لو طلبت منك أن تذكر لي قصة نجاح عالمية و معروفة، ما هي أول قصة ستخطر على بالك ؟
ربما ستذكر لي قصة تأسيس سلسلة مطاعم McDonalds مثلأ، أو ربما قصة تأسيس شركة Microsoft أو Apple أو Walt Disney أو Toyota .. وهذا بالطبع صحيح.
من ناحية أخرى، هناك العديد من قصص النجاح لأشخاص أسسوا شركات و أعمال لاتقل أهمية أو ضخامةً عن الأمثلة التي ذكرتها ، أسماء تلك الشركات ربما غير مألوفة لبعضنا لأن الخدمات التي تقدمها هي خارج نطاق اهتمامنا، أو لأن تلك الشركات لم تتوسع بعد في المنطقة العربية.
كارلوس غصن.. المدير التنفيذي “اللبناني الأصل” الذى أنقذ نيسان !
KUMON..قصة نجاح مظلومة
سأتحدث اليوم عن Toru Kumon.. أستاذ الرياضيات في المدرسة الثانوية في قرية Osaka اليابانية، والذي استطاع أن يبني امبراطورية تعليمية عالمية من منزله…المنزل الذي تحول لاحقاً إلى ضريح يقصده الزوار في اليابان تقديراً منهم على ما قدمه للأجيال ..
في أحد الأيام من شتاء عام 1954 جاء Takeshi (الابن الأكبر ل Toru Kumon) حزيناً يحمل معه تقرير من أستاذه بأن درجاته في امتحان الرياضيات كانت سيئة. كان Takeshi في الصف الثاني الابتدائي وقتها.
قضى الأب تلك الليلة مفكراً في طريقة يمكن أن يساعد فيها ولده لتحسين مهاراته في الرياضيات. كانت العملية معقدة، فمن خلال خبرته يعلم أن من أهم التحديات التي تواجه مدرس الرياضيات هي تحديد المستوى الذي يجب أن يبدأ به مع الطالب، هل يبدأ من أساسيات العد والحساب؟ أم بالعمليات الحسابية ؟ أم غير ذلك ؟ كيف يمكن أن يعرف؟
في اليوم التالي قرر أن يقوم بكتابة مناهج خاصة لتعليم ابنه، المناهج ستكون مصممة خصيصاً له، بغض النظر عما كان يدرسه في المدرسة.
قضى KUMON الأب أسابيع طويلة يحاول كتابة تلك المناهج، اتبع أسلوب التجربة و الخطأ مع ولده، وبعد أشهر توصل إلى طريقة أعتقد أنها تناسب مستوى الطفل في تعلم مهارات الرياضيات.
بعد اتباع تلك الطريقة استطاع الطفل أن يحسن علاماته في الرياضيات بشكل ملحوظ، مما لفت انتباه أستاذه، و انتباه أهالي بقية الأطفال في المدرسة. عندما أصبح الطفل في الصف السادس، أصبح يقوم بحل مسائل متقدمة، مسائل من مستوى الرياضيات التي تدرس في المدارس الثانوية.
النجاح الباهر الذي حققته مناهج KUMON جعل الأهل يطلبون منه تعليم أطفالهم ، وهذا مافعله، كان ينظم دروس لأطفال الحي في منزله. النتيجة كانت تفوق الأطفال بشكل ملحوظ في جميع مناهج الرياضيات.
طريقة KUMON
فلسفة KUMON في التعليم تعتمد على فكرة بسيطة.. ليس بالضرورة أن يكون خطأ التلميذ إن لم يحصل على علامات جيدة في المقررات، لأن نفس المقرر ربما لاتناسب جميع التلاميذ بنفس المستوى.
من ذلك المبدأ انطلق KUMON بفكرة وضع منهجه الخاص ، وهو أن يبدأ بتعليم التلميذ مهارة بسيطة جداً ، وفي كل يوم يتم إدخال تطوير طفيف جداً على تلك المهارة ، لاينتقل التلميذ إلى المهارة التالية قبل أن يتقن المهارة التي تسبقها. يتم تكرار ذلك بشكل يومي ومدروس، حتى يتعلم الطفل المهارة بعمق،بحيث يستطيع أن يمارسها بسهولة، و سرعة .
يقصد بالتكرار المدروس التكرار الذي يترافق مع تطوير بسيط جداً للفكرة المراد تدريسها، و هو عكس التكرار الجامد، الذي يتم فيه إعادة نفس الفكرة دون تغيير .
يقسم المنهاج إلى أوراق عمل أو Worksheets ، كل مجموعة من أوراق العمل تعالج مشكلة معينة يجب على التلميذ أن يتعلم حلها، على سبيل المثال، هناك أوراق عمل لتعليم مهارة العد، وأوراق عمل لتعليم مهارة قسمة عديدين، و هكذا…
يقوم التلميذ و بشكل يومي بدراسة ورقة العمل لمدة لاتزيد عن نصف ساعة. في كل يوم يقوم بتعلم مهارة جديدة، ويقوم بحل تمرين أصعب قليلاً من التمرين الذي قام بحله في اليوم السابق.
يتم تكرار هذا المنهج حتى ينتهي التلميذ من ورقة العمل المخصصة لتلك المهارة، ثم يقوم باختبار مدته عشر دقائق. ينتقل إلى المهارة التالية فقط إذا حل جميع التمارين بشكل صحيح خلال الوقت المتاح للاختبار. المجموع الكلي لأوراق العمل في مادة الرياضيات هو 4620، مدة دراسة كل ورقة ثلاث دقائق.
الثقة بالنفس عند الطفل
مهمة جداً في طريقة KUMON ، لذلك فإن البرنامج يقوم بإجراء اختبار مبدئي لتحديد مستوى الطفل الحقيقي، و بشكل آلي يتم إدراج الطفل في الصف الذي ينقص عن مستواه الحقيقي بصفين اثنين.
مثلاً، إذا كان مستوى الطفل الحقيقي هو الصف الخامس، يتم إدراج الطفل بشكل مجاني في الصف الثالث . الهدف من ذلك هو أن تكون المرحلتان اللتان يجتازهما الطفل سهلتين، مما يعزز ثقته بقدراته، و يحفزه على الاستمرار،
يقول KUMON:
إن وجد التلميذ المنهاج سهلاً فإنه سيشعر بالملل، و إن كان المنهاج صعباً فإنه سيشعر بالاحباط. من هذا المبدأ فلا يجب فرض منهاج واحد على جميع التلاميذ، و إنما يتم تدريس كل تلميذ المنهاج الذي يناسب طريقة تفكيره بشكل متسلسل و متكامل.عندما يدرس التلميذ ضمن حدود فهمه و قدرته فإنه سيحقق النتائج و يستمر اكثر بالتعلم
يؤمن KUMON أن التلميذ بالفطرة لديه الشغف ليتعلم بنفسه دون أستاذ، هذا المبدأ تم اعتماده في جميع مراكز KUMON لاحقاً.
فشل مشروعه الناشئ .. فتحوّل لرائد أعمال ناجح !
من المنزل، إلى مكتب، إلى شركة عملاقة تغزو القارات..
#في عام 1958 قرر KUMON أن يفتتح مكتباً صغيراً بسبب عدم اتساع منزله لأعداد الطلاب المتزايدة.
#مع بداية عام 1974 كانت مراكز KUMON موجودة في معظم المدن اليابانية.
#في نفس العام تم افتتاح أول مركز خاج اليابان في مدينة نيويوك في الولايات المتحدة الأمريكية..
ومن ثم تتابع اتساع مراكز KUMON حتى افتتحت فروعاً في ألمانيا، بريطانيا، إيطاليا، اسبانيا، فرنسا، البرازيل، كولومبيا، الأرجنتين، تشيلي، حنوب أفريقيا وكندا .
#في عام 1981 بلغ عدد الطللاب المسجلين في مراكز KUMON مليون طالب.
#في عام 2000 تم افتتاح فروع في البحرين ودبي و قطر و عمان.
#اليوم، يوجد حول العالم حوالي ثلاثين ألف مركز يحملون شعار KUMON.
#هي الشركة الأكبر في الولايات المتحدة وفي العالم والتي تعمل في مجال تعليم الأطفال. حافظت على موقعها الأول في مجال التعليم للسنة الثالثة عشرة على التوالي.
اليوم يوجد 16 مليون طالب في KUMON، متوزعين في ثلاثين ألف مركز منتشر في 45 دولة، جميعهم يتعلمون الرياضيات والقراءة واللغات باتباع مناهج كتبها KUMON الأب.
توفي KUMON عام 1996. هو استاذ الرياضيات الوحيد الذي تحول منزله إلى متحف يقصده الناس للاطلاع على مقتنياته الشخصية التي التي استخدمها في تأليف المناهج الأولى.
جونى ايف.. من طفولة ابداعيــة إلى مصـمم آبل العبقــرى !
خاتمة و رأي
من أهم مبادئ KUMON التي لفتت انتباهي هي أهمية تحفيز الطفل، الطريقة الابداعية التي اتبعتها KUMON ستضمن تحفيز مؤكد للطفل، و ذلك بتسجيله بمستويات متأخرة عن مسواه الحقيقي. على الرغم مما قد تتعرض له هذا الطريقة من انتقادات الا أنني اعتقد انها غاية في الأهمية ، فتحقيق نتائج إيجابية في البداية هو أمر مهم جدا للطفل، وحتى للكبارـ فعندما تبدأ بمشروع ما و تحقق نجاحا فهذا يدفعك للاكمال بما بدأته.
ايمانك بطفلك هو من اهم الحوافز التي يمكن أن تمنحها له. في المجتمعات العربية بشكل عام ربما نوجه اللوم للطفل اذا لم يحصل على درجات عالية، و لكن في معظم الأحيان يدرس الاهل الاسباب التي أدت إلى اخفاقه. هل فكرت مثلاً ان المناهج التي يدرسها ربما لاتناسب طريقة تفكيره ؟
فشل الطفل في نظام التعليم التقليدي و عدم حصوله على الدرجات الكاملة لايعني بالضروره اخفاقه في الحياة، فهنالك العديد من الأمثلة لعلماء لم يكونوا أذكياء بمعايير المدارس التي درسوا فيها عندما كانوا أطفالاً، أديسون و آينشتاين كمثال.
وأخيراً، بحكم عملي في شركة KUMON فقد التقيت مؤخراً برئيس مجلس الإدارة في أحد المؤتمرات، السيد Toru Kumon ، ابتسمت و قلت في نفسي
لولا درجاتك المتدنية التي حصلت عليها في الصف الثاني لما أسس والدك هذه الامبراطورية التي انت رئسيها الآن