14‏/05‏/2020

لماذا اعتزلت افضل وظيفة فى العالم


هل يعاني مشاهير التواصل الاجتماعي من الاكتئاب؟

عبد الله الجمعة

AAlJumah13 مايو، 2020







قبل سنوات، طلبت مني القناة الرابعة البريطانية مرافقتي بضع أيام لتوثيق عملي كـ«مؤثر» في وسائل التواصل الاجتماعي. كان الهدف من الوثائقي سبر أغوار ما يحدث حقيقةً خلف شاشة الجوال المبهرة، وهل حياة هؤلاء المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي انعكاس حقيقي، أو على الأقل، معقول لحياتهم على أرض الواقع؟ هل يقودون تلك السيارات التي يصورونها؟ هل يملكون فعلًا الطائرات الخاصة التي يسافرون عليها؟ هل هم بذات المرح الذي يبدون عليه؟ هل هم فعلاً جميلين ذوي أجساد فاتنة، أم امتدت برامج تعديل الصور لتحسين عيونهم وأنوفهم وأجسادهم المثالية؟

صدر الوثائقي بعنوان: «أولاد إنستاگرام الأثرياء». يحكي حياة عدة مؤثرين من عدة دول، شاهده الملايين في كافة أنحاء العالم، وأحدث جدلاً واسعًا، لكنه عجز عن سؤال واحد بسيط كان الجميع يتشوق لمعرفة إجابته: هل هؤلاء المؤثرين سعداء؟ هل جلبت لهم الشهرة والمال والوجاهة الاجتماعية، في سن مبكرة، سعادتهم المنشودة؟ أم جلبت لهم البؤس والكآبة والوحدة وعلّمتهم النفاق الاجتماعي؟
هكذا أصبحت «ترند»!

لم تكن شهرتي في وسائل التواصل الاجتماعي أمرًا مخططًا له. فقد حققت شهرة معقولة في سن صغير عندما دخل كتابي الأول «عظماء بلا مدارس» قائمة الكتب الأكثر مبيعًا، وأفردتْ له الأقسام الثقافية في الصحف والمجلات، مقالات ومراجعات. وبلغ من شهرة الكتاب أن الملك سلمان قرأ الكتاب حينها، وهاتفني ليدعوني لمكتبه يشكرني عليه… وهذا كله حتى قبل أن يعرف الناس منصات وسائل التواصل الاجتماعي.

لكن حياتي على وسائل التواصل، بل حياتي ككل، تبدّلت بداية عام 2013، عندما ظهر كتابي الثالث «حكايا سعودي في أوربا»، الذي كان إصداره ظاهرة بحد ذاتها. إذ أحدث جلبة واسعة في معرض الكتاب بحصوله على شعبية غير مسبوقة، دفعت إدارة المعرض لوقف بيعه وتعليق عمل الناشر، وإخراجي مرتين من قبل الشرطة من على منصة التوقيع، بحضور آلاف القراء الذين وثّقوا مشاهد الزحام غير المألوفة في معرض كتاب وإحاطة العسكر بي بصور ومقاطع فيديو نشرت على تويتر! وهكذا، أصبحتُ «ترند»!

قفز عدد متابعيني حينها من بضع آلاف إلى عشرات الآلاف بظرف يومين. وتضاعفت مشاهدات مقاطعي في برنامج «كييك» من عدة آلاف إلى ملايين. تحوّلت حينها، دون إرادة مني، من «الكاتب عبدالله الجمعة»، إلى «المؤثر عبدالله الجمعة». هكذا، بطرفة عين. ودون سابق تخطيط أو توقع!

وخلال الأسابيع اللاحقة، انهمرت علي دعوات اللقاءات الصحفية والمشاركات الثقافية. وازدادت أعداد المتابعين بشكل كبير، على تويتر وإنستاگرام وكييك. استمر الحال عدة أشهر حتى سألني أحدهم السؤال الذي سيشكل لاحقًا مسار حياتي خلال السنوات القادمة: «بكم تعلن عندك؟»

بكم تعلن عندي؟

لم أفهم ابتداءً لماذا يدفع أحدهم، وفي هذه الحالة شركة، مبلغًا لي مقابل أن أتحدث عن مُنتج لها! لم أدرك حينها أن أرقام المتابعين التي كانت تتزايد على صفحاتي، ما هي إلا بمثابة الأرقام على شاشة صرافات الأموال النقدية، كنز ثمين بدأ يتشكل بين يداي كالسحر.

عرضت علي الشركة حينها ثلاثة آلاف ريال مقابل أن أعرض صورة منتجها في صفحتي على إنستاگرام. ترددت في البداية وشعرت ببعض القلق. ماذا سيقول عني الناس؟ لم تكن فكرة إعلانات المؤثرين شائعة بشكل كبير حينها، ولم أكن أعرف مدى قبول الناس لهذه الفكرة.

وأخيرًا، قررت عرض صورة المنتج على حسابي في إنستاگرام. وجاء الرد الأول من أحد المتابعين:«حتى أنت يا عبدالله!!» ما لم يدركه المتابع الحانق، أن الثلاثة آلاف ريال هذه، التي وصلني إشعار البنك بوصولها إلى حسابي، كانت تشكل حينها العُشر من كل ما أملك! كنت وقتها على سريري المتواضع في غرفة تحوي ستة أسرة من طابقين في نُزل شبابي رخيص في لاباز، عاصمة بوليفيا. أثناء رحلتي الطويلة في أميركا اللاتينية. والتي كنت قضيت عامًا كاملًا أوفر من مكافأة البعثة مبلغ 35 ألف ريال التي كانت تكاليف هذه الرحلة التي تمتد لخمسة أشهر.
أفضل وظيفة في العالم

خلال السنوات التي تبعت إعلاني الأول، تحول النُزل الشبابي إلى أفخم المنتجعات في المالديف وإبيزا، ورحلات الحافلات الطويلة تبدلت بالطائرات الخاصة وسرر الدرجات الأولى. وتحول كتابي لبرامج تلفزيّة ناجحة على أشهر القنوات الفضائية. وقيمة الإعلان الثلاثة آلاف ريال تضاعف عشر، وعشرين، بل ثلاثين مرة.

امتلأ بريدي بدعوات الهيئات السياحية من مختلف الدول. عروض التعاون من الشركات العالمية الفاخرة، وقوائم شركات ومنظمات ترغب بالإعلان والتواصل. استقلتُ من وظيفتي القانونية المرموقة والتي تحصلت عليها بعد تخرجي من كلية هارفارد للقانون. عيّنت وكيلاً لأعمالي، وانطلقت استمتع بأفضل وظيفة في العالم.

قضيت السنوات الثماني اللاحقة أطوف العالم. أقوم برحلة شراعية حول جزر الأزور في المحيط الأطلسي. أغفو تحت النجوم في أحراش الأمازون وأستيقظ على عجيج باعة اللوز المدقوق في سمرقند. نزلت في قرى الأرز في مرتفعات فيتنام. تطوّعت لتعليم اللغة الإنگليزية في تنزانيا. أتقنت التانگو في الأرجنتين. قطعت شرق الهند في رحلة على «تُك تُك».

شاهدت الشفق القطبي في أسكندنافيا. تعلمت الإسبانية في إسبانيا وكولومبيا. شاهدت الأُسود والزرافات في أحراش زامبيا وملاوي. ونمت ليلة بلا ليل على سطح القارة القطبية المتجمدة قُرب البطاريق والأنهار البيضاء. وقعت في الحب. تعلمت الغوص. التقيت بالمشاهير وعلية القوم. شاركت في عشرات المهرجانات، قرأت مئات الكتب، كوّنت آلاف الصداقات، جمعت المزيد والمزيد من المتابعين!

وبدون أن أشعر، زرت أكثر من 100 دولة، وفعلت كل ما أريد فعله، وتجربة كل ما أريد تجربته، وتحقيق كل ما أريد تحقيقه، وزيارة كل ما أريد زيارته، وأنا لم أتم الثلاثين من عمري بعد! والأروع من هذا، أنه كان يُدفع لي نظير أن أقوم بهذا كله!


ليت عندي حياتك!

لا يمر يوم دون أن أقرأ تعليقًا من قبيل: «ليت عندي حياتك!»، «من وين أشتري حياتك؟» حتى أن مجلة «إسكواير» Esquire وصفتني بـ «أكثر الرجال حظًا في الشرق الأوسط». فعلاً! رحلة مفتوحة في أرجاء العالم، بحساب مفتوح وحرية غير مقيدة، وإلى الأبد. تبدو كأنها الوصفة المثالية للحياة، أليس كذلك؟ ليس تمامًا.
السعادة ليست في تحقيق الأحلام

بعد سنوات من ممارستي المستمرة لما أحب، وهو السفر. ووصولي لغاية ما كنت أحلم فيه، أدركتُ حقيقةً نزلت علي كصاعقة:


الإفراط في الأمر الجيد، ليس أمرًا جيدًا! وأن السعادة تكمن في السعي إلى الأحلام، لا في تحقيقها!

بعد مدة، بدأت النشوة التي كانت تثور داخلي بالضمور. بدأت المدن تتشابه، والأحداث تكرر نفسها، ولم يعد الأشخاص الذين أقابلهم مثيرين للاهتمام. ألتقي من زرت بلاده أكثر من مرة وقد أعرفها أكثر منه، لكنني أخبره بعكس ذلك، غير راغب بالحديث وكسب أصدقاء جدد. لم يعد بمقدور المغامرات الجديدة أن تبث الأدرينالين في جسدي كما في السابق، ولم يعد لساني يستطعم الأغذية الغريبة.

أصبحت أتثاقل الخروج من الفندق. وآخر من يصعد الطائرة. أسافر مع أصدقاء وأزيف مشاعر الإثارة معهم. أفتح شاشة هاتفي الجوال وأتصنع حماسة غير موجودة. سافر معي صديق مرةً إلى جزر سيشيلز، وفي طريق العودة أخبرني بحقيقة حزينة:


كنت أظن فعلاً أنك تستمتع في رحلاتك كما يظهر على صفحتك على إنستاگرام!

أي سعادة في منتجع ساحلي بديع تخرج فيه من غرفتك الساعة الثانية ظهرًا، بعد قضاء ساعات طوال في أحاديث غير منتهية مع العملاء والوكلاء ومدراء العلاقات العامة عبر البريد الإلكتروني والواتساب، واجتماعات الهاتف، واتصالات الفيديو ومراجعة العروض والتقديمات بشكل يومي، تأتيك من عدة مناطق زمنية، ومع نهايات أسبوع مختلفة، وأعمال طارئة لا تعترف بالزمن وفارق التوقيت.

ثم أعود إلى الغرفة مساءً، بعد جولتي السياحية، لقضاء ساعات طوال في تعديل الصور ومقاطع الفيديو، وكتابة النصوص بالعربية والإنگليزية، وتنسيق التغريدات، والرد على بريد القراء وتعليقات المتابعين الذين لا يتوقعون منك التأخر ب«التفاعل» معهم، وإلا تركوك واتجهوا لغيرك!
المؤثر في دوامة «العمل»

وهكذا، بدون أن أشعر، تحول السفر الذي كان مصدر سعادتي، إلى مصدر للتعاسة. وأصبح «العمل» على مكتب في الرياض لستة ساعات في اليوم، ذاك الذي تركته، يلاحقني في كل زوايا العالم غير معترف بالوقت والمكان!

يباغتني اتصال لا يقبل التأجيل وأنا استعد لصعود كاسحة جليد في الدائرة القطبية. يصر العميل على رفع الصورة الآن قاطعًا جلسة ودية مع أصدقاء أمام بركان في كوستاريكا. يوقظني تنبيه هام وأنا أغط في نوم عميق في أوساكا… تبدو هذه الأمور محتملة لحد ما، لكنها، عندما تتكرر ألف مرة في اليوم، تصبح مصدر تهديد يمس مصدر بهجتك، بل وتصبح قاتلة تمسّ ذاتك.

أقف أمام المرآة في مسكن لم أختر النزول فيه، في مدينة لم أرغب بزيارتها، ألبس قميصًا لم اختر ارتداءه. حتى أفكاري التي تدور في جوف عقلي، أصبحت تمر بألف مُرشِّد قبل أن تجد طريقها إلى لساني. حذار أن يتحسس منها المتابعون أو الشركات التي «ترعاني». ألهذا انتهى أمري؟ هل قدّم لي أسلوب الحياة كـ «مؤثر» كل ما تمنيته في الحياة، وانتزع مني ببطء أعز ما أملك؟ جوهري، ذاتي، المعنى الذي أعيش لأجله، والصورة التي رسمتها لنفسي؟

كنت أثناء تدريسي في الجامعة في بيئة يقدّم فيها الأكثر علمًا وفي عملي في الوزارة يقدّم الأكثر خبرة. أما اليوم فأصبحت بين مجموعة يقدّم فيه المرء تبعًا لأعداد متابعيه وحسب. تبدل لقبي من «محاضر» و«مستشار قانوني» إلى «ماكرو إنفلونسر» (مؤثر يزيد عدد متابعيه عن 500.000)
العودة إلى الواقع

مع خبو النشوة، بدأت سعادتي بالاضمحلال. عُدت إلى نقطة الصفر. أصبح الطريق إلى المطار ثقيلاً بثقل طرق الرياض المزدحمة في صباحات الأحد عندما كنت أتجه للعمل. وأصبحت الجبال الخضراء والشواطئ القرمزية تشبه غرف الاجتماعات المملة. وصارت أسرّة درجات الأعمال في الطائرات قاسية وغير مريحة. والمهرجانات واللقاءات العامة مصدر وحدة وانزواء.

اجتاحتني حينها نوبة قلق عميق جعلت من قلبي ينبض بشكل غير اعتيادي. ذهبت إلى الطبيب لإجراء فحوصات. نصحني الطبيب:


يبدو أنك تعاني من قلق في العمل أو على المستوى الشخصي. ربما يساعدك لو تأخذ إجازة وتسافر إلى مكان هادئ وبعيد. ماهو عملك بالمناسبة؟

لم أعرف كيف أجيبه! هل أخبره أن عملي فعلاً هو أن «أسافر إلى مكان هادئ وبعيد»؟ وأن تشخيص حالتي الصحيح هو عكس ذلك تمامًا. أن أجلس في منزلي لا أبرح مكانه مدة من الزمن؟ هل انتهى بي الأمر لأتطلع إلى إجازة أقضيها داخل جدران المنزل، كما يتطلع باقي الناس إلى أوقات إجازاتهم ليسافروا؟

كنت قد بنيت حياة على نمط السفر، ودخلي المادي كان مرتبطًا ببقائي على الطريق طوال الوقت! لذا لم يكن من السهل أن أقرر الاستقرار مضحيًا بمصدر دخل مادي اعتمد عليه.

صحيح أنني لم أقرر أن أكون «مؤثراً»، لكنني علمت أن الوقت حان لأقرر استعادة السيطرة على حياتي التي تبعثرت. مدركًا كذلك أنني استنفدت «الحياة» في السفر.


لا تسافر هربًا من الحياة، بل سافر بحثًا عنها «وأنه حان الوقت» للا تسافر بحثًا عن الحياة، بل اصنع حياةً لا تطيق السفر عنها.
الاستقرار

اتخذت بعض الإجراءات، وبدأت بتهيئة حياة عنوانها الاستقرار تنتشلني من ذلك الوحل الذي غصت فيه حتى كاحلي. بدّلت وكيل أعمالي بآخر أكثر تفهمًا لمساري الجديد. توقفت عن قبول الدعوات التي لا ترسم ابتسامة على محياي. أسست مكتبًا في الرياض، واستثمرت في عدة شركات ناشئة. عدت للكتابة وتقديم الاستشارات القانونية. قررت أن أحصر السفر لأجل العمل مرة كل شهرين كحد أقصى. ورفعت قيمة الإعلانات في صفحاتي على وسائل التواصل الاجتماعية حتى أقلل منها ما أمكن.

بدأت أشعر بالسعادة تسري في عروقي من جديد. تعلمت أن تفاصيل الحياة الصغيرة تحمل مفاتيح المباهج. أحاديث عائلية حول قهوة المغرب. ضحكات الأصدقاء التي تمتد إلى منتصف الليل. وقراءة كتاب كامل دون أن ينزع منبه الهاتف شريط أفكاري.

لا يعلم أبي أن حضوري لاجتماع العائلة في الاستراحة كلفني مرة إلغاء تغطية إعلانية بخمسين ألف ريال. لا يدرك صديقي أن حضوري لزواجه عنى إلغائي لرحلة مدفوعة التكاليف على سفينة تنطلق من برشلونة. ولا يصدق مدربي في النادي أنني فضلت تمرين عضلاتي اليوم على تسجيل لقاء مباشر لقناة شهيرة.

لا أشعر بالندم على اختياراتي تلك. على العكس، انتشي فخرًا باستعادة قدرتي على اتخاذ قراراتي بناء على ما يسعدني فحسب. لا حسب ما «يُتوقع مني» فعله.
هل أنا سعيد اليوم؟

أخذ مني التفكير سنوات طويلة، وتجارب متعددة، وخيبات وآلام، حتى استطعت أن أكون إجابة على هذا السؤال نعم! أنا اليوم سعيد، بل أظنني سعيدٌ جدًا.

رأيت أكثر لحظات حياتي سعادة، فوجدت أن المال والشهرة لم يتسببا في تحقيقها. ونظرت إلى أكثر لحظاتي حزنًا، فوجدت أن المال والشهرة لم يتسببا في منعها. أدركت أن السعادة حالة دؤوب، وليست طارئًا يهيج ثم يخمد. طريق وليست وجهة. وأن السعادة لا يضادها الحزن، بل يضادها الملل وغياب الأحلام المتجددة.

أدركت أن السعادة ومضة داخل النفس، تتوهج كلما سقيناها بتحقيق أحلامنا. وتخبو كلما بحثنا عنها في أحلام الآخرين. وهذا يقودني لحال الآخرين من المؤثرين. هل هم سعداء؟ هل هم فعلًا يعيشون كما يحبون؟
هل المؤثرون سعداء؟

لا أعلم، ولكنني عرفت العشرات منهم عن قرب، حدثوني بصدق، أو أخبروني كمستشار قانوني عن التزاماتهم التي لم يوفوا بها. والشركات التي تلاحق إعلاناتهم والنزاعات بينهم. والمتابعين الذين يترصدون كبواتهم. ويكررون دومًا: «تعبنا، مللنا، “احترقت معنوياتنا”، و”نشعر بفراغ داخلي”.» تمامًا كما كانت حالتي قبل ما يقارب السنتين.

من سمات المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي، وما يفرقهم عن غيرهم من المشاهير هو أنهم، في الغالب، من صغار الشباب. لم يتسن لهم بناء حياة بعد. ولم يسعفهم الوقت لتشكيل هويات خاصة بهم. فحملتهم موجة الشهرة بغتةً حيث سواحل غامضة لا يعلمون كنهها.

فتجد أن كثير منهم يعاني قلق عدم استقرار الدخل، وتبدل خطط الحياة المفاجئ، ومشاكل الأسرة لمن هو متزوج منهم، وتزلّف الأصحاب وتغير مشاعر الأصدقاء، وضغط «صناعة المحتوى» المتزايد، وقسوة الشهرة وتربص ملايين العيون التي تراقبهم، والخوف من أن تصبح سقطاتهم وشطحاتهم «فضائح» تلوكها ألسنة الناس.

بعضهم تعطّلت حياته تمامًا خارج إطار الجوال، وكثير منهم يعيش حياة انطواء وعزلة اجتماعية. وغالبيتهم، إن لم يكن جميعهم، يطوف حولهم شبح حياة ما بعد الشهرة، وذهاب الألق، وانطفاء ذكرهم بين المعجبين والمريدين. المخيف أن ابتعاد الأضواء هذا قد يحدث فجأة! هكذا، بزلة لسان أو شخطة قلم! يزول فجأة كما بدأ! أي قلق يعيش فيه إنسان يعي أنه يحاذر الانزلاق على جرف هاوية كلما استيقظ ليوم جديد؟

أعتقد أن وظيفة «مؤثر» هي من أكثر المهن جلبًا للقلق والتوتر، والاكتئاب. إذا كنتَ في عملك تتنافس مع عدد محدود من الموظفين أمام مدير واحد، فماذا تقول بمن ينافس غيره أمام ملايين المدراء، الذين هم المتابعون؟ وإذا كنت تعاني من مسبب القلق الأول: المقارنة مع الآخرين، فما قولك بمن يعاني هذا القلق وهو مكشوف أمام كل الناس، الذين يحكمون بقسوة أن نجاح غيره هو دليل على فشله؟

هذه ليست محاولة لإضفاء تصوّر سوداوي على حياة مشاهير شبكات التواصل الاجتماعي. لكنها محاولة لتقريب صورة واقعية عما يحدث فعلاً على الطرف الآخر من شاشة الجوال ولمهنة قد لا يتم أخذها بجدية إلا أن آثارها تعكس حتمًا الضغط الاجتماعي الذي تسببه وسائل التواصل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اهلا بك وتشرفنا بزيارتك وتعليقك الكريم
سنقوم بالرد على سؤالك فى خلال وقت قصير ان شاء الله
ويمكنك التواصل معنا على رقم الواتس
00966558187343
او زيارة صفحتنا على الفيس بوك https://www.facebook.com/LouaiHassan.HR
وترك تعليقك فى الخاص وسنقوم بمساعدتك فورا
مع اجمل التحيات والامنيات بحياة سعيدة مباركة

مشاركة مميزة

تجربة الفئران

  هو إيه ممكن يحصل لو جبنا شوية فئران وحطيناهم في مكان يشبه الجنة، ويكون متوفر فيه كل ما لذ وطاب للفئران ..؟! بمعني إن ميكنش لهم أي أعداء من...

الأكثر مشاهدة