حين يخبرك شخص أن ابن سينا كان مجرماً لأنه كان يعالج الغرغرينة ببتر القدم بالمنشار دون بنج ماذا نعتبر هذا الحكم ٫لاشك أنك ستعتبر أن هذا حكم ظالم لأنه يطلب من ابن سينا أن يستخدم أدوات لم تتوفر إلا بعد عصره بأحقاب بفضل التراكم المعرفي
كذلك لا يمكن أن نحاكم أشخاص أو شعوب على أخلاقيات لم تتكون إلا بعد زمنهم
بمعنى لكي تكون أحكامنا موضوعية ، ليس فقط علينا نراعي الأدوات الطبية الموجودة في ذلك العصر بل علينا كذلك أن نراعي الأدوات الفكرية والسقف المعرفي التي كانت موجودة في كل عصر حتى لا نقع في إيهام تاريخي اي محاكمة تاريخ الأمس على مالا يمكن تطبيقه إلا اليوم
فمثلا
نكون قد وقعنا في إيهام تاريخي إذا أعتبرنا أن ارسطو كان مجرماً ومشرعاً للعبودية لأنه كان يعتبر الإسترقاق دليلاً على تقدم البشرية سنظلمه اذا لم ننتبه لظروف عصره، لأن في الماضي كان المنتصر يقتل المهزوم أما في عهد ارسطو فإن المنتصر لا يقتل المهزوم بل يستبقيه وارسطو أعتبر في ذلك تهذيباً وتقدماً للنزعة الإنسانية بدل سلب حياة المهزوم
خطأ جسيم أن نقتلع فعلاً من الأفعال من أرضه وزمانه ونحكم عليه بمنطق زمان ثاني كأن نحاكم أرسطو المبتلى بزمان كانت فيه مؤسسة الرق تعتبر تقدماً ورحمة مقارنه بزمن سابق عليه ، بقيمنا الحالية التي تخطت مؤسسة العبودية بسبب أحقاب وأحقاب من التراكم المعرفي الذي هذب الإنسان عبر الزمن، إن مؤسسة العبودية لم تنتهي بفضل الضمير الإنساني بل بفضل العهد الصناعي الذي أنهى العبودية حين ظهرت اللآلات التي أقنعت الإنسان أنه ليس بحاجة للعبيد بعد الآن ٫ لذا ليس من الموضوعية أن تحكم على التاريخ بأثر رجعي دون الإنتباه لسياق التقدم البشري
كل ثقافة هي على حق في وقتها وناقصة بالنسبة للفترة التي بعدها ولكن بالنظر إلى التاريخ ككل فإنها تامة كاملة و لولا تكون مؤسسة الرق لما نشأت الحضارة ولما ظهرت فلسفة الأنوار فالفيلسوف كان يحتاج أن يفوض أعماله الغير مهمة للعبيد ويتفرغ هو للأعمال العظيمة كالتفكير والسياسة ومن الأسف أن مرحلة الجور كانت آنذاك صواباً وضرورة ٫ولكن من حسن حظنا أنه كلما زاد وعي البشرية زادت نسبة العدل ، لهذا ما كان عادلا وقانونيا قديما ، نراه الآن جريمة كالرق مثلاً
ماقلته في السابق مجرد مقدمة للفكرة الآن سأطرح مثالين تطبيقيين للإيهام التاريخي الأول وقع فيه السلفيين و الثاني وقع فيه الليبراليين و القسمة عادلة
ولنبدأ بالسلفيين
إن السلف لا ذنب لهم فيما يفعله السلفيين في أنفسهم ، فهم فسروا الأمور بأدواتهم المعرفية في ذاك الوقت . لو امتلكوا أدوات المعرفة الآن ، لاختلفت تفسيراتهم .
الذنب ذنب من يأتي بعدهم من الخلف ويستجلب أقوالهم بنصها دون أن يدرك التفاوت الزمني رغم تأكيد السلف أن الفتوى تتغير بتغير الزمان و المكان و أحوال المكلفين
كأن يستجلب السلفييين موقف ابن تيمية الرافض التام للفرنجة وكل شيئ منهم ويسقطونها على العالم الغربي الآن
السلفيين وقعوا في إيهام تاريخي عندما فاتهم أن يميزو بين الغرب الحديث وما ورائه من حضارة حية وبين الحملات الصليبية وماوراءها من إرث ظلامي التي كان يرفضها ابن تيمية وحق له أن يرفضها
بلغتهم(الفقهاء) قياس مع الفارق
أما الليبراليين فقد وقعوا في إيهام تاريخي حين أعتبروا أن الفتوحات الإسلامية إستعمار وبدؤوا بجلد ذواتهم وتجريم اسلافهم ولم يراعوا قوانين العالم القديم ،وهم بهذا يحكمون على العالم القديم بمفاهيم الدولة الحديثة
لأنه في العالم القديم كان من الطبيعي أن يحكم القوي عدة أعراق ولا يحسون بالإهانة لأن مفهوم القوميات لم يكن قد تشكل بعد ٫لأن القوميات هي نتاج الدولة الحديثة ، لذا لم يضعوا أي أهمية لهوية الحاكم وسَلّموا بأن القوي هو الذي يحكم والمهم عندهم أن تعاملني بعدل و لا ترهقني بضرائب جائرة بهذا نخلص لك ونتبعك
الدول الصغيرة لا يمكنها الإستقلال لأن العالم القديم ليس فيه قانون دولي يحمي الدول الصغيرة ويمنحها الإستقلال لذلك كانت الدول مضطرة الى أن تحتمي بحمى دولة عظيمة وإلا ستكون مستباحة من الدول التي اقوى منها لذلك حين زالت الإمبراطورية البيزنطينية لم يبقى لدول الشام ومصر والمغرب العربي إلا الإنضمام بحمى الدولة القوية الصاعدة الإسلامية
لذا لابد أن نحكم على العالم القديم بمفاهيمه فكلمة إستعمار ليس لها إي معنى قبل تشكل الدولة الحديثة ومنتجاتها
في النهاية أقول أن السلفية والليبرالية عقليتهم متماثلة لكن مضامينها مختلفة
فالسلفي يدعي أن المُثُل العليا تحققت في الماضي و الحل هو في العودة إليها والليبرالي يدعي أن المُثُل تحققت في الحضارة الغربية و الحل بتقليدهم
كلاهما أخطأ حين ظنوا أنهم يمكنهم أن يعيدوا تحقيق تجربة غيرهم للمٌثل ، علينا أن نجرب بأنفسنا تحقيق مُثُلِنا الخاصة انطلاقاً من الواقع الحالي
واغفر لي يارب هذا كل ما أملك
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بك وتشرفنا بزيارتك وتعليقك الكريم
سنقوم بالرد على سؤالك فى خلال وقت قصير ان شاء الله
ويمكنك التواصل معنا على رقم الواتس
00966558187343
او زيارة صفحتنا على الفيس بوك https://www.facebook.com/LouaiHassan.HR
وترك تعليقك فى الخاص وسنقوم بمساعدتك فورا
مع اجمل التحيات والامنيات بحياة سعيدة مباركة