30‏/11‏/2017

"قرأ ولم يرد".. الرسائل النصية واضطرابتنا النفسية

مقدمة الترجمة
يتناول التقرير مشكلة الاعتماد الشديد على الهواتف الذكية في التواصل مع الآخرين، وتأثير تلك المشكلة على الأطفال بشكل خاص، ففي حين يرى البعض أن التواصل عبر الهواتف الذكية يزيد من الأمان، ينظر علماء النفس لهذه الحالة على أنها تساهم في حالات اضطرابات النفسية.
نص التقرير
تغيرت ثقافتنا كثيرا نتيجة للهواتف الذكية، فصار بإمكاننا الاطمئنان على كل ما يشغلنا بمجرد إرسال رسالة نصية إلى أصدقائنا، وصرنا نشعر بالقبول عندما نحصل على "إعجاب" على منشوراتنا في تطبيقات مثل إنستغرام وفيسبوك. ولكن ذلك الاعتماد الشديد على الأجهزة مسؤول عن حدوث تغييرات في طريقة تنظيم عواطفنا، ومن النتائج الثانوية لتلك الاتصالات الفورية تضاؤل القدرة على الشعور بعدم اليقين.
 
تبيّن أن عدم تحمّل ذلك الشك ينطوي على مجموعة من المشكلات النفسية. قد يعتبر علماء النفس أن الاعتماد المفرط للشخص على هاتفه سلوكا دالا على "البحث عن الأمان" ما يقلل من القلق لحظيا. ولكن مع مرور الوقت، تقوم تلك السلوكيات بتغذية القلق لأنها تمنع الناس من إدراك حقيقة أن خوفهم لا أساس له بمجرد اكتشاف حقيقة الوضع فعلا، أو أنه شيء يستطيعون التعامل معه.

وهذه مشکلة للأطفال بشكل خاص، إذ قد تؤدي تلك السلوكيات إلى حدوث خلل في قدرتهم على بناء القدرة على المواجهة. وللأسف فبعض التطبيقات، مثل الماسنجر أو خاصية معرفة ما إذا كان المُرسَل إليه قد "قرأ" الرسالة الموجودة في الآيفون، تخبر المرسِل ما إذا كان الطرف الآخر موجودا أو قد قرأ رسالته.
  

نحتاج إلى إعادة تدريب أنفسنا، وأبنائنا المراهقين، لمواجهة ذلك الاستغلال الواضح لحالة "الخوف من التغيّب" والخوف من الرفض. تَعَلُّم مواجهة عدم اليقين أمر ضروري للصحة العقلية.
الشك مفيد لنا
سجلت الأبحاث التي درست مجموعات من الأشخاص المصابين بأمراض عقلية أن الأفراد الذين يعانون من مجموعة من الأمراض العقلية أقل قدرة على تحمل الشك مقارنة مع أولئك الذين ليس لديهم تلك التشخيصات. وكلما قلّت قدرة الشخص على تحمل الشك زاد احتمال تشخيصه بعدد أكبر من أمراض الصحة العقلية. وقد لوحظ ذلك في البالغين، وخَلُصت أبحاثنا غير المنشورة إلى وجود نفس الارتباط عند الأطفال.

نعلم أن عدم اليقين في الأمور الإيجابية، مثل العلاقات الجديدة، وقراءة كتاب مثير، أو تلقي هدية مُغلقة، يُحسّن من مشاعرنا. المقامرة وإشعارات التطبيقات والرموز التعبيرية كلها تلعب دورا في هذه الآلية. تخيل الطنين الطفيف الذي تستقبله عندما تتلقى رسالة دافئة من صديق كنت تحبه على وجه الخصوص. إشعارات الهاتف تستفيد من ذلك الإحساس بالترقب، وتتداخل مع تركيزنا وتجذب انتباهنا مرة أخرى إلى الجهاز.
 
 

على النقيض، فوجود الشك في الأمور ذات الأهمية الشخصية، مثل الخوف من فقدان الوظيفة، أو تخيل أن مَن نحبهم لا يبادلوننا نفس الشعور، أو خوفا من الرسوب في الامتحان، أمور تزعزع استقرار الكثير منا، إذ إنها تجعلنا راغبين في القضاء على ذلك الشك بسرعة، وهو فخ آخر يمكن أن يعود بنا إلى الاعتماد على الجهاز مرة أخرى. الهواتف الذكية وتطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي تعني سهولة الاتصال بالآخرين للشعور بالاطمئنان عند مواجهة موقف مثير للقلق بدلا من التعامل معه بأنفسنا. ولذا، عندما ينجلي ذلك الموقف قد يعتقد الشخص أن قدرته على التعامل معه كانت بسبب الطمأنينة التي تلقاها، بدلا من تطوير الاعتماد على الذات. كما قد يبدأ في الاعتقاد بأنه "بحاجة" إلى هاتفه.
  
معالجة الشك
كونك أكثر راحة مع عدم اليقين أو الشك يُحسّن القدرة على التعامل مع القلق ويرتبط ارتباطا وثيقا بتحسّن الأشخاص الذين يعانون من القلق. عند علاج القلق يشجع علماء النفس عملاءهم على الجلوس في موقف معين مع جهلهم بنتائجه، وتعلم الانتظار لمعرفة ما إذا كان ما يخافون منه سيحدث.
نطلب من عملائنا التعامل مع الوضع في حياتهم الطبيعية دون الحصول على طمأنة أصدقائهم المقربين أو عائلاتهم. من خلال الاعتياد على عدم اليقين يتعلم الفرد تدريجيا أن يُشتت نفسه، وألا يحاول السيطرة على المواقف، ويدرك أن بإمكانه النجاة من محنة "عدم المعرفة" في ذلك الموقف. في الغالب بعد وقت من الانتظار لا تقع النتيجة المخيفة المتوقعة، أو أنها تكون محتملة. وهذا النوع من العلاج السلوكي المعرفي يُعتبر أفضل الممارسات في جميع حالات اضطرابات القلق. 
 
القلق يؤدي إلى مزيد من القلق، القدرة على الانتظار والتخلي عن الرغبة في السيطرة على جميع المواقف هو المفتاح الرئيس للتغلب على القلق
مواقع التواصل
من الطبيعي أن يشعر الشخص ببعض الاستثارة عندما يكون هناك شك حول شيء مهم بالنسبة له. استخدام الهواتف للدفع بالقلق نحو شخص آخر يمنع الإدارة الذاتية. وفي كثير من الأحيان لا ندرك أنه بعد فترة من الوقت (وأحيانا الكثير من الإلهاء) سيختفي ذلك الشعور البغيض. وتذكر القول المأثور "عدم وجود أخبار هو خبر جيد"، وقاوم نزعة البدء بالمراسلة.

إذا حدث شيء غير سار فمن المفيد التحدث إلى أحد الأشخاص والتفكير في الوضع الذي يزعجنا، خاصة إذا كان ذلك الأمر مهم حقا. ولكن أن يكون هذا هو خيارك الأول للتعامل مع كل الحالات فهذا ليس صحيا. يخبرك علماء النفس بأن القلق يؤدي إلى مزيد من القلق، والتحدث عن أمر مثير للقلق بشكل متكرر لا يغير النتيجة. القدرة على الانتظار والتخلي عن الرغبة في السيطرة على جميع المواقف هو المفتاح الرئيس للتغلب على القلق.
 
إذا كان لديك شريك لا يتوقف عن النظر في هاتفه فشجّعه على مشاركتك (مواقع التواصل)

مساعدة الأطفال في التعامل مع الشك
لمساعدة الأطفال في بناء القدرة على التحمل علينا أن نبيّن لهم أن بإمكاننا التعامل مع عدم اليقين الذي نواجهه نحن. اجعل هناك وقتا تُغلق فيه هاتفك تماما خلال الليل والنهار، واتركه في المنزل عمدا، واعمل على تعزيز ذلك ببطء.

إذا كان لديك شريك لا يتوقف عن النظر في هاتفه فشجّعه على مشاركتك، كونوا مثالا لعادات أسرية جديدة عند زيارة الآخرين، اجعل هناك أياما لا يستخدم فيها أطفالك هواتفهم. نحتاج جميعا أن نُثبت لأنفسنا أننا سنكون على ما يرام دون هواتفنا.
___________________________________________
مترجم عن: (ذا كونفرسيشن)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اهلا بك وتشرفنا بزيارتك وتعليقك الكريم
سنقوم بالرد على سؤالك فى خلال وقت قصير ان شاء الله
ويمكنك التواصل معنا على رقم الواتس
00966558187343
او زيارة صفحتنا على الفيس بوك https://www.facebook.com/LouaiHassan.HR
وترك تعليقك فى الخاص وسنقوم بمساعدتك فورا
مع اجمل التحيات والامنيات بحياة سعيدة مباركة

مشاركة مميزة

الابتكار التدميري (Disruptive Innovation) : محرك التغيير في عالم الأعمال

  مقدمة في عالم الأعمال اليوم، يتزايد الحديث عن الابتكار التدميري (Disruptive Innovation) كقوة محركة للتغيير والتحول في القطاعات المختلفة. ي...

الأكثر مشاهدة