنظمة البشرية كعناصر أساسية تشتغل بتقويم مستمر للمعلومات المحفوظة في الأنظمة التقنية“.
يظهر هذا التعريف نوعا من التفريق بين إدارة المعلومات وإدارة المعرفة، حيث يرى أن إدارة المعرفة هي تطور لإدارة المعلومات، حيث تعتمد هذه الأخيرة على الأنظمة التقنية وتعتبر المورد البشري مجرد مؤد للعمل، بينما إدارة المعرفة تتعامل بالدرجة الأولى مع المورد البشري الذي يعمل على تجديد وخلق مستمر للمعرفة المحفوظة في الأنظمة التقنية.
- التعريف الذي اعتمدته مجموعة العمل 2CIGRIF والذي يرى أن: “تسيير المعرفة هو مجموعة من أساليب التنظيم والتكنولوجيات الهادفة لخلق وجمع وتنظيم وتخزين ونشر واستعمال وتحويل المعارف في المؤسسة، معرفة مجسدة في شكل رأس مال فكري وتجربة محصلة من طرف المعاونين أو الخبراء في مجال ما“.
وفقا لهذا التعريف فإن إدارة المعرفة هي مجموعة من الأساليب التنظيمية والتكنولوجية التي تسمح باكتساب المعرفة وتوظيفها وخلق معارف جديدة، هذه المعارف تكون رأس مال فكري بالنسبة للمنظمة.
يهمك أيضا:
ويتكون رأس المال الفكري ضمن مفهوم إدارة المعرفة من الفئات التالية:
• رأس المال الإنساني (أو القدرات الجوهرية): ويتضمن الخبرات المتراكمة والتجربة والمهارات والقدرات.
• رأس المال الداخلي أو الهيكلي: ويتضمن الاسم التجاري، العلامة التجارية، حقوق الملكية الفكرية والمعرفة المخزنة في قواعد المعرفة.
• رأس المال الخارجي أو رأس مال السوق: ويتضمن كل من الربحية وولاء المستهلك وقوة الترخيص والامتياز.
المناهج الخاصة بإدارة المعرفة
وللإلمام أكثر حول هذا الموضوع سنعتمد على مختلف المناهج التي عرفت إدارة المعرفة والتي تعتبر كلها صحيحة في مدى تطبيقي معين، بدلا من إعطاء تعريف شامل وموحد. وتتمثل هذه المناهج فيما يلي:
1- المنهج الوثائقي: هذا المنهج يجد في إدارة المعرفة، استخلاص المعرفة من الأفراد وتحليلها وتشكيلها وتطويرها إلى وثائق مطبوعة أو الكترونية ليسهل فهمها وتطبيقها، ويتمثل ذلك بتكوين قاعدة معرفية في المنظمة تدار من خلالها وبواسطتها المعرفة ذاتها.
2- المنهج التقني: وفق هذا المنهج يظهر الانحياز نحو تقنيات المعلومات مع إغفال الجوانب الفكرية البشرية لإدارة المعرفة، ويتأكد هذا التشخيص بموجب تعريفها كونها تجسيد العمليات التنظيمية التي تبحث في قابلية تقنيات المعلومات على معالجة البيانات وكذلك قابليتها على معالجة الابتكار والإبداع الفردي.
3- المنهج الاجتماعي: وفق هذا المنهج تبدو إدارة المعرفة طريقة للتفاعل بين الأفراد عن طريق وسائل محددة تؤمن مشاركة جماعية في الخبرة والثقافة والقيم.
4- منهج القيمة المضافة: يذهب هذا المنهج إلى اعتبار إدارة المعرفة منهجا لاستخلاص القيمة المضافة عند تطبيق واستخدام المعرفة. وعلى وفقه بات لإدارة المعرفة مكوناتها المتمثلة في الأفراد والتقنية والعملية ومن ثم الاستراتيجية.
5- المنهج المالي: حسب هذا المنهج، إدارة المعرفة تتضمن مهمات تكوين رأس المال الفكري بصفته موجودا، إلا أن إمكانية استخدامه وتداوله والمحافظة عليه وتطويره جعله محسوسا.
6- المنهج المعرفي: وفق هذا المنهج تمتد تطبيقات إدارة المعرفة إلى كافة أقسام المؤسسة، وحيث أن المؤسسة منتج للمعرفة فهي مصدر للقيمة المضافة الناتجة عنها. إلا أن تحقيق ذلك يقوم على إقامة أربعة أركان رئيسية وهي المعتقدات المعرفية والالتزام والشكل التنظيمي ومعرفة-كيف، فضلا عن الدور السائد لتقنية المعلومات.
7- منهج العملية: يرى هذا المنهج إدارة المعرفة أنها عملية تجميع وابتكار المعرفة وإدارة قاعدتها وتسهيل المشاركة فيها من أجل تطبيقها بفاعلية في المؤسسة.
وبالتالي فإن إدارة المعرفة تعد منهجا للارتقاء بالأداء المنظمي باعتماد الخبرة والمعرفة ومضمون ذلك استثمارها وتحقيق عوائد ملموسة بموجبها.
الفرق بين إدارة المعرفة وإدارة المعلومات
ولفهم موضوع إدارة المعرفة لابد من توضيح الفرق بين إدارة المعرفة و إدارة المعلومات حيث أن إدارة المعلومات هي العملية التي تتضمن استخدام أدوات تكنولوجيا المعلومات لتوفير استخدام أكثر كفاءة وفعالية لكل المعلومات المتاحة لمساعدة المجتمع أو المنظمة أو الأفراد في تحقيق أهدافهم.
وتتعامل إدارة المعلومات بشكل عام مع الوثائق وبرمجيات الحاسوب، والمعلومات الصوتية والمرئية وما إلى ذلك، ويتمركز اهتمام إدارة المعلومات حول فعالية المعلومات وحداثتها، ودقتها، وسرعة تجهيزها، وكلفتها، وخزنها واسترجاعها، في حين أن خلق المعلومات، ودراستها وتعلمها، ومعناها وفهمها هي ليست الموضوعات المركزية لهذا الفرع العلمي، وبالتالي إدارة المعلومات هي وسيلة تقنية تضمن توفير المعلومات.
في حين أن إدارة المعرفة هي أكثر تقدما حيث تقوم بتحليل المعلومات والاهتمام بتحليل كافة الأصول المعرفية المتوفرة والمطلوبة وإدارة العمليات المتعلقة بهذه الأصول، والمتمثلة بتطوير المعرفة والحفاظ عليها، استخدامها والمشاركة فيها، وتتضمن الأصول المعرفية التي تتعلق بالسوق والمنتجات والتقنيات والمنظمات التي تمتلك المعرفة والتي تحتاجها. وتستخدم إدارة المعرفة النظم الخبيرة للاستدلال المعرفي والذكاء الإنساني والاصطناعي لتوليد المعرفة.
وقد تستخدم إدارة المعرفة التكنولوجيا لزيادة الاتصال، وتشجيع المحادثة، والمشاركة في المحتوى، والتفاوض حول المعاني، ولكن التكنولوجيا لا تشكل محور الاهتمام المركزي لإدارة المعرفة.
أهمية إدارة المعرفة
تكتسي إدارة المعرفة أهمية بالغة بالنسبة للمنظمة التي تعتمد عليها خصوصا بعد التطور السريع للاقتصاد وتحوله من اقتصاد صناعي إلى اقتصاد معرفة و. تنبع أهمية إدارة المعرفة من ثلاثة حقائق رئيسية هي:
• أن إدارة المعرفة ستكون المهيمن على سوق تكنولوجيا المعلومات والخدمات.
• أن إدارة المعرفة سوف تمكن الشركات من إقامة بيئة مناسبة لسوق واسعة.
• أن إدارة المعرفة ستكون مصدرا للتحسين الجماعي للعديد من التسهيلات والخدمات المقدمة حاليا.
وتتمثل أهمية إدارة المعرفة بالنسبة للمنظمة فيما يلي:
- تعد إدارة المعرفة فرصة كبيرة للمنظمات لتخفيض التكاليف ورفع موجوداتها الداخلية لتوليد الإيرادات الجديدة.
- تعد عملية نظامية تكاملية لتنسيق أنشطة المنظمة المختلفة في اتجاه تحقيق أهدافها.
- تتيح إدارة المعرفة للمنظمة تحديد المعرفة المطلوبة، وتوثيق المتوافر منها وتطويرها والمشاركة بها وتطبيقها وتقييمها.
- تعد إدارة المعرفة أداة المنظمات الفاعلة لاستثمار رأسمالها الفكري، من خلال جعل الوصول إلى المعرفة المتولدة عنها بالنسبة للأشخاص الآخرين المحتاجين إليها عملية سهلة ممكنة.
- تعد أداة تحفيز للمنظمات لتشجيع القدرات الإبداعية لمواردها البشرية لخلق معرفة جيدة والكشف المسبق عن العلاقات غير المعروفة والفجوات في توقعاتهم.
- توفر الفرصة للحصول على الميزة التنافسية الدائمة للمنظمات، غير مساهمتها في تمكين المنظمة من تبني المزيد من الإبداعات المتمثلة في طرح سلع وخدمات جديدة.
- تدعم الجهود للاستفادة من جميع الموجودات الملموسة وغير الملموسة، بتوفير إطار عمل لتعزيز المعرفة التنظيمية.
كما يمكن إضافة النقاط التالية :
- بناء وتنمية قدرة المنظمة على التعامل مع المتغيرات التنافسية مبكرا والاستعداد للتكيف معها.
- توفر منظومة الكفاءات المحورية للمنظمة وإمكانية تفعيل قوتها التنافسية بسبب احتياجها لرصيد معرفي يستخدم في استغلال الطاقات الإنتاجية وفي تقديم سلع وخدمات متميزة عالية الجودة تلبي رغبات العملاء.
- إطلاق الطاقات الفكرية وقدرات الأفراد الفنية بالمنظمة على كافة المستويات بما يساهم في رفع كفاءة العمليات وتحسين الإنتاجية وتوفير الحلول الأفضل للمشكلات.
- يهيئ فرص تطور المنظمة بمعدلات متناسبة مع قدراتها، والفرص المتاحة لديها من خلال الاستغلال المكثف لنتائج المعرفة إلى جانب الخبرة المتراكمة للأفراد.
- يحقق التكامل بين قدرات الموارد البشرية المبدعة من ذوي المعرفة ومتطلبات تقنيات الاتصالات والمعلومات.
- يوفر المعرفة اللازمة لاختبار نماذج التميز التنافسي المناسب للمنظمة حسب مواردها الاستراتيجية.
- يساعد المنظمة على استعادة توازنها وتقليل خسائرها أثناء تعرضها للأزمات خاصة التنافسية منها.
أهداف إدارة المعرفة
ويهدف استخدام إدارة المعرفة إلى:
- جذب رأس مال فكري أكبر لوضع الحلول للمشكلات التي تواجه المنظمة.
- خلق بيئة تنظيمية تشجع الفرد في المنظمة على المشاركة بالمعرفة لرفع مستوى معرفة الآخرين.
- إعادة استخدام المعرفة وتعظيمها.
- تحول المنظمات من الاقتصاد التقليدي إلى الاقتصاد العلمي الجديد “اقتصاد المعرفة ، ” وتعمل كشبكة للأنشطة حيث تسهم في التحويل نحو الشبكات الاقتصادية الواسعة والتجارة الالكترونية.
- خلق القيمة للأعمال من خلال التخطيط وإدارة وتطوير العاملين وإدارة الزبائن وتقييم الإنتاج.
- توليد المعرفة اللازمة والكافية والقيام بعمليات التحويل المعرفية وتحقيق عمليات التعليم وعمليات نشر المعرفة إلى كل الأطراف ذات العلاقة.
- التأكد من أنه يجري تطوير وتجديد وتحديث المعرفة بصورة مستمرة.
- تحديد طبيعة ونوع رأس المال الفكري الذي يلزم للمنظمة، وتحديد كيفية تطويره وإدامته.