كلنا نعلم المقولة الشهيرة أن من يجلس خارج الأحداث يرى أفضل ممن هو قابع داخلها، أو كما تقال باللغة العامية (اللي بره.... يشوف أحسن).
ولكن هل فكرنا ولو لمرة واحدة لماذا أعطيت الأفضلية لمن هو خارج الأحداث عمن هو داخلها؟
هل فكرنا لمرة واحدة في هذا التناقض كون من هو جالس داخل الأحداث ويتفاعل بها لايستطيع أن يرى أفضل ممن هو خارج الأحداث ويجلس في مقعد المتفرج؟
عندما نجلس لمتابعة مباراة كرة قدم بين الفريق الذي نشجعه وفريق منافس فإن كل منا في لحظة يتحول إلى مدرب قدير خبير له باع في التدريب ووضع التشكيلات ورسم خطط اللعب بالإضافة إلى تحولنا إلى نقاد رياضيين متمرسين نطلق العنان إلى سهام النقد اللاذعة لتنطلق من ألسنتنا لتصيب من تصيب ونحن على قناعة شديدة بصحة رأينا لأننا نرى مالا يستطيع أن يراه المدرب المسؤول عن تدريب الفريق ووضع التشكيل والخطة بل المسؤول الأول والوحيد عن النتيجة أمامنا.
إنها المفارقة الشديدة بين أفضلية الرؤية التي تمتعنا بها كنتيجة مباشرة لجلوسنا في مقاعد المتفرجين وهي الأفضلية التي لم تتح لمن يتحملون المسؤولية عن خطط الأداء والهيكل التنفيذي ومؤشرات النجاح، بل يتحملون التبعية الثقيلة عند الإخفاق بينما مازال من يشاهد يتمتع بأفضلية الرؤية والتحليل والنقد وتوزيع المسؤوليات.... عجبت لك يازمن..!!!
التعامل مع المدير العصبي يحتاج لحلقات ولهذا السبب ستكون هذه الزاوية للعدد القادم تكملة لما سنتناوله في هذا العدد.
الرؤية من خارج الأحداث
إن أفضلية الرؤية التي يتمتع بها من يجلس خارج نطاق الأحداث هي أفضلية أتيحت لنا بفضل موقعنا من الأحداث حيث نستطيع دائمًا أن نرى صورة عامة متكاملة للأحداث الجارية أمامنا ومايحيط بها من مؤثرات أو إطارات محددة لمدى الرؤية تمامًا كمن ينظر إلى صورة تم وضعها داخل إطار خشبي منمق فهو يستطيع رؤية تفاصيل الصورة بالإضافة إلى تفاصيل الإطار الذي تم وضعها فيه، بل قد يمتد الأمر إلى رؤية تفاصيل الحائط الذي تم تثبيت اللوحة عليه ولكن في نفس الوقت فإن عناصر الصورة نفسها والتي تعطي في تكوينها البعد الجمالي لهذه الصورة التي نجلس نحن في الخارج لنشاهدها لا تستطيع أبدًا رؤية تفاصيل الإطار المنمق أو الحائط من حوله في حين أنها ترانا ونحن ننظر إليها ولكنها لن تستطيع أن ترى ما نراه لأننا نجلس في الجهة المقابلة بحيث نرى الصورة والتفاصيل المحيطة بها في نفس المستوى.
ولايتوقف الأمر فقط عند أفضلية الموقع، ولكن هناك بعد آخر قد أتيح لنا من خلال موقعنا من الأحداث ألا وهو ميزة الهدوء النسبي الذي توفر لنا كنتيجة لعدم وجود مسؤولية مباشرة تقع علينا عن النتائج ونحن نجلس في الجهة المقابلة لمحور الأحداث وهو ما يجعلنا في موقف أقل عصبية ممن هم داخل الحدث ومطلوب منهم الأداء والاجتهاد وتحمل النتائج أيضًا.
وبمعنى أكثر وضوحًا، فإن المشاهد لمباراة كرة القدم عادة ما يبدأ المباراة بهدوء وأريحية بما يتيح له تحليل التشكيل والخطة قبل المباراة ووضع ملاحظاته التي قد تصيب في بعضها وتخفق في البعض الآخر ولكن بطبيعة الأمر فإنه لن يتذكر بعد انتهاء المباراة إلا ماقد أصاب من ملاحظاته فقط والتي عادة ماتكون بخصوص إخفاق الفريق وليس نجاحه لأن النجاح له مئة أب، حيث إن إسهامات عامل غرف الملابس قد ساعدت في تحقيق النجاح ولكن الإخفاق له أب واحد لأن كل منا لايرى خطأه ولكن يرى قصور الآخر في تنفيذ مهمته.
قرارات المدير غير مفهومة!!
يجب ألا تستغرب أبدًا عندما تجد مديرك يأتي بقرارات غير مناسبة بالنسبة لك أو غير مفهومة لموظفي الإدارة كلها والذين يتحولون في هذه اللحظة إلى متفرجين يجلسون ليشاهدوا ويعلقوا ويضعوا ملاحظاتهم فإن أصاب المدير في قراراته التي لم تكن مفهومة، وقف كل منا ليثبت أنه كان يعلم تمامًا أن هذه الخطة ستنجح وأنه قد نفذ ماطلب منه.... ولهذا نجحت الخطة.
أما إذا لم يوفق المدير في قراراته وكان هناك إخفاق، وجدنا المشهد المألوف للموظفين العباقرة الذين حباهم الله بالبصيرة النافذة وهم يؤكدون أنهم كانوا يعلمون أنه لن ينجح وقد حاولوا كثيرًا التلميح بهذا المضمون ولكن للأسف لم يسمع لهم أحد ولا يتبقى إلا أن نسمعهم وهم يقولون وبصوت عال... يستاهلوا.
فهل يستغرب الآن من المدير الذي مر بحياته الكثير من لحظات النجاح ومثلها من لحظات الإخفاق أن نراه عصبيًا ومنفعلاً لأسباب نعلمها أو لا نعلمها؟
فهل يستغرب الآن من المدير الذي يعلم أنه يجلس في مقعد المسؤولية بينما الكل من حوله يجلس أو سيجلس في مقعد المشاهد ليحلل وينتقد ويبارك أو يتشفى، ألا يكون لديه الوقت الكافي لشرح كافة الأمور وأن يكتفي فقط بإظهار مفردات خطة العمل لتنفيذها قبل انتقادها.
عندما سئل وزير الإسكان المصري السابق المهندس حسب الله الكفراوي عن مايقال عنه من أنه كان دكتاتورًا في أثناء فترة توليه الوزارة، فقد أجاب الإجابة المثلى لمن قبل المسؤولية وأراد تنفيذها بأعلي نسبة حرفية ممكنة عندما قال:
أنا ديمقراطي لأقصى حد عند اتخاذ القرار... ولكنني الدكتاتور الأوحد عند تنفيذه.
نعم، هذا هو المدير المسؤول الذي يجب أن يشارك من حوله في أي قرار سيأخذه. ولنضع مئة خط تحت..... سيأخذه، لأنه إن هو قرر أن يشارك من حوله في قرار تم اتخاذه لضاعت المسؤولية وضاعت المهمة.. بل وضاعت هيبة المدير بالتبعية.
يجب عليك تقبل مديرك على أي حال..
عندما يكون مديرك هادئًا ودودًا ذا أريحية فهذا ليس معناه أن القاعدة التي ذكرناها سابقًا خاطئة ولكن معناها أن هذا المدير يتمتع بالخبرة التي تبقيه لأطول فترة ممكنة متحكمًا في جهازه العصبي بحيث لا تنفلت أعصابه بسرعة ولكن كن على يقين أنها إن انفلتت فستكون ذات عواقب شديدة تطبيقًا للمبدأ الصحيح أن اتق شر الحليم إذا غضب.
لهذا سواء كان مديرك عصبيًا بطبيعته أو هادئًا في انتظار لحظة انفجار، فإنه يتحتم عليك اتباع الوصايا العشر التالية في التعامل مع المدير عند إظهار عصبيته بغض النظر عن توقيت إخراجها لأن المهم هو كيفية التعامل مع المدير وليس تقييم مزاجه وأسلوب إدارته ونهج سيطرته على جهازه العصبي طالما كان هو المدير وأنت المرؤوس الذي يتحتم عليه التعامل مع المدير أيًا كان أسلوبه وسواء قبلته أو لم تقبله.
تأكد أن مديرك يعلم من بواطن الأمور مالاتعرفه أنت الآن
من منا تخيل نفسه وهو يقود طائرة؟
معظمنا سافر وطار من بلد لبلد وجلس في الطائرة سواء في المقاعد الوثيرة في الدرجة الأولى أو في المقاعد العملية المخصصة لرجال الأعمال أو حتى في مقاعد العامة ليتمتع كل منا بمزايا الدرجة التي ركب فيها أثناء رحلته بغض النظر عما يقدم من مزايا للدرجة التي تليه. وأعتقد أن الكثير من المسافرين يشغلون أنفسهم عادة إما بالقراءة أو بمشاهدة بعض البرامج التليفزيونية أو سماع الموسيقى أو العمل على الكمبيوتر أو بالتحدث إلى الجوار.
ولكننا جميعًا وأيًا كانت الوسيلة التي نستخدمها لقضاء رحلتنا لا نفكر أبدًا في هوية قائد الطائرة ومهاراته وإمكاناته طالما أن الرحلة تسير بهدوء وسلامة كل شيء تحت السيطرة.
ولكن ماذا يحدث عندما نبدأ في الاصطدام ببعض العوائق كأن نطلب شيئًا من المضيفة لا تستطيع تلبيته؟
عادة ما نبدأ في طلب المشرف لبث شكوانا واستدعاء خبراتنا التي اكتسبناها من سفرتنا المتتالية وعقد المقارنة بين ما يقدم هناك وما يقدم هنا بل وقد يصل الأمر إلى وضع الحلول بناء على خبرتنا وممارستنا في ركوب الطائرة وليس في قيادتها أو خدمتها أو ضيافتها ولكننا بالطبع لدينا من الخبرة مايؤهلنا للحكم على مستوى الأداء وبالتالي وضع البدائل التشغيلية أيضًا.
ولكن تصوروا أن يكون هذا الاصطدام مع قائد الطائرة..
تصوروا أننا لم نعجب بطريقة قيادة قائد الطائرة وتحكمه في اتزانها وضغط الهواء وصعودها وهبوطها وما إلى غير ذلك.
هل سيصل بنا الأمر إلى تقييم طريقة أداء وإمكانيات وخبرة قائد الطائرة والبدء في وضع الاقتراحات نحو طريقة أداء أفضل وأننا لو كنا مكانه لقمنا بعمل ذاك وتلك. هل مررنا ولو لمرة واحدة بهذه التجربة الفريدة من انتقاد قائد الطائرة أثناء إحدى الصعوبات الجوية - لاقدر الله.
أعتقد اعتقادًا يقينًا أننا حتى وإن مررنا بهذه التجربة فإننا لن نجنح أبدًا إلى الاستسلام لفكرة انتقاد ووضع الحلول البديلة لقائد طائرة أبدًا وذلك لسببين رئيسين:
أولاً: لأننا عندما تكون حجم المشاكل المحيطة لا ترقى لأن تكون مسألة حياة أو موت فإننا نستطيع أن ننتقد ونعلق ونستدعي خبراتنا وذكرياتنا لإعطاء النصح بناء عليها وهو ما لا يكون أبدًا عندما يكون الخطر متعلقًا بأرواحنا وسلامتها بيد الله سبحانه وتعالى ثم هذا الرجل الذي يقودنا إلى مصيرنا.
ثانيًا : لأننا وبنسبة الأغلبية لا نمتلك الخبرة العملية لقيادة طائرة حتى وإن كنا نقرأ عنها أو نلعبها على البلاي ستيشن.
إن قائد الطائرة يعلم تقريبًا كل صغيرة وكبيرة على متن طائرته حتى وإن لم يكن هو من يقوم بالضيافة أو بالإشراف على طاقم الضيافة ولكنه يعلم كيف يستطيع مراقبة أدائهم ومستوى خدماتهم حتى وهو في غرفة القيادة. إنها الخبرة التي توفرت له من خلال ساعات طيران طويلة اكتسب من خلالها الخبرة العملية في إدارة طائرته وطاقمها وهو ما لا يتيحه أبدًا الخبرة النظرية وإلا ما كان مطلوبًا منه أن يقضي عدد ساعات طيران قبل أن يصبح قائد طائرة.
ولكي تتضح لنا الصورة، فإننا يجب أن نتأكد من أنه كل ميسر لما خلق له وأن كل إنسان له مستويان من العلم، مستوى العلم التطبيقي الذي جمعه من خبرات تراكمية من الممارسة العملية في مجال تخصصه وهو مايساعده على الترقي في هذا المجال. ولكن يوجد أيضًا المستوى الآخر من العلم النظري المستمد من القراءة والاطلاع والمشاهدات ومناظرة خبرات الآخرين وهو مايساعده على تكوين شخصيته وتفتيح مداركه للانتقال إلى مستويات إدارية تعتمد في جزء منها على خبرته العملية في مجاله ولكنها تعتمد في الجزء الأكبر على شخصيته الإدارية التي استطاع صقلها وتأهيلها لتقنع صاحب القرار بمؤهلاته لأن يصبح في موقع المسؤولية الإدارية.
وبمعنى أكثر وضوحًا، فإن المدير عادة ما يتمتع بالخبرة العملية في مجاله والتي تؤهله لأن يفهم آليات العمل وكيفية قيام كل فرد من موظفيه بعمله إجمالاً وكيفية الربط بين أفراد الهيكل الوظيفي في إدارته ليؤدوا كفريق عمل واحد. كما أنه يتمتع بهذا الحس الإداري الذي يؤهله ليتواصل مع الإدارات الأخرى ويبدأ في استشعار مناطق التداخل بين الإدارات المختلفة ونقاط الالتقاء ونقاط الاختلاف وهو مايولد عنده هذا التحسس من الدخول في منطقة معينة قد تكون مقبولة من جميع العاملين بالإدارة وغير مفهوم على الإطلاق سبب واحد لعدم الخوض في هذه المنطقة.. ولكنه هو من لديه السبب لأنه يعلم مالايعلمه موظفوه.
إنها مايطلق عليها في العموم.. السياسة.
إن المدير بحكم كونه في موقع الإدارة وهو بطبيعة الحال موقع المسؤولية، فإنه يكتسب مع الوقت خبرة السياسة في التعامل بحيث يعلم متى يستطيع أن يؤجل قرار ومتى يستطيع أن يعجل به وفق مجريات سياسية قد لا يعلمها الكثير ممن حوله ولكن عدم علمهم هذا لايعني على الإطلاق عدم صحة القرار ولكن يعني بمنتهى الوضوح.... أنه قد يرى ما لانراه نحن.
عندما تقف في الطابق الثالث فإنك تستطيع الحكم بمنتهى القوة عما يدور في الطابق الثاني الذي تستطيع رؤيته وتقييمه ولكن من الصعب أن تحكم على مايحدث في الطابق الرابع إلا من خلال حدسك وتكهنك بما قد يحدث، أما من يقف في الطابق الخامس فإنه يستطيع بسهولة تقييم الطابق الرابع وتقييمك أنت وماتراه في الطابق الثاني.
إنه ببساطة يرى مالا تراه أنت ويعلم مالاتعلمه أنت.. وهو مايؤهله لاتخاذ القرار الذي لن تستطيع أنت تقيمه إلا بعد أن ترى مايراه وتعلم مايعلمه وهو مايتطلب أن تقف أنت في مكانه. ولكن احذر لأنه قد يحدث أثناء ترقيك للطابق العلوي أن يرتقي مديرك إلى الطابق الأعلى وتظل له الأفضلية في مساحة الرؤية التي لن تتوفر لك ويبقى الحال على ماهو عليه... وعلى المتضرر اللجوء إلى الصبر والحنكة وإعادة قراءة هذا المقال.
لا تفقد أعصابك وتذكر أن المدير مسؤول..
في إحدى المنافسات الكروية وفي مباراة حاسمة كان لابد من الفوز بها لتحقيق البطولة، قرر المدرب عدم الاستعانة بلاعبه الأشهر الذي يعلق الجميع عليه الأمل في تحقيق الفوز وذلك لأن هذا اللاعب لديه درجة من الخشونة في الركبة تظهر بوضوح عند اللعب على ملاعب النجيل الصناعي وهو ماقد يؤدي إلى إصابة مزمنة لهذا اللاعب الخلوق المتميز تبعده نهائيًا عن الملاعب.
وقامت الدنيا ولم تقعد عندما أعلن عن التشكيل وهو لا يتضمن اللاعب الأمل.
الجمهور يصب جام غضبه على المدرب المغرور الذي صورت له نفسه أنه يستطيع تحقيق النصر بأي لاعبين طالما كان هو المدرب والنقاد قد عقدوا جلسات تحليلية لسلوك هذا المدرب في المباريات الحاسمة ليؤكدوا أنه مدرب مغرور يعتقد في نفسه أكثر مما يعتقد في اللاعبين وأن مايهمه هو أن يحقق المجد لاسمه قبل تحقيق الفوز لفريقه.
وبدأت المباراة والجميع قد وصل إلى حد الانفجار العصبي حتى أصبح زئير الجمهور مع كل فرصة ضائعة يلقي بظلاله على أداء اللاعبين الذين وصل لهم هذا الشد العصبي غير المسبوق ليتسابقوا في تضييع الأهداف بالرغم من سيطرتهم على مجريات الأمور ولتنتهي المباراة بالتعادل الذي قد يقصي الفريق عن تحقيق البطولة.
ولكم أن تتخيلوا كم التعصب والانفجار الذي يمكن أن يحدث من الجميع بعد هذه النتيجة والمطالبة بإقصاء هذا المدرب الذي لا يعلم كيفية التعامل مع هذه المباريات الحاسمة والذي أعماه غروره عن الاعتراف بقدرة لاعبيه ولم ير إلا قدرته على الإدارة وتصديقه أنه يمكنه تحقيق الانتصار بأي لاعبين.
وتوالت التحليلات والاتهامات من النقاد والجمهور على المقهى:
• في آخر ربع ساعة ضيع الفريق سبع فرص. لو كان اشترك فيها بس لمدة ربع ساعة كان جاب جولين.
• يعني هوه كان حيموت لو لعب. ماكانوا حطولوا كورتيزون زي كل اللاعبين التانيين.
• ما هوه لو مدرب بجد كان حضره من أسبوعين للماتش ده موش سابه لغاية لما بقي موش قادر يلعب.
أما المانشتات الصحفية فكانت كلها تتحدث عن المدرب الذي فقد قدرته على الإدارة:
• يبدو أن الزمن قد ولى ويجب أن يتم الآن الاستعانة بمن يستطيع التعامل مع النجوم لا إطفاءهم.
• إنها معادلة القوة التي أطاحت بغرور من صدق في قوته وحده.
• لقد حقق مايكفي من بطولات ويجب الآن إعطاء الفرصة لمن يستطيع الحفاظ على هذه البطولات.
في المقابلة التليفزيونية التي تمت مع المدرب لمواجهته بما يقال من آراء الجمهور والنقاد والمطالبة بإقالته، كان رد المدرب مفاجأة للجميع بالشكل الذي لم يستطع أحد الرد عليه، بل وصل الأمر إلى اعتذار بعض النقاد في اليوم التالي، فضلاً عن مداخلات الجمهور على الهواء التي تحولت بنسبة 180 درجة عندما تحدث المدرب بمنتهى العقلانية ليرد على محدثه الذي كان يبلغه بطلب الجميع بإقالته.. وكان رده هكذا:
لقد سمعت كل ما قيل ورأيت كم العصبية المبالغ فيها من الجميع وأتصور لو أنني تعاملت بالمثل معهم لكنت تشاجرت مع العشرات أو أصبت أو قتلت أحدهم ولما كنت معك الآن.
لماذا أْعطوا لأنفسهم الحق في أن يصلوا لهذا الحد من العصبية ولم يتخيلوا أنني كنت واقعًا تحت ضغط نفسي هائل لايعلمونه هم وأنا أفكر فيما هو أهم بالنسبة لي كإنسان قبل أن أكون مديرًا فنيًا لهذا الفريق.
هل الأهم هو تحقيق فوز وبطولة من بطولات يكتظ بها خزانة النادي حتى ولو كان الثمن أن نفقد لاعبًا موهوبًا وإنسانًا خلوقًا مثل هذا اللاعب.
هل البطولة أهم من الإنسان؟
لقد قضيت وقتًا طويلاً أحاول أن أستجمع قوتي لأخذ هذا القرار الذي أعلم أنه سيفتح على بوابات جهنم من النقد والانتقاد والويل والثبور ولكنني كنت أفاضل بين قراري كإنسان وقراري كمدير.
لو كنت أخذت قرار الإشتراك ولعب اللاعب وأحرز لكنت الآن المدرب القدير ولو لعب ولم يحرز لما طالتني كل هذه السهام لأن اللاعب سيتحمل المسؤولية أو على أقل تقدير سيشارك فيها.
لكنني ماكنت لأقبل أن أحقق انتصارًا إداريًا مقابل التضحية بإنسان حتى ولو كان الثمن إقالتي من الفريق. أنا من أتحمل نتيجة قراري وأنا سعيد بهذا القرار وأكيد أن اللاعب سيستطيع تحقيق بطولات عديدة مع الفريق وهو سليم ولكنني أتعجب من مستوى العصبية التي يتحدث بها الجميع وأريدهم أن يفكروا في كم الضغط العصبي الذي واجهته وأنا آخذ هذا القرار أو عندما كنت أشاهد إخفاق الفريق في إحراز أهداف أو عندما رأيت علامات الأسى في عيون الجمهور، فإن كانوا هم قد إنتابهم كل هذا القدر من العصبية لنتيجة قرار أخذته أنا، فمابالهم بي وأنا آخذ هذا القرار وأرى نتائجه أمامي بل وأسمع سبابي بأذني منهم.
وأعتقد أن الكثير من القراء والمتابعين لأجواء مباريات كرة القدم سيستطيعون أن يتعرفوا على المدرب واللاعب ولكن هذا ليس بموضوعنا في هذا المقال.
إنني أتحدث عن الحالة التي نصل إليها عندما نتأثر بنتيجة قرار أخذه شخصًا آخر وبخاصة إن كانت هذه النتيجة تؤثر فينا أو علينا بشكل أو بآخر وننسى أو نتناسى أن متخذ هذا القرار يعيش وسط حالة من عدم الإتزان النفسي لأنه هو من يعلم بأسباب اتخاذ هذا القرار وهو من يستطيع عقد المقارنة بين لو كنت فعلت هذا أو لم أفعل هذا، كما أنه هو المسؤول عن تبعات هذا القرار وإخفاقاته بالإضافة إلى أنه مطالب بمواجهة كل من لهم علاقة بهذا القرار لتبريره أو الاعتراف بخطئه.
فإن كنا قد وصلنا لهذا الحد من العصبية كنتيجة لقرار أخذه غيرنا، فالأجدر بنا على ماأعتقد أن نلتمس العذر إن وجدنا مديرنا في حالة مزاجية عصبية عند اتخاذ قرار ما لأنه سيواجه كل ماواجهه هذا المدرب وقت الإخفاق، أما في حالة النجاح فبطبيعة الحال سيكون هو المدير الذي لايشق له غبار ويصبح كل منا شاهد إثبات على عبقرية هذا المدير.
الغريب في هذا الموضوع أنه في اليوم التالي لهذا الحديث التليفزيوني قامت الصحف بإعادة تقييم المباراة وتوصلت إلى أن هذا المدرب استطاع أن يقود فريقه إلى أن يسيطر على مجريات المباراة وأن اللاعبين أضاعوا مايزيد عن عشر فرص محققة وهو مايعني أن المدرب قد عمل ماعليه واستطاع أن يضع الخطة التي أوصلت الفريق إلى منطقة إحراز الأهداف وأنه لولا الضغط العصبي الذي تم وضع اللاعبين فيه نتيجة استهجان الجمهور لاستطاع الفريق تحقيق الفوز.
لماذا لانصدق في أن كل منا يعمل وفق ماتمليه عليه رؤيته الفنية والإدارية وأن مسؤولية كل منا عن قراره ستدفعه بكل تأكيد لأخذ القرار الذي سيصبح هو مسؤولاً عنه وقت الإخفاق وأن لكل منا دوافع خفية يراها هو وحده من خلال موقعه تجعله يتخذ القرار الذي يعتقد أنه صحيح بل وتضعه تحت ضغوط جبارة قبل وأثناء وبعد اتخاذ هذا القرار وهو مايتطلب منك أن تعطي لمديرك العذر إن هو فقد أعصابه وقت اتخاذ قرار ما قبل أن تفقد أنت أعصابك كنتيجة لهذا القرار.
إن القدر الذي يخرج منه البخار.. لايصل أبدًا لحد الغليان
يخطئ الكثير منا عندما يتصور أن نظام التكييف يعمل فقط بناء على ضخ هواء بارد إلى داخل المكان المغلق الذي يجب إحكام غلقه حتى يمكن تبريد المكان والوصول إلى درجة الحرارة المطلوبة. وهذا الاعتقاد الخاطئ ناتج عن تصديقنا لما تراه أعيننا عند الضغط على الريموت كنترول ووضع درجة الحرارة على 20 درجة مئوية بمايولد عندنا الإحساس أن جهاز التكييف سيدفع بكم الهواء البارد الذي سيصل بدرجة الحرارة إلى ما قمنا بضبطه عليه.
ولكن حقيقة الأمر أن نظام التكييف يعمل وفق نظرية بسيطة للغاية يعلمها أغلبنا ولكن يغفل تطبيقها في معظم الأحيان ألا وهي نظرية فارق درجات الحرارة. بمعنى أنه من أجل إيصال درجة حرارة المكان إلى درجة 20 درجة مئوية فإن هذا يعني أن فارق درجة الحرارة بين ما نضخه من هواء بارد والهواء الساخن الموجود أساسًا في المكان يجب أن يكون 20 درجة مئوية.
وهو مايعني أننا نعمل أساسًا على تقليل درجة الحرارة وليس استبدالها وهو مايعني بشكل أوضح ضرورة تفريغ المكان من الهواء الساخن حتى نستطيع ضخ هواء بارد مكانه.
ولهذا نجد أن معظمنا يقوم بفتح شبابيك السيارة قبل تشغيلها لتقليل درجة الحرارة داخلها بما يساعد على سرعة تبريد الجو داخلها بعد تشغيل مكيف السيارة. لأننا إن لم نفعل ذلك فإن الوصول إلى درجة الحرارة المطلوبة سيستغرق وقتًا طويلاً نكون خلالها قد قمنا بالتعرق وفقدان السيطرة على أعصابنا وصولاً إلى التشكك في قدرة جهاز التكييف والرغبة في إصلاحه أو تبديله.
ولكنني أؤكد أن هذه النظرية بكامل أبعادها نستطيع تطبيقها على أي إنسان في أي موقف أو أي منصب. إنها نظرية الإفراغ.
كلنا نتعرض لضغوط في حياتنا بعضها يتم التعامل معه في حينه بحيث ننتهي منها وتأثيرها على جهازنا العصبي في لحظتها إما بقبولها أو بالتعامل معها وإيقاف كم الضغوط المتولدة عنها. ولكن يبقى البعض الآخر الذي لانستطيع الانتهاء منه في حينه وهو مايمثل حجم الهواء الساخن داخلنا والذي يجب طرده أولاً إذا أردنا أن نصل بدرجة حرارة انفعالتنا إلى الدرجة التي نريدها.
أيًا كانت قدرة كل منا في قبول الضغوط المتولدة حولنا من ملابسات في العمل أو متطلبات حياتية أو مشاكل عائلية أو حتى صراعات كروية رياضية، ولكنها في النهاية تظل تمثل ضغوطًا على جهازنا العصبي الذي له قدرة احتمال معينة يبدأ بعدها في الانفجار مهما صغر حجم الضغط المسبب للانفجار لأننا وببساطة قد استنفدنا كامل قدرتنا بما تم اختزانه من ضغوط داخلنا يصعب معها قبول أي ضغط آخر مهما كان تافهًا أو هامشيًا.
لذا كان علينا جميعًا قبول فكرة قدر الماء الذي يجب ترك منفذ بسيط لخروج البخار منه حتى لايصل الماء بداخله إلى درجة حرارة الغليان وهو ما قد يؤدي إلى الانفجار بالتبعية إن هو لم يجد منفذًا لخروج بخار الغليان منه إلا بتفجير نفسه ومن حوله.
فقط تقبل فكرة كون مديرك عصبيًا لأن هذا هو ما سيتيح له إفراغ ما بداخله من الضغوط، وهو ما يعني أنه سيتمكن من قبول المزيد من الضغوط الأخرى حال وقوعها وابدأ في التعامل مع هذا الأمر بشكل من الإيجابية بحيث لا تقف عند موضع عصبيته بل تجاوزها بإعطائه الحق في هذه العصبية وكن على يقين أنك عندما تخبر إنسانًا عصبيًا بأنه محق في عصبيته هذه فإنه يهدأ في داخله ويصبح أكثر استعدادًا للبحث عن البدائل المتاحة حتى وإن لم يظهر ذلك الاستعداد.
إنها المعاملة النفسية لإنسان وصل إلى حد الانفجار وعدم قبولنا لوصوله لهذا الحد سيمثل ضغطًا آخر صغيرًا جدًا قد يؤدي إلى حدوث الانفجار بالفعل. لذا وجب علينا أولاً أن نحتوي هذا الانفلات العصبي بإظهار نوع من القبول الوقتي حتى يحدث الإفراغ العصبي المطلوب ثم نبدأ من بعدها في التواصل والشرح والطلب.
لماذا لاتهتم بما أنت مسؤول عنه فقط من تنفيذ قرارات مديرك؟
إن الطبيعة البشرية حقًا غريبة جدًا في تكوينها وتناقضاتها وبخاصة عندما نتأرجح من جهة إلى أخرى في نفس الموقف. عندما يجلس أحدنا ليفكر في أمر ما يعارضه أو لايوافقه أو يؤرقه أو أيًا كان موقفه منه، فإن العقل البشري دائمًا مايعمل وفق ما يراه ويسمعه قبل أن يكون وفق ما يعتقده ويصدقه.
إنها الرغبة الدفينة داخل كل واحد منا أن يطلق العنان لردة فعله بدلاً من التحكم في فعله أو بمعنى أوضح، أنها ميولنا الشخصية والنفسية لنجعل من ردة أفعالنا سبيلاً للرد على أي فعل من الآخر بدلاً من أن نتعب أنفسنا في ضبط أفعالنا والتحكم في انفعالتنا لإجبار الآخر على التحكم في انفعالاته.
إن العقل البشري يعمل عادة على تحليل مايراه من الآخرين قبل أن يعمل على تحليل مانراه من أنفسنا وذلك لسبب بسيط جدًا أن أعيننا ترى غيرنا ولاترانا.
لذا فإن الصورة التي تنقلها أعيننا لعقولنا هي صورة حقيقية نرى أبعادها أما صورتنا نحن أمام أنفسنا فهي صورة تخيلية تحليلية يتم تكوينها بناء على مدى صدقنا مع أنفسنا وقدرتنا على رؤية أخطائنا قبل أخطاء الآخرين، أي أن عقولنا عادة ما تعمل وفق الصورة التي تنقلها لنا أعيننا. أما أن نطالب عقولنا أن تعمل وفق الصورة التخيلية التي نصنعها نحن لأنفسنا وتنسى الصورة الحقيقية التي تنقلها لنا أعيننا فإن هذا الأمر ليس بالسهل فسيولوجيًا.
لذا نجد أن كل واحد منا يهتم دائمًا بتحليل مايراه من الآخرين وما هو مطلوب منهم قبل أن يهتم بما هو مطلوب منه أولاً بالشكل المرضي الذي يجعلنا نذهب في انفعالاتنا إلى تحليل أفعال الآخرين سواء كانوا تابعين لنا أو كنا نحن تابعين لهم وننسى في أثناء ذلك ماهو مطلوب منا في الأساس من مهام ومسؤوليات. الأمر الذي يعطينا بالتبعية الشعور الدائم بأننا مظلومون وغير مقدرين حتى ونحن مقصرين في تناول مهامنا ومسئولياتنا. إنها الرغبة الدفينة داخل كل واحد منا بالشعور بالاضطهاد وأنه ضحية الظروف التي لو تغيرت وتم إعطاؤه الفرصة فقط ليقول رأيه لما كان ماقد كان.
إننا جميعًا نعلم تمام العلم أن الأمور تجري حسب مقدراتها، ولكننا دائمًا مانحاول أن نثبت لأنفسنا أننا ضحية هذه المقدرات حتى نستطيع أن نستسلم لطبيعتنا البشرية لتصديق ماتراه أعيننا قبل أن نحكم عقولنا في تصرفاتنا وانفعالاتنا التي أدت إلى أن نرى مانراه من أمور قد نرفضها في مجملها أو قد نجعلها سببًا لفشلنا في تناول مهامنا.
عندما تكون هناك بيئة مؤسسية مبنية على هيكل إداري منظم، فإن كل شخص يتم اختياره ووضعه في مكانه بناء على تقييم من الإدارة العليا لمؤهلات هذا الشخص الفنية والإدارية والشخصية. وسواء كان هذا التقييم انفعاليًا أو فنيًا أو احترافيًا أو شخصيًا... إلا أنه سيظل في النهاية تقييم تم استخدامه من الإدارة العليا كأساس لبناء هذا الهيكل الإداري وهو ماسيتم المحاسبة عليه في النهاية.
لذا كان المطلوب من كل فرد في هذا الهيكل الإداري والمؤسسي أن يهتم بماهو مطلوب منه وأن يؤدي مسؤولياته في المقام الأول بشكل احترافي بغض النظر عن قناعته الشخصية باحترافية هذا الهيكل المؤسسي وذلك لسبب بسيط جدًا نعلمه جميعًا كنوع من أنواع البديهيات الإدارية ولكننا نغفل تطبيقه ألا وهو أن محددة المسؤوليات التنفيذية لن تقف أبدًا عند المدير ولكنها سلسلة من الإجراءات التنفيذية التي يجب أن يلتزم بها الكبير قبل الصغير حتى وإن ظلت المسؤولية المجمعة ملقاة على كاهل هذا المدير ولكنك تظل مسؤولاً عن أداء مهامك الوظيفية سواء قبلت أسلوب مديرك في الإدارة أو رفضته.... فهذه مشكلتك أنت.
لهذا كان واجبًا عليك أن تعلم أن أي إخفاق منك في تناول مسؤولياتك بينما تعمل أنت على تحليل مستوى أداء من هم دونك أو حتى أعلى منك مرتبة، فإن هذا الإخفاق سيكون سببًا رئيسيًا يستطيع مديرك أن يستخدمه وقتما يشاء ليبرر إخفاقه هو في تنفيذ مخطط مسؤولياته. بل إن الأمر قد يصل إلى تعليق كامل الفشل عليك بحيث يصبح الحل لهذا المدير - الذي تم اختياره من قبل الإدارة العليا - هو في إقالتك لأنك أنت من تسببت في هذا الفشل.
فقط إعمل ماعليك وما هو مطلوب منك لأن هذا هو دورك والتزاماتك الوظيفية التي تتقاضى عليها راتبك، أما رضاك أو عدمه عن مستوى أداء مديرك فهو ليس بمبرر على الإطلاق لأن تمتنع عن أداء التزاماتك وإلا كان الحل البحث عمن يستطيع أداء هذا الدور الوظيفي... وهو مايعني أن تكون إقالتك هي الحجة التي سيعلق عليها أي إخفاق لشخص آخر.
هل فكرنا لمرة واحدة في هذا التناقض كون من هو جالس داخل الأحداث ويتفاعل بها لايستطيع أن يرى أفضل ممن هو خارج الأحداث ويجلس في مقعد المتفرج؟
عندما نجلس لمتابعة مباراة كرة قدم بين الفريق الذي نشجعه وفريق منافس فإن كل منا في لحظة يتحول إلى مدرب قدير خبير له باع في التدريب ووضع التشكيلات ورسم خطط اللعب بالإضافة إلى تحولنا إلى نقاد رياضيين متمرسين نطلق العنان إلى سهام النقد اللاذعة لتنطلق من ألسنتنا لتصيب من تصيب ونحن على قناعة شديدة بصحة رأينا لأننا نرى مالا يستطيع أن يراه المدرب المسؤول عن تدريب الفريق ووضع التشكيل والخطة بل المسؤول الأول والوحيد عن النتيجة أمامنا.
إنها المفارقة الشديدة بين أفضلية الرؤية التي تمتعنا بها كنتيجة مباشرة لجلوسنا في مقاعد المتفرجين وهي الأفضلية التي لم تتح لمن يتحملون المسؤولية عن خطط الأداء والهيكل التنفيذي ومؤشرات النجاح، بل يتحملون التبعية الثقيلة عند الإخفاق بينما مازال من يشاهد يتمتع بأفضلية الرؤية والتحليل والنقد وتوزيع المسؤوليات.... عجبت لك يازمن..!!!
التعامل مع المدير العصبي يحتاج لحلقات ولهذا السبب ستكون هذه الزاوية للعدد القادم تكملة لما سنتناوله في هذا العدد.
الرؤية من خارج الأحداث
إن أفضلية الرؤية التي يتمتع بها من يجلس خارج نطاق الأحداث هي أفضلية أتيحت لنا بفضل موقعنا من الأحداث حيث نستطيع دائمًا أن نرى صورة عامة متكاملة للأحداث الجارية أمامنا ومايحيط بها من مؤثرات أو إطارات محددة لمدى الرؤية تمامًا كمن ينظر إلى صورة تم وضعها داخل إطار خشبي منمق فهو يستطيع رؤية تفاصيل الصورة بالإضافة إلى تفاصيل الإطار الذي تم وضعها فيه، بل قد يمتد الأمر إلى رؤية تفاصيل الحائط الذي تم تثبيت اللوحة عليه ولكن في نفس الوقت فإن عناصر الصورة نفسها والتي تعطي في تكوينها البعد الجمالي لهذه الصورة التي نجلس نحن في الخارج لنشاهدها لا تستطيع أبدًا رؤية تفاصيل الإطار المنمق أو الحائط من حوله في حين أنها ترانا ونحن ننظر إليها ولكنها لن تستطيع أن ترى ما نراه لأننا نجلس في الجهة المقابلة بحيث نرى الصورة والتفاصيل المحيطة بها في نفس المستوى.
ولايتوقف الأمر فقط عند أفضلية الموقع، ولكن هناك بعد آخر قد أتيح لنا من خلال موقعنا من الأحداث ألا وهو ميزة الهدوء النسبي الذي توفر لنا كنتيجة لعدم وجود مسؤولية مباشرة تقع علينا عن النتائج ونحن نجلس في الجهة المقابلة لمحور الأحداث وهو ما يجعلنا في موقف أقل عصبية ممن هم داخل الحدث ومطلوب منهم الأداء والاجتهاد وتحمل النتائج أيضًا.
وبمعنى أكثر وضوحًا، فإن المشاهد لمباراة كرة القدم عادة ما يبدأ المباراة بهدوء وأريحية بما يتيح له تحليل التشكيل والخطة قبل المباراة ووضع ملاحظاته التي قد تصيب في بعضها وتخفق في البعض الآخر ولكن بطبيعة الأمر فإنه لن يتذكر بعد انتهاء المباراة إلا ماقد أصاب من ملاحظاته فقط والتي عادة ماتكون بخصوص إخفاق الفريق وليس نجاحه لأن النجاح له مئة أب، حيث إن إسهامات عامل غرف الملابس قد ساعدت في تحقيق النجاح ولكن الإخفاق له أب واحد لأن كل منا لايرى خطأه ولكن يرى قصور الآخر في تنفيذ مهمته.
قرارات المدير غير مفهومة!!
يجب ألا تستغرب أبدًا عندما تجد مديرك يأتي بقرارات غير مناسبة بالنسبة لك أو غير مفهومة لموظفي الإدارة كلها والذين يتحولون في هذه اللحظة إلى متفرجين يجلسون ليشاهدوا ويعلقوا ويضعوا ملاحظاتهم فإن أصاب المدير في قراراته التي لم تكن مفهومة، وقف كل منا ليثبت أنه كان يعلم تمامًا أن هذه الخطة ستنجح وأنه قد نفذ ماطلب منه.... ولهذا نجحت الخطة.
أما إذا لم يوفق المدير في قراراته وكان هناك إخفاق، وجدنا المشهد المألوف للموظفين العباقرة الذين حباهم الله بالبصيرة النافذة وهم يؤكدون أنهم كانوا يعلمون أنه لن ينجح وقد حاولوا كثيرًا التلميح بهذا المضمون ولكن للأسف لم يسمع لهم أحد ولا يتبقى إلا أن نسمعهم وهم يقولون وبصوت عال... يستاهلوا.
فهل يستغرب الآن من المدير الذي مر بحياته الكثير من لحظات النجاح ومثلها من لحظات الإخفاق أن نراه عصبيًا ومنفعلاً لأسباب نعلمها أو لا نعلمها؟
فهل يستغرب الآن من المدير الذي يعلم أنه يجلس في مقعد المسؤولية بينما الكل من حوله يجلس أو سيجلس في مقعد المشاهد ليحلل وينتقد ويبارك أو يتشفى، ألا يكون لديه الوقت الكافي لشرح كافة الأمور وأن يكتفي فقط بإظهار مفردات خطة العمل لتنفيذها قبل انتقادها.
عندما سئل وزير الإسكان المصري السابق المهندس حسب الله الكفراوي عن مايقال عنه من أنه كان دكتاتورًا في أثناء فترة توليه الوزارة، فقد أجاب الإجابة المثلى لمن قبل المسؤولية وأراد تنفيذها بأعلي نسبة حرفية ممكنة عندما قال:
أنا ديمقراطي لأقصى حد عند اتخاذ القرار... ولكنني الدكتاتور الأوحد عند تنفيذه.
نعم، هذا هو المدير المسؤول الذي يجب أن يشارك من حوله في أي قرار سيأخذه. ولنضع مئة خط تحت..... سيأخذه، لأنه إن هو قرر أن يشارك من حوله في قرار تم اتخاذه لضاعت المسؤولية وضاعت المهمة.. بل وضاعت هيبة المدير بالتبعية.
يجب عليك تقبل مديرك على أي حال..
عندما يكون مديرك هادئًا ودودًا ذا أريحية فهذا ليس معناه أن القاعدة التي ذكرناها سابقًا خاطئة ولكن معناها أن هذا المدير يتمتع بالخبرة التي تبقيه لأطول فترة ممكنة متحكمًا في جهازه العصبي بحيث لا تنفلت أعصابه بسرعة ولكن كن على يقين أنها إن انفلتت فستكون ذات عواقب شديدة تطبيقًا للمبدأ الصحيح أن اتق شر الحليم إذا غضب.
لهذا سواء كان مديرك عصبيًا بطبيعته أو هادئًا في انتظار لحظة انفجار، فإنه يتحتم عليك اتباع الوصايا العشر التالية في التعامل مع المدير عند إظهار عصبيته بغض النظر عن توقيت إخراجها لأن المهم هو كيفية التعامل مع المدير وليس تقييم مزاجه وأسلوب إدارته ونهج سيطرته على جهازه العصبي طالما كان هو المدير وأنت المرؤوس الذي يتحتم عليه التعامل مع المدير أيًا كان أسلوبه وسواء قبلته أو لم تقبله.
تأكد أن مديرك يعلم من بواطن الأمور مالاتعرفه أنت الآن
من منا تخيل نفسه وهو يقود طائرة؟
معظمنا سافر وطار من بلد لبلد وجلس في الطائرة سواء في المقاعد الوثيرة في الدرجة الأولى أو في المقاعد العملية المخصصة لرجال الأعمال أو حتى في مقاعد العامة ليتمتع كل منا بمزايا الدرجة التي ركب فيها أثناء رحلته بغض النظر عما يقدم من مزايا للدرجة التي تليه. وأعتقد أن الكثير من المسافرين يشغلون أنفسهم عادة إما بالقراءة أو بمشاهدة بعض البرامج التليفزيونية أو سماع الموسيقى أو العمل على الكمبيوتر أو بالتحدث إلى الجوار.
ولكننا جميعًا وأيًا كانت الوسيلة التي نستخدمها لقضاء رحلتنا لا نفكر أبدًا في هوية قائد الطائرة ومهاراته وإمكاناته طالما أن الرحلة تسير بهدوء وسلامة كل شيء تحت السيطرة.
ولكن ماذا يحدث عندما نبدأ في الاصطدام ببعض العوائق كأن نطلب شيئًا من المضيفة لا تستطيع تلبيته؟
عادة ما نبدأ في طلب المشرف لبث شكوانا واستدعاء خبراتنا التي اكتسبناها من سفرتنا المتتالية وعقد المقارنة بين ما يقدم هناك وما يقدم هنا بل وقد يصل الأمر إلى وضع الحلول بناء على خبرتنا وممارستنا في ركوب الطائرة وليس في قيادتها أو خدمتها أو ضيافتها ولكننا بالطبع لدينا من الخبرة مايؤهلنا للحكم على مستوى الأداء وبالتالي وضع البدائل التشغيلية أيضًا.
ولكن تصوروا أن يكون هذا الاصطدام مع قائد الطائرة..
تصوروا أننا لم نعجب بطريقة قيادة قائد الطائرة وتحكمه في اتزانها وضغط الهواء وصعودها وهبوطها وما إلى غير ذلك.
هل سيصل بنا الأمر إلى تقييم طريقة أداء وإمكانيات وخبرة قائد الطائرة والبدء في وضع الاقتراحات نحو طريقة أداء أفضل وأننا لو كنا مكانه لقمنا بعمل ذاك وتلك. هل مررنا ولو لمرة واحدة بهذه التجربة الفريدة من انتقاد قائد الطائرة أثناء إحدى الصعوبات الجوية - لاقدر الله.
أعتقد اعتقادًا يقينًا أننا حتى وإن مررنا بهذه التجربة فإننا لن نجنح أبدًا إلى الاستسلام لفكرة انتقاد ووضع الحلول البديلة لقائد طائرة أبدًا وذلك لسببين رئيسين:
أولاً: لأننا عندما تكون حجم المشاكل المحيطة لا ترقى لأن تكون مسألة حياة أو موت فإننا نستطيع أن ننتقد ونعلق ونستدعي خبراتنا وذكرياتنا لإعطاء النصح بناء عليها وهو ما لا يكون أبدًا عندما يكون الخطر متعلقًا بأرواحنا وسلامتها بيد الله سبحانه وتعالى ثم هذا الرجل الذي يقودنا إلى مصيرنا.
ثانيًا : لأننا وبنسبة الأغلبية لا نمتلك الخبرة العملية لقيادة طائرة حتى وإن كنا نقرأ عنها أو نلعبها على البلاي ستيشن.
إن قائد الطائرة يعلم تقريبًا كل صغيرة وكبيرة على متن طائرته حتى وإن لم يكن هو من يقوم بالضيافة أو بالإشراف على طاقم الضيافة ولكنه يعلم كيف يستطيع مراقبة أدائهم ومستوى خدماتهم حتى وهو في غرفة القيادة. إنها الخبرة التي توفرت له من خلال ساعات طيران طويلة اكتسب من خلالها الخبرة العملية في إدارة طائرته وطاقمها وهو ما لا يتيحه أبدًا الخبرة النظرية وإلا ما كان مطلوبًا منه أن يقضي عدد ساعات طيران قبل أن يصبح قائد طائرة.
ولكي تتضح لنا الصورة، فإننا يجب أن نتأكد من أنه كل ميسر لما خلق له وأن كل إنسان له مستويان من العلم، مستوى العلم التطبيقي الذي جمعه من خبرات تراكمية من الممارسة العملية في مجال تخصصه وهو مايساعده على الترقي في هذا المجال. ولكن يوجد أيضًا المستوى الآخر من العلم النظري المستمد من القراءة والاطلاع والمشاهدات ومناظرة خبرات الآخرين وهو مايساعده على تكوين شخصيته وتفتيح مداركه للانتقال إلى مستويات إدارية تعتمد في جزء منها على خبرته العملية في مجاله ولكنها تعتمد في الجزء الأكبر على شخصيته الإدارية التي استطاع صقلها وتأهيلها لتقنع صاحب القرار بمؤهلاته لأن يصبح في موقع المسؤولية الإدارية.
وبمعنى أكثر وضوحًا، فإن المدير عادة ما يتمتع بالخبرة العملية في مجاله والتي تؤهله لأن يفهم آليات العمل وكيفية قيام كل فرد من موظفيه بعمله إجمالاً وكيفية الربط بين أفراد الهيكل الوظيفي في إدارته ليؤدوا كفريق عمل واحد. كما أنه يتمتع بهذا الحس الإداري الذي يؤهله ليتواصل مع الإدارات الأخرى ويبدأ في استشعار مناطق التداخل بين الإدارات المختلفة ونقاط الالتقاء ونقاط الاختلاف وهو مايولد عنده هذا التحسس من الدخول في منطقة معينة قد تكون مقبولة من جميع العاملين بالإدارة وغير مفهوم على الإطلاق سبب واحد لعدم الخوض في هذه المنطقة.. ولكنه هو من لديه السبب لأنه يعلم مالايعلمه موظفوه.
إنها مايطلق عليها في العموم.. السياسة.
إن المدير بحكم كونه في موقع الإدارة وهو بطبيعة الحال موقع المسؤولية، فإنه يكتسب مع الوقت خبرة السياسة في التعامل بحيث يعلم متى يستطيع أن يؤجل قرار ومتى يستطيع أن يعجل به وفق مجريات سياسية قد لا يعلمها الكثير ممن حوله ولكن عدم علمهم هذا لايعني على الإطلاق عدم صحة القرار ولكن يعني بمنتهى الوضوح.... أنه قد يرى ما لانراه نحن.
عندما تقف في الطابق الثالث فإنك تستطيع الحكم بمنتهى القوة عما يدور في الطابق الثاني الذي تستطيع رؤيته وتقييمه ولكن من الصعب أن تحكم على مايحدث في الطابق الرابع إلا من خلال حدسك وتكهنك بما قد يحدث، أما من يقف في الطابق الخامس فإنه يستطيع بسهولة تقييم الطابق الرابع وتقييمك أنت وماتراه في الطابق الثاني.
إنه ببساطة يرى مالا تراه أنت ويعلم مالاتعلمه أنت.. وهو مايؤهله لاتخاذ القرار الذي لن تستطيع أنت تقيمه إلا بعد أن ترى مايراه وتعلم مايعلمه وهو مايتطلب أن تقف أنت في مكانه. ولكن احذر لأنه قد يحدث أثناء ترقيك للطابق العلوي أن يرتقي مديرك إلى الطابق الأعلى وتظل له الأفضلية في مساحة الرؤية التي لن تتوفر لك ويبقى الحال على ماهو عليه... وعلى المتضرر اللجوء إلى الصبر والحنكة وإعادة قراءة هذا المقال.
لا تفقد أعصابك وتذكر أن المدير مسؤول..
في إحدى المنافسات الكروية وفي مباراة حاسمة كان لابد من الفوز بها لتحقيق البطولة، قرر المدرب عدم الاستعانة بلاعبه الأشهر الذي يعلق الجميع عليه الأمل في تحقيق الفوز وذلك لأن هذا اللاعب لديه درجة من الخشونة في الركبة تظهر بوضوح عند اللعب على ملاعب النجيل الصناعي وهو ماقد يؤدي إلى إصابة مزمنة لهذا اللاعب الخلوق المتميز تبعده نهائيًا عن الملاعب.
وقامت الدنيا ولم تقعد عندما أعلن عن التشكيل وهو لا يتضمن اللاعب الأمل.
الجمهور يصب جام غضبه على المدرب المغرور الذي صورت له نفسه أنه يستطيع تحقيق النصر بأي لاعبين طالما كان هو المدرب والنقاد قد عقدوا جلسات تحليلية لسلوك هذا المدرب في المباريات الحاسمة ليؤكدوا أنه مدرب مغرور يعتقد في نفسه أكثر مما يعتقد في اللاعبين وأن مايهمه هو أن يحقق المجد لاسمه قبل تحقيق الفوز لفريقه.
وبدأت المباراة والجميع قد وصل إلى حد الانفجار العصبي حتى أصبح زئير الجمهور مع كل فرصة ضائعة يلقي بظلاله على أداء اللاعبين الذين وصل لهم هذا الشد العصبي غير المسبوق ليتسابقوا في تضييع الأهداف بالرغم من سيطرتهم على مجريات الأمور ولتنتهي المباراة بالتعادل الذي قد يقصي الفريق عن تحقيق البطولة.
ولكم أن تتخيلوا كم التعصب والانفجار الذي يمكن أن يحدث من الجميع بعد هذه النتيجة والمطالبة بإقصاء هذا المدرب الذي لا يعلم كيفية التعامل مع هذه المباريات الحاسمة والذي أعماه غروره عن الاعتراف بقدرة لاعبيه ولم ير إلا قدرته على الإدارة وتصديقه أنه يمكنه تحقيق الانتصار بأي لاعبين.
وتوالت التحليلات والاتهامات من النقاد والجمهور على المقهى:
• في آخر ربع ساعة ضيع الفريق سبع فرص. لو كان اشترك فيها بس لمدة ربع ساعة كان جاب جولين.
• يعني هوه كان حيموت لو لعب. ماكانوا حطولوا كورتيزون زي كل اللاعبين التانيين.
• ما هوه لو مدرب بجد كان حضره من أسبوعين للماتش ده موش سابه لغاية لما بقي موش قادر يلعب.
أما المانشتات الصحفية فكانت كلها تتحدث عن المدرب الذي فقد قدرته على الإدارة:
• يبدو أن الزمن قد ولى ويجب أن يتم الآن الاستعانة بمن يستطيع التعامل مع النجوم لا إطفاءهم.
• إنها معادلة القوة التي أطاحت بغرور من صدق في قوته وحده.
• لقد حقق مايكفي من بطولات ويجب الآن إعطاء الفرصة لمن يستطيع الحفاظ على هذه البطولات.
في المقابلة التليفزيونية التي تمت مع المدرب لمواجهته بما يقال من آراء الجمهور والنقاد والمطالبة بإقالته، كان رد المدرب مفاجأة للجميع بالشكل الذي لم يستطع أحد الرد عليه، بل وصل الأمر إلى اعتذار بعض النقاد في اليوم التالي، فضلاً عن مداخلات الجمهور على الهواء التي تحولت بنسبة 180 درجة عندما تحدث المدرب بمنتهى العقلانية ليرد على محدثه الذي كان يبلغه بطلب الجميع بإقالته.. وكان رده هكذا:
لقد سمعت كل ما قيل ورأيت كم العصبية المبالغ فيها من الجميع وأتصور لو أنني تعاملت بالمثل معهم لكنت تشاجرت مع العشرات أو أصبت أو قتلت أحدهم ولما كنت معك الآن.
لماذا أْعطوا لأنفسهم الحق في أن يصلوا لهذا الحد من العصبية ولم يتخيلوا أنني كنت واقعًا تحت ضغط نفسي هائل لايعلمونه هم وأنا أفكر فيما هو أهم بالنسبة لي كإنسان قبل أن أكون مديرًا فنيًا لهذا الفريق.
هل الأهم هو تحقيق فوز وبطولة من بطولات يكتظ بها خزانة النادي حتى ولو كان الثمن أن نفقد لاعبًا موهوبًا وإنسانًا خلوقًا مثل هذا اللاعب.
هل البطولة أهم من الإنسان؟
لقد قضيت وقتًا طويلاً أحاول أن أستجمع قوتي لأخذ هذا القرار الذي أعلم أنه سيفتح على بوابات جهنم من النقد والانتقاد والويل والثبور ولكنني كنت أفاضل بين قراري كإنسان وقراري كمدير.
لو كنت أخذت قرار الإشتراك ولعب اللاعب وأحرز لكنت الآن المدرب القدير ولو لعب ولم يحرز لما طالتني كل هذه السهام لأن اللاعب سيتحمل المسؤولية أو على أقل تقدير سيشارك فيها.
لكنني ماكنت لأقبل أن أحقق انتصارًا إداريًا مقابل التضحية بإنسان حتى ولو كان الثمن إقالتي من الفريق. أنا من أتحمل نتيجة قراري وأنا سعيد بهذا القرار وأكيد أن اللاعب سيستطيع تحقيق بطولات عديدة مع الفريق وهو سليم ولكنني أتعجب من مستوى العصبية التي يتحدث بها الجميع وأريدهم أن يفكروا في كم الضغط العصبي الذي واجهته وأنا آخذ هذا القرار أو عندما كنت أشاهد إخفاق الفريق في إحراز أهداف أو عندما رأيت علامات الأسى في عيون الجمهور، فإن كانوا هم قد إنتابهم كل هذا القدر من العصبية لنتيجة قرار أخذته أنا، فمابالهم بي وأنا آخذ هذا القرار وأرى نتائجه أمامي بل وأسمع سبابي بأذني منهم.
وأعتقد أن الكثير من القراء والمتابعين لأجواء مباريات كرة القدم سيستطيعون أن يتعرفوا على المدرب واللاعب ولكن هذا ليس بموضوعنا في هذا المقال.
إنني أتحدث عن الحالة التي نصل إليها عندما نتأثر بنتيجة قرار أخذه شخصًا آخر وبخاصة إن كانت هذه النتيجة تؤثر فينا أو علينا بشكل أو بآخر وننسى أو نتناسى أن متخذ هذا القرار يعيش وسط حالة من عدم الإتزان النفسي لأنه هو من يعلم بأسباب اتخاذ هذا القرار وهو من يستطيع عقد المقارنة بين لو كنت فعلت هذا أو لم أفعل هذا، كما أنه هو المسؤول عن تبعات هذا القرار وإخفاقاته بالإضافة إلى أنه مطالب بمواجهة كل من لهم علاقة بهذا القرار لتبريره أو الاعتراف بخطئه.
فإن كنا قد وصلنا لهذا الحد من العصبية كنتيجة لقرار أخذه غيرنا، فالأجدر بنا على ماأعتقد أن نلتمس العذر إن وجدنا مديرنا في حالة مزاجية عصبية عند اتخاذ قرار ما لأنه سيواجه كل ماواجهه هذا المدرب وقت الإخفاق، أما في حالة النجاح فبطبيعة الحال سيكون هو المدير الذي لايشق له غبار ويصبح كل منا شاهد إثبات على عبقرية هذا المدير.
الغريب في هذا الموضوع أنه في اليوم التالي لهذا الحديث التليفزيوني قامت الصحف بإعادة تقييم المباراة وتوصلت إلى أن هذا المدرب استطاع أن يقود فريقه إلى أن يسيطر على مجريات المباراة وأن اللاعبين أضاعوا مايزيد عن عشر فرص محققة وهو مايعني أن المدرب قد عمل ماعليه واستطاع أن يضع الخطة التي أوصلت الفريق إلى منطقة إحراز الأهداف وأنه لولا الضغط العصبي الذي تم وضع اللاعبين فيه نتيجة استهجان الجمهور لاستطاع الفريق تحقيق الفوز.
لماذا لانصدق في أن كل منا يعمل وفق ماتمليه عليه رؤيته الفنية والإدارية وأن مسؤولية كل منا عن قراره ستدفعه بكل تأكيد لأخذ القرار الذي سيصبح هو مسؤولاً عنه وقت الإخفاق وأن لكل منا دوافع خفية يراها هو وحده من خلال موقعه تجعله يتخذ القرار الذي يعتقد أنه صحيح بل وتضعه تحت ضغوط جبارة قبل وأثناء وبعد اتخاذ هذا القرار وهو مايتطلب منك أن تعطي لمديرك العذر إن هو فقد أعصابه وقت اتخاذ قرار ما قبل أن تفقد أنت أعصابك كنتيجة لهذا القرار.
إن القدر الذي يخرج منه البخار.. لايصل أبدًا لحد الغليان
يخطئ الكثير منا عندما يتصور أن نظام التكييف يعمل فقط بناء على ضخ هواء بارد إلى داخل المكان المغلق الذي يجب إحكام غلقه حتى يمكن تبريد المكان والوصول إلى درجة الحرارة المطلوبة. وهذا الاعتقاد الخاطئ ناتج عن تصديقنا لما تراه أعيننا عند الضغط على الريموت كنترول ووضع درجة الحرارة على 20 درجة مئوية بمايولد عندنا الإحساس أن جهاز التكييف سيدفع بكم الهواء البارد الذي سيصل بدرجة الحرارة إلى ما قمنا بضبطه عليه.
ولكن حقيقة الأمر أن نظام التكييف يعمل وفق نظرية بسيطة للغاية يعلمها أغلبنا ولكن يغفل تطبيقها في معظم الأحيان ألا وهي نظرية فارق درجات الحرارة. بمعنى أنه من أجل إيصال درجة حرارة المكان إلى درجة 20 درجة مئوية فإن هذا يعني أن فارق درجة الحرارة بين ما نضخه من هواء بارد والهواء الساخن الموجود أساسًا في المكان يجب أن يكون 20 درجة مئوية.
وهو مايعني أننا نعمل أساسًا على تقليل درجة الحرارة وليس استبدالها وهو مايعني بشكل أوضح ضرورة تفريغ المكان من الهواء الساخن حتى نستطيع ضخ هواء بارد مكانه.
ولهذا نجد أن معظمنا يقوم بفتح شبابيك السيارة قبل تشغيلها لتقليل درجة الحرارة داخلها بما يساعد على سرعة تبريد الجو داخلها بعد تشغيل مكيف السيارة. لأننا إن لم نفعل ذلك فإن الوصول إلى درجة الحرارة المطلوبة سيستغرق وقتًا طويلاً نكون خلالها قد قمنا بالتعرق وفقدان السيطرة على أعصابنا وصولاً إلى التشكك في قدرة جهاز التكييف والرغبة في إصلاحه أو تبديله.
ولكنني أؤكد أن هذه النظرية بكامل أبعادها نستطيع تطبيقها على أي إنسان في أي موقف أو أي منصب. إنها نظرية الإفراغ.
كلنا نتعرض لضغوط في حياتنا بعضها يتم التعامل معه في حينه بحيث ننتهي منها وتأثيرها على جهازنا العصبي في لحظتها إما بقبولها أو بالتعامل معها وإيقاف كم الضغوط المتولدة عنها. ولكن يبقى البعض الآخر الذي لانستطيع الانتهاء منه في حينه وهو مايمثل حجم الهواء الساخن داخلنا والذي يجب طرده أولاً إذا أردنا أن نصل بدرجة حرارة انفعالتنا إلى الدرجة التي نريدها.
أيًا كانت قدرة كل منا في قبول الضغوط المتولدة حولنا من ملابسات في العمل أو متطلبات حياتية أو مشاكل عائلية أو حتى صراعات كروية رياضية، ولكنها في النهاية تظل تمثل ضغوطًا على جهازنا العصبي الذي له قدرة احتمال معينة يبدأ بعدها في الانفجار مهما صغر حجم الضغط المسبب للانفجار لأننا وببساطة قد استنفدنا كامل قدرتنا بما تم اختزانه من ضغوط داخلنا يصعب معها قبول أي ضغط آخر مهما كان تافهًا أو هامشيًا.
لذا كان علينا جميعًا قبول فكرة قدر الماء الذي يجب ترك منفذ بسيط لخروج البخار منه حتى لايصل الماء بداخله إلى درجة حرارة الغليان وهو ما قد يؤدي إلى الانفجار بالتبعية إن هو لم يجد منفذًا لخروج بخار الغليان منه إلا بتفجير نفسه ومن حوله.
فقط تقبل فكرة كون مديرك عصبيًا لأن هذا هو ما سيتيح له إفراغ ما بداخله من الضغوط، وهو ما يعني أنه سيتمكن من قبول المزيد من الضغوط الأخرى حال وقوعها وابدأ في التعامل مع هذا الأمر بشكل من الإيجابية بحيث لا تقف عند موضع عصبيته بل تجاوزها بإعطائه الحق في هذه العصبية وكن على يقين أنك عندما تخبر إنسانًا عصبيًا بأنه محق في عصبيته هذه فإنه يهدأ في داخله ويصبح أكثر استعدادًا للبحث عن البدائل المتاحة حتى وإن لم يظهر ذلك الاستعداد.
إنها المعاملة النفسية لإنسان وصل إلى حد الانفجار وعدم قبولنا لوصوله لهذا الحد سيمثل ضغطًا آخر صغيرًا جدًا قد يؤدي إلى حدوث الانفجار بالفعل. لذا وجب علينا أولاً أن نحتوي هذا الانفلات العصبي بإظهار نوع من القبول الوقتي حتى يحدث الإفراغ العصبي المطلوب ثم نبدأ من بعدها في التواصل والشرح والطلب.
لماذا لاتهتم بما أنت مسؤول عنه فقط من تنفيذ قرارات مديرك؟
إن الطبيعة البشرية حقًا غريبة جدًا في تكوينها وتناقضاتها وبخاصة عندما نتأرجح من جهة إلى أخرى في نفس الموقف. عندما يجلس أحدنا ليفكر في أمر ما يعارضه أو لايوافقه أو يؤرقه أو أيًا كان موقفه منه، فإن العقل البشري دائمًا مايعمل وفق ما يراه ويسمعه قبل أن يكون وفق ما يعتقده ويصدقه.
إنها الرغبة الدفينة داخل كل واحد منا أن يطلق العنان لردة فعله بدلاً من التحكم في فعله أو بمعنى أوضح، أنها ميولنا الشخصية والنفسية لنجعل من ردة أفعالنا سبيلاً للرد على أي فعل من الآخر بدلاً من أن نتعب أنفسنا في ضبط أفعالنا والتحكم في انفعالتنا لإجبار الآخر على التحكم في انفعالاته.
إن العقل البشري يعمل عادة على تحليل مايراه من الآخرين قبل أن يعمل على تحليل مانراه من أنفسنا وذلك لسبب بسيط جدًا أن أعيننا ترى غيرنا ولاترانا.
لذا فإن الصورة التي تنقلها أعيننا لعقولنا هي صورة حقيقية نرى أبعادها أما صورتنا نحن أمام أنفسنا فهي صورة تخيلية تحليلية يتم تكوينها بناء على مدى صدقنا مع أنفسنا وقدرتنا على رؤية أخطائنا قبل أخطاء الآخرين، أي أن عقولنا عادة ما تعمل وفق الصورة التي تنقلها لنا أعيننا. أما أن نطالب عقولنا أن تعمل وفق الصورة التخيلية التي نصنعها نحن لأنفسنا وتنسى الصورة الحقيقية التي تنقلها لنا أعيننا فإن هذا الأمر ليس بالسهل فسيولوجيًا.
لذا نجد أن كل واحد منا يهتم دائمًا بتحليل مايراه من الآخرين وما هو مطلوب منهم قبل أن يهتم بما هو مطلوب منه أولاً بالشكل المرضي الذي يجعلنا نذهب في انفعالاتنا إلى تحليل أفعال الآخرين سواء كانوا تابعين لنا أو كنا نحن تابعين لهم وننسى في أثناء ذلك ماهو مطلوب منا في الأساس من مهام ومسؤوليات. الأمر الذي يعطينا بالتبعية الشعور الدائم بأننا مظلومون وغير مقدرين حتى ونحن مقصرين في تناول مهامنا ومسئولياتنا. إنها الرغبة الدفينة داخل كل واحد منا بالشعور بالاضطهاد وأنه ضحية الظروف التي لو تغيرت وتم إعطاؤه الفرصة فقط ليقول رأيه لما كان ماقد كان.
إننا جميعًا نعلم تمام العلم أن الأمور تجري حسب مقدراتها، ولكننا دائمًا مانحاول أن نثبت لأنفسنا أننا ضحية هذه المقدرات حتى نستطيع أن نستسلم لطبيعتنا البشرية لتصديق ماتراه أعيننا قبل أن نحكم عقولنا في تصرفاتنا وانفعالاتنا التي أدت إلى أن نرى مانراه من أمور قد نرفضها في مجملها أو قد نجعلها سببًا لفشلنا في تناول مهامنا.
عندما تكون هناك بيئة مؤسسية مبنية على هيكل إداري منظم، فإن كل شخص يتم اختياره ووضعه في مكانه بناء على تقييم من الإدارة العليا لمؤهلات هذا الشخص الفنية والإدارية والشخصية. وسواء كان هذا التقييم انفعاليًا أو فنيًا أو احترافيًا أو شخصيًا... إلا أنه سيظل في النهاية تقييم تم استخدامه من الإدارة العليا كأساس لبناء هذا الهيكل الإداري وهو ماسيتم المحاسبة عليه في النهاية.
لذا كان المطلوب من كل فرد في هذا الهيكل الإداري والمؤسسي أن يهتم بماهو مطلوب منه وأن يؤدي مسؤولياته في المقام الأول بشكل احترافي بغض النظر عن قناعته الشخصية باحترافية هذا الهيكل المؤسسي وذلك لسبب بسيط جدًا نعلمه جميعًا كنوع من أنواع البديهيات الإدارية ولكننا نغفل تطبيقه ألا وهو أن محددة المسؤوليات التنفيذية لن تقف أبدًا عند المدير ولكنها سلسلة من الإجراءات التنفيذية التي يجب أن يلتزم بها الكبير قبل الصغير حتى وإن ظلت المسؤولية المجمعة ملقاة على كاهل هذا المدير ولكنك تظل مسؤولاً عن أداء مهامك الوظيفية سواء قبلت أسلوب مديرك في الإدارة أو رفضته.... فهذه مشكلتك أنت.
لهذا كان واجبًا عليك أن تعلم أن أي إخفاق منك في تناول مسؤولياتك بينما تعمل أنت على تحليل مستوى أداء من هم دونك أو حتى أعلى منك مرتبة، فإن هذا الإخفاق سيكون سببًا رئيسيًا يستطيع مديرك أن يستخدمه وقتما يشاء ليبرر إخفاقه هو في تنفيذ مخطط مسؤولياته. بل إن الأمر قد يصل إلى تعليق كامل الفشل عليك بحيث يصبح الحل لهذا المدير - الذي تم اختياره من قبل الإدارة العليا - هو في إقالتك لأنك أنت من تسببت في هذا الفشل.
فقط إعمل ماعليك وما هو مطلوب منك لأن هذا هو دورك والتزاماتك الوظيفية التي تتقاضى عليها راتبك، أما رضاك أو عدمه عن مستوى أداء مديرك فهو ليس بمبرر على الإطلاق لأن تمتنع عن أداء التزاماتك وإلا كان الحل البحث عمن يستطيع أداء هذا الدور الوظيفي... وهو مايعني أن تكون إقالتك هي الحجة التي سيعلق عليها أي إخفاق لشخص آخر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بك وتشرفنا بزيارتك وتعليقك الكريم
سنقوم بالرد على سؤالك فى خلال وقت قصير ان شاء الله
ويمكنك التواصل معنا على رقم الواتس
00966558187343
او زيارة صفحتنا على الفيس بوك https://www.facebook.com/LouaiHassan.HR
وترك تعليقك فى الخاص وسنقوم بمساعدتك فورا
مع اجمل التحيات والامنيات بحياة سعيدة مباركة