مضى الآن سنوات منذ أن عرفنا
مصطلح ريادة الأعمال عربيا ويبدو أن السنوات مرت ونحن لانزال نناقش تعريفه فقط !
هذا ما يقوله الواقع ؛ فالنتائج
على أرض الواقع شحيحة وليست ثورية ولا تتناسب أبداً مع الهالة الإعلامية والاهتمام
الكبير والمؤتمرات التي تعقد بين فينة وأخرى والمستثمرين الملائكة ( هكذا يسمونهم
) وحاضنات الأعمال المتناثرة في شوارعنا والتي لا تكاد تخلو أي مدينة كبرى في
مدننا العربية من مكتب ارشادي لهذه الحاضنات .. والنتيجة لازالت لا تتناسب أبداً
مع هذا الاهتمام .
اليوم سأكتب عن خمسة أسباب أراها
من وجهة نظري هي الفجوة بين الواقع المرير وما هو مأمول .
1- فكرتي ( أخاف أن تُسرَق ) :
في مجتمعنا نجد لدى الجميع أفكار
عبقرية مثل أفكار بيل جيتس ستحقق له ثروة أزلية وأفكار على غرار أفكار ستيف جوبز
ستغير من شكل العالم ، وأفكار على غرار أفكار جيف بيزوس لبناء متجر في الهواء يبيع
كل شيء لكل العالم لذا هم يخافون عليها حتى من نسمات الهواء .
في مجتمعنا جلهم يتمتعون بشخصيات
خارقة للعادة بارعون في الابتكار والتسويق والمحاسبة والبرمجة والعلاقات العامة
ولا ينقصهم سوى التمويل لذا هو حجر عثرة في طريقهم.
هؤلاء يؤمنون بفكرة الأنا
وفقط ،متناسين فكرة أن تأسيس شركة ناشئة يتطلب وقتاً لتجد من يؤمن بك ويعمل
معك قبل أن يشتري منك .. الشركة الناشئة بحاجة عدة عقول متباينة التفكير لتفكر
بشكل جماعي للخروج بقرار , بحل , بفكرة عبقرية من شأنها تطوير المنظمة.
هذا الانغلاق والخوف على الفكرة
لن يقدم في الأمر شيء سيبقيها حبيسة الأدراج وسيضعف الثقة في الجميع بدءاً بأقرب
الأصدقاء وانتهاء بالمستثمرين وحاضنات الأعمال والتي من شأنها ترجمة هذه الفكرة
إلى واقع .
فتواجد الشركاء يضمن لك ثلاث
استراتيجيات مهمة لأي منظمة :
1- وجود قدر من المنافسة :
الجميع يواجه عقبات وشخصيات
مثبطة وأمور عدة تدعوه يوميا للاستسلام وترك طريق الريادة المحفوف بالمخاطر وعيش
حياة هادئة وجميلة تنعم بالأمان في كل خطواتها ، لذا تواجد الشريك الذي قد يكون
لديه القدرة على تحمل الضغوط او لديه بعض الحلول لتسهيل أي مهمة لهي فكرة سديدة
فالمؤازرة لا يضمنها لك بحق سوى الشريك المناسب .
2- توافر حب المخاطرة :
إن فريق العمل يضمن لك تجربة
فريدة من خلال طرق أبواب جديدة في كل مجال فالشريك المسؤول عن التسويق مثلا قد
يفكر بتجربة استراتيجية جديدة في التسويق تضمن لك قدراً من النجاح فيما لو نفذت
كما هو مخطط لها فجرأة كهذه لن تقوم بها لو كنت لوحدك .
3- الإحساس بالانتماء :
إن الشريك ليس كالموظف فيما لو
تحدثنا عن الانتماء فالشريك لا يتقاضى أجراً إضافيا لإنجاز مهمة خارج ساعات الدوام
الرسمي كالموظف , الشريك لا يفكر بقدر من الراحة في سبيل أنجاح رؤية المؤسسة فهو
يشعر للانتماء .
2- ضعف التشارك المعرفي
( ستقل نسبتي في امتلاك الشركة
لو أدخلت شركاء معي )
إن السبب الرئيسي في كون ريادة
الأعمال في أمريكا بالذات وغيرها من الدول تنمو بشكل أسرع وأكبر هي :ثقافة
المشاركة المعرفية .
وادي السيلكون في أمريكا وحده
تعد نسبة نجاح الشركات الريادية التقنية الناشئة فيه هي الأعلى في العالم. ولو
سألنا أنفسنا لماذا كل هذا النجاح في وادي السيلكون بالذات لوجدنا أن نسبة الشركات
التي تنشأ بثقافة مؤسس واحد معدومة بتاتا .. أما البقية فيغلب عليها أن تجد فريق
مكتمل بهيكلة كاملة جميعهم شركاء في المشروع وبنسب معينة وهذا ما جعل النمو أسرع
وأكبر فيها عن غيرها من المدن.
أما في عالمنا العربي كونه لا
يوجد لدينا مدينة كـ (السيلكون فالي) لكن هنالك العديد من
المؤتمرات التي توفر لك الفرصة على التعرف على شركاء جدد في الجانب الذي ينقص
مشروعك لتكتمل بذلك هيكلة شركتك. وهنالك فكرة الانضمام لشركة أخرى إن كان هنالك
فرصة للتكامل وتكوين منظمة بقيمة تنافسية عظيمة.
وهنالك قصة ذات دروس عميقة تؤكد
على قيمة التشارك المعرفي وهي عندما زار الجنرال ماكريستال وادي السيلكون ذات يوم
فوضع نموذجاً من أربع خطوات توضح القيمة المثالية لفرق العمل وتأثيرها وهذه
الخطوات كالتالي:
1- المهام المشتركة:
هنا تحدث الجنرال عن الرؤية التي
تحرك الفرق في أي منظمة نحو تحقيق هدف معين رغم اختلاف طريقة العمل في كل فريق لكن
الرسالة الواضحة تبعث روح الحماس وتحفز جميع الفرق على الإنجاز.
2- الوعي المشترك:
في هذا الجزء بالذات تحدث عن دور
مشاركة المعلومات مع فرق العمل وبشكل أبسط يكمن هذا التعريف في مفهوم علم بأكمله
وهو التمكين الذي حول منظمات كثيرة من منطقة الخطر ( الإفلاس ) إلى شركات قيادية
وأتذكر جيداً قصة مطعم إسمه (Johney Rocket ) والذي اصبح بفضل التمكين أحد أفضل المطاعم عالمية وجودة
وذاع صيته حتى أصبح لديه اليوم 88 فرع حول العالم .
3- التمكن من التنفيذ :
في حال تمت مشاركة جميع
المعلومات وفهم فرق العمل لغاية المؤسسة وآمنت بها فالتنفيذ سيكتنفه الحماس
والرغبة في الإنجاز ليس فقط بأسرع وقت بل بأفضل ما يمكن .
4- الثقة :
فريق العمل بمنظمتك إن كان قد تم
إختياره بعناية فائقة فينبغي أن تعطيهم الثقة المطلقة للقيام بأعمالهم ، فسلب
الثقة قد يخلق لك المشاكل والتي قد تتسبب في أقصى احتمالاتها إلى انهيارك كونك
شركة ناشئة .
3- تذويب الريادة
( أووه .. أردنا تشجيعهم ، ولكن
يبدو أننا أسأنا للريادة فعلا ) !
كيف تكون رائد أعمال في 10 أيام
كيف تنشئ مشروعك في 8 أسابيع
كيف .. كيف .. كيف ..
كلها عناوين تسويقية لا أكثر و
لا تخاطب شخصية الريادي .
كلها تصور الريادة على أنها
قوانين نتيجتها واحدة ( الربح ) وعليك تطبيقها لتصبح ريادي أعمال فجأة ودون سابق
إنذار لتستعد حينها للذهاب لتحديث معلوماتك في مواقع التواصل لتكتب (Entrepreneur ) وأنت في الحقيقة
لم تصبح رائد أعمال بعد . كل هذا التذويب لهذا المعنى لم نجني منه سوى هذه النتائج
الغير مشجعة فعلا ً, وهنا لا أنفي أهمية الأفكار التي تطرح ولكن حتى الآن لم نجد
تلك الأفكار الثورية التي توصلنا بحق الى العالمية سوى قليلاً منها .
الريادة يا عزيزي الريادي أسلوب
حياة , الريادة يعني أن تفكر أن تبتكر حلولا أكثر مما تقلد , الريادة أن تدرك
والادراك بحد ذاته نعمة . الريادة تهتم ببناء الفرد وشخصيته فينبغي أن تتسم شخصيته
بالجرأة وخوض المخاطرة برأس المال من أجل إنجاح الفكرة التي لطالما حلم بها.
أيضا تشكل الرؤية الواضحة لريادة
الأعمال جزء كبير من نجاحه والتي تساعده على اتخاذ القرار المناسب ووضع الخطة
المناسبة كما أن التطور والتعلم المستمر تبني هوية قوية لشخصية قيادية وهذا ما
ينبغي أن تكون عليه شخصيتك كريادي لا منغلقاً على فهمك وحفظك المطلق لفكرتك وفقط.
خـذ ” ستيف ووزنياك ”
كمثـال ، الذي كون اللبنة الأولى لشركة أبل العملاقة ، لم يكن يمتلك شخصية الريادي
وانتهى به المطاف لترك الشركة لصديقه ستيف جوبز والذي كان محظوظا بمرافقة عبقري
كهذا لكن حظ كهذا يحتاج أن تكون مستعداً له كـ ستيف جوبز فقد كان بارعا في التسويق
ويمتلك كل صفات الريادي وعلى الرغم كونه كان بارعاً في التسويق إلا أنه كان لديه
قدرة كبيرة في إدارة فريق العمل فقد بنى شركته بفضل ذلك.
وعندما انهارت الشركة وأصبحت لا
تمثل في السوق سوى ما نسبته 3 % طالب الجميع بعودة ستيف وفعلاً عاد وعادة مع
الشركة إلى سابق عهدها من ابتكار نماذج أعمال جديدة ودخلت أسواق جديدة وأوجدت
عملاء جدد وكل هذا بفضل رغبته في تغيير العالم .
4- الإجراءات الحكومية الروتينية المملة .!
( قوانين نسخت منذ أمد ونسوا
تعديلها على مايبـدو !)
أتأسف حقاً عندما أرى تذمر رواد
الأعمال العرب من الأنظمة والقوانين التي إما أن تتسبب في إعاقتهم كثيراً أو أنها
لا تحميهم بحق مما يتسبب في انهيار حلم تلك الشركة الناشئة ، فلو أخذ الأمر من
مبدأ أن الشركات الريادية هي اللبنة الأساسية لأي اقتصاد وهي السبب الرئيسي وراء
توقف تسرب الأموال الداخلية الى الخارج لعملت على تسهيل بعض الإجراءات والأخذ
بأيديهم والخروج بهم الى بر الأمان ومن العوائق التي أحببت التطرق اليها هي عائقين
من ضمن عشرات العوائق :
1- مشاكل التأسيس :
هنالك العديد من القوانين
المحلية في وزاراتنا المنسوخة منذ أمد ولم يتم تحديثها وأصبحت تشكل عائق كبير أمام
الشركات الريادية وهي سبب وراء موتها كفكرة قبل ولادتها في السوق فعلى سبيل المثال
هنالك أنظمة لا تتيح لك تسجيل أي شركة تجاريا مالم يكن هنالك مكتب على ارض الواقع
وهذا ما يقتل الشركات التي تعمل من المنزل وقانون أخر لا يتيح لك تسجيل شركة برأس
مال أقل من المبلغ المحدد من قبل الوزارة رغم أن رأس المال يغطي جميع التكاليف
المتعلقة بالمشروع .
2- مشاكل الحماية :
في أحد المؤتمرات الريادية كان
الحديث عن عدم وجود
قانون ونظام يحمي الشركات الناشئة من سطوة وسلطة الشركات العملاقة التي تخضع
لخدمات هذا الريادي وتبرم معه عقداً وتضع عليه طلبات تثقل كاهله ليكتشف الريادي
عقب ذلك أن قيمة العقد بالكاد تغطي قيمة تكاليف الطلبات الواردة بالعقد وتكون
أحياناً سبب إفلاس الكثير من الشركات الناشئة فهذا استنزاف ومحاربة للريادي من قبل
مؤسساتنا التي من المفترض أن تكون الداعم الرئيسي لريادة الأعمال وأخرى لا تفي
بالدفعات الموقع عليها في العقد وفي حال فكر الريادي في رفع دعوى فالأمر مكلف جدا
على شركة ناشئة .
أما السبب الخامس فهو منكم
واليكم فأنتم من سيذكره لإثراء هذه التدوينة