المُغالطة الأولى: المُصادرة على المطلوب
المصادرة على المطلوب هي التسليم بالمسألة المطلوب البرهنة عليها من اجل البرهنة عليها ، وذلك بأن تفترض صحة القضية التي تريد البرهنة عليها وتضعها بشكل صريح أو ضمني في احدى مقدمات الاستدلال . وأنت بذلك تجعل النتيجة مقدمة وتجعل المشكلة حلا وتجعل الدعوى دليلا .
مثال :
يجب الغاء المواد الغير مفيدة كاللغة الانجليزية من مقررات الكلية ، وذلك لان انفاق اعتمادات لمادة غير مفيدة للطالب هو شئ لا يقره أحد . (بالتاكيد لا خلاف على ان الصرف على مواد غير مفيدة اهدار للاموال والوقت ، لكن تلك الحجة لم تثبت لنا هل اللغة الانجليزية مفيدة ام لا لانها صادرت على المطلوب وكررت النتيجة في المقدمات واعتبارها احد ادلة الاثبات في حين انها في حد ذاتها النقطة المراد اثباتها او نفيها )
امثلة اخرى تعتمد على فكرة ان تكون الاجابة هي نفسها السؤال دون تقديم اي حجة منطقية :
السرقة عمل غير مشروع ، لأنها لو لم تكن كذلك ما حرمها القانون .
التلباثي ( التخاطر ) خرافة لا وجود لها ، لان الانتقال المباشر للافكار بين الاشخاص هو امر مستحيل .
( هنا الشطر الثاني ليس حجة لاثبات الشطر الاول بل هو مجرد اعادة صياغة له ليبدو كأنه دليلا منطقيا )
في بعض الاحيان يتم استخدام الاستدلال الدائري كوسيلة للمصادرة على المطلوب بصورة غير مباشرة ، وذلك عن طريق افتراض ان (أ) صادقة لان (ب) صادقة و(ب) صادقة لان (أ) صادقة .
مثال :
* انني اطلب منك ان تقوم بهذه المهمة لاني اقدر كفائتك
- وكيف اعرف انك تقدر كفائتي ؟
* هل كنت اطلب منك ان تقوم بهذه المهمة لو لم أقدر كفائتك ؟
مفادها أن تفترض صحة القضية التي تريد البرهنة عليها وتضعها في إحدى مُقدمات الاستدلال، جاعلاً بذلك النتيجةَ مُقدمةً، والمشكلةَ حلاً، والدعوى دليلاً.
قد تبدو المصادرة على المطلوب مغالطةً واضحة للعيان وليست بحاجة إلى دراسة وتحليل، إلا أنها ليست بهذه البساطة؛ انظر إلى المثال الآتي (كما ورد في الكتاب):
(يجب ألا نسمح ببيع هذه القطع من مُقتنيات توت عنخ آمون إلى أي بلد أجنبي مهما كان الثمن؛ وذلك لأن آثار مصر العظيمة ليست للتصدير.)
لاحظ أن هذه الحجة لم تقل لنا لماذا، وكل ما فعلته هو أنها أعادت صياغة النتيجة الموجودة في المُقدّمة؛ إذ لم يعدو الأمر أن يكون إعادة صياغة، أو تكرارًا للعبارة نفسها بألفاظ أُخرى.
“ربما تخدع المصادرة على المطلوب قائلَها أكثر مما تخدع مُتلقّيها؛ لأن المرء حين يكون مُشربًّا منذ البداية بموقف ما فإن من السهل أن يتراءَى له كلُّ مُكافئ أو صِنْوٍ لهذا الموقف كأنه البرهان عليه. ثمة فرق بين أن تعتنق رأيًا وبين أن تكون قادرًا على تبرير هذا الرأي”.
المُغالطة الثانية: مُغالطة المنشأ
ثمة فرق بين السبب الذي يجعل الناس تعتقد في شئ ما وبين السبب الذي يجعل هذا الشئ صوابا ، في اغلب الاحوال يكون الحق مبررا للاعتقاد . لكن في بعض الاحيان يستخدم الانسان مصدر اعتقاده كما لو كان دليلا على صدق هذا الاعتقاد ، فيقبل الشئ او يرفضه بحسب اصل هذا الشئ ومصدره وموقع ذلك من نفسه بين القبول والرفض .
تعد هذه المغالطة نوعا من البخل المعرفي ، بمعنى ان في بعض الاحيان يكون البحث والتقصي خلف الملعومة مرهق ويستلزم وقتا طويلا لذا يكون من الاسهل اعتمادها بناءا على مصدرها وليس بناء على ما تحويه . فحين تجلس مع مجموعة من مدعي الثقافة وتقول ان احد اساتذة جامعة هارفارد قال كذا وكذا سيصدقك الناس ايا كان ما قلته لثقتهم في منشأ المعلومة التي طرحتها وليس لان المعلومة قابلة للاثبات او النفي .
مثال :
حين حصل الدكتور احمد زويل على جائزة نوبل ، قامت الدولة بتكريمه واصبح موضوع الساعة ومدعاة للفخر لدى المصريين . ليس لعلمهم وادراكهم للسبب الذي حصل بسببه الدكتور زويل على تلك الجائزة ، لكن بما انه قد حصل على جائزة نوبل فهذا دليل على اهمية اكتشافه وهذا لا يعتبر دليلا منطقيا لاثبات صحة اكتشافه .
وهو ما جعل فيلسوف العلم كارل بوبر يكرر في غير موضع من كتاباته ان مصدر النظرية العلمية لا صلة له البتة بوضعها العلمي ، فالنظرية لا تكون علمية ما لم تكن قابلة للتكذيب .
ويظهر تاريخ الممارسة العلمية على ان الاقتحامات الكبرى في العلم تأتي عن طريق الحدس ، احيانا ما يحلم العلماء بنظرياتهم . ففي كتاب ( الابداعية العالية : تحرير اللاوعي من اجل انطلاق الاستبصارات ) يعرض وليزهارمن و هوارد راينجولد عددا هائلا من الاحلام العلمية مثل حلم كيكوليه ببنية حلقة البنزين اذا راي في منامه عدة افاع تعض كل واحدة ذيل الاخرى ، وحلم نيلز بور بالنظام الشمسي كنموذج للذرات ، وحلم ديمتري مندليف بالجدول الدوري للعناصر .
كل هذا لم يكن مهما لبور ، فلتأت النظرية من حيث تأتي فالمهم ان تكون علما يحتمل الاختبارات العلمية القاسية لاثبات صحته .
يذكر أن المغالطة المنشَئِية قد تُعد ضربًا من البخل المعرفي؛ فالبحث والتقصّي قد يتطلّب وقتًا وجهدًا سخيًا، غير أن الإنسان به ولعٌ متأصل بمعرفة مصدر الحجة وقلّما يولي الناس ثقتهم بآراء جاءَت من مصدر يمقتونه.
ويكفي أن تجلس في جَمع من أدعياء الثقافة وتقول “هكذا قال فرويد أو آينشتاين” -مثلاً- لكي يحظى قولك بالإعجاب.
وبالحديث عن النظريات العلمية؛ فإنّ مصدرها –وفقًا لكارل بوبر- هو أمر لا صلة البتة له بوضعها العلمي. ثم إنّه ليس من الأهمية بمكان؛ وإنّما منطق الاختبار.
“ثمة فرقٌ بين السبب الذي يجعل الناس تعتقدُ في شيء ما وبين السبب الذي يجعلُ هذا الشيء حقًا أو صوابًا”.
المُغالطة الثالثة: التعميم المُتسرِّع
هو التعميم الاستقرائي من خلاله نستمد خصائص فئه كليّه من خصائص عينه من هذه الفئه او نستخلص نتيجه حول جميع الاعضاء في مجموعه ما من خلال ملاحظات عن ' بعض ' اعضاء هذه المجموعة
أمثلة للايضاح :
تزوجت مرتين وفي كل مرة كان زوجي يطمع في ثروتي ولا يخلص لشخصي لذا قررت ان لا أتزوج أبدا لان الرجال جميعا يفتقرون للنزاهه والإخلاص
يقيناً دخل المحامين في مصر مُرتفِعْ جداً ، هناك خمس عشرة فيلا فاخره في مارينا يتملكها محاميون
كلما شاهدت تلك القناة وجدت مظاهرات معترضة على الحاكم ، اذن كل المواطنين معترضين على الحاكم
كلما تابعت هذا البرنامج وجدت مذابح يرتكبها مسلمون/مسيحيون ، اذن فالمسلمون/المسيحيون ارهابيين
من الأمثلة التاريخية الصارخة لعينة غير موفقة بسبب تحيزها ذلك الاستطلاع الذي قامت به مجلة (Literary Digest) قبيل الانتخابات الأمريكية عام ١٩٣٦ لمحاولة التنبؤ بمن يفوز بالرئاسة، فرانكلين روزفلت أم ألفرد لاندون، حيث تم جمع مليونين وثلاثمئة ألف رأي كانت نتيجتها تشير إلى فوز لاندون بأغلبية كبيرة. وقد جاءت نتيجة الانتخابات الفعلية مخيبة بهذا الاستطلاع حيث فاز روزفلت بأغلبية تصل إلى ٦٠٪!
فأين كان الخطأ؟ كانت المجلة ترسل بطاقات الاستطلاع إلى أسماء اختارتها عشوائياً من واقع دليل التليفونات ومن قوائم المشتركين في المجلة نفسها من ومن قوائم مالكي السيارات. المشكلة كانت في أن مالكي الهواتف والسيارات ومشتركي المجلة كانوا في الأغلب من الطبقة الأعلى دخلاً بالولايات المتحدة، ومن ثم فهي لم تمثل الطبقات الأدنى دخلاً خصوصا أن مستوى الدخل كان على صلة قوية بالميول السياسية والحزبية
حين يسمح المرء لعقله ان يشيد تعميمات عريضة على اساس معلومات شحيحة او ادلة هزيلة او امثلة قليلة او عينة غير ممثلة فلن يعييه ان يقيض ادلة لكل شئ ويجد بينة لأي دعوة مهما بلغت من البطلان والسخف ولن يعجزه ان يؤيد اي شئ يميل الى الاعتقاد به ما دام يعنيه الاعتقاد ولا تعنيه الحقيقة .
لعل التعميم المتسرع من اكثر المغالطات شيوعا فهو يتبطن كثيرا من التحيزات العرقية والعنصرية والنعرات الشوفينية والطائفية والطبقية والتعصب الديني والاديولوجي .
والحق اننا مضطرون الى التعميم في حياتنا العملية ولا يسعنا الى التعميم اذا شئنا ان نفكر في اي شئ او نتخذ اي قرار ، ويبقى ان نتبع الاسلوب العلمي في استخلاص التعميمات وان نتجنب التعميم المتسرع جهد استطاعتنا وان نملك تعميماتنا ولا تملكنا ، اي ان نجعل منها مجرد فروض عمل قابلة للمراجعة والتنقيح لا اعتقادا صلبا ياخذ علينا سبل التأمل ويمنع عنا منافذ التفكير .
التعميم المُتسرع أو التعميم الاستقرائي هو أن تستخلص نتيجةً، على سبيل المثال، عن “جميع” الأعضاء في مجموعة ما من خلال مُلاحظات عن “بعض” أعضاء هذه المجموعة.
لا ريب في أن هذا التعميم يُستخدَم في مجالات كثيرة مثل البحث العلمي والمسح الاجتماعي، وما إلى ذلك. لكن؛ حتى يكون هذا التعميم قريبًا من الصواب -على الأقل- يجب أن تكون العيّنة مُمثِّلة للمجموعة بكاملها وغير مُتحيّزة لجانب دون غيره.
هناك كثير من الطرائق لتحقيق ذلك، لكن يميل الناس كثيرًا إلى التحيّز في أخذ العينة، لعدة أسباب منها: الميل إلى التماس ما يوافق نظريتهم، أو بسبب الكسل والاستسهال في اختيار العينات…
ومن الأمثلة على العينات غير الكافية:
(تزوجت مرتين وفي كل مرة كان زوجي يطمع في ثروتي ولا يخلص لشخصي. ولذا قررت ألا أتزوج إلى الأبد لأن الرجال كلهم يفتقرون إلى النزاهة والإخلاص.)
ومن الأمثلة على العينات المُتحيّزة:
(التفاحات على وجه الصندوق تتألّق نَضْرةً وبهاء. إذن جميع التفاحات في الصندوق من الصنف الممتاز.)
“والحقُّ أننا مضطرون إلى التعميم في حياتنا العملية؛ ولا يَسَعُنا إلا التعميم إذا شئنا أن نفكر في أي شيء أو نتخذ أي قرار. ويبقى أن نتبع الأسلوب العلمي في استخلاص التعميمات، وأن نتجنّب التعميم المُتسرّع جهد استطاعتنا، وأن نملك تعميماتنا ولا تملكنا؛ أي أن نجعل منها مُجرد فروض عمل قابلة للمراجعة والتنقيح لا اعتقادًا دوجماويًا صلبًا يأخذ علينا سُبُل التأمل ويسد علينا منافذ التفكير”.
المُغالطة الرابعة: تجاهل المطلوب (الحَيْد عن المسألة)
في هذه المغالطة يتجاهل المرء الشئ الذي يتوجب ان يبرهن عليه ويبرهن على شئ اخر ، وقد يبدو استدلاله معقولا بحد ذاته ولكن المغالطة هنا في انه يبرهن على نتيجة اخرى غير النتيجة المطلوبة التي يتعين عليه ان ينصرف اليها دون غيرها . بذلك تتسم الحجة بسمتين انها خرجت عن الهدف المحدد لها وانها قد اتجهت مباشرة الى نتيجة اخرى .
امثلة
محامي الدفاع : كيف يكون موكلي قد امر بارتكاب جريمة القتل وقد برهنت لكم بما لا يدع مجالا للشك انه لم يكن بالبلد كلها وقت وقوعها
( هنا المحامي تجاهل المطلوب وهو اثبات براءة موكله من اصدار الامر الى اثبات براءة موكله من تنفيذ الجريمة ، لانه يمكن ان يكون قد امر بها قبل سفره او عن طريق الهاتف )
الم يحدث يا سيادة الوزير ان مستويات معيشة الفقراء قد تدنت في زمن توليك بدرجة كبيرة قدرتها احصائيات علمية بحوالي 28% ؟
الوزير : هذه وثائق رسمية تثبت اننا رفعنا معاش الارامل بنسبة 5% ورفعنا اجور قطاع النفط بنسبة 10% وزدنا دعم الخبز بنسبة 12% وهذا لم يفعله خصومنا في فترة توليهم .
( وهكذا كلما قدم منتقد للساسة سؤالا محددا فجاءه الرد وابلا من الدعاية الصاخبة عن مزايا الحكومة ، دون ان يبين لنا اجابة واضحة عن موضوع السؤال )
ان اساءة استخدام الدعم وعدم وصوله الى مستحقيه لظاهرة تفشت هذه الايام بدرجة مخيفة ، والبديل الوحيد الذي اراه هو الغاء الدعم برمته .
( هنا لم يوضح لنا سبب الغاء الدعم مثل تاثيره على الاقتصاد مثلا ، انما برر عدم القدرة على السيطرة على الدعم هو الغائه وليس تغيير اليات توزيعه )
هُنا يتجاهل المرءُ الشيءَ الذي يتوجب أن يبرهن عليه، ويبرهن على شيء آخر. ومكمَن المُغالطة في أنّه يحيدُ بذلك بحجته عن الهدف المحدّد، ويبرهن على نتيجة غير مطلوبة.
لمثل هذه المغالطات جاذبية خفيّة لدى المُستمعين؛ فعلى سبيل المثال: لدى التسويق لبرنامج مُحدد لمُكافحة الفقر، قد يفيض دُعاة البرنامج في ترديد حجج تُثبت ان الفقر تنبغي مُكافحته والفقراء ينبغي إنصافهم، دون إثبات وجوب إتمام ذلك من خلال برنامجهم دون غيره!
“من أيسر الأمور أن نُصدِّق على هذه الأهداف العامة ونصبو إلى تحقيقها؛ أما الأسئلة الصعبة حقًا فهي: هل هذا البرنامج المُحدد حقيقٌ ببلوغ هذا الهدف المنشود؟ وهل هو أجدى في بلوغ هذا الهدف من غيره من البرامج الأخرى المُمكنة؟ إن تغافُل هذه الأسئلة يجلنا نحيد عن القصد، ونقع في مغالطة تجاهل المطلوب”.
المُغالطة الخامسة: الرنجة الحمراء
هي حيلة كان يستخدمها المجرمون الفارون لتضليل كلاب الحراسة التي تتعقبهم ، وذلك بسحب سمكة رنجه حمراء عبر مسار المطاردة ، فتجتذب الكلاب رائحتها الشديدة عن رائحة الطريدة الاصليه ، وقد اُستعيرت للتعبير عن كل محاولة للفت الانتباه عن المسألة الرئيسيه في الجدل ، وذلك بإدخال تفصيلات غير هامه ، او بإلقاء موضوع لافت او مثير للانفعالات ، وان يكن غير ذي صلة بالموضوع المَعنِي ولا يشبهه الا شبهاً سطحياً ، فيقذف بالخصم خارج مضمار الحديث
من دأب محترفي هذه المغالطه ان يستهلكوا الخصم في تُرّهات خارجه عن الجاده وان يثيروا مشاعر المستمعين وانتباههم بطرح مسألة براقه اخّاذة بعيده عن موضوع الحديث فتهوي اليهم أفئدة الحضور
لكن في بعض الاحيان يكون التحول عن الموضوع مشروعا لان بعض المسائل المعقدة يصعب مسألة بعينها قبل ان يتم حسم مسألة أخرى
امثلة :
- كيف توافق على حظر الماريجوانا ؟ الماريجوانا لا ضرر منها البتة . انني لأحس بامان حين يكون السائق يدخن الماريجوانا اكثر بكثير مما احسه حين يكون السائق تحت تاثير الخمر ، ان الخمر حقا هي ام المشاكل . اتعرف ان اباحة الخمر تكلف سنويا بين صناعتها وتعاطيها وثمن الكوارث التي تلحقها ، اكثر من تريليون دولار ؟
( لاحظ ان الموضوع الاصلي ليس كوارث الخمر ، بل كوارث الماريجوانا ومببرات حظرها )
جاءَت التسمية تيمُّنًا بحيلةٍ كان يستخدمها المجرمون الفارّون لتضليل كلاب الحراسة التي تتعقبهم، وذلك بسحب سمكة رنجة حمراء عبر مسار المُطاردة، فتجتذب الكلابَ رائحتُها الشديدة عن رائحة الطريدة الأصلية.
وعلى غرار هذه الاستعارة؛ تنحرف الحجة في هذه المغالطة في اتجاه مُختلف ولا تصل إلى شيء؛ فهي إما حيودٌ خارج الموضوع إلى موضوع آخر مثير انفعاليًا فحسب، وإما تمويه لا يُفضي إلى شيء ذي بال. هذا خداعٌ للمستمع واستهلاك له وانحرافٌ عن الموضوع برمتّه إلى مسألة أخرى.
المُغالطة السادسة: الحجة الشخصية
تعني المغالطه الشخصيه ان يعمِدَ المُغالِط الى الطعن في شخص القائل بدلا من تفنيد قوله ، او قتل الرسول بدلا من تفنيد الرساله ، ان ما يحدد قيمة صدق عبارة ، وما يحدد صواب حجة هو في عامة الأحوال امر لا علاقة له بقبائل العبارة او الحجة من حيث شخصيته و دوافعه وسيكولوجيته ( فعبارة ٢+٢=٤ ) هي عبارة صحيحه سواء كان قائلها عدواً او مغرضاً او معتوهاً
هناك اربعة انواع من مغالطة الحجه الشخصيه :
القدح الشخصي ( السبّ ) ، التعريض بالظروف الشخصيه ، انت أيضاً تفعل هذا ، تسميم البئر
القدح الشخصي :
في هذا الصنف من المغالطة يقوم القدح الشخصي بتشتيت الانتباه عن الحجة الاصلية الى شخص قائلها وعيوبه فيبدو كأن حجته ايضا معيبة مثله .
مثال
- ان سياسات لنكولن كلها حمقاء مفسدة ، فهو سكير وقرد بليد ومأفون ومضلل ( صحافة الجنوب في ستينات القرن التاسع عشر )
- لماذا ابالي باراء هؤلاء الصحفيين ؟ انهم حفنة من المرتزقة
لكن في بعض الاحيان يكون القدح الشخصي غير مغالط ، فمثلا الطعن في شخص الشاهد في المحكمة من حيث السمات الاخلاقية والسلوكية والكفاية العقلية والادراكية واتساق عباراته غير خارج عن موضوع الشهادة وبالتالي غير مغالط من الوجهة المنطقية لان الهده هنا ان الشاهد يقدم شهادة وليس حجة .
التعريض بالظروف الشخصية :
في هذه المغالطة يكتفي المغالط بان يشير الى ان ظروف خصمه الخاصة هي التي ألجأته الى تبني الرأي الذي يتبناه وان له مصلحة مكتسبة في ان يمرر هذا الرأي ويسود . ولا نريد ان نهون من سطوة الظروف والمصالح لكن اذا شئنا ان نتناول حجة الخصم تناولا منطقيا فان ظروفه الخاصة لا يعود لها ثقل منطقي ولاتعود لها صلة بالحجة .
امثلة :
-انت تقول بأن خطط المحافظين الضريبية كفيلة بتقليص ميزانية الخدمات الصحية ، ولكنك ليبرالي وتود لو تتخلص من الخدمة برمتها .
- بالطبع نحن لا نتوقع منك الا ان تؤيد قرار رفع ميزانية التسليح، فقد عرفنا انك تعمل في مؤسسة كبرى لتجارة الاسلحة
انت ايضا تفعل ذلك :
هنا يقلب المغالط الطاولة على خصمه باعتباره لا يفعل ما يعظ به ويظن المغالط انه قد تم له بذلك تفنيد الخصم وكأن الخطأ يشرع الخطأ او كأن خطأين يصنعان صوابا
امثلة :
- عليك يا ابني ان تمتنع ان التدخين فهو ضار بالصحة
لست اقبل حجتك يا ابي فقد اعتدت نفسك التدخين حين كنت في مثل سني
-كيف استمع الى نصيحة هذا الطبيب بخفض وزني اذا كان هو نفسه بدينا كالدب ؟
تسمم البئر :
تسميم البئر هو ان يبادر المغالط باستخدام احد اساليب الحجة الشخصية كالسب او التعريض بالظروف الشخصية قبل ان يبادر الطرف الاخر بالاجابة ، حتى يقنع الباقين انه مهما قال لا يرجى نفعا من كلامه .
امثلة :
لا تستمعوا اليه ، انه وغد
هذا الرجل فاشي معروف وأي رأي يبدر منه سيكون في محل ارتياب ويصب في مصلحة العدو في نهاية المطاف .
يمكنُ أن تقعَ في هذه المُغالطة حين تكون في جدالٍ وتعمِد إلى مُهاجمة شخص الخصم بدلاً من مُهاجمة حجّته، فيبدو بالتداعي كأن حجته قد دُمغت مثله.
لهذه المُغالطة أربعة أنواع:
أولاً: القَدْح الشخصي (السب)؛ أي تشتيت انتباه الحاضرين عن الحجة الأصلية إلى عيوب قائلها وشخصه، لِيبدو أن حجته هي معيبة أيضًا.
ثانيًا: التعريض بالظروف الشخصية (الحجة الشخصية الظرفية)؛ أي أن تُشير إلى أن ظروف الخصم الخاصة هي التي دفعته إلى تبنّي الرأي الذي يتبناه. غير أنه -منطقيًا- لا يعود للظروف الخاصة ثقلٌ منطقي على الحجة.
ثالثًا: مُغالطة أنت أيضًا (تفعل ذلك)؛ أي أن تعمد إلى صرف الانتباه عن حجة الخصم إلى سلوكه أو أفكاره الأخرى. ولعلّ أفضل تصرُّف تذهب تأتيه إذا تعرّضت لهذا هو أن تبتسم مُعترفًا، ثم تردّه في الحال إلى حجتك الأصلية التي يردّ عليها بعد.
رابعًا: تسميم البئر: هو أن تَقي نفسك من خلال وصم خصمك بأنه لا يولي الحقيقة أي اعتبار فيتضمن ذلك أنه مهما يقل فيما بعد فلن يكون موثوقًا. إن ذلك لا يتعدّى أن يكون شَرَك غفلة منصوب.
وإذا دخلت في نقاشٍ كهذا، عليك أن تتخطى الإهانة بجسارة وأن تَلِج إلى صميم الموضوع.
المُغالطة السابعة: الاحتكام إلى السلطة
وهي تحصل حينما يُعتقد بصدق قضية أو فكرة لا سند لها إلا علم أو خبرة قائلها. تكمن المغالطة في اعتبار السلطة أو المرجعية بديلاً عن الدليل على صحة الفكرة .
والسلطة هنا غالبا ما تكون سلطة لها شكل علمي لكنها تفتقد المعايير اللازمة للاخذ برايها ، وغالبا ما تكون تلك السلطة لها شكل من الاشكال الاتية :
إذا كان الاحتكام إلى السلطة غير ضروري
ذلك ان كثيرا من الامور تخضع للملاحظة المباشرة او الحساب المحض ، انه اشبه بالتيمم وقد حضر الوضوء .
إذا كانت الدعوى غير داخلة في مجال خبرة الشخص الذي يُحتكم إليه كسلطة
مثال :
سالت صديقي استاذ الامراض الصدرية حول نوعية سيارتي الجديدة واخبرني انها جيدة على الطرقات السريعة
إذا كان هناك خلاف بين الخبراء في المسألة المعنية
في هذه الحالة تكون كل من الدعوى ونقيضها مدعما برأي بعض الخبراء الثقات ، بحيث لا يعود ممكنا حسم المسألة بمجرد الالتجاء الى رأي الخبراء
إذا كان الخبير متحيزاً أو تكتنفه شبهة التحيز
مثال :
التدخين لا يؤثر اطلاقا على الصحة ، هكذا قال علماء شركة مارلبورو
إذا كان مجال الخبرة هو علم زائف أو مبحث غير مشروع
مثل التنجيم
إذا كانت الخبرة غير معاصرة
مثال :
لو كان هناك علم جينات فعلا لذكره داروين
إذا كان الخبير مجهولاً، أو غير محدد
وابرز مثال هو ما تتحفنا به الصحافة ووسائل الاعلام من اخبار يكون مصدرها هو ( مصدر امني – مصدر عسكري – مصدر مقرب من فلان .. ) وهكذا دون ان نعرف من هو المصدر تحديدا
يُمكن أن تقع في فخ هذه المُغالطة إذا اعتقدت بصدق قضية أو فكرة لا سند لها إلا سُلطة قائلها، رُبما تكونُ صائبة، إلا أنه لا يجب اتّخاذ السلطة بيّنة من دون البيّنة.
أيُّ سُلطة هي التي يُمكن الاحتكام إليها؟
يقول إن سلطة الخبراء هي ما يُمكن الاحتكام إليه؛ نظرًا لأن الخبير هو شخص نذر عمره في دراسة مجال مُعين حتى حصل معرفةً تجعلُ حكمه ضمن تخصصه أقرب صلةً بالحقيقة.
ومع ذلك؛ من المفروض أن يكون من تحتكم إلى خبرته مُحددًا؛ فعندما يُشار إلى مؤسسات أو إلى ألفاظ من قبيل: “عُلماء” أو “الأطباء” أو “شاهدت في التلفاز” … تفقد الدعوى موثوقيتها وتكون مُجرّد إشاعة.
لكن؛ إذا كان هنالك خلافٌ بين الخُبراء في المسألة المَعنية، لا يَعودُ مُمكنًا حسمها بمُجرد الالتجاء إلى رأي الخُبراء. هذا عدا عن احتمالية تحيُّزهم نحو آرائهم بحكم الطبيعة البشرية.
ولا يُمكن الاحتكام إلى سلطة الخبير عندما يكون مجال خبرته هو علم زائف أو مبحث معرفي غير مشروع من مثل: التنجيم والفأل وتحديد الشخصية من شكل الجمجمة وما نحوهم.
المُغالطة الثامنة: مُناشدة الشفقة (استدرار العطف)
في الثمانينات من القرن التاسع عشر اثبت الادعاء في محكمة فرجينيا بالدليل الدامغ ضلوع صبي بقتل والديه بفأس . فما كان من الدفاع سوى ان دفع ببراءة الصبي قائلا : اليس يكفي انه اصبح يتيما لا احد يتولى امره ؟
العطف شعور نبيل والشفقة عاطفة نبيلة ولا بأس قط باستدرار العطف والشفقة اذا استدعى السياق ، انما يكمن الخطأ في أن تسند الى العطف وظيفة البينة ، وان تأخذ الشفقة مأخذ الحجة .
امثلة :
فلتأخذكم الشفقة بهذه المتهمة يا حضرات القضاة ، فانها اذا اودعت السجن فسوف تتحطم حياتها وحياة من تقوم برعياتهم .
لابد ان الحل الذي توصلت اليه لهذه المسألة الرياضية هو حل صحيح ، لقد توصلت اليه بعد عناء خمس ساعات من اعتصار الفكر والتركيز المتصل .
ينبغي ان تمنحني النجاح في هذا الفصل ، ان جدتي مريضة ولو سمعت بأني رسبت ربما تموت بنوبة قلبية
انظر هذه الحجة: (… كيف ترفض رسالتي للدكتوراه؟ لقد عكفتُ على كتابتها سبعَ سنواتٍ مُتواصلة؟!)
لاحظ كيف يستدرّ القائلُ عطفَ المُشرفين لتأخذ الشفقة مأخذ الحجة. لكن؛ مهما يكن من شيء، فإنّ انفعال العطف ليس من جنس الحجة، وهيهات له أن يكونَ دليلاً على رأي أو أساسًا لاعتقاد.
المُغالطة التاسعة: الاحتكام إلى عامة الناس
الاحتكام الى عامة الناس .. ( انَّ موافقة الكثرة ليست دليلا على الحقائق العسيرة الكشف ، وانه لاقرب الى الاحتمال ان يجدها رجلٌ واحد من ان تجدها امّه بأسرها ) ديكارت
تتضمن هذه المغالطه الاحتكام الى الناس بدلاًمن الاحتكام الى العقل ( او على حساب العقل ) ، ومحاولة انتزاع التصديق على فكرة معينه بإثارة مشاعر الحشود وعواطفهم بدلاً من تقديم حجّه منطقيه صائبه
وهناك ثلاثة اشكال أساسية لمغالطة الاحتكام الى الناس :
1- عربة الفرقة
وهي تعني ميلنا الغريزي لأن ننضوي مع الحشد ، ومفادها انه مادام عامة الناس تعتقد شيئا ما اوتختار مسلكا معين فلابد ان يكون هذا الاعتقاد صحيحا .
امثلة :
الناس كلها او معظمها تفضل الماركة س ، اذن على انا ايضا ان اشتري الماركة س
كان البشر يعتقدون يوما ان الانسان لايمكنه مواصلة الحياة وهو على سرعة اكبر من خمسة وعشرين ميلا في الساعة
استطلاعات الرأي تشير الى فوزساحق للحزب س ، من ثم ينبغي ان تصوت للحزب س
2- التأسي بالنخبة
في هذه المغالطة يتم الاقتداء بالصفوة المختارة بدلا من عامة الناس
امثلة :
صفوة المثقفين يعتنقون الماركسية هذه الايام ، اذن الماركسية هي الفلسفة الصحيحة وعلى ان اعتنقها .
3- التلويح بالعلم ، التذرع بالوطنية
في هذه المغالطة يلجأ المتحدث الى المشاعر القومية او الوطنية ليدعم حجته او موقفه ، او ليقوض موقفا اخر باعتباره منافيا للوطنية او القومية .
مثال
الخدمات التي تقدمها الحكومة سيئة ، لقد سئمت من هذا الوطن يا سيادة الوزير
الوزير : كيف تقول ذلك . ان هذا الوطن هو بمثابة الام وعلينا ان نحتمل . لا تقل هذا الكلام مرة اخرى والا اعتبرتك خائنا للوطن
الاحتكامُ إلى الناس بدلاً من العقل؛ تكادُ تكونُ أداةً من أدوات عمل رجال الدعاية والإعلان؛ فإذا كان “الجميعُ يعتقدُ ذلك” أو “الكل يفعلُ ذلك” فلا بد من أن يكون “ذلك” صحيحًا!
“في عمق الروح الإنسانية التي أُلقي بها في حمأةِ الوجود على غير اختيار منها تقبع حاجةٌ إلى الاتصال بآخرين من صِنوِها. حاجةٌ تبلغُ من الإلحاح والشدة مَبلغًا يضطر الناس إلى أن تُسلم ضميرها وبصيرتها لطغيان ثقافتها الجاهزة وتقاليدها الموروثة. حتى لو كانت تلك ثقافةً جاهلةً وتقاليد حمقاء. وقليلٌ هم الأفراد الذين يُمكنهم أن يأتمروا بأوامر عقولهم الخاصة ويهتدوا بِهَدى بصائِرهم الشخصية حتى عندما تكون تلك مُغايِرةً للشائعِ ومخالِفة للمألوف”.
يذهبُ الكاتب إلى ثلاثة أشكال أساسية لمغالطة الاحتكام إلى الناس هي:
عربة الفرقة (الموسيقية)؛ وتأتي تسميتها من عربة الفرقة الموسيقية؛ فقد كان المرشحون فيما مضى يستقلون في حملاتهم الانتخابية عربية كبيرة تتسع لفرقة موسيقية، ويجوبون المدينة؛ كان الناس يعبرون عن تأييدهم للمرشح باعتلاء العربة أو الصعود إلى ظهرها.
تعني في مجال علم النفس؛ ظاهرةً اجتماعية يشعر فيها الأشخاصُ بضغط الانصياع لموقف مُعين، عندما يدركونه على أنه موقف الأغلبية في مجتمعهم. ومن الأمثلة على هذه المغالطة : (15 مليون عربي لا يمكن أن يكونوا على خطأ) أو (تشير استطلاعات الرأي إلى فوزٍ ساحق للحزب الوطني؛ ومن ثَم ينبغي أن تصوت للحزب الوطني).
التنَفُّج (التأسِّي بالنخبة)؛ أي الاقتداء بصفوة الناس بدلاً من العامة، ومن أمثلة هذه المُغالطة: (صفوةُ المُثقفين يعتنقون الماركسية هذه الأيام؛ إذن الماركسية هي الفلسفة الصحيحة وعليّ اعتناقها).
التلويح بالعلم/ التذرُّع بالوطنية؛ تعني اللجوء إلى المشاعر القومية لدعم الحجة أو الموقف، ويندرج ها هنا التلويح بأي رمز سواء كان سياسيًا أو مذهبيًا أو دينيًا.
بعد ذلك يتجه الكاتب إلى توضيح مواضع صواب الاحتكام إلى الأغلبية؛ عندما يكون هو المحدد للحقيقة في المسألة المعنية، مثل أجماع أهل الخبرة والرأي في مجال تخصصهم.
المُغالطة العاشرة: الاحتكام إلى القوة (ومنطق العصا؛ اللجوء إلى التهديد)
ليست الحرية شيئا يضاف الى الفكر ، فيكون لدينا فكر حر بعد ان كان لدينا فكر غير حر . فالفكر الحقيقي لا يكون الا حرا ، بدون حرية انت لا تفكر بل تردد وتكرر كجنادب الليل .
تعني هذه المغالطة اللجوء الى التهديد والوعيد من اجل اثبات دعوى لا تتصل منطقيا بانفعال الخشية والرعب ، تعتمد هذه المغالطة على فكرة ( القوة تصنع الحق ) وهي مغالطة لان التهديد يعمل على مستوى دفاعي مغاير لمستوى القناعة الفكرية .
لو وضع الف سيف على رقبتك لن تنهض لك دليلا على ان 2+2=5 ، قد تشتري رقبتك بالطبع وتسلم للمأفونين بانها كذلك لكن الانصياع لا يعني الاقتناع .
امثلة :
ينبغي ان توافق على السياسة الجديدة للشركة ، هذا اذا كنت تريد ان تحتفظ بوظيفتك .
اتعرف يا دكتور انني بحاجة الى تقدير ممتاز في هذه المادة ؟ يسرني انامر عليك فيما بعد لنتحدث في ذلك . ساكون بجوار مكتبك على اي حال ازور والدي ، انه عميد كليتك بالمناسبة .
لكن في بعض الاحيان يكون الاحتكام الى العصا منطقيا ، وذلك حين يكون ذا صلة بنتيجة الحجة او حين يكون الخطر هو نفسه موضوع الحجة
امثلة :
توقفوا عن التجارب النووية في هذه المنطقة القريبة من القطب ، لأنها ربما تؤدي الى زلازل وفيضانات .
ذاكر جيدا والا انخفضت درجاتك .
من المؤسف حقا ان شطرا كبيرا من الحوار عندنا لم يعد محتكما الى العقل بل الى العصا ، انه اقرب الى لعبة التحطيب منه الى لعبة الجدل . فنحن لا ننظر الى الاختلاف في الرأي على انه ثراء وخصب ، بل على انه انحراف وخيانة فنلوح بالعصا كلما اعوزتنا الحيلة .
ان هذه المغالطة بوسعها ان تخلق وهما بأن شخصا ما قد تم اقناعه او افحامه ، وبوسعها ان تخرس الخصم فعلا وتثنيه عن المضي في الجدال وتترك انطباعا زائفا بأنه قد خسر المناظرة .
تعني اللجوء إلى التهديد والوعيد من أجل إثبات دعوى لا تتصل منطقيًا بانفعال الخشية والرعب الذي تهيب به. ومثالٌ عليها: (ينبغي أن توافق السياسة الجديدة للشركة؛ هذا إذا كنت تريد أن تحتفظ بوظيفتك).
“بوسع العصا أن تشج الرأس وبوسعها أن تزهق الروح، ولكن هيهات لها ان تقيم برهانًا او تثبت حجة. وقلما يكون التلويح بالعصا سببًا لاعتقاد أي شيء”.
المُغالطة الحادية عشرة: الاحتكام إلى النتائج
تعتمد المغالطة على استخدام النتائج (السلبية أوالإيجابية) المترتبة على اعتقاد ما كدليل على كذب هذا الاعتقاد أو صدقه.
ان القضية الصادقة هي قضية صادقة ، بغض النظر عن شعورنا تجاه نتائجها .
امثلة :
اعتقاد الطفل في وجود بابا نويل يجعله سعيدًا ومستبشرًا ومهذبًا، إذن بابا نويل موجود .
من المحال ان تنشب حرب نووية في اي وقت من الاوقات ، ان ذلك كفيل بان يجعلني متوجسا هلعا لا اذوق للنوم طعما .
لكن في بعض الاحيان يكون الاحتكام الى النتائج منطقيا ، فقد فطن الفلاسفة منذ ارسطو الى اهمية الاحتكام الىنتائج للمفاضلة بين القصايا المختلفة في حالة تساويها في كل شئ .
في النهاية من الخطأ دائما ان نتوجس من كل نظرية علمية جديدة تكشف جانبا من الحقيقة ، او نرفضها لا لشئ الا لانها تتحدى قناعتنا الثقافية او تجرح كبريائنا .
أي استخدام النتائج السبية أو الإيجابية المُترتبة على اعتقادٍ ما بمثابةٍ دليلٍ على كذب هذا الاعتقاد أو صدقه. ومن الأمثلة على الحجج المُغالِطة ها هُنا: (من المؤكد أن “نظرية التطور” نظرية مغلوطة؛ وإلا لكان الإنسانُ قريبًا لبقية الحيوانات، وكان له أن يفعل فِعلَها ويسلك مسلكَها).
” من الخطأ دائمًا أن نوجسَ من كل نظرية علمية جديدة تكشفُ جانبًا من الحقيقة، أو نرفضها، لا لشيء إلا لأنها تتحدى قناعاتنا الثقافية، أو تجرح كبرياءنا البشرية، أو تمسّ عواطفنا الاجتماعية”.
المُغالطة الثانية عشرة: الألفاظ المُلقَّمة (الألفاظ المشحونة- المُفخَّخة)
" بواسطة الدعاية الذكية والمتواصلة يمكنك ان تحمل الناس على ان ترى الفردوس جحيما, والعكس ايضا :ان ترى اشقى انماط الحياة على انها نعيم مقيم'' هتلر
الوظيفة الايعازية للغة التي تحدث عنها جون اوستن رائد نظرية ( افعال الكلام ) في هذا المستوى من الافعال الكلامية حين يريد القائل من قوله ان يحدث تأثيرات في المتلقي اما اقناعا او خشية او رهبة او ردعا او سخطا ... الخ .
أمثلة :
يدعي السيد نبيل سالم ان التصدير سوف يؤدي الى ارتفاع الاسعار.
( لاحظ كلمة يدعي تفترض ضمنا ان ما يقوله سعيد نبيل كاذب او باطل )
بديهي ان يجد طلبنا رفضا من البيروقراطية الحكومية.
( قارن: بديهي ان يجد اقتراحنا رفضا من مسؤولي الحكومة )
كل عاقل في هذا البلد يعرف ان الاجراءات المتخذة لا تصب في مصلحة المواطن
( عاقل صادرت بصواب العبارة المطروحة )
سرقت استكلندا هدفا بالشوط الاول, ولكن انجلترا نشطت في الشوط الثاني وتوجت جهودها بهدف.
( بوسعك ان تتعرف على انتماء المعلق)
ألست متاثرا بالقضية العادلة التي يلهج بها الوف المتظاهرين الواعين بالخارج
(ركز: العادلة - يلهج بها - واعين)
اللغة المشحونة تنطوي دائما على ان تصادر المطلوب لانها تفترض مسبقا حكما تقويميا لم تتم البرهنة عليه بعد ، لذلك كان جريمي بنتام يطبق على هذه المغالطة اسم ( النعوت المصادرة على المطلوب )
باختصار هي دس مواقف انفعالية داخل العبارة التي تحملها وهذه المواقف ليست جزءا من الحجة لكي تصنع اثرا ما كان للحجة بمفردها ان تصنعه
حين تكونُ اللفظةُ مُحملَّةً بمتضمنات انفعالية وتقويمية زائدة، إضافةً لمناها المُباشِر، يُقال لها “لفظة مُلقّمة” أو مشحونة. فهي مثل البندقية الملقمة بالذخيرة، بينما المعنى الانفعالي هو الرصاصة. ومن الأمثلة على ذلك استخدام لفظة “عنيد” بدلًا من “صارم”، ولفظة “رشوة” بدا من “حافز”، “بسيط” بدلاً من “ساذج”، “مدقق” بدلاًمن “موسوس” … هندها اكون قد استخدمت ألفاظا تفعل فعلاً آخر غير مجرد رصد الحالة الموضوعية؛ فهي تحكُم وتقوِّم وتحرِّض.
بَيْد أن ليست كلُّ لغةٍ مشحونة مُغالِطةً بالضرورة، وإلا لكان كل الأدب والشعر ركامًا من المُغالطات.
المُغالطة الثالثة عشرة: المُنحدر الزلق (أنف الجمل)
تعني مغالطة المنحدر الزلق ان فعلاً ما ، ضئيلا او تافهاً بحد ذاته ، سوف يجر وراءه سلسله محتومة من العواقب تؤدي في نهاية المطاف الى نتيجه كارثيه .
امثلة :
اذا استثنيتك من هذا القرار فسوف يكون على ان استثني الجميع .
اذا اقرضتك جنيها اليوم فسوف تقترض مني غدا جنيهين ثم عشرة جنيهات ، ولن يمضي وقت طويل حتى تقترض مني ألوفاً وتأتي على كل ثروتي .
اذا سمحنا اليوم ببعض الضوابط القانونية على الحديث العام او الكتابة الصحفية ، فسوف نسمح غدا بمزيد من القيود وهكذا حتى يأتي اليوم الذي نجد انفسنا فيه نعيش في ظل دولة بوليسية فاشية .
اذا أكلت الايس كريم فسوف يزداد وزنك ، وزيادة وزنك باطراد تعني اني انك ستصاب السمنة . وما تزال السمنة تتفاقم حتى تموت بانسداد الشريان التاجي ، اذن الايس كريم يسبب الوفاة فلا تقربه .
تسمى هذه المغالطة ايضا باسم ( أنف الجمل ) ، وهذا الاسم مأخوذا من هذا الموقف الذي قصه البدوي قديما :
( قال البدوي لنفسه ، اذا تركت الجمل يدس انفه في خيمتي في هذه الليلة الباردة فانه يوشك بعد ذلك ان يدس رأسه كله . ثم لا يلبث ان يدس رقبته ، وسرعان ما أجد الجمل برمته وقد اقتحم الخيمة )
من الحُجج المغلوطة الشائعة جدًا والتي تندرج تحت مُسمى هذه المُغلطة: (إذا استثنّيتُك أنت من هذا القرار فسوف يكون عليّ أن استثني الجميع)؛ فهي تعني أن فعلاً ما، ضئيلاً وتافهًا بحدّ ذاته، سوف يجرُّ سلسلة محتومة من العواقب المؤدية إلى نتيجة كارثية.
المُغالطة الرابعة عشرة: الإخراج الزائف (القسمة الثنائية الزائفة)
مغالطة المأزق المفتعل، أو الإحراج الزائف، يتم ارتكابها عند إيهام الطرف الآخر بأنه لايمكن بناء الحجة إلا على افتراض خيارين لا أكثر، أحدهما واضح البطلان لدفعه إلى تبني الخيار الآخر. وهي تسير على النحو التالي:
إما أن تختار (أ) أو تختار (ب)
لا توجد هناك خيارات أخرى
لا يمكنك أن تختار (ب)
إذن، حجة (أ) صحيحة
ويتم استخدام هذه المغالطة كثيرا من قبل السياسيين، حيث يتم إيهام الناس بأنه لاتوجد أي خيارات مطروحة للوقوف على الحياد في الأزمات، فإما التزام الجانب الصحيح (وهو جانبهم طبعا) أو التزام جانب الأعداء. كما يتم استخدامها كثيرا في حالات الاستقطاب داخل المجتمعات (مع أو ضد)
أمثلة :
اما انك معنا او ضدنا .
اما ان توافق على خفض الضرائب واما ان تكون راضيا عن الخراب العاجل الذي سيحيق بهذا البلد .
اما ان تشن معنا هذه الحرب من اجل الحفاظ على منهجنا في الحياة او ان تكون خائنا جبانا .
اما ان نبيح الاجهاض دون قيد او شرط ، واما اننا نرغم الاطفال على ان ينشأوا في كنف اباء لا يريدونهم .
اما ان نسرح نصف الموظفين واما ان تفلس الشركة قبل يناير المقبل .
ويتجلى الاستقطاب الذهني الجمعي في أوضح صوره في ظاهرة العنصرية او ما يعرف بمركزية العرق ، وتعني مركزية العرق النظر الى الاشياء على ان جماعتنا هي محور كل شئ والاطار المرجعي الذي يقاس عليه كل شئ اخر وتقيم به كل الجماعات الاخرى .
جماعتنا هي الصواب وغيرها الخطأ ، هي الحق وغيرها الباطل ، هذه العنصرية الصميمة هي التي تحمل كل شعب على ان يغلو في اية عناصر يجدها خاصة به وحده ومميزة له عن الاخرين .
من شأن الوقوع في هذه المُغالطة إغلاقَ عالَم البدائل المُمكنة أو الاحتمالات الخاصة بموقفٍ ما، والإبقاء على خيارين اثنين لا ثالثَ لهما، أحدهما واضحُ البطلان والثاني هو رأيُ المُغالِط دامَ فضله.
مثالٌ رائجٌ عليها: (إما أنك معنا أو أنك ضدّنا).
تروّج هذه المُغالطة بصفة خاصة في أقوال الباعة ومندوبي الدعايات الذين يُضيّقون على العميل نطاقَ الخيارات حتى لا يبقى خيارٌ له إلا في سلعتهم المعروضة.
“حين يعمّ الاستقطاب الذهني ويتواتر يُصبح سمةً شخصيةً تميّز الفرد، أو أيديولوجيةً جمعية تميز الجماعة. وهو على المستويين لا يورِّث إلا العجز والجمود”.
المُغالطة الخامسة عشرة: السبب الزائف (أخذُ ما ليس بعلّةٍ عِلّةً)
لماذا تحدث الاشياء؟
يميل البشر بطبعهم الى تفسير الاحداث وادراك سببها.ولذلك اسسوا العلم , الاصيل والزائف منه. ما سبب المرض ؟ ما سبب الدمار , والحروب , والكسوف والخسوف , والزلازل والاعصاصير والركود الاقتصادي؟ العقل البشري يربط الاشياء لتكون نمطا معينا , وان يصل النقاط المنفصلة , ويملأ الثغرات , ليستوي له نمط ذو معنى . وهو يرتبك ويتأزم اذا لم يميز انماطا لان لديه ولعا بالتنبؤ , ورغبة بالسيطرة على الاحداث.
تطارد احداث امام الادراك البشري في انماط معينة من التصاحب والتعاقب والتجاور في المكان والزمان فيستل من ذلك علاقة ارتباط.
وقد تترسخ فيع عادة التوقع فتتحول فتحول الارتباط الى سببية فكلما ارتبط حدثا معا في المكان والزمان كان ذلك عنده دليل على الاخر وكلما تعاقب حدثان كا سابقهما سببا للاحق.
ان اثبات ان حدثين بينهم علاقة سببية يستلزم اكثر من مجرد الارتباط يستلزم الاطراد الدائم والارتباط الدائم بين الحدثين ايجابا وسلبا وعدم وجود اي امثلة مضادة ذلك ان مجرد المعية يمكن رده الى المصادفة البحتة او وجود سبب ثالث اعم من وراء كلا الحدثين وتسمى مغالطة اغفال سبب مشترك كما ان الاتجاه الحقيقي للعلاقة السببية قد يكون معكوسا وتسمى المغالطة حينئذ الاتجاه الخطأ .
أمثلة على الخلط بين السببية ومجرد المصادفة :
وجدت ارتباطات شبه تامة بين معدل الوفيات في حيدر اباد بالهند من 1911 الى 1919 وبين تغييرات في عضوية الرابطة الدولية لعلماء الميكانيكا خلال نفس الفترة .
( لا يمكن لأي عاقل ان يعتقد حقا في وجود أي شئ يتجاوز المصادفة المحضة في هذه الواقعة العجيبة )
وجد ارتباط احصائي وثيق بين مستويات تمويل الفنون في بريطانيا وبين اعداد طائر البطريق في القطب الجنوبي .
أمثلة على اغفال سبب مشترك :
قبيل اندلاع الحروب يتزايد معدل التسليح لدى الاطراف المتصارعة ، اذن زيادة التسليح تؤدي الى اندلاع الحروب .
( ربما يكون الاصوب ان التوتر والخلاف بين الامم يفضي الى كل من التسلح والحرب )
الحمى تؤدي الى الطفح الجلدي .
( قد يكون فيروس الحصبة هو السبب من وراء كل من الحمى والطفح الجلدي )
أمثلة على الاتجاه الخطأ للعلاقة السببية :
انتشار مرض الايدز ناتج عن زيادة الثقافة الجنسية
( العكس هو الصحيح وهو ان زيادة الثقافة الجنسية ناتجة عن انتشار الايدز وتخوف الناس منه )
وجد ان هناك ارتباطا بين معدل امتلاك السلاح في بعض الولايات ومعدل ارتكاب الجرائم ، اذن امتلاك السلاح يؤدي الى المزيدمن الجرائم .
( الادق هو ان انتشار الجرائم يقلق المواطنين الامنين فيستخرجون رخص الاسلحة للتحوط والحماية )
هناك ايضا نقطة اخرى هي المغالطة البعدية ، وهي كأن يصيح الديك قبل الفجر ثم يأتي الصباح فنستنتج ان صياح الديك هو السبب في شروق الشمس .
تحدثُ هذه المُغالطة عندما يخلط العقل بين “المَعِيّة” و”السببية”، ويجعل مُجرد الارتباط بين حدثين دليلاً على أنّ أحدهما سببٌ للآخر، دون أي بيّنة أبعد من ذلك.
لكن؛ إثبات وجود علاقة سببية بين حدثين يستلزم أكثر من مُجرّد الارتباط؛ يستلزمُ الاطِّراد الدائم، والارتباط الدائم بين نمطيهما، إيجابًا وسلبًا، وعدم وجود أي أمثلة مُضادة.
المُغالطة البَعدية؛ بعدَ هذا إذن بسبب هذا
إن الاكتفاء بمُجرد التعاقب الزمني دليلًا على علاقة السببية هو تفكيرٌ شديدُ الفجاجة والسوقية. نعم السوقية؛ لأنّه يتّسم بالجهل والشيوع، وبه يتقوَّم كل التفكير الخرافي والسحري وثرثرة مجالس الفراغ والتَبَطُّل.
ومن الأمثلة الشائعة على هذه المُغالطة: (استخدمتُ هذا القلم أثناء الامتحان فأجبت على جميع الأسئلة بإجادة تامّة، إذن هذا القلمُ فألٌ حسن ولسوف استخدمه في كل الامتحانات القادمة).
المُغالطة لسادسة عشرة: السؤال المشحون (المُركَّب)
السؤال المشحون هو تكتيك يعمد الى دس "فروض مسبقة", غير مبررة وغير داخلة في التزامات الخصم , داخل سؤال واحد , بحيث ان اي جواب مباشر يعطيه المجيب يوقعه في الاعتراف بهذه الفروض .
مثال تقليدي :هل توقفت عن ضرب زوجتك ؟
فايا ما كان الجواب , نعم ام لا , فان المجيب يعترف بالفرض المسبق كاذبا او غير مبرهن عليه يكون هذا مثالا على مغالطة سؤال ملغوم او مركب انه شرك لانه يضيق على المجيب نطاق الخيارات الى صنف واحد من الاجابة المباشرة او عدد ضئيل من الاجوبة المباشرة يمكنها جميعا ان تضعف او تزعزع موقفه من الحوار .
امثلة :
هل تؤيد خفض الضرائب ويزادة رفاهية الشعب ؟
هل انت مع حرية المواطن وحقه في استخراج ترخيص لحمل الاسلحة؟
هل تؤيد حرية السوق وترك الرخاء يعم كل ارجاء العالم ؟
هل تريد ان تدرس موسيقى وتضيع وقتك ؟
هل تؤيد زيادة مصروفات التعليم العام ورفع مستوياته ونوعيته ؟
من البين ان طبيعة الاسئلة هذه تتضمن عدة امور وتطالب بجواب واحد
والصورة المنطقية لهذه الاسئلة هي :
هل تريد(تعتقد/توافق/فعلت) "أ" و "ب" ("ج" و "د" )
بينما يمكن ان ينقسم السؤال الى :
هل تريد "أ" ؟ هل تريد "ب" الخ
فاذا كان أ و ب مرتبطين حقا فلا مغالطة هناك اما اذا كان بالامكان الاجابة عن كل سؤال بجواب مختلف فاننا نكون في صدد مغالطة منطقية "السؤال المركب .
طريقة لدسّ “فروض مُسبقة” وغير مُبرَّرة وغير داخلة في التزامات الضحية داخل سؤال واحد، في شكل يجعلُ أي جواب مُباشِر يُعطيه المُجيب يوقعه في الاعتراف بهذه الفروض، والمثالُ التقليدي على ذلك: (متى أقلعتَ عن تعاطي المُخدّرات)، وهو عبارة عن باقة أسئلة مُغلفة معًا: هل كنت تتعاطى المُخدرات؟ وإذا كنت تفعل هل توقفت عن ذلك؟ وإذا توقفت فمتى؟
المُغالطة السابعة عشرة: التفكير التشبيهي (الأنالوجي/ المُماثَلة الزائف/ـة)
يقع المرء في هذه المغالطه عندما يعقِدْ مقارنة بين أمرين ليس بينهما وجه للمقارنة ، او أمرين بينهما مجرد تشابه سطحي و ليس بينهما وجه شبه يتصل بالشأن المَعْنيِّ الذي تريد الحجة ان تُثبِته .
من أشهر الامثلة على الانالوج الزائف تلك العبارة الشهيرة :
( انك لا يمكنك ان تصنع عجة دون ان تكسر بيضا )
منذ ان جادت قريحة لينين بهذه الصورة أصبح هذاالتشبيه البياني في القلب من فلسفة الثورات والانقلابات ، وغدا ذريعة مقنعة للغاية لسحق المعارضة دون رحمة . فاصحاب هذا الرأي يتصورون انفسهم في مرحلة شديدة الخصوصية من مراحل سير التاريخ ، هم فيها اما قاتلين او مقتلوين ، وعندما يقتلون في هذه المرحلة فان عليهم ان يتخلصوا من الطبقة الحاكمة والمعارضة وكل من لديه بهما ادنى صلة حتى الاجنة في البطون .
غير ان هذه المرحلة التاريخية ( التي تصور دائما على انها عابرة مؤقتة ) تظل مقيمة لا تبرح ، فلما كانت الاهداف المثالية البعيدة المنال تتأخر كثيرا ، وفترة خنق النقد المعارضة تطول أكثر فأكثر ، فان الاضطهاد والاستبداد سيزدادان حدة وان خلصت النوايا .
ولأن المقاصد والاهداف تُرى مثالية فان الفشل المستمر في تحقيقها جدير بأن يؤدي الى القذف بالتهم وادعاء ان شخصا ما يهز القارب ، فلابد ان يكون هناك تخريبا او تدخلا اجنبيا او قيادة فاسدة ( اذ ان جميع التفسيرات الممكنة التي تستثني نفسها تتضمن بالضرورة خبثا وشرا من جانب شخص ما ) . حينئذ تبرز ضرورة كشف المذنبين واستئصال شأفتهم ، ومن طلب مذنبين وجد مذنبين ، وهنا يكون النظام الثوري قدغرق في دم غليظ .
هناك ايضا رأي تشبيهي للملك جيمس الاول :
(النظام الجمهوري هو نظام زائف ومدمر ، ذلك لأن الملك هو رأس الدولة واذا انت فصلت الرأس عن الجسد فلن تعود بقية الاعضاء تؤدي وظائفها وسيموت الجسد كله )
هكذا يتبدى بؤس التفكير التشبيهي ، فالدولة لا تشبه الجسد الحي الا مجازا وتصويرا بيانيا ولا يمكن ان يستنبط من هذا التماثل أي قواسم مشتركة حقيقية بين الجسد والدولة .
يقع المرءُ في هذه المُغالطة عندما يعقدُ مُقارنةً بين أمرين ليس بينهما وجهٌ للمقارنة، أو أمرين بينهما مُجرد تشابه سطحي وليس بينهما وجه شبه يتّصل بالشأن المَعني الذي تريد الحجة أن تثبته.
من ثَم يذهبُ الكاتبُ إلى تفصيلِ الأنالوجي؛ أهميتها وحدودها وأنواعها ومَخاطرها، مباشرةً من الكتاب؛ سأتركُ لك مُتعةَ قراءتها.
من الأمثلة المُضحكة على التفكير التشبيهي: (العقول كالأنهار؛ قد تكون عريضة؛ وكلما كان النهر أعرض كان أكثر ضحالة. إذن كلما زاد العقل اتساعًا زاد سطحية).
المُغالطة الثامنة عشرة: مُهاجمة رجلٍ من القش
يعمد فيها المرء الى مهاجمة نظرية اخرى غير حصينة بدلاً من نظرية الخصم الحقيقيه ، و ذلك تحت تعمية من تشابه الاسماء او عن طريق افقار دم النظرية الاصليه و تغيير خصائصها ببترها عن سياقها الحقيقي او بإزاحتها الى ركن قَصيّ متطرف ، و تأتي التسمية من تلك الممارسة التي كانت شائعه في العصور الوسطى ، و التي تُستخدم فيها دمية على هيئة رجل محشوة بالقشّ لكي تمثل الخصم في ممارسة المقارعه بالسيف
ثمة طرائق مختلفه لاتخاذك رجل القش :
فقد تُقدِّم الجوانب الاضعف من نظرية الخصم و تتظاهر بأنك تُفَنِّد النظرية من كل جوانبها و قد تقدم حجة الخصم في صورة مُضعَّفه او مُبَسَّطه و قد تشوّه او تُحرّف حجة الخصم او تسئ تمثيلها وقد تختلق شخصاً وهمياً تنسب اليه اقوالاً و افعالاً وعقائد و تتظاهر بأنه يمثلّ الطائفة التي ينتمي اليها الخصم .
مثال :
كيف تحظى نظرية اينشتاين بكل هذا القبول وهي تذهب الى ان كل شئ مباح وان الاخلاق انما هي شأن نسبي يختلف من بيئة ثقافية الى أخرى .
( لاحظ الخلط بين نسبية اينشتين الفيزيائية الخالصة النسبية أو النسبوية الاخلاقية التي تتحدث عن المجال الاخلاقي والقيمي ولا صلة لها بمجال الفيزياء من قريب او بعيد )
علينا – مثلما اوصى ارسطو من قبل – ان نمثل رأي الاخرين تمثيلا امينا وكاملا وجوهريا ولن يتسنى ذلك الا بأن نحدد قائمة التزامات الخصم بأكملها ، تلك الالتزامات التي الزم بها نفسه في الحوار والمسجلة عليه كتابيا او صوتيا .
وقد استن كارل بوبر في مواجهة خصومه الفكريين مبدا جديدا يعد في ذاته درسا من اهم دروس المنهجية المستفادة من كتاباته ، فقد كانت طريقته هي ان يواجه نظرية الخصم من زاويتها القوية ، بل يحاول تقوية نظريته أكثر فأكثر وسد ثغراتها وتزويدها بمزيد من الحجج والدعامات قبل ان يشرع في شن هجومه . انه يريد ان يجعل من خصمه خصما جدير بمهاجمته وان ينقض على نظريته وهي في اوج قوتها وجاذبيتها ، انها طريقة مثيرة وشائقة ونتائجها اذا ما نجحت قاصمة مدمرة ومن الصعب ان تقوم لنظريته قائمة بعد ان يكون كل ما لديها من ذخر ومصادر امداد قد تم تدميره .
يعمَدُ المُغالِط هاهُنا إلى مُهاجمة حجّةً أخرى هشة وسهلة المنال وغير حصينة بدلاً من حجة الخصم الحقيقية. وتأتي التسمية من تلك المُمارسة التي كانت شائعة في العصور الوُسطى؛ تُستخدَم فيها دُمية على هيئة رجل محشوّة بالقش لكي تمثل “الخصم” في ممارسة المُقارعة بالسيف. ولا تزال صيغٌ من هذه المُمارسة شائعة حتى الان، خاصةً في مواقف التعبير عن الاحتجاج والكراهية وفي مظاهرات المناهضة السياسية.
مهما يكن من شيء؛ فإنّ مُهاجمة خصم من القش بدلاً من الخصم الحقيقي هي في أغلب الأحيان ضرب من الغش والجبن، وخروجٌ عن الموضوع، ومضيعة للوقت والجهد.
“كن رجلاً إذن، ولا يَكنْ دَيْدَنُك أن تنسج الدمى وتحشوها قشًا وتوسعها لكمًا… كُن مُحسنًا لخصمك، واعرض حجّته في أدّق صورة وأقواها، ثم قوّضها تكن قد فعلت شيئًا يُذكَر”.
المُغالطة التاسعة عشرة: مغالطة التشيّىء
التشيّىء؛ أن تُعامل المجردات أو العلاقات كما لو كانت كيانات مرئية. مثلاً: (الطبيعة تبغضُ الفراغ؛ لاحظ أن الطبيعة لا تبغضُ شيئًا.) أو (وحدها القوانين العادلة ما يداوي آلام المُجتمع؛ القوانين لا تداوي شيئًا والمُجتمعات لا تتألم.)
المُغالطة العشرون: انحياز التأييد (التأييد دون التفنيد)
هناك تجربة شهيرة تسمى بطاقات واسون ، وهي عبارة عن تعرض على المشاركين في التجربة اربع بطاقات ( كما هو مبين في الصورة ) ، كل بطاقة تحمل عددا على احد وجهيها وحرفا ابجديا على وجهها الاخر . ثم تطرح فرضية في هذه البطاقات وتقول انه اذا كان في البطاقة حرف متحرد على احد وجهيها فان في الطرف الاخر عددا زوجيا بالضرورة . والمطلوب من المشارك ان يقدم اسرع طريقة لاختبار هذه الفرضية .
في هذه التجربة وقع جميع المشتركين تقريبا في الاختيار الخطأ ( وهو E و 4 ) ولم يهتدوا الى الجواب الصحيح ( وهو K و 7 ) ، ذلك ان جميع المشاركين لجأوا الى اثبات صحة الفرضية وليس اثبات كذبها . اننا نقلب البطاقة اربعة لاننا نبحث فقط عن امثلة موجبة للفرضية وليس امثلة سالبة ، اننا نميل الى البحث عن دليل مؤيد حتى اذا كان الدليل المفند أكثر دلالة بكثير .
مثال اخر للمغالطه :
سياسى يرى أن الغاء الضرائب سوف يؤدى الى انخفاض معدلات الجريمه. و من ثم فقد طلب من الباحثين لديه أن يجمعوا أمثله لحالات ألغيت فيها الضرائب ثم انخفضت معدلات الجرائم. وجد الباحثون أن هناك مائه من هذه الأمثله فاستنتج السياسى أنه محق فى افتراضه بأن الغاء الضرائب سيقلص الجريمه .
لاحظ هنا أن السياسى أراد أن يؤيد نظريته لا أن يفندها و لعل باحثيه اذا بحثوا لأتوا له بمائتى حاله ارتفعت فيها نسبه الجريمه بعد الغاء الضرائب .
هكذا يتبين أن التأييد لا يحسم أمر النظريه بينما التكذيب يوجه اليها ضربه قاضيه. اما اذا صمدت النظريه امام التكذيب ستعد قويه و أهلا للأخذ بها .
هُنا حيث نجد الناس يلتفتون إلى الأحداث التي تتفق معها، أما الأحداث التي لا تتفق –رغم أنها الأكثر والأغلب- فيغفلونها ويغضون عنها الطرف، مثل حال الخُرافة سواء في التنجيم أو في تفسير الأحلام أو الفأل أو ما شاكل.
يعرض لنا أمثلةً توضِّح العلاقة المنطقية بين التحقيق والتكذيب؛ في سبيل تبيان أن للتأييد ما شئتَ من الأدلة المُتّسقة مع توثيقه، وهذا ما يخالف معايير العلم.
المُغالطة الحادية والعشرون: إغفال المُقَيِّدات
إغفالُ المُقيِّدات أو المُحدِّدات أو الشروط التي ينطوي عليها التعميم، واستخدام القاعدة ذات الاستثناءات المقبولة على أنها قانون مُطلق؛ فالتعميم الذي يصدق على الإجمال قد لا يصدق في حالة مُعينة.
المُغالطة الثانية والعشرون: مُغالطات الالتباس
كثيراً ما يتبدل معنى الكلمات اوالتعبيرات اثناء الحديث او في مساقِ حجة ، قد يحدث ذلك عن غفلة و قد يحدث عن عمد ، فيحمل الحد معنى معيناً في احدى المقدمات ، ويحمل معنىً مختلفاً تماماً في النتيجه ، عندما يعتمد الاستدلال على هذه التبدلات يُصبِحْ مُغالِطاً بطبيعة الحال ، ويُطلَقْ على هذا الفصيل من المغالطات ( الالتباس )
أمثلة :
كل قانون يجب ان يُطاع ، قانون الحاذبيه هو قانون اذن يجب ان يُطَاعْ
( هنا نستخدم لفظة قانون بمعنيين مختلفين ويسمى هذا الصنف من المغالطات مغالطة التباس الحد الاوسط )
كل العلوم تؤدي الى الفهم الافضل للعالم ،اذن علوم السحر تؤدي الى فهم افضل للعالم .
( حيث تستخدم كلمة علوم بمعنيين مختلفيين )
لالتباسِ الحجة في الحديث نوعان:
1- الالتباس المعجمي أو اشتراك اللفظ
ينجم عن كون مُعظم ألفاظ اللغة ألفاظًا مُشتركة لها أكثر من معنىً واحد، ومن وسائل التغلب التباس الألفاظ: التعريف والسياق. لذا؛ حين يعجز الأخيرين عن حصر نطاق المعنى الخاص بكلمة ما في معنى واحد بعينه ينشأ الالتباس. وحين تفعل ذلك في مساق حجةٍ ما، عفوًا أو عن قصد، تكون قد ارتكبت مُغالطة.
2- التباس المبنَى أو اشتراك التراكيب
من حيل المُنجِّمين أن يصوغوا تنبؤاتهم في صيغٍ مُتشابهة وغامضة بمنحىً تتملَّص فيه من اي شيء يُكذّب التنبؤ؛ ما يجعل النبوءَة مُتمنعة عن التكذيب أساسًا.
إن هذا الشكل من المُغالطات ضاربٌ في حياة البشر وفي صميم العقل الإنساني، وتجده جليًّا في النبوءات الواردة في كثيرٍ من الأساطير والمؤلفات القديمة.
3- النَّبْـر (التوكيد أو التشديد أو تشكيل الكلمات)
المُغالطة الثالثة والعشرون: مُغالطة التركيب والتقسيم
المغالطة رقم ( 23 ) مغالطة التركيب والتقسيم :
تتمثل مغالطة التركيب والتقسيم في الانتقال غير المشروع من خصائص الكل الى خصائص أجزائه المكونة ( تقسيم ) او الانتقال من خصائص المكونات الى الكل ( تركيب )
أمثلة على مغالطات التركيب :
جميع اجزاء هذه الالة خفيفة الوزن ، اذن هذه الالة خفيفة الوزن .
جميع مكونات هذا العقار رخيصة ، اذن هذا العقار رخيص .
الذرات لالون لها ، الكرة مكونة من ذرات ، اذن الكرة لا لون لها .
أمثلة على مغالطة التقسيم :
العدد 4 زوجي ، 1و3 هما كل اجزاء 4 ، اذن 1و3 هما عددان زوجيان .
الكرة زرقاء ، الكرة مكونة من ذرات ، اذن الذرات التي تكون الكرة زرقاء .
هي نقلةٌ خاطئةٌ لغويًا ومنطقيًا بين خصائص الكُل وخصائصِ أجزائِه المكوِّنة؛ ففي مُغالطة التركيب، تُضفى صفات الجُزء على الكل؛ إذ تكمن في عدم القدرة على إدراك كون الجماعة كيانٌ قائمٌ بحدّ ذاته؛ فمثلاً: تقييم الفراد مُختلفٌ عن تقييم الجماعة. وفي مُغالطة التقسيم، تُضفى خصائص الكل على المكوّنات، كأن يزعم شخصٌ أنّه ماهرٌ في صنعةٍ ما، بالاستناد إلى مهارة أسرته الذائعة الصيت (علمًا أنه ليس كذلك).
المُغالطة الرابعة والعشرون: إثبات التالي
المغالطة رقم ( 24 ) اثبات التالي :
العبارة الشرطية هي العبارة التي تضع شرطا ( يسمى المقدم ) ثم تمضي لتتحدث عما يلزم عن هذا الشرط ( التالي ) ، وفي مغالطة اثبات التالي يتم الانتقال في الاتجاه العكسي من اثبات التالي الى اثبات المقدم .
مثال :
اذا كان شئ ما انسانا فهو اذن فان – سقراط انسان – اذن سقراط فان
انها بالطبع حجة صائبة تماما ولا غبار عليها البتة ، لكن انظر الى الحجة القادمة التي يتم فيها عكس القضية والمضي من اثبات التالي الى البرهنة على المقدم :
اذا كان شئ ما انسانا فهو فان – قطتي فانية – اذن قطتي انسان
في العبارة الشرطية؛ تضعُ شرطًا مُقدَّمًا وتمضي في التالي لتتحدم عمّا يلزم عن هذا الشرط، وفي مُغالطة “إثبات التالي” يتم الانتقال في الاتجاه العكسي؛ أي من التالي إلي الشرط المُقدَّم.
مثلاً: (جميعُ الفصاميين يتصرفون بطريقة غريبة. هذا الشخص يتصرف بطريقة غريبة. إذن هذا الشخص فُصامي).
يوجد أيضًا نوعٌ آخر لهذه المُغالطة هو “إنكارُ المُقدَّم”؛ أي إذا قام المُغالِط في قضية شرطية ينفي المُقدم ويستنتج من ذلك نفي التالي، ومثالٌ عليه: (إذا كان هذا الاختبار قائمًا على معايير مُخادعة فسوف يكون إذن معيارًا غير صادق. ولكن المعايير ليست مُخادِعة. إذن فالاختبار صادق)
المُغالطة الخامسة والعشرون: ذَنْبٌ بالتداعي
يقع المرء في هذه المغالطة حين يذهب الى ان رأيا ما هو باطل بالضرورة بالنظر الى معتنقيه ، او ان دعوى معينة هي كاذبة لا لشئ الا لأن أناسا يبغضهم يقبلونها يأخذون بها ، فيعمد الى رفض الدعوى لانها مرتبطة في ذهنه بما لا يجب .
تستمد هذه المغالطة سطوتها من ميل فطري لدى البشر جميعا ، فالانسان لا يحب ان يقرن بمن لا يحب . لكأنما الحق او الباطل ينتقل بالتداعي من اصحاب الشئ الى الشئ .
أمثلة :
جميع الشيوعين من دعاة الحقوق المدنية ، مارتن لوثر كينج من دعاة الحقوق المدنية ، اذن مارتن لوثر كينج شيوعي .
كان النازيين دعاة لـ ( اليوجينيا ) تحسين النسل ، اذن لابد من ان يكون تحسين النسل شرا مستطيرا .
لا يحب الإنسان أن يُقرَن بمن لا يُحب؛ هذا ميلٌ فطري لدى البشر… عليه؛ قد يقعُ المرءُ في هذه المُغالطة حين يعتبرُ رأيًا ما هو باطلٌ بالضرورة بالنظر إلى مُعتنقيه، أي يَعمد إلى رفض الدعوى لأنها مُرتبطة في ذهنه بما لا يحب.
المُغالطة السادسة والعشرون: مُغالطة التأثيل
ثمة اعتقادٌ خاطئ يَقرُ في اذهانِ الكثيرين مفاده ان المعنى الحقيقي لأي كلمه يجب ان يُلتمس في الاصل التاريخي الذي أتت منه الكلمه او مايسمى في اللسانيات بـ ( التأثيل ) و هو اعتقادٌ فيه تبسيط مفرط لطبيعة اللغه و منشأها وقوانينها المُسَيِّره .
من ذلك ان كلمة " فنان " تأتي من كلمة فن وهو اللون ، قد تُلقي هذه المعلومه ضوءاً ما على استخدامنا الحديث لكلمة فن او كلمة فنان ؛ غير انه ضوءٌ شحيح واهن لا يغني كثير غناء في دراستنا لمعنى الفن و فلسفته و تجلياته و تذوقه و تقويمه و وظيفته في الزمن المعاصر و الأزمنة السالفه ، و ليس مايمنع ان ينبري متحذلق بأن التعليم لا ينبغي ان يكون إلزامياً بإعتبار ان كلمة ( education - تعليم ) مشتقه من الكلمة اللاتينيه educere التي تعني ( يغريه الكلام بحريه ) و قد تفيد معنى الملاطفة و الاجتذاب كمقابلٍ للقَسرِ والإرغام .
التأثيلُ؛ اعتقادٌ فيه تبسيطٌ مُفرط لطبيعة اللغة ومنشَئِها وقوانينها المُسيّرة، والتماسِ الأصل التاريخي الذي أتت من الكلمة كتأطيرٍ للمعناها الحقيقي. تتناسى هذه المُغالطة أن اللغة ليس كيانًا كلسيًا ثابتًا، وأن هناك تغيّرات كثيرة تعتريها منها: التغير الصوتي والتغير النحوي والتغير الدلالي.
يبسِطُ د. مُصطفى هاهُنا بعضًا من شريط تاريخ اللغة بدءًا بمعاني الكلمات وكيفية تغيّرها (مثل كلمة nice سبق وأن كانت تعني أحمق على عكس ما تعنيه اليوم؛ لطيف)، مرورًا بالقصص والمؤلفات التي من شأنها بيان منشأ اللغة وطبيعتها وانتهاء بخطورة اعتمادِ التأثيلِ في الكلامِ خاصةً في الحقل العلمي؛ أي فهم المُصطلح العلمي بمعناه اللغوي الدارج بين العوام.
المُغالطة السابعة والعشرون: الاحتكام إلى الجهل
" كان جحا غزير الشعر فسأله أحد جلسائه مداعبا ، كم عدد شعرات رأسك يا جحا ؟ فأجابه جحا دون تردد : عددها واحد وخمسون الفا وثلاثمائة وتسع ستون شعرة . فقال له جليسه متعجبا وكيف عرفت ذلك ؟ فأجابه جحا اذا كنت لا تصدقني فقم انت وعدها "
تفيد هذه المغالطه ان شيئاً ما هو حق بالضرورة مادام احدٌ لم يُبرهن على انه باطل ، والعكس أيضاً صحيح ، ان شيئاً باطلا مادام لم يُثبِت احد انهُ حقّ ، في كلا الحالين يؤخذ ( غياب الدليل ) مأخذ ( الدليل )
أمثلة أخرى :
ليس هناك دليل على ان الاشباح غير موجودة ، اذن الاشباح الموجودة .
أعتقد ان بعض الناس لديهم قوى نفسية خارقة
ما دليلك على ذلك ؟
دليلي انه لا احد استطاع اثبات ان الناس لا تملك قوى نفسية خارقة .
هذه مُغالطةٌ خطيرة؛ تُفيدُ أن شيئًا ما هو حقٌّ بالضرورة مادام أحدٌ لم يبرهن على أنه باطل. والعكس أيضًا صحيح؛ أي أن شيئًا ما هو باطل بالضرورة طالما لم يُثبت أحد بالدليل أنه حق. (ليس هنالك دليل على أن الأشباح غير موجودة، إذن الأشباح موجودة.)
لكن؛ قد تكون الحجة المُستفادة من الجهل غير مُغالِطة! كيف ذلك؟
مثالٌ بسيطُ لتوضيح ذلك: اتباع مبدأ السلامة في تناول الأسلحة؛ فإذا كنت تجهل ما إذا كان السلاح مُلقمًا بالذخيرة أم لا فإن عليك التعامل معه على أنه مُلقم، وأن تفتح خزانته قبل أن تلوح به، لكي تستوثق من أنه غير مُلقَّم.
أيضًا هناك أمثلة في عدة مجالات مثل: في المجال الطبي ومجال التاريخ والبحث العلمي ومجال علوم الحاسوب والعلوم الاجتماعية؛ يذهبُ الكاتبُ إلى التفصيل فيها.
المُغالطة الثامنة والعشرون: سرير بروكرُسْت
كان بروكرست في الميثولوجيا اليونانيه قاطع طريق يعيش في أتيكا ، و كانت له طريقه خاصه جداً في التعامل مع ضحاياه ، فقد كان يستدرج ضحيته و يُضيّفه و يُكرِم وفادته ، و بعد العشاء يدعوه الى قضاء الليل على سريره الحديدي الشخصي ، إنه سريرٌ لا مثيل له بين الأَسِرَّة إذ كان يتميز بميزةٍ عجيبه .. هيَ ان طوله يلائم دائماً مقاسَ النائم أيّاً كان ، غير ان بروكرست لم يكن يتطوع بتفسير كيف يتأتَّى لسريره ان يكون على مقاس الجميع على اختلاف اطوالهم ، حتى اذا ما اضطجع الضحيةُ على السرير بدأ بروكرست عمله ، فجعلَ يربطه بإحكامٍ و يشدُّ رجليه ان كان قصيراً ليمطهما الى الحافة او يبترهما بَتراً ان كان طويلا ليَفصِل منها ماتجاوز المضجع ، حتى ينطبق تماماً مع طول السرير و ظل هذا دأبه الى ان لَقيَ جزاءه العَدل على يد البطل الإغريقي ثيسيوس الذي اخضعه لنفس المَثُلة ، فأضجعه على السرير ذاته و قطع رقبته لينسجم مع طول سريره .
يشير مصطلح ( سرير بروكرُست ) الى ايّة نزعة الى ( فرض القوالب ) على الاشياء او الاشخاص او النصوص او لَيّ الحقائق و تشويه المعطيات و تلفيق البيانات لكي تنسجم قسرا مع مخطط ذهني مسبق . انه القولبة الجبرية و التطابق المُعتَسف و الانسجام المُبيَّت ، انه افتِئاتٌ على الواقع قلّما يفلت من غضبه المنطق و انتقام الحقيقه .
بروكرُسْت؛ جاء ذكره في الميثولوجيا اليونانية، وهو قاطع طريق يعيش في أتيا. كانت له طريقة خاصة جدًا في التعامل مع ضحاياه: يستدرجُ الضحية ويُضيّفه، وبعد العشاء يدعوه إلى قضاء الليل على سريره الحديدي الشخصي؛ الذي يتميّز بطوله المُلائِم لمقاس النائم عليه مهما اختلف. إلا أن هذه الميزة تأتي من بتر بروكرست لرجليه إن كان طويلاً ومطّهما إن كان قصيرًا… واستمر على هذه الحال حتى لقي جزاءه على يد البطل الإغريقي ثيسيوس بنفس طريقته هو.
يُشير المُصطلح لأي نزعة إلى “فرض القوالب” على الأشخاص أو الحقائق أو الأمور على اختلافها أو تشويه البيانات في سبيل القولبة الجبرية والتطابق المُتعسِّف.
وتتلون البروكرستية عدة ألوان يذهب المؤلف إلى ذكرها وتحليلها، منها: التأويلية والإكلينيكية والثقافية والسياسية والبحث العلمي والإدراك الحسي وهلُم جرًّا.
المُغالطة التاسعة والعشرون: مُغالطة المُقامر
وتنطوي هذه المغالطة على خطأ في فهم فكرة الاحتمالات. وتقع عندما يظن الشخص أن ما حدث في الماضي له تأثير على شئ لا يخضع إلا للاحتمالات.
مثال: قول شخص لآخر: لقد خسرت السحب في الخمس مرات السابقة لابد أنك ستكسب هذه المرة!. هذه مغالطة. لأن فوزه في السحب قائم على فكرة الاحتمالات، واحتمال فوزه في السحب في المرة الأولى لن يتغير عن المرة المليون، مع افتراض ثبات عدد المشاركين في هذا السحب.
(لقد اشتريتُ ثمانية بطاقات حظ الأسبوع الماضي، ولم تكن بينها أي بطاقة رابحة. وحيث أن فرص الربح هي واحدة لكل تسعة، فإن بطاقتي القادمة ستكون رابحة على الأرجح).
هذا مثال واضحٌ جدًا عمّا تنطوي عليه هذه المُغالطة؛ إذ يرتكبها المرء عندما يظنّ أن ما وقع في الماضي له تأثير في الأرجحية أو الاحتمالات الحالية.
المُغالطة الثلاثون: المظهر فوق الجوهر
يقع المرء في هذه المغالطة عندما يولي اهمية زائدة للاسلوب الذي تم به عرض حجة ما ، بينما يهمش او يتغافل مضمون الحجة ومحتواها. للطلاء دائما رونق يموه ما تحته وللبيان دائما سحر يعمل عمله بمعزل عن الفحوى .
أمثلة :
من المؤكد ان حجة رئيس المجلس ضعيفة وانه قد حسر الجدال ، الا ترى كم كان جبينه يتفصد عرقا ووجهه يحمر ارتباكا ؟
لا شك ان هذه الغسالة الكهربائية هي الافضل صنعة والاطول عمرا من غيرها ، لأن البائع كان يتحدث عنها بطلاقة واقناع .
قد تقع في هذه المُغالطة عندما تولي أهمية زائدة لأسلوب وزخرفة عرض الحجة على حساب محتواها؛ لا يغرّنك مظهر الحجة فهو لا ينم عن جوهرها، بل ولا يؤثر البتة في تفنيدها أو تحديد قيمة صدقها.